الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥) ﴾
.
يقول تعالى ذكره: يُخْبَر الإنسان يومئذ، يعني يوم يُجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما قدّم وأخَّر.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ فقال بعضهم: معنى ذلك: بما قدّم من عمل خير، أو شرّ أمامه، مما عمله في الدنيا قبل مماته، وما أخَّر بعد مماته من سيئة وحسنة، أو سيئة يعمل بها من بعده.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ يقول: ما عمل قبل موته، وما سَنّ فعُمِل به بعد موته.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود قال: ﴿بِمَا قَدَّمَ﴾ من عمله ﴿وأخَّرَ﴾ من سنة عمل بها من بعده من خير أو شرّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ يقول: بما قدّم من المعصية، وأخَّر من الطاعة، فينبأ بذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ بأوّل عمله وآخره.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور عن مجاهد ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ قال: بأول عمله وآخره.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد، مثله.
⁕ حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
⁕ وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ﴿بمَا قَدَّمَ﴾ من طاعة ﴿وأخَّرَ﴾ من حقوق الله التي ضيَّعها.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ﴾ من طاعة الله ﴿وأخَّرَ﴾ مما ضيع من حقّ الله.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ قال: بما قَدّم من طاعته، وأخَّر من حقوق الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بما قدّم من خير أو شرّ مما عمله، وما أخَّر مما ترك عمله من طاعة الله.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ قال: ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله، ما ترك من طاعة الله لم يعمل به، وما قدم: ما عمل من خير أو شرّ.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه مما عمل من خير أو شرّ في حياته، وأخَّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم وأخَّر، كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ، وأخَّر بعده من عمل كان عليه فضيَّعه، فلم يعمله مما قدّم وأخَّر، ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض، فكلّ ذلك مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة.
* * *
وقوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾
يقول تعالى ذكره: بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله، ويشهدون عليه به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه، والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله: ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾ ، والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله: نفسه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل الإنسان شاهد على نفسه وحده، ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبرًا للإنسان، ورفع الإنسان بها.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ يقول: الإنسان شاهد على نفسه وحده.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ قال: شاهد عليها بعملها.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلا عن ذنوبه؛ قال: وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، ولا تبصر الجذع المعترض في عينك.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ قال: هو شاهد على نفسه، وقرأ: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ ومن قال هذه المقالة يقول: أدخلت الهاء في قوله ﴿بَصِيرَةٌ﴾ وهي خبر للإنسان، كما يقال للرجل: أنت حجة على نفسك، وهذا قول بعض نحويِّي البصرة. وكان بعضهم يقول: أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر، كما أدخلت في راوية وعلامة.
* * *
وقوله: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾
اختلف أهل الرواية في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم، وركب من المعاصي، وجادل بالباطل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ يعني الاعتذار، ألم تسمع أنه قال: ﴿لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ وقال الله: ﴿وألقوا إلى الله يومئذ السَّلَم﴾ ، ﴿كنا نعمل من سوء﴾ [[ديوانه، القصيدة رقم: ٢١، والخزانة ٢: ٢١٧، ثم يأتي في تفسير آية سورة التوبة: ٩٠ (١٠: ١٤٤ بولاق) ، وآية سورة الرعد: ٣٥ (١٣: ١٠٩) والشعر يقوله لابنتيه، إذ قال: تَمَنَّى ابنتَايَ أن يعيشَ أبُوهما ... وهَلْ أنا إلاَّ من ربيعة أو مُضَرْ!
ثم أمرهما بأمره فقال قبل بيت الشاهد: فقُومَا فقولاَ بالذي قد علمتُما ... ولا تَخْمِشا وجْهًا ولا تَحْلِقا شَعَرْ
وقولاَ: هو المرءُ الّذي لا خليلَه ... أَضاعَ، ولا خانَ الصديقَ، ولا غَدَرْ
فقوله "إلى الحول. . " أي افعلا ذلك إلى أن يحول الحول. والحول: السنة كاملة بأسرها. وقوله "اعتذر" هنا بمعنى أعذر: أي بلغ أقصى الغاية في العذر.]] . وقولهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ .
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، في قولة: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ قال: شاهد على نفسه ولو اعتذر.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ ولو جادل عنها، فهو بصيرة عليها.
⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، قال: سألت عكرِمة، عن قوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ قال: فسكت، فقلت له: إن الحسن يقول: ابن آدم عملك أولى بك، قال: صدق.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ قال: معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها، قال: ﴿يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني نصر بن عليّ الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ قال: لو تجرّد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رَوّاد، عن أبي حمزة، عن السديّ في قوله: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ ولو أرخى الستور، وأغلق الأبواب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ لم تقبل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ لم تُقبل معاذيره.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ قال: ولو اعتذر.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدًا من نفسه بقوله: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك، ولو جادل عنها بالباطل، واعتذر بغير الحقّ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["یُنَبَّؤُا۟ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ","بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَةࣱ","وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِیرَهُۥ"],"ayah":"یُنَبَّؤُا۟ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق