الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ الآياتِ.
أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والزَّجّاجِيُّ في ”أمالَيْهِ“، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ” مِن طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وحَنانًا﴾ قالَ: لا أدْرِي ما هو إلّا أنِّي أظُنُّهُ تَعَطُّفَ اللَّهِ عَلى عَبْدِهِ بِالرَّحْمَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: سَألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وحَنانًا﴾ فَلَمْ يُحِرْ فِيها شَيْئًا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ (p-٢٤)عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: رَحْمَةً مِن عِنْدِنا.
وأخْرَجَ الطَّسْتِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ نافِعَ بْنَ الأزْرَقِ قالَ لَهُ: أخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: رَحْمَةً مِن عِنْدِنا، قالَ: وهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أما سَمِعْتَ طَرَفَةَ بْنَ العَبْدِ وهو يَقُولُ:
؎أبا مُنْذِرٍ أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا حَنانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أهْوَنُ مِن بَعْضِ
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: تَعَطُّفا مِن رَبِّهِ عَلَيْهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: الرَّحْمَةُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الرَّبِيعِ ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: رَحْمَةً مِن عِنْدِنا لا يَمْلِكُ عَطاءَها أحَدٌ غَيْرُنا.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: الحَنانُ المُحَبَّبُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ ﴿وحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ: رَحْمَةً مِن عِنْدِنا ﴿وزَكاةً﴾ قالَ: صَدَقَةً.
(p-٢٥)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وزَكاةً﴾ قالَ: بَرَكَةً، وفي قَوْلِهِ: ﴿وكانَ تَقِيًّا﴾ قالَ: طَهُرَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِذَنْبٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وكانَ تَقِيًّا﴾ قالَ: لَمْ يَعْمَلْ بِمَعْصِيَةٍ ولَمْ يَهُمَّ بِها.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَمْ يَكُنْ جَبّارًا عَصِيًّا﴾ قالَ: كانَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ يَقُولُ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ما مِن أحَدٍ يَلْقى اللَّهَ يَوْمَ القِيامَةِ إلّا ذا ذَنْبٍ إلّا يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا» . قالَ قَتادَةُ: وقالَ الحَسَنُ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ «ما أذْنَبَ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا ذَنْبًا قَطُّ، ولا هَمَّ بِامْرَأةٍ» .
وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا﴾ [مريم: ٢] قالَ: ذَكَرَهُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنهُ حَيْثُ دَعاهُ ﴿إذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣] يَعْنِي دَعا رَبَّهُ دُعاءً خَفِيًّا في اللَّيْلِ لا يُسْمِعُ أحَدًا، أوْ يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ، فَقالَ: ﴿رَبِّ إنِّي وهَنَ﴾ [مريم: ٤] يَعْنِي ضَعُفَ العَظْمُ مِنِّي ﴿واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: ٤] يَعْنِي غَلَبَ البَياضُ السَّوادَ ﴿ولَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: ٤] أيْ لَمْ أدْعُكَ قَطُّ فَخَيَّبْتَنِي فِيما مَضى، (p-٢٦)فَتُخَيِّبُنِي فِيما بَقِيَ، فَكَما لَمْ أشْقَ بِدُعائِي فِيما مَضى فَكَذَلِكَ لا أشْقى فِيما بَقِيَ، عَوَّدْتَنِي الإجابَةَ مِن نَفْسِكَ، ﴿وإنِّي خِفْتُ المَوالِيَ مِن ورائِي﴾ [مريم: ٥] فَلَمْ يَبْقَ لِي وارِثٌ وخِفْتُ العَصَبَةَ أنْ تَرِثَنِي ﴿فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا﴾ [مريم: ٥] يَعْنِي مِن عِنْدِكَ ولَدًا ﴿يَرِثُنِي﴾ [مريم: ٦] يَعْنِي يَرِثُ مِحْرابِي وعَصايَ وبُرْنُسَ القُرْبانِ وقَلَمِي الَّذِي أكْتُبُ بِهِ الوَحْيَ ﴿ويَرِثُ مِن آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] النُّبُوَّةَ ﴿واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: ٦] يَعْنِي مَرْضِيًّا عِنْدَكَ زاكِيًا بِالعَمَلِ. فاسْتَجابَ اللَّهُ لَهُ، كانَ قَدْ دَخَلَ في السِّنِّ هو وامْرَأتُهُ، فَبَيْنا هو قائِمٌ يُصَلِّي في المِحْرابِ حَيْثُ يُذْبَحُ القُرْبانُ إذا هو بِرَجُلٍ عَلَيْهِ البَياضُ حِيالَهُ، وهو جِبْرِيلُ فَقالَ: يا زَكَرِيّا إنَّ اللَّهَ نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى، واسْمُ يَحْيى هو اسْمٌ مِنِ أسْماءِ اللَّهِ، اشْتُقَّ مِن“ يا حَيُّ ”سَمّاهُ اللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٧] لَمْ يَجْعَلْ لِزَكَرِيّا مِن قَبْلِ يَحْيى ولَدًا- نَظِيرُها: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] [ مَرْيَمَ: ٦٥ ] يَعْنِي: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ ولَدًا- ولَمْ يَكُنْ لِزَكَرِيّا قَبْلَهُ ولَدٌ، ولَمْ يَكُنْ قَبْلَ يَحْيى أحَدٌ يُسَمّى يَحْيى. قالَ: وكانَ اسْمُهُ حَيَّ، فَلَمّا وهَبَ اللَّهُ لِسارَّةَ إسْحاقَ، فَكانَ اسْمُها يَسارَّةَ، ويَسارَّةُ مِنَ النِّساءِ الَّتِي لا تَلِدُ، وسارَّةُ مِنَ النِّساءِ: الطّالِقَةُ الرَّحِمِ الَّتِي تَلِدُ، فَسَمّاها اللَّهُ سارَّةَ، وحَوَّلَ الياءَ مِن يَسارَّةَ إلى حَيٍّ فَسَمّاهُ يَحْيى، قالَ: ﴿رَبِّ أنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وكانَتِ امْرَأتِي عاقِرًا﴾ [مريم: ٨] خافَ أنَّها لا تَلِدُ، قالَ: ﴿كَذَلِكَ قالَ رَبُّكَ﴾ [مريم: ٩] يا زَكَرِيّا ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وقَدْ خَلَقْتُكَ﴾ [مريم: ٩] مِن قَبْلِ أنْ (p-٢٧)أهَبَ لَكَ يَحْيى ﴿ولَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٩] وكَذَلِكَ أقْدِرُ عَلى أنْ أخْلُقَ مِنَ الكَبِيرِ والعاقِرِ، وذَلِكَ أنَّ إبْلِيسَ أتاهُ فَقالَ: يا زَكَرِيّا دُعاؤُكَ كانَ خَفِيًّا، فَأُجِبْتَ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ وبُشِّرْتَ بِصَوْتٍ عالٍ، ذَلِكَ الصَّوْتُ مِنَ الشَّيْطانِ، لَيْسَ مِن جِبْرِيلَ، ولا مِن رَبِّكَ، ﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ [مريم: ١٠] حَتّى أعْرِفَ أنَّ هَذِهِ البُشْرى مِنكَ، ﴿قالَ آيَتُكَ ألا تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] يَعْنِي صَحِيحًا مِن غَيْرِ خَرَسٍ، فَحاضَتْ زَوْجَتُهُ، فَلَمّا طَهُرَتْ طافَ عَلَيْها فاسْتَحْمَلَتْ، فَأصْبَحَ لا يَتَكَلَّمُ، فَكانَ إذا أرادَ التَّسْبِيحَ والصَّلاةَ أطْلَقَ اللَّهُ لِسانَهُ، فَإذا أرادَ أنْ يُكَلِّمَ النّاسَ اعْتُقِلَ لِسانُهُ فَلا يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَكَلَّمَ، وكانَتْ عُقُوبَةً لَهُ، لِأنَّهُ بُشِّرَ بِالوَلَدِ فَقالَ: أنّى يَكُونُ لِي ولَدٌ، فَخافَ أنْ يَكُونَ الصَّوْتُ مِن غَيْرِ اللَّهِ، ﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرابِ﴾ [مريم: ١١] يَعْنِي مِن مُصَلّاهُ الَّذِي كانَ يُصَلِّي فِيهِ، فَأوْحى إلَيْهِمْ بِكِتابٍ كَتَبَهُ بِيَدِهِ ﴿أنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] يَعْنِي: صَلُّوا صَلاةَ الغَداةِ والعَصْرِ، فَوُلِدَ لَهُ يَحْيى عَلى ما بَشَّرَهُ اللَّهُ نَبِيًّا تَقِيًّا صالِحًا ﴿يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢] يَعْنِي بِجِدٍّ وطاعَةٍ واجْتِهادٍ وشُكْرٍ، وبِالعَمَلِ بِما فِيهِ ﴿وآتَيْناهُ الحُكْمَ﴾ [مريم: ١٢] يَعْنِي الفَهْمَ ﴿صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] صَغِيرًا، وذَلِكَ أنَّهُ مَرَّ عَلى صِبْيَةٍ أتْرابٍ لَهُ، يَلْعَبُونَ عَلى شاطِئِ نَهْرٍ بِطِينٍ وبِماءٍ، فَقالُوا: يا يَحْيى تَعالَ حَتّى نَلْعَبَ. فَقالَ: سُبْحانَ اللَّهِ أوَلِلَّعِبِ خُلِقْنا؟! ﴿وحَنانًا﴾ يَعْنِي ورَحْمَةً مَنّا، وعَطْفًا ﴿وزَكاةً﴾ يَعْنِي وصَدَقَةً عَلى زَكَرِيّا ﴿وكانَ تَقِيًّا﴾ يَعْنِي مُطَهَّرًا مُطِيعًا لِلَّهِ ﴿وبَرًّا بِوالِدَيْهِ﴾ كانَ لا يَعْصِيهِما ﴿ولَمْ يَكُنْ جَبّارًا﴾ يَعْنِي قَتّالَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَها ﴿عَصِيًّا﴾ يَعْنِي عاصِيًا لِرَبِّهِ، ﴿وسَلامٌ عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي حِينَ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾
(p-٢٨)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القاسِمِ قالَ: قالَ مالِكٌ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ ويَحْيى بْنَ زَكَرِيّا عَلَيْهِما السَّلامُ ابْنا خالَةٍ، وكانَ حَمْلُهُما جَمِيعًا مَعًا، فَبَلَغَنِي أنَّ أُمَّ يَحْيى قالَتْ لِمَرْيَمَ: إنِّي أرى ما في بَطْنِي يَسْجُدُ لِما في بَطْنِكِ، قالَ مالِكٌ: أُرى ذَلِكَ لِتَفْضِيلِ اللَّهِ عِيسى؛ لِأنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ يُحْيِي المَوْتى، ويُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ولَمْ يَكُنْ لِيَحْيى عَيْشَةً إلّا عُشْبَ الأرْضِ، وإنْ كانَ لَيَبْكِي مِن خَشْيَةِ اللَّهِ، حَتّى لَوْ كانَ عَلى خَدِّهِ القارُ لَأذابَهُ، ولَقَدْ كانَ الدَّمْعُ اتَّخَذَ في خَدِّهِ مَجْرًى.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وابْنُ خُزَيْمَةَ والدّارَقُطْنِيُّ في“ الأفْرادِ ”وأبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ في“ الإبانَةِ ”والطَّبَرانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كُنّا في حَلْقَةٍ في مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ نَتَذاكَرُ فَضائِلَ الأنْبِياءِ، فَذَكَرْنا نُوحًا وطُولَ عِبادَتِهِ، وذَكَرْنا إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى ورَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ما تَذاكَرُونَ بَيْنَكُمْ؟ فَذَكَرْنا لَهُ، فَقالَ: أما إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أحَدٌ خَيْرًا مِن يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا؛ أما سَمِعْتُمُ اللَّهَ كَيْفَ وصَفَهُ في القُرْآنِ ﴿يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿وكانَ تَقِيًّا﴾ (p-٢٩)لَمْ يَعْمَلْ سَيِّئَةً قَطُّ ولَمْ يَهُمَّ بِها» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ عَلى أصْحابِهِ يَوْمًا وهم يَتَذاكَرُونَ فَضْلَ الأنْبِياءِ فَقالَ قائِلٌ: مُوسى كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا. وقالَ قائِلٌ: عِيسى رُوحُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ. وقالَ قائِلٌ: إبْراهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: أيْنَ الشَّهِيدُ ابْنُ الشَّهِيدِ، يَلْبَسُ الوَبَرَ ويَأْكُلُ الشَّجَرَ مَخافَةَ الذَّنْبِ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في“ نَوادِرِ الأُصُولِ ”، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ما مِن أحَدٍ مِن ولَدِ آدَمَ إلّا وقَدْ أخْطَأ أوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ إلّا يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا لَمْ يَهُمَّ بِخَطِيئَةٍ ولَمْ يَعْمَلْها» .
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ ولَهُ ذَنْبٌ، إلّا ما كانَ مِن يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ يَحْيى بْنِ جَعْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَقُولَ: أنا خَيْرٌ مِن يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا؛ ما هَمَّ (p-٣٠)بِخَطِيئَةٍ ولا حَكَّتْ في صَدْرِهِ امْرَأةٌ» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ما تَعَلَّتِ النِّساءُ عَنْ ولَدٍ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَقُولَ: أنا أفْضَلُ مِن يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا. لَمْ تَحُكَّ في صَدْرِهِ خَطِيئَةٌ، ولَمْ يَهُمَّ بِها» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ رَفَعَهُ قالَ: «ما ارْتَكَضَ في النِّساءِ مِن جَنِينٍ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَقُولَ: أنا أفْضَلُ مِن يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا. لِأنَّهُ لَمْ تَحُكَّ في صَدْرِهِ خَطِيئَةٌ ولَمْ يَهُمَّ بِها» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: إنَّ عِيسى ويَحْيى التَقَيا، فَقالَ يَحْيى لِعِيسى: اسْتَغْفِرْ لِي، أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقالَ لَهُ عِيسى: بَلْ أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي؛ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وسَلَّمْتُ أنا عَلى نَفْسِي. فَعَرَفَ واللَّهِ فَضْلَها.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وأبُو يَعْلى، وابْنُ حِبّانَ والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ والضِّياءُ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدا شَبابِ أهْلِ (p-٣١)الجَنَّةِ - إلّا ابْنَيِ الخالَةِ - عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ، ويَحْيى بْنَ زَكَرِيّا» .
وأخْرَجَ الحاكِمُ، مِن طَرِيقِ سَمُرَةَ عَنْ كَعْبٍ قالَ: كانَ يَحْيى لا يَقْرَبُ النِّساءَ ولا يَشْتَهِيهِنَّ، وكانَ شابًّا حَسَنَ الوَجْهِ لَيِّنَ الجَناحِ، قَلِيلَ الشَّعَرِ، قَصِيرَ الأصابِعِ، طَوِيلَ الأنْفِ، أقْرَنَ الحاجِبَيْنِ، دَقِيقَ الصَّوْتِ، كَثِيرَ العِبادَةِ، قَوِيًّا في الطّاعَةِ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في“ الشُّعَبِ ”وضَعَّفَهُ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ مِن هَوانِ الدُّنْيا عَلى اللَّهِ أنَّ يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا قَتَلَتْهُ امْرَأةٌ» .
وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: مَن أنْكَرَ البَلاءَ فَإنِّي لا أُنْكِرُهُ؛ لَقَدْ ذُكِرَ لِي أنَّما قُتِلَ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا في زانِيَةٍ.
وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِهِ: أنا يَعْقُوبُ الكُوفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسَرِي بِهِ (p-٣٢)رَأى زَكَرِيّا في السَّماءِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقالَ لَهُ: يا أبا يَحْيى، خَبِّرْنِي عَنْ قَتْلِكَ كَيْفَ كانَ؟ ولِمَ قَتَلَكَ بَنُو إسْرائِيلَ؟ قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ يَحْيى كانَ خَيْرَ أهْلِ زَمانِهِ وأجْمَلَهم وأصْبَحَهم وجْهًا، وكانَ كَما قالَ اللَّهُ: ﴿وسَيِّدًا وحَصُورًا﴾ [آل عمران: ٣٩] وكانَ لا يَحْتاجُ إلى النِّساءِ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأةُ مَلِكِ بَنِي إسْرائِيلَ، وكانَتْ بَغِيَّةً، فَأرْسَلَتْ إلَيْهِ وعَصَمَهُ اللَّهُ، وامْتَنَعَ يَحْيى وأبى عَلَيْها، وأجْمَعَتْ عَلى قَتْلِ يَحْيى، ولَهم عِيدٌ يَجْتَمِعُونَ في كُلِّ عامٍ، وكانَتْ سُنَّةُ المَلِكِ أنْ يُوعِدَ ولا يُخْلِفَ ولا يَكْذِبَ، فَخَرَجَ المَلِكُ لِلْعِيدِ، فَقامَتِ امْرَأتُهُ فَشَيَّعَتْهُ، وكانَ بِها مُعْجَبًا، ولَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ فِيما مَضى، فَلَمّا أنْ شَيَّعَتْهُ، قالَ المَلِكُ: سَلِينِي، فَما تَسْألِينِي شَيْئًا إلّا أعْطَيْتُكِ. قالَتْ: أُرِيدُ دَمَ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا، قالَ لَها: سَلِينِي غَيْرَهُ، قالَتْ: هو ذاكَ. قالَ: هو لَكِ. فَبَعَثَ جَلاوِزَتَها إلى يَحْيى وهو في مِحْرابِهِ يُصَلِّي، وأنا إلى جانِبِهِ أُصَلِّي، فَذُبِحَ في طَسْتٍ، وحُمِلَ رَأْسُهُ ودَمُهُ إلَيْها، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَما بَلَغَ مِن صَبْرِكَ؟ قالَ: ما انْفَتَلْتُ مِن صَلاتِي، فَلَمّا حُمِلَ رَأْسُهُ إلَيْها، ووُضِعَ بَيْنَ يَدَيْها، - فَلَمّا أمْسَوْا - خَسَفَ اللَّهُ بِالمَلِكِ وأهْلِ بَيْتِهِ وحَشَمِهِ، فَلَمّا أصْبَحُوا قالَتْ بَنُو إسْرائِيلَ: لَقَدْ غَضِبَ إلَهُ زَكَرِيّا لِزَكَرِيّا، فَتَعالَوْا حَتّى نَغْضَبَ لِمَلِكِنا فَنَقْتُلُ زَكَرِيّا، فَخَرَجُوا في طَلَبِي لِيَقْتُلُونِي فَجاءَنِي النَّذِيرُ، فَهَرَبْتُ مِنهم وإبْلِيسُ أمامَهم يَدُلُّهم عَلَيَّ، فَلَمّا أنْ تَخَوَّفْتُ أنْ لا أُعْجِزَهُمْ، عَرَضَتْ لِي شَجَرَةٌ فَنادَتْنِي، فَقالَتْ: إلَيَّ إلَيَّ. وانْصَدَعَتْ لِي، (p-٣٣)فَدَخَلْتُ فِيها، وجاءَ إبْلِيسُ حَتّى أخَذَ بِطَرَفِ رِدائِي، والتَأمَتِ الشَّجَرَةُ وبَقِيَ طَرَفُ رِدائِي خارِجًا مِنَ الشَّجَرَةِ، وجاءَتْ بَنُو إسْرائِيلَ فَقالَ إبْلِيسُ: أما رَأيْتُمُوهُ دَخَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ! هَذا طَرَفُ رِدائِهِ، دَخَلَها بِسِحْرِهِ، فَقالُوا: نَحْرِقُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ. فَقالَ إبْلِيسُ: شُقُّوهُ بِالمِنشارِ شَقًّا. قالَ: فَشُقِقْتُ مَعَ الشَّجَرَةِ بِالمِنشارِ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: يا زَكَرِيّا هَلْ وجَدْتَ لَهُ مَسًّا أوْ وجَعًا؟ قالَ: لا، إنَّما وجَدَتْ ذَلِكَ الشَّجَرَةُ، جَعَلَ اللَّهُ رُوحِي فِيها» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أنَّ زَكَرِيّا هَرَبَ ودَخَلَ جَوْفَ شَجَرَةٍ، فَوُضِعَ عَلى الشَّجَرَةِ المِنشارُ وقُطِعَ نِصْفَيْنِ، فَلَمّا وقَعَ المِنشارُ عَلى ظَهْرِهِ أنَّ، فَأوْحى اللَّهُ يا زَكَرِيّا، إمّا أنْ تَكُفَّ عَنْ أنِينِكَ أوْ أقْلِبَ الأرْضَ ومَن عَلَيْها، فَسَكَتَ حَتّى قُطِعَ نِصْفَيْنِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قالَ: كانَ طَعامُ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا الجَرادَ وقُلُوبَ الشَّجَرِ، وكانَ يَقُولُ: مَن أنْعَمُ مِنكَ يا يَحْيى؟ طَعامُكَ الجَرادُ وقُلُوبُ الشَّجَرِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ قالَ: كانَ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا إنَّما يَأْكُلُ مَعَ الوَحْشِ؛ كَراهِيَةَ أنْ يُخالِطَ (p-٣٤)النّاسَ في مَعايِشِهِمْ.
وأخْرَجَ مالِكٌ، وابْنُ المُبارَكِ وأحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”وأبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: كانَ طَعامُ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا العُشْبَ، وإنْ كانَ لَيَبْكِي مِن خَشْيَةِ اللَّهِ، حَتّى لَوْ كانَ القارُ عَلى عَيْنِهِ لَحَرَقَهُ، ولَقَدْ كانَتِ الدُّمُوعُ اتَّخَذَتْ مَجْرًى في وجْهِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ قالَ: مَرَّ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا عَلى دِينارٍ فَقالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَذا الوَجْهَ يا دِينارُ، يا عَبْدَ العَبِيدِ، ومُعَبِّدَ الأحْرارِ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في“شُعَبِ الإيمانِ”عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: سَألَ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ: رَبِّ اجْعَلْنِي أسْلَمُ عَلى ألْسِنَةِ النّاسِ، ولا يَقُولُونَ فِيَّ إلّا خَيْرًا، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: يا يَحْيى، لَمْ أجْعَلْ هَذا لِي، فَكَيْفَ أجْعَلُهُ لَكَ؟ .
وأخْرَجَ أحْمَدُ والبَيْهَقِيُّ في“ الشُّعَبِ ”، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ قالَ: بَلَغَنا أنَّ إبْلِيسَ ظَهَرَ لِيَحْيى بْنِ زَكَرِيّا، فَرَأى عَلَيْهِ مَعالِيقَ مِن كُلِّ شَيْءٍ (p-٣٥)فَقالَ لَهُ يَحْيى: ما هَذِهِ؟ قالَ: هَذِهِ الشَّهَواتُ الَّتِي أُصِيبُ بِها بَنِي آدَمَ. قالَ لَهُ يَحْيى: هَلْ لِي فِيها شَيْءٌ؟ قالَ: لا، قالَ: فَهَلْ تُصِيبُ مِنِّي شَيْئًا؟ قالَ: رُبَّما شَبِعْتَ فَثَقَّلْناكَ عَنِ الصَّلاةِ والذِّكْرِ. قالَ: هَلْ غَيْرُهُ؟ قالَ: لا، قالَ: لا جَرَمَ لا أشْبَعُ أبَدًا.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، مِن طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قالَ: كانَ مَلِكٌ ماتَ وتَرَكَ امْرَأتَهُ وابْنَتَهُ، فَوَرِثَ مُلْكَهُ أخُوهُ، فَأرادَ أنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأةَ أخِيهِ، فاسْتَشارَ يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا في ذَلِكَ، وكانَتِ المُلُوكُ في ذَلِكَ الزَّمانِ يَعْمَلُونَ بِأمْرِ الأنْبِياءِ، فَقالَ لَهُ: لا تَتَزَوَّجْها فَإنَّها بَغِيٌّ. فَبَلَغَ المَرْأةَ ذَلِكَ، فَقالَتْ: لَيَقْتُلَنَّ يَحْيى أوْ لَيَخْرُجَنَّ مِن مُلْكِهِ، فَعَمَدَتْ إلى ابْنَتِها فَصَنَعَتْها، ثُمَّ قالَتِ: اذْهَبِي إلى عَمِّكِ عِنْدَ المَلَأِ؛ فَإنَّهُ إذا رَآكِ سَيَدْعُوكِ ويُجْلِسُكِ في حِجْرِهِ، ويَقُولُ: سَلِينِي ما شِئْتِ فَإنَّكِ لَنْ تَسْألِينِي شَيْئًا إلّا أعْطَيْتُكِ، فَإذا قالَ لَكِ قَوْلِي: لا أسْألُكَ شَيْئًا إلّا رَأْسَ يَحْيى. وكانَتِ المُلُوكُ إذا تَكَلَّمَ أحَدُهم بِشَيْءٍ عَلى رُءُوسِ المَلَأِ ثُمَّ لَمْ يُمْضِ لَهُ، نُزِعَ مِن مُلْكِهِ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ يَأْتِيهِ المَوْتُ مِن قَتْلِهِ يَحْيى، وجَعَلَ يَأْتِيهِ المَوْتُ مِن خُرُوجِهِ مِن مُلْكِهِ، فاخْتارَ مُلْكَهُ فَقَتَلَهُ، فَساخَتْ بِأُمِّها الأرْضُ، قالَ ابْنُ جُدْعانَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذا الحَدِيثِ ابْنَ المُسَيَّبِ فَقالَ: أما أخْبَرَكَ كَيْفَ كانَ قَتْلُ زَكَرِيّا؟ قُلْتُ: لا. قالَ: إنَّ زَكَرِيّا حَيْثُ قُتِلَ ابْنُهُ انْطَلَقَ هارِبًا مِنهم واتَّبَعُوهُ، حَتّى أتى عَلى شَجَرَةٍ ذاتِ ساقٍ، فَدَعَتْهُ إلَيْها فانْطَوَتْ عَلَيْهِ، وبَقِيَتْ مِن ثَوْبِهِ هُدْبَةٌ (p-٣٦)تُلَعِّبُها الرِّيحُ، فانْطَلَقُوا إلى الشَّجَرَةِ فَلَمْ يَجِدُوا أثَرَهُ بَعْدَها، فَنَظَرُوا تِلْكَ الهُدْبَةَ، فَدَعَوْا بِالمِنشارِ، فَقَطَعُوا الشَّجَرَةَ فَقَطَعُوهُ فِيها.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قالَ: الَّتِي قَتَلَتْ يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا امْرَأةٌ ورِثَتِ المُلْكَ عَنْ آبائِها، فَأُتِيَتْ بِرَأْسِ يَحْيى، وهي عَلى سَرِيرِها، فَقالَ لِلْأرْضِ: خُذِيها. فَأخَذَتْها وسَرِيرَها فَذُهِبَ بِها.
وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أنَّ مَلِكا أرادَ أنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ أخِيهِ، فاسْتَفْتى يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا، قالَ: لا تَحِلُّ لَكَ، فَسَألَتْ قَتْلَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ - وهو في مِحْرابِهِ يُصَلِّي - فَذَبَحُوهُ، ثُمَّ حَزُّوا رَأْسَهُ، وأتَوْا بِهِ المَلِكَ، فَجَعَلَ الرَّأْسُ يَقُولُ: لا يَحِلُّ لَكَ ما تُرِيدُ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قالَ: قالَ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا لِلَّذِي جاءَ يَحُزُّ رَأْسَهُ: أما تَعْلَمُ أنِّي نَبِيٌّ؟ قالَ: بَلى ولَكِنِّي مَأْمُورٌ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «أوْحى اللَّهُ إلى مُحَمَّدٍ ﷺ أنِّي قَتَلْتُ بِيَحْيى بْنِ زَكَرِيّا سَبْعِينَ ألْفًا، وإنِّي قاتِلٌ بِابْنِ ابْنَتِكَ سَبْعِينَ ألْفًا وسَبْعِينَ ألْفًا» .
(p-٣٧)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قالَ: قُتِلَ عَلى الصَّخْرَةِ الَّتِي في بَيْتِ المَقْدِسِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنهم يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ قُرَّةَ قالَ: ما بَكَتِ السَّماءُ عَلى أحَدٍ إلّا عَلى يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا والحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وحُمْرَتُها بُكاؤُها.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في“ الزُّهْدِ ”عَنْ خالِدِ بْنِ ثابِتٍ الرَّبَعِيِّ قالَ: لَمّا قَتَلَ فَجَرَةُ بَنِي إسْرائِيلَ - يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا، أوْحى اللَّهُ إلى نَبِيٍّ مِن أنْبِيائِهِمْ: أنْ قُلْ لِبَنِي إسْرائِيلَ إلى مَتى تَجَرَّءُونَ عَلَيَّ أنْ تَعْصُوا أمْرِي وتَقْتُلُوا رُسُلِي؟ وحَتّى مَتى أضُمُّكم في كَنَفِي كَما تَضُمُّ الدَّجاجَةُ أوْلادَها في كَنَفِها، فَتَجْتَرِئُونَ عَلَيَّ؟ اتَّقُوا، لا آخُذُكم بِكُلِّ دَمٍ كانَ بَيْنَ ابْنَيْ آدَمَ ويَحْيى بْنِ زَكَرِيّا، واتَّقُوا أنْ أصْرِفَ عَنْكم وجْهِي؛ فَإنِّي إنْ صَرَفْتُ عَنْكم وجْهِي لَمْ أُقْبِلْ عَلَيْكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: لَمّا قُتِلَ يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: بَعْضُ أصْحابِهِ لِصاحِبٍ لَهُ: ابْعَثْ إلَيَّ بِقَمِيصِ نَبِيِّ اللَّهِ يَحْيى أشُمَّهُ. فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ، فَإذا سَداهُ ولُحْمَتُهُ لِيفٌ.
(p-٣٨)وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في“ نَوادِرِ الأُصُولِ " عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قالَ: بَلَغَنا أنَّهُ كانَ رَجُلٌ يَجُورُ عَلى مَمْلَكَتِهِ ويَعْتَدِي عَلَيْهِمْ، فائْتَمِرُوا لِقِتالِهِ، فَقالُوا: نَبِيُّ اللَّهِ زَكَرِيّا بَيْنَ أظْهُرِنا، فَلَوْ أتَيْناهُ، فَأتَوْا مَنزِلَهُ، فَإذا فَتاةٌ جَمِيلَةٌ رائِعَةٌ قَدْ أشْرَقَ لَها البَيْتُ حَسَنًا قالُوا: مَن أنْتِ؟ قالَتْ: أنا امْرَأةُ زَكَرِيّا، فَقالُوا: فِيما بَيْنَهم: كُنّا نُرى نَبِيَّ اللَّهِ لا يُرِيدُ الدُّنْيا، فَإذا هو قَدِ اتَّخَذَ امْرَأةً جَمِيلَةً رائِعَةً ! قالُوا: فَأيْنَ هو ؟ قالَتْ: في حائِطِ آلِ فُلانٍ يَعْمَلُ لَهم. فَأتَوْهُ فَإذا هو يَعْمَلُ لَهم حَتّى إذا حَضَرَ غَداؤُهُ قَرَّبَ رَغِيفَيْنِ، فَأكَلَ ولَمْ يَدْعُهُمْ، ثُمَّ قامَ فَعَمِلَ بَقِيَّةَ عَمَلِهِ، ثُمَّ عَلَّقَ خُفَّيْهِ عَلى عُنُقِهِ، والمِسْحاةَ والكِساءَ، قالَ: ما حاجَتُكُمْ؟ قالُوا: قَدْ جِئْنا لِأمْرٍ، ولَقَدْ كادَ يَغْلِبُنا ما رَأيْنا عَلى ما جِئْنا لَهُ. قالَ: فَهاتُوا، قالُوا: أتَيْنا مَنزِلَكَ فَإذا امْرَأةٌ جَمِيلَةٌ رائِعَةٌ، وكُنّا نُرى نَبِيَّ اللَّهِ لا يُرِيدُ الدُّنْيا! فَقالَ: إنِّي إنَّما تَزَوَّجْتُ امْرَأةً جَمِيلَةً رائِعَةً لِأكُفَّ بِها بَصَرِي، وأحْفَظَ بِها فَرْجِي. فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ مِمّا قالُوا، قالُوا: ورَأيْناكَ قَدَّمْتَ رَغِيفَيْنِ فَأكَلْتَ ولَمْ تَدْعُنا! قالَ: إنَّ القَوْمَ اسْتَأْجَرُونِي عَلى عَمَلٍ، فَخَشِيتُ أنْ أضْعُفَ عَنْ عَمَلِهِمْ، ولَوْ أكَلْتُمْ مَعِي لَمْ يَكْفِنِي ولَمْ يَكْفِكم. فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ مِمّا قالُوا، قالُوا: ورَأيْناكَ وضَعْتَ خُفَّيْكَ عَلى عُنُقِكَ والمِسْحاةَ والكِساءَ، فَقالَ: إنَّ هَذِهِ الأرْضَ جَدِيدَةٌ، وكَرِهْتُ أنْ أنْقُلَ تُرابَ هَذِهِ في هَذِهِ. فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ مِمّا قالُوا، قالُوا: إنَّ هَذا المَلِكَ يَجُورُ عَلَيْنا ويَظْلِمُنا، وقَدِ ائْتَمَرْنا لِقِتالِهِ، قالَ: أيْ قَوْمِ، لا (p-٣٩)تَفْعَلُوا؛ فَإنَّ إزالَةَ جَبَلٍ مِن أصْلِهِ أهْوَنُ مِن إزالَةِ مَلِكٍ مُؤَجَّلٍ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["وَحَنَانࣰا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةࣰۖ وَكَانَ تَقِیࣰّا","وَبَرَّۢا بِوَ ٰلِدَیۡهِ وَلَمۡ یَكُن جَبَّارًا عَصِیࣰّا","وَسَلَـٰمٌ عَلَیۡهِ یَوۡمَ وُلِدَ وَیَوۡمَ یَمُوتُ وَیَوۡمَ یُبۡعَثُ حَیࣰّا"],"ayah":"وَسَلَـٰمٌ عَلَیۡهِ یَوۡمَ وُلِدَ وَیَوۡمَ یَمُوتُ وَیَوۡمَ یُبۡعَثُ حَیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق