الباحث القرآني
ولَمّا هَدَّدَهم سُبْحانَهُ بِالأُمُورِ الأُخْرَوِيَّةِ، وسَتَرَ الأمْرَ بِالتَّذْكِيرِ بِها لِكَوْنِها مَسْتُورَةً وهم بِها يُكَذِّبُونَ في قَوْلِهِ ”ويَوْمَ“، وخَتَمَ بِالعَذابِ عَلى الِاسْتِكْبارِ المَذْمُومِ والفِسْقِ، عَطَفَ عَلَيْهِ تَهْدِيدَهم بِالأُمُورِ المَحْسُوسَةِ لِأنَّهم مُتَقَيِّدُونَ بِها مُصَرِّحًا بِالأمْرِ بِالذِّكْرِ فَقالَ تَعالى: ﴿واذْكُرْ﴾ أيْ: لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يَتَّعِظُونَ بِمَحَطِّ الحِكْمَةِ الَّذِي لا يَخْفى عَلى [ذِي] لُبٍّ، وهو البَعْثُ. ولَمّا كانَ أقْعَدُ ما يُهَدَّدُونَ بِهِ في هَذِهِ السُّورَةِ وأنْسَبُهُ لِمَقْصُودِها عادَ لِكَوْنِهِمْ أقْوى النّاسِ أبْدانًا وأعْتاهم رِقابًا وأشَدَّهم قُلُوبًا وأوْسَعَهم مُلْكًا وأعْظَمَهُمُ اسْتِكْبارًا بِحَيْثُ كانُوا يَقُولُونَ ﴿مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] وبَنَوُا البُنْيانَ الَّذِي يُفْنِي الدَّهْرَ ولا يَفْنى، فَلا يَعْمَلُهُ إلّا مَن نَسِيَ المَوْتَ أوْ رَجا الخُلُودَ واصْطَنَعُوا جَنَّةً عَلى وجْهِ الأرْضِ لِأنَّ مُلْكَهم (p-١٦٢)عَمَّها كُلَّها مَعَ قُرْبِ بِلادِهِمْ لِكَوْنِها في بِلادِ العَرَبِ مِن قُرَيْشٍ ومَعْرِفَتَهم بِأخْبارِهِمْ ورُؤْيَتَهم لِدِيارِهِمْ وكَوْنَ عَذابِهِمْ نَشَأ مِن بَلَدِهِمْ بِدُعاءِ مَن دَعا مِنهُمْ، ذَكَرَ أمْرَهم عَلى وجْهٍ دَلَّ عَلى مَقْصُودِ السُّورَةِ، وعَبَّرَ بِالأُخُوَّةِ تَسْلِيَةً لِنَبِيِّهِ ﷺ لِأنَّ فَظِيعَةَ القَوْمِ لِمَن هو مِنهم ويَعْلَمُونَ مَناقِبَهُ ومَفاخِرَهُ أنْكَأُ فَقالَ: ﴿أخا عادٍ﴾ وهو أخُو هُودٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الَّذِي كانَ بَيْنَ قَوْمٍ لا يَعْشُرُهم قَوْمُكَ في قُوَّةٍ ولا مُكْنَةٍ، وصَدَعَهم مَعَ ذَلِكَ بِمُرِّ الحَقِّ وبادَأهم بِأمْرِ اللَّهِ، لَمْ يَخَفْ عاقِبَتَهم ونَجَّيْتُهُ مِنهُمْ، فَهو لَكَ قُدْوَةٌ وفِيهِ أُسْوَةٌ، ولِقَوْمِكَ في قَصْدِهِمْ إيّاكَ بِالأذى مِن أمْرِهِ مَوْعِظَةٌ.
ولَمّا ذَكَّرَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِمِثْلِ هَذِهِ المَقاصِدِ الجَلِيلَةِ، أبْدَلَ مِنهُ قِصَّتَهُ زِيادَةً في البَيانِ، فَقالَ مُبَيِّنًا أنَّ الإنْذارَ هو المَقْصِدُ الأعْظَمُ مِنَ الرِّسالَةِ: ﴿إذْ﴾ أيْ: حِينَ ﴿أنْذَرَ قَوْمَهُ﴾ أيِ: الَّذِينَ لَهم قُوَّةٌ زائِدَةٌ عَلى القِيامِ فِيما يُحاوِلُونَهُ ﴿بِالأحْقافِ﴾ قالَ الأصْبِهانِيُّ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وادٍ بَيْنَ عُمانَ ومَهَرَةَ، قالَ: وقالَ مُقاتِلٌ: كانَتْ مَنازِلُ (p-١٦٣)عادٍ بِاليَمَنِ في حَضْرَمَوْتَ بِمَوْضِعٍ يُقالُ لَهُ مَهَرَةُ، إلَيْهِ يُنْسَبُ الإبِلُ المُهْرِيَّةُ، وكانُوا أهْلَ عَمَدٍ سَيّارَةٍ في الرَّبِيعِ، فَإذا هاجَ العُودُ رَجَعُوا إلى مَنازِلِهِمْ، وكانُوا مِن قَبِيلَةِ إرَمَ. وقالَ قَتادَةُ: كانُوا مُشْرِفِينَ عَلى البَحْرِ بِأرْضٍ يُقالُ لَها الشَّجَرُ، والأحْقافُ جَمْعُ حِقْفٍ بِالكَسْرِ، وهو رَمْلٌ مُسْتَطِيلٌ مُرْتَفِعٌ فِيهِ انْحِناءٌ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هو ما اسْتَطالَ مِنَ الرَّمْلِ كَهَيْئَةِ الجَبَلِ ولَمْ يَبْلُغْ أنْ يَكُونَ جَبَلًا، وقالَ في القامُوسِ: وهو الرَّمْلُ العَظِيمُ المُسْتَدِيرُ، وأصْلُ الرَّمْلِ، واحْقَوْقَفَ الرَّمْلُ والظَّهْرُ والهِلالُ: طالَ واعْوَجَّ. ومِنَ الأمْرِ الجَلِيِّ أنَّ هَذِهِ الهَيْئَةَ لا تَكُونُ في بِلادٍ الرِّيحُ بِها غالِبَةٌ شَدِيدَةٌ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ ذَلِكَ نَسَفَ الجَبَلَ نَسْفًا بِخِلافِ بِلادِ الجِبالِ كَمَكَّةَ المُشَرَّفَةِ، فَإنَّ الرِّيحَ تَكُونُ بِها غايَةً في الشِّدَّةِ لِأنَّها إمّا أنْ تَصُكَّ الجَبَلَ فَتَنْعَكِسُ راجِعَةً بِقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ، أوْ يَكُونُ هُناكَ جِبالٌ فَتُرادُّ بَيْنَها أوْ تَنْضَغِطُ فَتَخْرُجُ مِمّا تَجِدُ مِنَ الفُرُوجِ عَلى هَيْئَةٍ مُزْعِجَةٍ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أهْلُ الجِبالِ أشَدَّ مِن ذَلِكَ حَذَرًا.
ولَمّا ذَكَرَ النَّذِيرَ والمُنْذِرِينَ ومَكانَهم لِما ذُكِرَ مِنَ المَقاصِدِ، ذَكَرَ (p-١٦٤)أنَّهم أعْرَضُوا عَنْهُ ولَمْ يَكُنْ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ولا كانَ قَوْمُهُ جاهِلِينَ بِأحْوالِهِمْ، فاسْتَحَقُّوا العَذابَ تَحْذِيرًا مِن مِثْلِ حالِهِمْ، فَقالَ: ﴿وقَدْ﴾ أيْ: والحالُ أنَّهُ قَدْ ﴿خَلَتِ﴾ أيْ: مَرَّتْ ومَضَتْ وماتَتْ ﴿النُّذُرُ﴾ أيِ: الرُّسُلُ الكَثِيرُونَ الَّذِينَ مَحَطُّ أمْرِهِمُ الإنْذارُ.
ولَمّا لَمْ يَكُنْ إرْسالُهم بِالفِعْلِ مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ الأزْمِنَةِ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ أيْ: قَبْلَهُ كَنُوحٍ وشِيثَ وآدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَما كانَ بِدْعًا مِنها ﴿ومِن خَلْفِهِ﴾ أيِ: الَّذِينَ أتَوْا مِن بَعْدِهِ فَما كُنْتَ أنْتَ بِدْعًا مِنهم. ولَمّا أشارَ إلى كَثْرَةِ الرُّسُلِ، ذَكَرَ وِحْدَتَهم في أصْلِ الدُّعاءِ، فَقالَ مُفَسِّرًا لِلْإنْذارِ مُعَبِّرًا بِالنَّهْيِ: ﴿ألا تَعْبُدُوا﴾ أيْ: أيُّها العِبادُ المُنْذَرُونَ، بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ ﴿إلا اللَّهَ﴾ المَلِكَ الَّذِي لا مَلِكَ غَيْرُهُ ولا خالِقَ سِواهُ ولا مُنْعِمَ إلّا هُوَ، فَإنِّي أراكم تُشْرِكُونَ بِهِ مَن لَمْ يُشْرِكْهُ في شَيْءٍ مِن تَدْبِيرِكُمْ، والمَلِكُ لا يُقِرُّ عَلى مِثْلِ هَذا.
ولَمّا أمَرَهم ونَهاهُمْ، عَلَّلَ ذَلِكَ فَقالَ مُحَذِّرًا لَهم مِنَ العَذابِ مُؤَكِّدًا لِما لَهم مِنَ الإنْكارِ لِاعْتِمادِهِمْ عَلى قُوَّةِ أبْدانِهِمْ وعَظِيمِ شَأْنِهِمْ: ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ﴾ لِكَوْنِكم قَوْمِي وأعَزُّ النّاسِ عَلَيَّ ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ لا يَدْعُ جِهَةً إلّا مَلَأها عَذابُهُ، إنْ أصْرَرْتُمْ عَلى ما أنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ.
{"ayah":"۞ وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦۤ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق