الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ﴾ أَيْ ذَاتِ الْمَطَرِ. تَرْجِعُ كُلَّ سَنَةٍ بمطر بعد مطر. كذا قاله عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الرَّجْعُ: الْمَطَرُ، وَأَنْشَدُوا لِلْمُتَنَخِّلِ يَصِفُ سَيْفًا شَبَّهَهُ بِالْمَاءِ: أَبْيَضُ كَالرَّجْعِ رَسُوبٌ إِذَا ... مَا ثَاخَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي ] ثَاخَتْ قَدَمُهُ فِي الْوَحْلِ تَثُوخُ وَتَثِيخُ: خَاضَتْ وَغَابَتْ فِيهِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ [[ما بين المربعين ذكر في هامش بعض نسخ الأصل. والمحتفل: أعظم موضع في الجسد. ويختلى: يقطع.]] [. قَالَ الْخَلِيلُ: الرَّجْعُ: الْمَطَرُ نَفْسُهُ، وَالرَّجْعُ أَيْضًا: نَبَاتُ الرَّبِيعِ. وَقِيلَ: ذاتِ الرَّجْعِ أَيْ ذَاتُ النَّفْعِ. وَقَدْ يُسَمَّى الْمَطَرُ أَيْضًا أَوْبًا، كَمَا يُسَمَّى رَجْعًا، قال: رَبَّاءُ شَمَّاءُ لَا يَأْوِي لِقُلَّتِهَا ... إِلَّا السَّحَابُ وإلا الأوب والسبل [[البيت للمتنخل الهذلي. قال السكري في شرح هذا البيت: "رباء يربأ فوقها، يقول لا يدنو لقلتها، أي لرأسها: أي لا يعلو هذه الهضبة من طولها إلا السحاب والأوب. والأوب: رجوع النحل. والسبل: القطر حين يسبل".]] (هامش) وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ يَرْجِعْنَ فِي السَّمَاءِ، تَطْلُعُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَتَغِيبُ فِي أُخْرَى. وَقِيلَ: ذَاتُ الْمَلَائِكَةِ، لِرُجُوعِهِمْ إِلَيْهَا بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ. وَهَذَا قَسَمٌ. (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) قَسَمٌ آخَرُ، أَيْ تَتَصَدَّعُ عَنِ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، نَظِيرَهُ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا [[آية ٢٦ سورة عبس.]] [عبس: ٢٦] ... الْآيَةُ. وَالصَّدْعُ: بِمَعْنَى الشَّقِّ، لِأَنَّهُ يَصْدَعُ الْأَرْضَ، فَتَنْصَدِعُ بِهِ. وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالْأَرْضِ ذَاتِ النَّبَاتِ، لِأَنَّ النَّبَاتَ صَادِعٌ لِلْأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالْأَرْضِ ذَاتِ الطُّرُقِ الَّتِي تَصْدَعُهَا الْمُشَاةُ. وَقِيلَ: ذَاتُ الْحَرْثِ، لِأَنَّهُ يَصْدَعُهَا. وَقِيلَ: ذَاتُ الْأَمْوَاتِ: لِانْصِدَاعِهَا عَنْهُمْ لِلنُّشُورِ. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) عَلَى هَذَا وَقَعَ الْقَسَمُ أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ [[راجع ج ١ ص ٥ طبعه ثانية أو ثالثة.]] مَا رَوَاهُ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: [كِتَابٌ فِيهِ خَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَعْدَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ، لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنَ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ [. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الْفَصْلِ: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَعِيدِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ. (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أَيْ لَيْسَ الْقُرْآنُ بِالْبَاطِلِ وَاللَّعِبِ. وَالْهَزْلُ: ضِدُّ الْجِدِّ، وَقَدْ هَزَلَ يَهْزِلُ. قال الكميت. يَجِدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَنَهْزِلُ [[صدر البيت: أرانا على حب الحياة وطولها]] إِنَّهُمْ أَيْ إِنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ يَكِيدُونَ كَيْداً أَيْ يَمْكُرُونَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَأَصْحَابِهِ مَكْرًا. (وَأَكِيدُ كَيْداً) أَيْ أُجَازِيهِمْ جَزَاءَ كَيْدِهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ مَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ. وَقِيلَ: كَيْدُ اللَّهِ: اسْتِدْرَاجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ "الْبَقَرَةِ"، عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥]. مستوفي [[راجع ج ١ ص ٢٠٨ طبعه ثانية أو ثالثة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب