الباحث القرآني
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
وابْنِ أوْ أعْرِبْ ما كَإذْ قَدْ أُجْرِيا واخْتَرْ بِنا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيا
وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْرَبٍ أوْ مُبْتَدا ∗∗∗ أعْرِبْ ومَن بَنى فَلَنْ يُفَنَّدا
والأحْوالُ في مِثْلِ هَذا أرْبَعَةٌ: الأوَّلُ أنْ يُضافَ الظَّرْفُ المَذْكُورُ إلى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُها مَبْنِيٌّ بِناءً أصْلِيًّا وهو الماضِي؛ كَقَوْلِ نابِغَةَ ذُبْيانَ:عَلى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ عَلى الصِّبا ∗∗∗ فَقُلْتُ ألَمّا أصْحُ والشَّيْبُ وازِعُ
فَبِناءُ الظَّرْفِ في مِثْلِ ذَلِكَ أجْوَدُ، وإعْرابُهُ جائِزٌ.لَأجْتَذِبَنَّ مِنهُنَّ قَلْبِي تَحَلُّمًا ∗∗∗ عَلى حِينَ يَسْتَصْبِينَ كُلَّ حَلِيمِ
وَحُكْمُ هَذا كَما قَبْلَهُ.إذا قُلْتُ هَذا حِينَ أسْلُو يَهِيجُنِي ∗∗∗ نَسِيمُ الصَّبا مِن حَيْثُ يَطَّلِعُ الفَجْرُ
فَإعْرابُ مِثْلِ هَذا أجْوَدُ، وبِناؤُهُ جائِزٌ.ألَمْ تَعْلَمِي يا عَمْرَكِ اللَّهَ أنَّنِي ∗∗∗ كَرِيمٌ عَلى حِينِ الكِرامِ قَلِيلُ
وَقَوْلُ الآخَرِ:تَذَكَّرَ ما تَذَكَّرَ مِن سُلَيْمى ∗∗∗ عَلى حِينِ التَّواصُلُ غَيْرُ دانِ
وَحُكْمُ هَذا كَما قَبْلَهُ، واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الأوْجُهَ إنَّما هي في الظَّرْفِ المُبْهَمِ الماضِي، وأمّا إنْ كانَ الظَّرْفُ المُبْهَمُ مُسْتَقْبَلَ المَعْنى، كَقَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ﴾، فَإنَّهُ لا يُضافُ إلّا إلى الجُمَلِ الفِعْلِيَّةِ دُونَ الِاسْمِيَّةِ، فَتَكُونُ فِيهِ الأوْجُهُ الثَّلاثَةُ المَذْكُورَةُ دُونَ الرّابِعِ، وأجازَ ابْنُ مالِكٍ إضافَتَهُ إلى الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ بِقِلَّةٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٣]، وقَوْلِ سَوادِ بْنِ قارِبٍ:وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لا ذُو شَفاعَةٍ ∗∗∗ بِمُغْنٍ فَتِيلًا عَنْ سَوادِ بْنِ قارِبٍ
لِأنَّ الظَّرْفَ في الآيَةِ والبَيْتِ المَذْكُورَيْنِ مُسْتَقْبَلٌ لا ماضٍ، وقَوْلُـهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾، قالَ أبُو حَيّانَ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى كَوْنِهِ مِنَ الشُّهَداءِ، لِقَوْلِهِ تَعالى فِيهِمْ: ﴿بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] .إنْ يَسْكُنِ السّابِقُ مِن واوٍ ويا
البَيْتَيْنِ المُتَقَدِّمَيْنِ آنِفًا، وأصْلُهُ مِنَ السَّوادِ وهو الخَلْقُ الكَثِيرُ، فالسَّيِّدُ مَن يُطِيعُهُ، ويَتَّبِعُهُ سَوادٌ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّ عَيْنَ المادَّةِ واوٌ أنَّكَ تَقُولُ فِيهِ: سادَ يَسُودُ بِالواوِ، وتَقُولُ سَوَّدُوهُ إذا جَعَلُوهُ سَيِّدًا، والتَّضْعِيفُ يَرُدُّ العَيْنَ إلى أصْلِها، ومِنهُ قَوْلُ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ العامِرِيِّ:وَإنِّي وإنْ كُنْتُ ابْنَ سَيِّدِ عامِرٍ ∗∗∗ وفارِسَها المَشْهُورَ في كُلِّ مَوْكِبِ
فَما سَوَّدَتْنِي عامِرٌ عَنْ وِراثَةٍ ∗∗∗ أبى اللَّهُ أنْ أسَمْوَ بِأُمٍّ ولا أبِ
وَقالَ الآخَرُ:وَإنَّ بِقَوْمٍ سَوَّدُوكَ لِحاجَةٍ ∗∗∗ إلى سَيِّدٍ لَوْ يَظْفَرُونَ بِسَيِّدِ
وَشُهْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ تَكْفِي عَنْ بَيانِهِ، والآيَةُ فِيها دَلِيلٌ عَلى إطْلاقِ السَّيِّدِ عَلى مَن سادَ مِنَ النّاسِ، وقَدْ جاءَ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ في الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما «إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ» الحَدِيثَ، وأنَّهُ ﷺ: لَمّا جاءَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْحُكْمِ في بَنِي قُرَيْظَةَ قالَ ﷺ: «قُومُوا لِسَيِّدِكم» والتَّحْقِيقُ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَحَصُورًا﴾ [آل عمران: ٣٩]، أنَّهُ الَّذِي حَصَرَ نَفْسَهُ عَنِ النِّساءِ مَعَ القُدْرَةِ عَلى إتْيانِهِنَّ تَبَتُّلًا مِنهُ، وانْقِطاعًا لِعِبادَةِ اللَّهِ، وكانَ ذَلِكَ جائِزًا في شَرْعِهِ، وأمّا سُنَّةُ النَّبِيِّ ﷺ فَهي التَّزْوِيجُ وعَدَمُ التَّبَتُّلِ، أمّا قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ الحَصُورَ فَعُولٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، وأنَّهُ مَحْصُورٌ عَنِ النِّساءِ؛ لِأنَّهُ عِنِّينٌ لا يَقْدِرُ عَلى إتْيانِهِنَّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأنَّ العُنَّةَ عَيْبٌ ونَقْصٌ في الرِّجالِ، ولَيْسَتْ مِن فِعْلِهِ حَتّى يُثْنى عَلَيْهِ بِها، فالصَّوابُ إنْ شاءَ اللَّهُ هو ما ذَكَرْنا، واخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ العُلَماءِ، وقَوْلُ مَن قالَ: إنَّ الحَصُورَ هو الَّذِي لا يَدْخُلُ مَعَ القَوْمِ في المَيْسِرِ كَما قالَ الأخْطَلُ:وَشارِبٍ مُرْبِحٍ بِالكَأْسِ نادَمَنِي ∗∗∗ لا بِالحَصُورِ ولا فِيها بِسَوّارِ
قَوْلٌ لَيْسَ بِالصَّوابِ في مَعْنى الآيَةِ، بَلْ مَعْناها هو ما ذَكَرْنا وإنْ كانَ إطْلاقُ الحَصُورِ عَلى ذَلِكَ صَحِيحًا لُغَةً، وقَوْلُهُ: ”وَنَبِيئًا“ عَلى قِراءَةِ نافِعٍ بِالهَمْزَةِ مَعْناهُ واضِحٌ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، مِنَ النَّبَأِ وهو الخَبَرُ الَّذِي لَهُ شَأْنٌ؛ لِأنَّ الوَحْيَ خَبَرٌ لَهُ شَأْنٌ يُخْبِرُهُ اللَّهُ بِهِ، وعَلى قِراءَةٍ: بِالياءِ المُشَدَّدَةِ، فَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: مَعْناهُ كَمَعْنى قِراءَةِ نافِعٍ، إلّا أنَّ الهَمْزَةَ أُبْدِلَتْ ياءً وأُدْغِمَتْ فِيها، لِلْياءِ الَّتِي قَبْلَها، وعَلى هَذا فَهو كالقِراءَتَيْنِ السَّبْعِيَّتَيْنِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ﴾ [التوبة: ٣٧]، بِالهَمْزَةِ وتَشْدِيدِ الياءِ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: هو عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ مِنَ النَّبْوَةِ بِمَعْنى الِارْتِفاعِ لِرِفْعَةِ النَّبِيِّ وشَرَفِهِ. والصّالِحُونَ: هُمُ الَّذِينَ صَلَحَتْ عَقائِدُهم، وأعْمالُهم، وأقْوالُهم، ونِيّاتُهم، والصَّلاحُ ضِدُّ الفَسادِ، وقَدْ وصَفَ اللَّهُ تَعالى يَحْيى بِالصَّلاحِ مَعَ مَن وصَفَ بِذَلِكَ مِنَ الأنْبِياءِ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“ في قَوْلِهِ: ﴿وَزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى وإلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [الأنعام: ٨٥] .