الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾.
قَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ ”الكَهْفِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْها﴾ الآيَةَ [الرعد: ٥٧] الآياتُ المُوَضَّحَةُ نَتائِجَ الإعْراضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى الوَخِيمَةِ. فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا. وقَدْ قَدَّمْنا هُناكَ أنَّ مِنها المَعِيشَةَ الضَّنْكَ. واعْلَمْ (p-١٢٦)أنَّ الضَّنْكَ في اللُّغَةِ: الضِّيقُ. ومِنهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
؎إنْ يَلْحَقُوا أكْرُرْ وإنْ يَسْتَلْحِمُوا أشْدُدْ ∗∗∗ وإنْ يُلْفَوْا بِضَنْكٍ أنْزِلُ
وَقَوْلُهُ أيْضًا:
؎إنَّ المَنِيَّةَ لَوْ تُمَثَّلُ مُثِّلَتْ ∗∗∗ مِثْلِي إذا نَزَلُوا بِضَنْكِ المَنزِلِ
وَأصْلُ الضَّنْكِ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ المُذَكَّرُ، والمُؤَنَّثُ، والمُفْرَدُ، والجَمْعُ. وبِهِ تَعْلَمُ أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ أيْ: عَيْشًا ضَيِّقًا، والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُرادِ بِهَذا العَيْشِ الضَّيِّقِ عَلى أقْوالٍ مُتَقارِبَةٍ، لا يُكَذِّبُ بَعْضُها بَعْضًا. وقَدْ قَدَّمْنا مِرارًا: أنَّ الأوْلى في مِثْلِ ذَلِكَ شُمُولَ الآيَةِ لِجَمِيعِ الأقْوالِ المَذْكُورَةِ. ومِنَ الأقْوالِ في ذَلِكَ: أنَّ مَعْنى ذَلِكَ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ مَعَ الدِّينِ التَّسْلِيمَ، والقَناعَةَ، والتَّوَكُّلَ عَلى اللَّهِ، والرِّضا بِقِسْمَتِهِ فَصاحِبُهُ يُنْفِقُ مِمّا رَزَقَهُ اللَّهُ بِسَماحٍ وسُهُولَةٍ، فَيَعِيشُ عَيْشًا هَنِيئًا. ومِمّا يَدُلُّ عَلى هَذا المَعْنى مِنَ القُرْآنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً﴾ الآيَةَ [النحل: ٩٧] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكم مَتاعًا حَسَنًا إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ الآيَةَ [هود: ٣] كَما تَقَدَّمَ إيضاحُ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَأمّا المُعْرِضُ عَنِ الدِّينِ فَإنَّهُ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الحِرْصُ الَّذِي لا يَزالُ يَطْمَحُ بِهِ إلى الِازْدِيادِ مِنَ الدُّنْيا مُسَلِّطٌ عَلَيْهِ الشُّحَّ الَّذِي يَقْبِضُ يَدَهُ عَنِ الإنْفاقِ، فَعَيْشُهُ ضَنْكٌ، وحالُهُ مُظْلِمَةٌ. ومِنَ الكَفَرَةِ مَن ضَرَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الذِّلَّةَ، والمَسْكَنَةَ بِسَبَبِ كُفْرِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ الآياتِ [البقرة: ٦١] . وذَلِكَ مِنَ العَيْشِ الضَّنْكِ بِسَبَبِ الإعْراضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وبَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّهم لَوْ تَرَكُوا الإعْراضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَأطاعُوهُ تَعالى أنَّ عَيْشَهم يَصِيرُ واسِعًا رَغْدًا لا ضَنْكًا،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّهم أقامُوا التَّوْراةَ والإنْجِيلَ وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِن رَبِّهِمْ لَأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أرْجُلِهِمْ﴾ الآيَةَ [المائدة: ٦٦]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٩٦]
• وكَقَوْلِهِ تَعالى عَنْ نُوحٍ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ ﴿يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا﴾ ﴿وَيُمْدِدْكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ﴾ ﴿وَيَجْعَلْ لَكم جَنّاتٍ ويَجْعَلْ لَكم أنْهارًا﴾ [نوح: ١٠ - ١٢]،
• وقَوْلِهِ تَعالى عَنْ هُودٍ: ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا ويَزِدْكم قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ﴾ الآيَةَ [هود: ٥٢] (p-١٢٧)
• وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لَأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهم فِيهِ﴾ الآيَةَ [الجن: ١٦ - ١٧]
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَعَنِ الحَسَنِ أنَّ المَعِيشَةَ الضَّنْكَ: هي طَعامُ الضَّرِيعِ، والزَّقُّومِ يَوْمَ القِيامَةِ وذَلِكَ مَذْكُورٌ في آياتٍ مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى، كَقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ لَهم طَعامٌ إلّا مِن ضَرِيعٍ﴾ الآيَةَ [الغاشية: ٦] وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الأثِيمِ﴾ الآيَةَ [الدخان: ٤٣ - ٤٤] ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وعَنْ عِكْرِمَةَ، والضَّحّاكِ ومالِكِ بْنِ دِينارٍ: المَعِيشَةُ الضَّنْكُ: الكَسْبُ الحَرامُ، والعَمَلُ السَّيِّئُ. وعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وأبِي هُرَيْرَةَ: المَعِيشَةُ الضَّنْكُ: عَذابُ القَبْرِ وضَغْطَتُهُ. وقَدْ أشارَ تَعالى إلى فِتْنَةِ القَبْرِ وعَذابِهِ في قَوْلِهِ ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧]، .
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: قَدْ جاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ المَعِيشَةَ الضَّنْكَ في الآيَةِ: عَذابُ القَبْرِ. وبَعْضُ طُرُقِهِ بِإسْنادٍ جَيِّدٍ كَما قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ. ولا يُنافِي ذَلِكَ شُمُولُ المَعِيشَةِ الضَّنْكِ لِمَعِيشَتِهِ في الدُّنْيا. وطَعامِ الضَّرِيعِ، والزَّقُّومِ. فَتَكُونُ مَعِيشَتَهُ ضَنْكًا في الدُّنْيا، والبَرْزَخِ، والآخِرَةِ، والعِياذُ بِاللَّهِ تَعالى.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾ .
ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ مَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ يَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ في حالِ كَوْنِهِ أعْمى. قالَ مُجاهِدٌ، وأبُو صالِحٍ، والسُّدِّيُّ: أعْمى أيْ: لا حُجَّةَ لَهُ. وقالَ عِكْرِمَةُ: عَمِيَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ إلّا جَهَنَّمَ. وقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ: أنَّ مِن أنْواعِ البَيانِ الَّتِي تَضَمَّنَها أنْ يَقُولَ بَعْضُ العُلَماءِ في الآيَةِ قَوْلًا، ويَكُونُ في نَفْسِ الآيَةِ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلى خِلافِ ذَلِكَ القَوْلِ. وقَدْ ذَكَرْنا أمْثِلَةً مُتَعَدِّدَةً لِذَلِكَ. فَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ قَرِينَةً دالَّةً عَلى خِلافِ قَوْلِ مُجاهِدٍ وأبِي صالِحٍ، وعِكْرِمَةَ. وأنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ أعْمى أيْ: أعْمى البَصَرِ لا يَرى شَيْئًا. والقَرِينَةُ المَذْكُورَةُ هي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ [طه: ١٢٥]، فَصَرَّحَ بِأنَّ عَماهُ هو العَمى المُقابِلُ لِلْبَصَرِ وهو بَصَرُ العَيْنِ، لِأنَّ الكافِرَ كانَ في الدُّنْيا أعْمى القَلْبِ كَما دَلَّتْ عَلى ذَلِكَ آياتٌ كَثِيرَةٌ مِن كِتابِ اللَّهِ، وقَدْ زادَ جَلَّ وعَلا في سُورَةِ ”بَنِي إسْرائِيلَ“ أنَّهُ مَعَ ذَلِكَ العَمى يُحْشَرُ أصَمَّ أبْكَمَ أيْضًا، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: (p-١٢٨)﴿وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهم أوْلِياءَ مِن دُونِهِ ونَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا مَأْواهم جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهم سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧] .
* * *
* تَنْبِيهٌ
فِي آيَةِ ”طه“ هَذِهِ وآيَةِ ”الإسْراءِ“ المَذْكُورَتَيْنِ إشْكالٌ مَعْرُوفٌ. وهو أنْ يُقالَ: إنَّهُما قَدْ دَلَّتا عَلى أنَّ الكافِرَ يُحْشَرُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى، وزادَتْ آيَةُ ”الإسْراءِ“ أنَّهُ يُحْشَرُ أبْكَمَ أصَمَّ أيْضًا، مَعَ أنَّهُ دَلَّتْ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ عَلى أنَّ الكُفّارَ يَوْمَ القِيامَةِ يُبْصِرُونَ ويَسْمَعُونَ ويَتَكَلَّمُونَ.
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أسْمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا﴾ الآيَةَ [مريم: ٣٨]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَرَأى المُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أنَّهم مُواقِعُوها﴾ الآيَةَ [الكهف: ٥٣]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا﴾ الآيَةَ [السجدة: ١٢]
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وقَدْ ذَكَرْنا في كِتابِنا (دَفْعِ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ) الجَوابَ عَنْ هَذا الإشْكالِ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: واسْتَظْهَرَهُ أبُو حَيّانَ أنَّ المُرادَ بِما ذُكِرَ مِنَ العَمى، والصَّمَمِ، والبَكَمِ حَقِيقَتُهُ. ويَكُونُ ذَلِكَ في مَبْدَأِ الأمْرِ ثُمَّ يَرُدُّ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِمْ أبْصارَهم ونُطْقَهم وسَمْعَهم فَيَرَوْنَ النّارَ ويَسْمَعُونَ زَفِيرَها، ويَنْطِقُونَ بِما حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهم في غَيْرِ مَوْضِعٍ. الوَجْهُ الثّانِي: أنَّهم لا يَرَوْنَ شَيْئًا يَسُرُّهم، ولا يَسْمَعُونَ كَذَلِكَ، ولا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ، كَما أنَّهم كانُوا في الدُّنْيا لا يَسْتَبْصِرُونَ، ولا يَنْطِقُونَ بِالحَقِّ، ولا يَسْمَعُونَهُ. وأخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ورُوِيَ أيْضًا عَنِ الحَسْنِ كَما ذَكَرَهُ الألُوسِيُّ، وغَيْرُهُ. وعَلى هَذا القَوْلِ فَقَدْ نَزَلَ ما يَقُولُونَهُ ويَسْمَعُونَهُ ويُبْصِرُونَهُ مَنزِلَةَ العَدَمِ لِعَدَمِ الِانْتِفاعِ بِهِ. كَما أوْضَحْنا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ. ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ لا شَيْءَ عَلى ما لا نَفْعَ فِيهِ. ألا تَرى أنَّ اللَّهَ يَقُولُ في المُنافِقِينَ: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٨] مَعَ أنَّهُ يَقُولُ فِيهِمْ: ﴿فَإذا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكم بِألْسِنَةٍ حِدادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩]، ويَقُولُ فِيهِمْ: ﴿وَإنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: ٤]، أيْ: لِفَصاحَتِهِمْ وحَلاوَةِ ألْسِنَتِهِمْ. ويَقُولُ فِيهِمْ: ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصارِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٠]، وما ذَلِكَ إلّا لِأنَّ الكَلامَ ونَحْوَهُ الَّذِي لا فائِدَةَ فِيهِ كَلا شَيْءٍ: فَيَصْدُقُ عَلى صاحِبِهِ أنَّهُ أعْمى وأصَمُّ وأبْكَمُ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ قَعْنَبِ بْنِ أُمِّ صاحِبٍ:
؎صُمٌّ إذا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ وإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهم أذِنُوا
(p-١٢٩)وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎أصَمُّ عَنِ الأمْرِ الَّذِي لا أُرِيدُهُ ∗∗∗ وأسْمَعُ خَلْقِ اللَّهِ حِينَ أُرِيدُ
وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎قُلْ ما بَدا لَكَ مِن زُورٍ ومِن كَذِبِ ∗∗∗ حِلْمِي أصَمُّ وأُذْنِي غَيْرُ صَمّاءَ
وَنَظائِرُ هَذا كَثِيرَةٌ في كَلامِ العَرَبِ مِن إطْلاقِ الصَّمَمِ عَلى السَّماعِ الَّذِي لا فائِدَةَ فِيهِ. وكَذَلِكَ الكَلامُ الَّذِي لا فائِدَةَ فِيهِ، والرُّؤْيَةُ الَّتِي لا فائِدَةَ فِيها.
الوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّ اللَّهَ إذا قالَ لَهم: ﴿اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] وقَعَ بِهِمْ ذَلِكَ العَمى، والصَّمَمُ، والبَكَمُ مِن شِدَّةِ الكَرْبِ، واليَأْسِ مِنَ الفَرَجِ، قالَ تَعالى: ﴿وَوَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهم لا يَنْطِقُونَ﴾ [النمل: ٨٥]، وعَلى هَذا القَوْلِ تَكُونُ الأحْوالُ الخَمْسَةُ مُقَدَّرَةً، أعْنِي قَوْلَهُ في ”طه“: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾ [طه: ١٢٥]، وقَوْلُهُ فِيها: ﴿لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى﴾ وقَوْلُهُ في " الإسْراءِ: ﴿وَنَحْشُرُهم يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا﴾ [الإسراء: ٩٧]، وأظْهَرُها عِنْدِي الأوَّلُ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسى﴾ [طه: ١٢٦] مِنَ النِّسْيانِ بِمَعْنى التَّرْكِ عَمْدًا كَما قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لَهُ في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ . [طه: ١١٥] .
{"ayah":"وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق