الباحث القرآني
﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى﴾ و إيذانٌ بِأنَّ ما شَرَعَ لَهم صادِرٌ عَنْ كَمالِ العِلْمِ والحِكْمَةِ كَما أنَّ بَيانَ نِسْبَتِهِ إلى المَذْكُورِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَنْبِيهٌ عَلى كَوْنِهِ دِينًا قَدِيمًا أجْمَعَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ والخِطابُ لِأُمَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أيْ: شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا ومَن بَعْدَهُ مِن أرْبابِ الشَّرائِعِ وأُولِي العَزائِمِ مِن مَشاهِيرِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأمَرَهم بِهِ أمْرًا مُؤَكَّدًا عَلى أنَّ تَخْصِيصَهم بِالذِّكْرِ لِما ذُكِرَ مِن عُلُوِّ شَأْنِهِمْ ولِاسْتِمالَةِ قُلُوبِ الكَفَرَةِ إلَيْهِ لِاتِّفاقِ الكُلِّ عَلى نُبُوَّةِ بَعْضِهِمْ،وَتَفَرُّدِ اليَهُودِ في شَأْنِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وتَفَرُّدِ النَّصارى في حَقِّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وإلّا فَما مِن نَبِيٍّ إلّا وهو مَأْمُورٌ بِما أمَرَهُ بِهِ وهو عِبارَةٌ عَنِ التَّوْحِيدِ ودِينِ الإسْلامِ وما لا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأُمَمِ وتَبَدُّلِ الأعْصارِ مِن أُصُولِ الشَّرائِعِ والأحْكامِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ التَّوْصِيَةُ فَإنَّها مُعْرِبَةٌ عَنْ تَأْكِيدِ الأمْرِ والِاعْتِناءِ بِشَأْنِ المَأْمُورِ بِهِ، والمُرادُ بِإيحائِهِ إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، إمّا ما ذُكِرَ في صَدْرِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أوْحَيْنا﴾ الآيَةُ، أوْ ما يَعُمُّهُما وغَيْرَهُما مِمّا وقَعَ في سائِرِ المَواقِعِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ وغَيْرُ ذَلِكَ، والتَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِـ"الَّذِي" لِزِيادَةِ تَفْخِيمِ شَأْنِهِ مِن تِلْكَ الحَيْثِيَّةِ، وإيثارُ الإيحاءِ عَلى ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ مِنَ التَّوْصِيَةِ لِمُراعاةِ ما وقَعَ في الآياتِ المَذْكُورَةِ ولِما في الإيحاءِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِرِسالَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ القامِعِ لِإنْكارِ الكَفَرَةِ، والِالتِفاتُ إلى نُونِ العَظَمَةِ لِإظْهارِ كَمالِ الِاعْتِناءِ بِإيحائِهِ وهو السِّرُّ في تَقْدِيمِهِ عَلى ما بَعْدَهُ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ زَمانًا، وتَقْدِيمُ (p-26)تَوْصِيَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْمُسارَعَةِ إلى بَيانِ كَوْنِ المَشْرُوعِ لَهم دِينًا قَدِيمًا، وتَوْجِيهُ الخِطابِ إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ بِطَرِيقِ التَّلْوِينِ لِلتَّشْرِيفِ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ تَعالى شَرَعَهُ لَهم عَلى لِسانِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
﴿أنْ أقِيمُوا الدِّينَ﴾ أيْ: دِينَ الإسْلامِ الَّذِي هو تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعالى وطاعَتُهُ والإيمانُ بِكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وبِيَوْمِ الجَزاءِ وسائِرِ ما يَكُونُ الرَّجُلُ بِهِ مُؤْمِنًا، والمُرادُ: بِإقامَتِهِ تَعْدِيلُ أرْكانِهِ وحِفْظُهُ مِن أنْ يَقَعَ فِيهِ زَيْغٌ أوِ المُواظَبَةُ عَلَيْهِ والتَّشَمُّرُ لَهُ ومَحَلُّ "أنْ أقِيمُوا": إمّا النَّصْبُ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن مَفْعُولِ "شَرَعَ"، والمَعْطُوفَيْنِ عَلَيْها، أوِ الرَّفْعُ عَلى أنَّهُ جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ نَشَأ مِن إبْهامِ المَشْرُوعِ كَأنَّهُ قِيلَ: وما ذاكَ؟ فَقِيلَ: هو إقامَةُ الدِّينِ. وقِيلَ: بَدَلٌ مِن ضَمِيرِ "بِهِ" ولَيْسَ بِذاكَ لِما أنَّهُ مَعَ إفْضائِهِ إلى خُرُوجِهِ عَنْ حَيِّزِ الإيحاءِ إلى النَّبِيِّ ﷺ مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِ الخِطابِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ لِلْأنْبِياءِ المَذْكُورِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ وتَوْجِيهُ النَّهْيِ إلى أُمَمِهِمْ تَمَحُّلٌ ظاهِرٌ مَعَ أنَّ الأظْهَرَ أنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلى أُمَّتِهِ ﷺ وأنَّهُمُ المُتَفَرِّقُونَ كَما سَتُحِيطُ بِهِ خُبْرًا أيْ: لا تَتَفَرَّقُوا في الدِّينِ الَّذِي هو عِبارَةٌ عَمّا ذُكِرَ مِنَ الأُصُولِ دُونَ الفُرُوعِ المُخْتَلِفَةِ حَسَبَ اخْتِلافِ الأُمَمِ بِاخْتِلافِ الأعْصارِ كَما يَنْطِقُ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَبُرَ عَلى المُشْرِكِينَ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ أحْوالِ بَعْضِ مَن شَرَعَ لَهم ما شَرَعَ مِنَ الدِّينِ القَوِيمِ أيْ: عَظُمَ وشَقَّ عَلَيْهِمْ.
﴿ما تَدْعُوهم إلَيْهِ﴾ مِنَ التَّوْحِيدِ ورَفْضِ عِبادَةِ الأصْنامِ واسْتَبْعَدُوهُ حَيْثُ قالُوا: ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشاءُ﴾ اسْتِئْنافٌ وارِدٌ لِتَحْقِيقِ الحَقِّ، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ مِنهم مَن يُجِيبُ إلى الدَّعْوَةِ أيِ: اللَّهُ يَجْتَلِبُ إلى ما تَدْعُوهم إلَيْهِ مَن يَشاءُ أنْ يَجْتَبِيَهُ إلَيْهِ وهو مَن صَرَفَ اخْتِيارَهُ إلى ما دُعِيَ إلَيْهِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ أيْ: يُقْبِلُ إلَيْهِ حَيْثُ يَمُدُّهُ بِالتَّوْفِيقِ والألْطافِ.
{"ayah":"۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤۖ أَنۡ أَقِیمُوا۟ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِیهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِینَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَیۡهِۚ ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق