الباحث القرآني

ولَمّا لَمْ يَكُنْ في قَصَصِ مَن بَيْنَهُ وبَيْنَ مُوسى عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِمّا يُناسِبُ (p-١٦٧)مَقْصُودَ هَذِهِ السُّورَةِ إلّا ما شارَكُوا فِيهِ قَوْمَ نُوحٍ مِن أنَّهم لَمْ تَنْفَعِ الآياتُ مَن أُرِيدَتْ شَقاوَتُهُ مِنهُمْ، ذَكَرَهُ سُبْحانَهُ طاوِيًا لِما عَداهُ فَقالَ تَعالى: ﴿ثُمَّ﴾ أيْ: بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ﴿بَعَثْنا﴾ أيْ: عَلى عَظَمَتِنا؛ ولَمّا كانَ البَعْثُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ زَمانَ البُعْدِ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ: [قَوْمِ] نُوحٍ ﴿رُسُلا﴾ كَهُودٍ وصالِحٍ وإبْراهِيمَ ولُوطٍ وشُعَيْبٍ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ولَمّا كانَ رُبَّما ظُنَّ أنَّ قَوْمَ الإنْسانِ لا يُكَذِّبُونَهُ، وإنْ كَذَّبُوهُ لَمْ يَتَمادَوْا عَلى التَّكْذِيبِ لا سِيَّما إنْ أتاهم بِما يَقْتَرِحُونَهُ مِنَ الخَوارِقِ قالَ: ﴿إلى قَوْمِهِمْ﴾ أيْ: فَفاجَأهم قَوْمُهم بِالتَّكْذِيبِ ﴿فَجاءُوهُمْ﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنِ اسْتِنادِهِمْ إلى عَظَمَتِنا أنْ جاؤُوهم ﴿بِالبَيِّناتِ﴾ لِيَزُولَ تَكْذِيبُهم فَيُؤْمِنُوا ﴿فَما﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ ضِدُّ ما أُمِرُوا بِهِ وقامَتْ دَلائِلُهُ وهو أنَّهم ما ﴿كانُوا﴾ أيْ: بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ الكَوْنِ ﴿لِيُؤْمِنُوا﴾ أيْ: مُقِرِّينَ ﴿بِما كَذَّبُوا﴾ أيْ: مُسْتَهِينِينَ ﴿بِهِ﴾ أوَّلَ ما جاءُوهم. ولَمّا كانَ تَكْذِيبُهم في بَعْضِ الزَّمَنِ الماضِي، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلُ﴾ أيْ: قَبْلَ مَجِيءِ البَيِّناتِ لِأنّا طَبَعْنا عَلى قُلُوبِهِمْ؛ قالَ أبُو حَيّانَ: وجاءَ النَّفْيُ مَصْحُوبًا بِلامِ الجُحُودِ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ إيمانَهم في حَيِّزِ الِاسْتِحالَةِ والِامْتِناعِ - انْتَهى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مِن قَبْلِ مَجِيءِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ، ويَكُونُ التَّكْذِيبُ أُسْنِدَ إلَيْهِمْ لِأنَّ آباءَهم كَذَّبُوا لَمّا بَدَّلُوا ما كانَ عِنْدَهم مِنَ الدِّينِ الصَّحِيحِ (p-١٦٨)الَّذِي أتَتْهم بِهِ الرُّسُلُ ورَضُوا هم بِما أحْدَثَ آباؤُهُمُ اسْتِحْسانًا لَهُ، أوْ لِأنَّهُ كانَ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ بَقايا عَلى بَقايا مِمّا شَرَعَتْهُ الرُّسُلُ فَكانُوا يَعِظُونَهم فِيما يَبْتَدِعُونَ فَلا يَعُونَ ولا يَسْمَعُونَ كَما كانَ قُسُّ بْنُ ساعِدَةَ وزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ووَرَقَةُ [بْنُ نَوْفَلٍ] وغَيْرُهم قَبْلَ بَعْثِ النَّبِيِّ ﷺ، لَكِنَّ المَعْنى الأوَّلَ أوْلى - واللَّهُ أعْلَمُ. ولَمّا قَرَّرَ عَدَمَ انْتِفاعِهِمْ بِالآياتِ، بَنى ما يَلِيهِ عَلى سُؤالِهِ مِن لَعَلَّهُ يَقُولُ: هَلِ اسْتَمَرَّ الخَلْقُ فِيمَن بَعْدَهُمْ؟ فَكَأنَّهُ قِيلَ: نَعَمْ! ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلَ ما طَبَعْنا عَلى قُلُوبِهِمْ هَذا الطَّبْعَ العَظِيمَ ﴿نَطْبَعُ﴾ أيْ: نُوجِدُ الطَّبْعَ ونُجَدِّدُهُ مَتى شِئْنا بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿عَلى قُلُوبِ المُعْتَدِينَ﴾ في كُلِّ زَمَنٍ لِكُلِّ مَن تَعَمَّدَ العَدْوَ فِيما لا يَحِلُّ لَهُ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب