الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ أَخا عادٍ﴾ هُوَ هُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ. "إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ" أَيِ اذْكُرْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قِصَّةَ عَادٍ لِيَعْتَبِرُوا بِهَا. وَقِيلَ: أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَذَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قِصَّةَ هُودٍ لِيَقْتَدِيَ بِهِ، وَيُهَوِّنَ عَلَيْهِ تَكْذِيبَ قَوْمِهِ لَهُ. وَالْأَحْقَافُ: دِيَارُ عَادٍ. وَهِيَ الرِّمَالُ الْعِظَامُ، فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ. وَكَانُوا قَهَرُوا أَهْلَ الْأَرْضِ بِفَضْلِ قُوَّتِهِمْ. وَالْأَحْقَافُ جَمْعُ حِقْفٍ، وَهُوَ مَا اسْتَطَالَ مِنَ الرَّمْلِ الْعَظِيمِ وَاعْوَجَّ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا، وَالْجَمْعُ حِقَافٌ وَأَحْقَافٌ] وَحُقُوفٌ [. وَاحْقَوْقَفَ الرَّمْلُ وَالْهِلَالُ أَيِ اعْوَجَّ. وَقِيلَ: الْحِقْفُ جَمَعُ حِقَافٌ. وَالْأَحْقَافُ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَيُقَالُ: حِقْفٌ أَحْقَفُ. قَالَ الْأَعْشَى: بَاتَ إِلَى أَرْطَاةَ حِقْفٌ أَحْقَفَا [[هذا الرجز نسبه الطبري في تفسيره إلى العجاج، ولم نعثر عليه في شعر الأعشى ولا في أراجيز العجاج. والأرطاة: جمعه أرطي، وهو شجر من شجر الرمل.]] أَيْ رَمْلٌ مُسْتَطِيلٌ مُشْرِفٌ. وَالْفِعْلُ مِنْهُ احْقَوْقَفَ. قَالَ الْعَجَّاجُ: طَيُّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفًا ... سَمَاوَةُ الْهِلَالِ حَتَّى احْقَوْقَفَا أَيْ انْحَنَى وَاسْتَدَارَ. وَقَالَ امْرُؤٌ الْقَيْسُ: كَحِقْفٍ النَّقَا [[النقا: الكثيب من الرمل.]] يَمْشِي الْوَلِيدَانِ فَوْقَهُ ... بِمَا احْتَسَبَا مِنْ لين مس وتسهال وفيما أريد بالأحقاف ها هنا مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ رِمَالٌ مُشْرِفَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ كَهَيْئَةِ الْجِبَالِ، وَلَمْ تَبْلُغْ أَنْ تَكُونَ جِبَالًا، وَشَاهِدُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هي جبال مُشْرِفَةٌ بِالشِّحْرِ، وَالشِّحْرُ قَرِيبٌ مِنْ عَدَنَ، يُقَالُ: شِحْرُ عُمَانَ وَشِحْرُ عَمَّانَ، وَهُوَ سَاحِلُ الْبَحْرِ بَيْنَ عُمَانَ وَعَدَنَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَادًا كَانُوا أَحْيَاءَ بِالْيَمَنِ، أَهْلُ رَمْلٍ مُشْرِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: الشِّحْرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ أَرْضٌ مِنْ حِسْمَى تُسَمَّى بِالْأَحْقَافِ. وَحِسْمَى (بِكَسْرِ الْحَاءِ) اسْمُ أَرْضٍ بِالْبَادِيَةِ فِيهَا جِبَالٌ شَوَاهِقُ مُلْسُ الْجَوَانِبِ لَا يَكَادُ الْقَتَامُ يُفَارِقُهَا. قَالَ النَّابِغَةُ: فَأَصْبَحَ عَاقِلًا بِجِبَالِ حِسْمَى ... دُقَاقَ التُّرْبِ مُحْتَزِمَ الْقَتَامِ [[قال ابن بري: "أي حسمى قد أحاط به القتام كالحزام له".]] قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: الْأَحْقَافُ جَبَلٌ بِالشَّامِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: وَادٍ بَيْنَ عُمَانَ وَمَهْرَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتْ مَنَازِلُ عَادٍ بِالْيَمَنِ فِي حَضْرَمَوْتَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ مَهْرَةُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْإِبِلُ [[في معجم البلدان لياقوت وكتب اللغة أن الإبل المهرية تنسب إلى مهرة بن حيدان أبو قبيلة.]] الْمَهْرِيَّةُ، فَيُقَالُ: إِبِلٌ مَهْرِيَّةٌ وَمَهَارِيٌّ. وَكَانُوا أَهْلَ عُمَدٍ سَيَّارَةٍ فِي الرَّبِيعِ فَإِذَا هَاجَ [[هاج البقل: إذا أخذ في اليبس.]] الْعُودُ رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ قَبِيلَةِ إِرَمَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَحْقَافُ الْجَبَلِ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ زَمَانَ الْغَرَقِ، كَانَ يَنْضُبُ الْمَاءُ مِنَ الْأَرْضِ وَيَبْقَى أَثَرُهُ. وَرَوَى الطُّفَيْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ وَادٍ بِمَكَّةَ وَوَادٍ نَزَلَ بِهِ آدَمُ بِأَرْضِ الْهِنْدِ. وَشَرُّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ وَادٍ بِالْأَحْقَافِ وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يُدْعَى بَرَهُوتُ تُلْقَى فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. وَخَيْرُ بِئْرٍ فِي النَّاسِ بِئْرُ زَمْزَمَ. وَشَرُّ بِئْرٍ فِي النَّاسِ بِئْرُ بَرَهُوتَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي الَّذِي بِحَضْرَمَوْتَ. "وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ" أَيْ مَضَتِ الرُّسُلُ. "مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ" أَيْ مِنْ قَبْلِ هُودٍ. "وَمِنْ خَلْفِهِ" أَيْ وَمِنْ بَعْدِهِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ "مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ بَعْدِهِ". "أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ" هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُرْسَلِ، فَهُوَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ. ثُمَّ قَالَ هُودٌ "إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" وَقِيلَ "أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ" مِنْ كَلَامِ هُودٍ، وَاللَّهُ أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب