الباحث القرآني
﴿ثُمَّ بَعَثْنا﴾ أيْ أرْسَلْنا مِن بَعْدِهِ أيْ مِن بَعْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿رُسُلا﴾ أيْ كِرامًا ذَوَيْ عُذْرٍ كَثِيرٍ فالتَّنْكِيرُ لِلتَّفْخِيمِ والتَّكْثِيرِ ﴿إلى قَوْمِهِمْ﴾ قِيلَ: أيْ إلى أقْوامِهِمْ عَلى مَعْنى أرْسَلَنا كُلَّ رَسُولِ اللَّهِ إلى قَوْمٍ خاصَّةً مِثْلَ هُودٍ إلى عادٍ وصالِحٍ إلى ثَمُودَ وغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّنْ قَصَّ مِنهم ومَن لَمْ يَقُصَّ لا عَلى مَعْنى أرْسَلْنا كُلَّ رَسُولٍ مِنهم إلى أقْوامِ الكُلِّ أوْ إلى قَوْمٍ أيَّ قَوْمٍ كانُوا وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ عُمُومَ الرِّسالَةِ إلى البَشَرِ لَمْ يَثْبُتْ لِأحَدٍ مِن أُولَئِكَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ وظاهِرُ كَلامِهِمُ الإجْماعُ عَلى أنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِنَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَمْ يَثْبُتْ لِأحَدٍ مِمَّنْ أُرْسِلَ بَعْدَ نُوحٍ، واخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلامُ هَلْ بُعِثَ إلى أهْلِ الأرْضِ كافَّةً أوْ إلى أهْلِ (p-161)صَقْعٍ مِنها وعَلَيْهِ يُبْنى النَّظَرُ في الغَرَقِ هَلْ عَمَّ جَمِيعَ أهْلِ الأرْضِ أوْ كانَ لِبَعْضِهِمْ وهم أهْلُ دَعْوَتِهِ المُكَذِّبِينَ بِهِ كَما هو ظاهِرُ كَثِيرٍ مِنَ الآياتِ والأحادِيثِ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الرّاجِحُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ هو الثّانِي وكَثِيرٌ مِن أهْلِ الأرْضِ كَأهْلِ الصِّينِ وغَيْرِهِمْ يُنْكِرُونَ عُمُومَ الغَرَقِ، والأوَّلُ لا يُنافِي القَوْلَ بِاخْتِصاصِ عُمُومِ الرِّسالَةِ عَلى العُمُومِ المَشْهُورِ بَيْنَ الخُصُوصِ والعُمُومِ بِنَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأنَّها لِمَن بَعْدَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةُ.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ الغَرَقَ كانَ عامًّا مَعَ خُصُوصِ البَعْثَةِ ولا مانِعَ مِن أنْ يُهْلِكَ اللَّهُ تَعالى مَن لا جِنايَةَ لَهُ مَعَ مَن لَهُ جِنايَةٌ ولا اعْتِراضَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ فِيما ذَكَرَ إذْ هو تَصَرَّفَ في خالِصِ مُلْكِهِ لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ. وفي قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكم خاصَّةً﴾ نَوْعُ إشارَةٍ إلى ذَلِكَ نَعَمْ قَدْ ثَبَتَ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ عُمُومُ الرِّسالَةِ انْتِهاءً حَيْثُ لَمَّ يَبْقَ عَلى وجْهِ الأرْضِ بَعْدَ الطُّوفانِ سِوى مَن كانَ مَعَهُ وهم جَمِيعُ أهْلِ الأرْضِ إذْ ذاكَ فالفَرْقُ بَيْنَ رِسالَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ ورِسالَةِ نَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ظاهِرٌ فَإنَّ رِسالَةَ نَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عامَّةٌ ابْتِداءً وانْتِهاءً ورِسالَتُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عامَّةٌ انْتِهاءً لا ابْتِداءً ولا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ والأوْلى أنْ يُعْتَبَرَ في اخْتِصاصِ عُمُومِ رِسالَةِ نَبِيِّنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَوْنُها لِمَن بَعْدَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ فَإنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِأحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَبْلَ نُوحٍ وبَعْدَهُ مِمّا لا يُتَنازَعُ فِيهِ وهَذا كُلُّهُ إذا لَمْ يُلاحِظْ في العُمُومِ الجِنُّ وكَذا المَلائِكَةُ إذا لُوحِظَ كَما يُفِيدُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ فَأمْرُ الِاخْتِصاصِ أظْهَرُ وأظْهَرُ.
﴿فَجاءُوهُمْ﴾ أيْ فَأتى كُلُّ رَسُولِ قَوْمَهُ المَخْصُوصِينَ بِهِ ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ أيْ بِالمُعْجِزاتِ الواضِحَةِ الدّالَّةِ عَلى صِدْقِ ما يَقُولُونَ والباءُ إمّا مُتَعَلِّقَةٌ بِما عِنْدَما عَلى أنَّها لِلتَّعْدِيَةِ أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المَرْفُوعِ أيْ مُتَلَبِّسِينَ بِالبَيِّناتِ لَكِنْ لا بِأنْ يَأْتِيَ كُلُّ رَسُولٍ بِبَيِّنَةٍ فَقَطْ بَلْ بِأنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ أوْ بِبَيِّناتٍ كَثِيرَةٍ خاصَّةٍ بِهِ مُعَيَّنَةٍ لَهُ حَسَبَ اقْتِضاءِ الحِكْمَةِ وإلى نَفْيِ إرادَةِ الإتْيانِ بِبَيِّنَةٍ وإرادَةِ الإتْيانِ بِبَيِّناتٍ كَثِيرَةٍ ذَهَبَ شَيْخُ الإسْلامِ ثُمَّ قالَ: فَإنَّ مُراعاةَ انْقِسامِ الآحادِ عَلى الآحادِ إنَّما هي في ضَمِيرَيْ (جاءوهُمْ) كَما أُشِيرَ إلَيْهِ، ولَعَلَّ صَنِيعَنا أحْسَنُ مِن صَنِيعِهِ، ويُفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ أنَّ انْفِهامَ إرْسالِ كُلِّ رَسُولٍ إلى قَوْمِهِ مِن إضافَةِ القَوْمِ إلى ضَمِيرِ ﴿رُسُلا﴾ ولَيْسَ ذَلِكَ مِن مُقابَلَةِ الجَمْعِ بِالجَمْعِ المُقْتَضِي لِانْقِسامِ الآحادِ عَلى الآحادِ ولا شَكَّ أنَّ انْفِهامَ مَجِيءِ كُلِّ رَسُولٍ قَوْمَهُ المَخْصُوصِينَ بِهِ تابِعٌ لِذَلِكَ وبَعْدَ هَذا كُلِّهِ إذا اعْتَبِرَ مُقابَلَةُ الجَمْعِ بِالجَمْعِ في (جاءوهُمْ) بِالبَيِّناتِ وقِيلَ بِانْقِسامِ الآحادِ عَلى الآحادِ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَسُولٍ بَيِّنَةٌ جاءَ بِها كَما أنَّ باعَ القَوْمُ دَوابَّهم لا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ القَوْمِ دابَّةٌ واحِدَةٌ باعَها فَإنَّ مَعْناهُ باعَ كُلٌّ مِنَ القَوْمِ ما لَهُ مِنَ الدَّوابِّ وهو يَعُمُّ الدّابَّةَ الواحِدَةَ وغَيْرَها وهَذا بِخِلافِ رَكْبِ القَوْمِ دَوابَّهم فَإنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ إرادَةُ كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الدَّوابِّ لِاسْتِحالَةِ رُكُوبِ الشَّخْصِ دابَّتَيْنِ مَثَلًا وقَدْ نَصَّ العَلّامَةُ أبُو القاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيُّ في حَواشِيهِ عَلى المُطَوَّلِ أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ في مُقابَلَةِ الجَمْعِ بِالجَمْعِ انْقِسامُ الآحادِ عَلى الآحادِ بِمَعْنى أنْ يَكُونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِن أحَدِ الجَمْعَيْنِ واحِدٌ مِنَ الجَمْعِ الآخَرِ وهو ظاهِرٌ فِيما قُلْنا والمِعْوَلُ عَلَيْهِ في كَوْنِ الآيَةِ مِن قَبِيلِ المِثالِ الأوَّلِ أمْرٌ خارِجٌ فَإنَّ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الرَّسُولَ الواحِدَ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَدْ جاءَ قَوْمَهُ بِبَيِّناتٍ فَوْقَ الواحِدَةِ ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ بَيانٌ (p-162)لِاسْتِمْرارِ عَدَمِ إيمانِهِمْ في الزَّمانِ الماضِي أيْ فَما صَحَّ ولا اسْتَقامَ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ أنْ يُؤْمِنُوا لِشَدَّةِ شَكِيمَتِهِمْ ومَزِيدِ عِنادِهِمْ، وضَمِيرُ الجَمْعِ هُنا لِلْقَوْمِ المَبْعُوثِ إلَيْهِمْ وكَذا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِما كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾ والباءُ فِيهِ صِلَةُ يُؤْمِنُوا و(ما) مَوْصُولَةٌ والمُرادُ بِها جَمِيعُ الشَّرائِعِ الَّتِي جاءَ بِها كُلُّ رَسُولٍ أُصُولِها وفُرُوعِها والمُرادُ بِعَدَمِ إيمانِهِمْ بِها إصْرارُهم عَلى ذَلِكَ بَعْدَ اللتيا والَّتِي وبِتَكْذِيبِهِمْ مِن قَبْلِ تَكْذِيبِهِمْ مِن حِينَ مَجِيءِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إلى زَمانِ الإصْرارِ والعِنادِ وهَذا بِناءً عَلى أنَّ المَحْكِيَّ آخِرُ أحْوالِهِمْ حَسْبَما يُشِيرُ إلَيْهِ حِكايَةُ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ولَمْ يُجْعَلْ التَّكْذِيبُ مَقْصُودًا بِالذّاتِ كَما جُعِلَ عَدَمُ إيمانِهِمْ كَذَلِكَ إيذانًا بِأنَّهُ بَيِّنٌ في نَفْسِهِ غَنِيٌّ عَنِ البَيانِ وإنَّما المُحْتاجُ إلَيْهِ عَدَمُ إيمانِهِمْ بَعْدَ تَواتُرِ البَيِّناتِ وتَظاهُرِ المُعْجِزاتِ الَّتِي كانَتْ تَضْطَرُّهم إلى القَبُولِ لَوْ كانُوا مِن أهْلِ العُقُولِ وإذا كانَ المَحْكِيُّ جَمِيعَ أحْوالِ أُولَئِكَ الأقْوامِ فالمُرادُ بِهَدْمِ إيمانِهِمُ المُفادِ بِالنَّفْيِ السّابِقِ كُفْرُهُمُ المُسْتَمِرُّ مِن حِينِ مَجِيءِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إلى زَمانِ إصْرارِهِمْ وبِعَدَمِ إيمانِهِمُ المَفْهُومِ مِن جُمْلَةِ الصِّلَةِ كُفْرُهم قَبْلَ مَجِيءِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ويُرادُ حِينَئِذٍ مِنَ المَوْصُولِ أُصُولُ الشَّرائِعِ الَّتِي أجْمَعَتْ عَلَيْها الرُّسُلُ قاطِبَةً ودَعَوْا أُمَمَهم إلَيْها كالتَّوْحِيدِ ولَوازِمِهِ مِمّا يَسْتَحِيلُ تَبَدُّلُهُ وتَغَيُّرُهُ ومَعْنى تَكْذِيبِهِمْ بِذَلِكَ قَبْلَ مَجِيءِ رُسُلِهِمْ أنَّهم ما كانُوا أهْلَ جاهِلِيَّةٍ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوا بِذَلِكَ قَطُّ بَلْ كَأنَّ كُلَّ قَوْمٍ يَتَسامَعُونَ بِهِ مِن بَقايا مَن قَبْلَهم فَيُكَذِّبُونَهُ ثُمَّ كانَتْ حالُهم بَعْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ كَحالِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ كَأنْ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْهِمْ أحَدٌ وقِيلَ: المُرادُ أنَّهم لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالبَعْثَةِ وكانَتْ حالُهم بَعْدَ البَعْثَةِ كَحالِهِمْ قَبْلَها في كَوْنِهِمْ أهْلَ جاهِلِيَّةٍ والأوَّلُ أوْلى، وتَخْصِيصُ التَّكْذِيبِ وعَدَمُ الإيمانِ بِما ذَكَرَ مِنَ الأُصُولِ لِظُهُورِ حالِ الباقِي بِدَلالَةِ النَّصِّ فَإنَّهم حِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِما اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الكافَّةُ فَلِأنْ لا يُؤْمِنُوا بِما تَفَرَّدَ بِهِ البَعْضُ أوْلى، وعَدَمُ جَعْلِ هَذا التَّكْذِيبِ مَقْصُودًا بِالذّاتِ لِأنَّ ما عَلَيْهِ يَدُورُ أمْرُ العَذابِ عِنْدَ اجْتِماعِ التَّكْذِيبِيِّنَ هو التَّكْذِيبُ الواقِعُ بَعْدَ البَعْثَةِ والدَّعْوَةِ حَسْبَما يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ وإنَّما ذَكَرَ ما وقَعَ قَبْلُ بَيانًا لِعَراقَتِهِمْ في الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ وفَكَّكَ بَعْضُهم بَيْنَ الضَّمائِرِ فَقِيلَ: ضَمِيرُ ﴿كانُوا﴾ و(يُؤْمِنُوا) لِقَوْمِ الرُّسُلِ وضَمِيرُ ﴿كَذَّبُوا﴾ لِقَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْ ما كانَ قَوْمُ الرُّسُلِ لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ أيْ بِمِثْلِهِ والمُرادُ بِهِ ما بَعَثَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِإبْلاغِهِ.
وجُوِّزَ عَلى هَذا القَوْلِ أنْ يُرادَ بِالمَوْصُولِ نُوحٌ نَفْسُهُ أيْ ما كانَ قَوْمُ الرُّسُلِ لِيُؤْمِنُوا بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ لَوْ آمَنُوا بِهِ آمَنُوا بِأنْبِيائِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، ولا يَخْفى ما في ذَلِكَ، ومِنَ النّاسِ مَن جَعْلِ الباءِ سَبَبِيَّةً و(ما) مَصْدَرِيَّةً والمَعْنى كَذَّبُوا رُسُلَهم فَكانَ عِقابُهم مِنَ اللَّهِ تَعالى أنَّهم لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ مِن قَبْلُ وأيَّدَهُ بِالآيَةِ الآتِيَةِ، وفِيهِ مُخالَفَةُ الجُمْهُورِ مِن جَعْلِ (ما) المَصْدَرِيَّةِ اسْمًا كَما هو رَأْيُ الأخْفَشِ وابْنِ السَّرّاجِ لِيَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَيْها وفي إرْجاعِهِ إلى الحَقِّ بِادِّعاءِ كَوْنِهِ مَرْكُوزًا في الأذْهانِ ما لا يَخْفى مِنَ التَّعَسُّفِ وقِيلَ: (ما) مَوْصُوفَةٌ والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أيْضًا أوْ لِلْمُلابَسَةِ أيْ بِشَيْءٍ كَذَّبُوا بِهِ وهو العِنادُ والتَّمَرُّدُ وهو كَما تَرى.
﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّبْعِ المُحَكِّمِ ﴿نَطْبَعُ﴾ فالإشارَةُ عَلى حَدِّ ما قَرَّرَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ ونَظائِرُهُ مِمّا مَرَّ، وجَعْلُ الإشارَةِ إلى الإغْراقِ كَما فَعَلَ الخازِنُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، والطَّبْعُ يُطْلَقُ عَلى تَأْثِيرِ الشَّيْءِ بِنَقْشِ الطّابَعِ وعَلى الأثَرِ الحاصِلِ عَنِ النَّقْشِ والخَتْمُ مِثْلُهُ في ذَلِكَ عَلى ما ذَكَرَهُ الرّاغِبُ أيْضًا، وذَكَرَ أنَّهُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ بِصُورَةٍ ما كَطَبْعِ السِّكَّةِ وطَبْعِ الدَّراهِمِ وأنَّهُ أعَمُّ مِنَ الخَتْمِ وأخَصُّ مِنَ النَّقْشِ والأكْثَرُونَ عَلى تَفْسِيرِهِ بِالخَتْمِ مُرادًا بِهِ المَنعُ أيْ نَخْتِمُ (p-163)﴿عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ 74﴾ أيِ المُتَجاوِزِينَ عَنِ الحُدُودِ المَعْهُودَةِ في الكُفْرِ والعِنادِ ونَمْنَعُها لِذَلِكَ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ وسُلُوكِ سَبِيلِ الرَّشادِ وقَدْ جاءَ الطَّبْعُ بِمَعْنى الدَّنَسِ ومِنهُ طَبْعُ السَّيْفِ لِصَدَئِهِ ودَنَسِهِ وبَعْضُهم حَمَلَ ما في الآيَةِ عَلى ذَلِكَ، وفَسَّرَهُ المُعْتَزِلَةُ حَيْثُ وقَعَ مَنسُوبًا إلَيْهِ تَعالى بِالخِذْلانِ تَطْبِيقًا لَهُ عَلى مَذْهَبِهِمْ ومِن هُنا قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إنَّهُ جارٍ مَجْرى الكِنايَةِ عَنْ عِنادِهِمْ ولَجاجِهِمْ لِأنَّ مَن عانَدَ وثَبَتَ عَلى اللَّجاجِ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعالى ومَنَعَهُ التَّوْفِيقَ واللُّطْفَ فَلا يَزالُ كَذَلِكَ حَتّى يَتَراكَمَ الرَّيْنُ والطَّبْعُ عَلى قَلْبِهِ، ومُرادُهُ كَما قِيلَ أنْ ﴿نَطْبَعُ﴾ بِمَعْنى نَخْذُلَ عَلى سَبِيلِ الاسْتِعارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ لَكِنْ لَمّا كانَ الطَّبْعُ الَّذِي هو الخِذْلانُ تابِعًا لِعِنادِهِمْ ولَجاجِهِمْ لازِمًا لَهُما أُجْرِي مَجْرى الكِنايَةِ عَنْهُما وقُرِئَ (يَطْبَعُ) بِالياءِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى
{"ayah":"ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَاۤءُوهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَمَا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوا۟ بِمَا كَذَّبُوا۟ بِهِۦ مِن قَبۡلُۚ كَذَ ٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق