الباحث القرآني

قوله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) أَيْ نَفْعُ إِحْسَانِكُمْ عَائِدٌ عَلَيْكُمْ. (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) أَيْ فَعَلَيْهَا، نَحْوَ سَلَامٌ لَكَ، أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكَ. قَالَ: فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ [[هذا عجز بيت لربيعة بن مكدم. وصدره: وهتمت بالرمح الطويل إهانة وقبل هذا البيت: فصرفت راحلة الظعينة نحوه ... عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم وبعده: ومنحت آخر بعده جياشة ... نجلاء فاغرة كشدق الاضجم وهذه الآيات قبلت يوم الظعينة. راجع أمالى القالي ج ٢ ص ٢٧٠ طبع دار الكتب.]] أَيْ عَلَى الْيَدَيْنِ وَعَلَى الْفَمِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، يَعْنِي وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَإِلَيْهَا، أَيْ فَإِلَيْهَا تَرْجِعُ الإساءة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [[راجع ج ٢٠ ص ١٤٩.]] " أَيْ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: فَلَهَا الْجَزَاءُ وَالْعِقَابُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فَلَهَا رَبٌّ يَغْفِرُ الْإِسَاءَةَ. ثُمَّ يُحْتَمَلُ أن يكون هذا خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، أَيْ أَسَأْتُمْ فَحَلَّ بِكُمُ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ وَالتَّخْرِيبُ ثُمَّ أَحْسَنْتُمْ فَعَادَ إِلَيْكُمُ الْمُلْكُ وَالْعُلُوُّ وَانْتِظَامُ الْحَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خُوطِبَ بِهَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ ﷺ، أَيْ عَرَفْتُمُ اسْتِحْقَاقَ أَسْلَافِكُمْ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى الْعِصْيَانِ فَارْتَقِبُوا مِثْلَهُ. أَوْ يَكُونُ خِطَابًا لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) مِنْ إِفْسَادِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَتَلَهُ مَلِكٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ لَاخِتُ، قَالَهُ القتبي. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: اسْمُهُ هِرْدُوسُ، ذَكَرَهُ فِي التَّارِيخِ، حَمَلَهُ عَلَى قَتْلِهِ امْرَأَةٌ اسْمُهَا أَزْبِيلُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُكْرِمُ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَيَسْتَشِيرُهُ فِي الْأَمْرِ، فَاسْتَشَارَهُ الْمَلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَمْرَأَةٍ لَهُ فَنَهَاهُ عَنْهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَكَ، فَحَقَدَتْ أُمُّهَا عَلَى يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ أَلْبَسَتِ ابْنَتَهَا ثِيَابًا حُمْرًا رِقَاقًا وَطَيَّبَتْهَا وَأَرْسَلَتْهَا إِلَى الْمَلِكِ وَهُوَ عَلَى شَرَابِهِ، وَأَمَرَتْهَا أَنْ تَتَعَرَّضَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَهَا أَبَتْ حَتَّى يُعْطِيَهَا مَا تَسْأَلُهُ، فَإِذَا أَجَابَ سَأَلَتْ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ حَتَّى أُتِيَ بِرَأْسِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالرَّأْسُ تَتَكَلَّمُ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا تَحِلُّ لَكَ، لَا تَحِلُّ لَكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا دَمُهُ يَغْلِي، فَأَلْقَى عَلَيْهِ التُّرَابَ فَغَلَى فَوْقَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي عَلَيْهِ التُّرَابَ حَتَّى بَلَغَ سُوَرَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَغْلِي، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ مَلِكٌ مِنْ هَذِهِ الْمُلُوكِ مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ وَابْنَتَهُ فَوَرِثَ مُلْكَهُ أَخُوهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ، فَاسْتَشَارَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَعْمَلُونَ بِأَمْرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لَهُ: لَا تَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّهَا بَغِيٌّ، فَعَرَفَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهَا وَصَرَفَهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: مِنْ أَيْنَ هَذَا! حَتَّى بَلَغَهَا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ يَحْيَى، فَقَالَتْ: لَيَقْتُلَنَّ يَحْيَى أَوْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ مُلْكِهِ، فَعَمَدَتْ إِلَى ابْنَتِهَا وَصَنَّعَتْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: اذْهَبِي إِلَى عَمِّكِ عِنْدَ الْمَلَأِ فَإِنَّهُ إِذَا رَآكِ سَيَدْعُوكِ وَيُجْلِسُكِ فِي حِجْرِهِ، وَيَقُولُ سَلِينِي مَا شِئْتِ، فَإِنَّكِ لَنْ تَسْأَلِينِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكِ، فَإِذَا قَالَ لَكِ ذَلِكَ فَقُولِي: لَا أَسْأَلُ إِلَّا رَأْسَ يَحْيَى. قَالَ: وَكَانَتِ الْمُلُوكُ إِذَا تَكَلَّمَ أَحَدُهُمْ بِشَيْءٍ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَأِ ثُمَّ لَمْ يَمْضِ لَهُ نُزِعَ مِنْ مُلْكِهِ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ قتله يحيى، وَجَعَلَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ مُلْكِهِ، فَاخْتَارَ مُلْكَهُ فَقَتَلَهُ. قَالَ: فَسَاخَتْ بِأُمِّهَا الْأَرْضُ. قَالَ ابْنُ جُدْعَانَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ابْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ أَفَمَا أُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ قَتْلُ زكريا؟ قلت لا، إِنَّ زَكَرِيَّا حَيْثُ قُتِلَ ابْنُهُ انْطَلَقَ هَارِبًا مِنْهُمْ وَاتَّبَعُوهُ حَتَّى أَتَى عَلَى شَجَرَةٍ ذَاتِ سَاقٍ فَدَعَتْهُ إِلَيْهَا فَانْطَوَتْ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ مِنْ ثَوْبِهِ هُدْبَةٌ تَكْفِتُهَا الرِّيَاحُ، فَانْطَلَقُوا إِلَى الشَّجَرَةِ فَلَمْ يَجِدُوا أَثَرَهُ بَعْدَهَا، وَنَظَرُوا بِتِلْكَ الْهُدْبَةِ فَدَعَوْا بِالْمِنْشَارِ فَقَطَعُوا الشَّجَرَةَ فَقَطَعُوهُ مَعَهَا. قُلْتُ: وَقَعَ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرِيِّ [[راجع ج ٣ قسم أول ص ٧١٣ طبع أوربا.]] فَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: بعث عيسى بن مَرْيَمَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، قَالَ: كَانَ فِيمَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ نِكَاحُ ابْنَةِ الْأَخِ، قَالَ: وَكَانَ لِمَلِكِهِمُ ابْنَةُ أَخٍ تُعْجِبُهُ ... وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِمَعْنَاهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، وَكَانَ فِيمَا يُعَلِّمُونَهُمْ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ نِكَاحِ بِنْتِ الْأُخْتِ، وَكَانَ لِمَلِكِهِمْ بِنْتُ أُخْتٍ تُعْجِبُهُ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ حَاجَةٌ يَقْضِيهَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا أَنَّهُمْ نُهُوا عَنْ نِكَاحِ بِنْتِ الْأُخْتِ قَالَتْ لها: إذا دخلت على الملك وقال أَلَكِ حَاجَةٌ فَقُولِي: حَاجَتِي أَنْ تَذْبَحَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فَقَالَ: سَلِينِي سِوَى هَذَا! قَالَتْ: مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا هَذَا. فَلَمَّا أَبَتْ عَلَيْهِ دَعَا بِطَسْتٍ وَدَعَا بِهِ فَذَبَحَهُ، فَنَدَرَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَمْ تَزَلْ تغلى حتى بعث الله عليهم بخت نصر فَأَلْقَى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَقْتُلَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ مِنْهُمْ حَتَّى يَسْكُنَ ذَلِكَ الدَّمُ، فَقَتَلَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا، فِي رِوَايَةٍ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هِيَ دِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ إِنِّي قَتَلْتُ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا، وَإِنِّي قَاتِلٌ بِابْنِ ابْنَتِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا. وَعَنْ سُمَيرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: قُتِلَ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعُونَ نَبِيًّا مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَأْسَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ أَرَادُوا بِنَاءَ مَسْجِدِ دِمَشْقَ أُخْرِجَ مِنْ تَحْتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْقُبَّةِ التي تلى المحراب مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ، فَكَانَتِ الْبَشَرَةُ وَالشَّعْرُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَعَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مَا بَكَتِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَوْحَشُ مَا يَكُونُ ابْنُ آدَمَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: يَوْمَ وُلِدَ فَيَخْرُجُ إِلَى دَارِ هَمٍّ، وَلَيْلَةَ يَبِيتُ مَعَ الْمَوْتَى فَيُجَاوِرُ جِيرَانًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُمْ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَيَشْهَدُ مَشْهَدًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَحْيَى فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَوَاطِنَ:" وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [[راجع ج ١١ ص ٨٨ فما بعد.]] كُلُّهُ مِنَ التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ عَلَيْهِمْ في المرة الآخرة، فقيل: بخت نصر. وَقَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ، لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ قَتْلَ يحيى كان بعد رفع عيسى، وبخت نصر كَانَ قَبْلَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ.، وَقَبْلَ الْإِسْكَنْدَرِ، وَبَيْنَ الْإِسْكَنْدَرِ وَعِيسَى نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ، وَلَكِنَّهُ أُرِيدَ بِالْمَرَّةِ الأخرى حين قتلوا شعيا، فقد كان بخت نصر إِذْ ذَاكَ حَيًّا، فَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُمْ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَتْبَعَهُمْ إِلَى مِصْرَ. وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا. وقال الثعلبي: ومن روى أن بخت نصر هُوَ الَّذِي غَزَا بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ قَتْلِهِمْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فَغَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ والاخبار، لأنهم مجمعون على أن بخت نصر إِنَّمَا غَزَا بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ قَتْلِهِمْ شَعْيَا وفى عهد إرميا. قالوا: ومن عهد إرميا وتخريب بخت نصر بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَى مَوْلِدِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعُدُّونَ مِنْ عَهْدِ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى عِمَارَتِهِ فِي عَهْدِ كُوسَكَ [[الذي في تاريخ الطبري: "كيرش" ولم نوفق لتصويبه.]] سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ عِمَارَتِهِ إِلَى ظُهُورِ الإسكندر على بت الْمَقْدِسِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَمْلَكَةِ الْإِسْكَنْدَرِ إِلَى مَوْلِدِ يَحْيَى ثَلَاثَمَائَةٍ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ [[في الطبري: "ثلاثمائة وثلاث سنين". راجع ص ٧١٨ من القسم الأول.]] سَنَةً. قُلْتُ: ذَكَرَ جَمِيعَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّارِيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ عِيسَى مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وقتلوا يحيى- وبعض النَّاسِ يَقُولُ: لَمَّا قَتَلُوا زَكَرِيَّا- بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَابِلَ يُقَالُ لَهُ: خَردُوسُ [[في ج: جردوش. ولعله تحريف من الناسخ.]]، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِأَهْلِ بَابِلَ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالشَّأْمِ، ثُمَّ قَالَ لِرَئِيسِ جُنُودِهِ: كُنْتُ حَلَفْتُ بِإِلَهِي لَئِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَأَقْتُلَنَّهُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُهُمْ فِي وَسَطِ عَسْكَرِي، وَأَمَرَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ الرَّئِيسُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَوَجَدَ فِيهَا دِمَاءً تَغْلِي، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: دَمُ قُرْبَانٍ قَرَّبْنَاهُ فَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَّا مُنْذُ ثَمَانِينَ [[في تاريخ الطبري ص ٧٢١: "منذ ثمانمائة سنة".]] سَنَةً. قَالَ مَا صَدَقْتُمُونِي، فَذَبَحَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ سَبْعَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ فَلَمْ يَهْدَأْ، فَأَتَى بِسَبْعِمِائَةِ غُلَامٍ مِنْ غِلْمَانِهِمْ فَذُبِحُوا عَلَى الدَّمِ فَلَمْ يَهْدَأْ [[زيادة عن تاريخ الطبري.]]، فَأَمَرَ بِسَبْعَةِ آلَافٍ مِنْ سَبْيِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ فَذَبَحَهُمْ عَلَى الدَّمِ فَلَمْ يَبْرُدْ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اصْدُقُونِي قَبْلَ أَلَّا أَتْرُكَ مِنْكُمْ نَافِخُ نَارٍ مِنْ أُنْثَى وَلَا مِنْ ذَكَرٍ إِلَّا قَتَلْتُهُ. فَلَمَّا رَأَوُا الْجَهْدَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا دَمُ نَبِيٍّ مِنَّا كَانَ يَنْهَانَا عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ فَقَتَلْنَاهُ، فَهَذَا دَمُهُ، كَانَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، مَا عَصَى اللَّهَ قَطُّ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ. فَقَالَ: الْآنَ صَدَقْتُمُونِي، وَخَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ: لِمِثْلِ هَذَا يُنْتَقَمُ مِنْكُمْ، وَأَمَرَ بِغَلْقِ الْأَبْوَابِ وَقَالَ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ جَيْشِ خَردُوسَ [[في ج: جردوش. ولعله تحريف من الناسخ.]]، وَخَلَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ يَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا قَدْ عَلِمَ رَبِّي وَرَبُّكَ مَا قَدْ أَصَابَ قَوْمَكَ مِنْ أَجْلِكَ، فَاهْدَأْ بِإِذْنِ اللَّهِ قَبْلَ أَلَّا أُبْقِيَ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَهَدَأَ دَمُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ وَقَالَ: رَبِّ إِنِّي آمَنْتُ بِمَا آمَنَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَصَدَّقْتُ بِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَأْسٍ مِنْ رُءُوسِ الْأَنْبِيَاءِ: إِنَّ هَذَا الرَّئِيسَ مُؤْمِنٌ صَدُوقٌ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ خَرْدُوسَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْتُلَ مِنْكُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُكُمْ وَسَطَ عَسْكَرِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْصِيهِ، فَأَمَرَهُمْ فَحَفَرُوا خَنْدَقًا وَأَمَرَ بِأَمْوَالِهِمْ مِنَ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَذَبَحُوهَا حَتَّى سَالَ الدَّمُ إِلَى الْعَسْكَرِ، وَأَمَرَ بِالْقَتْلَى الَّذِينَ كَانُوا قُتِلُوا قَبْلَ ذَلِكَ فَطُرِحُوا عَلَى مَا قُتِلَ مِنْ مَوَاشِيهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ إِلَى بَابِلَ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُفْنِيَ بنى إسرائيل. قُلْتُ: قَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِيهِ طُولٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي (كِتَابِ التَّذْكِرَةِ) مُقَطَّعًا فِي أَبْوَابٍ فِي أَخْبَارِ الْمَهْدِيِّ، نَذْكُرُ مِنْهَا هُنَا مَا يُبَيِّنُ مَعْنَى الْآيَةِ وَيُفَسِّرُهَا حَتَّى لَا يُحْتَاجَ مَعَهُ إِلَى بَيَانٍ، قَالَ حُذَيْفَةُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ كَانَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا جَسِيمَ الْخَطَرِ عَظِيمَ الْقَدْرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هُوَ مِنْ أَجَلِّ الْبُيُوتِ ابْتَنَاهُ اللَّهُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَدُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ": وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ لَمَّا بَنَاهُ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الْجِنَّ فَأَتَوْهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْمَعَادِنِ، وَأَتَوْهُ بِالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، وَسَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْجِنَّ حَتَّى بَنَوْهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ. قَالَ حُذَيْفَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ أُخِذَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا عَصَوُا اللَّهَ وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بخت نصر وَهُوَ مِنَ الْمَجُوسِ وَكَانَ مُلْكُهُ سَبْعُمِائَةِ سَنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا "فَدَخَلُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَسَبَوُا النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَجَمِيعَ مَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فَاحْتَمَلُوهَا عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا وَمِائَةِ أَلْفِ عَجَلَةٍ حَتَّى أَوْدَعُوهَا أَرْضَ بَابِلَ، فَأَقَامُوا يَسْتَخْدِمُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ويَسْتَمْلِكُونَهُمْ بِالْخِزْيِ وَالْعِقَابِ وَالنَّكَالِ مِائَةَ عَامٍ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَحِمَهُمْ فَأَوْحَى إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْمَجُوسِ فِي أَرْضِ بَابِلَ، وَأَنْ يَسْتَنْقِذَ مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ الْمَلِكُ حَتَّى دَخَلَ أَرْضَ بَابِلَ فَاسْتَنْقَذَ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَيْدِي الْمَجُوسِ وَاسْتَنْقَذَ ذَلِكَ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَدَّهُ اللَّهُ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْمَعَاصِي عُدْنَا عَلَيْكُمْ بِالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا "فَلَمَّا رَجَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَادُوا إِلَى الْمَعَاصِي فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكُ الرُّومِ قَيْصَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً" فَغَزَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَسَبَاهُمْ وَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَأَخَذَ حُلِيَّ جَمِيعِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاحْتَمَلَهُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا وَمِائَةِ أَلْفِ عَجَلَةٍ حَتَّى أَوْدَعَهُ فِي كَنِيسَةِ الذَّهَبَ، فَهُوَ فِيهَا الْآنَ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَهْدِيُّ فَيَرُدَّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ أَلْفُ سَفِينَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ سَفِينَةٍ يُرْسَى بِهَا عَلَى يَافَا [[كذا في الطبري والدر المنثور. وفى أو ج ووو ى: يا في. وهذا خصا لنساخ.]] حَتَّى تُنْقَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِهَا يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ... " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ أَيْ مِنَ الْمَرَّتَيْنِ، وَجَوَابُ "إِذَا" مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ بَعَثْنَاهُمْ، دَلَّ عليه "بَعَثْنا" الأول. (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) أَيْ بِالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْحُزْنِ في وجوهكم، ف "لِيَسُوؤُا" مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ بَعَثْنَا عِبَادًا لِيَفْعَلُوا بِكُمْ مَا يَسُوءُ وُجُوهَكُمْ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوُجُوهِ السَّادَةُ، أَيْ لِيُذِلُّوهُمْ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ "لِنَسُوءَ" بِنُونٍ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ، فِعْلُ مُخْبِرٍ عَنْ نَفْسِهِ مُعَظَّمٍ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: وَقَضَيْنَا وَبَعَثْنَا وَرَدَدْنَا". وَنَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ. وتصديقها قراءة أبى "لنسوأن" بِالنُّونِ وَحَرْفِ التَّوْكِيدِ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَابْنُ عَامِرٍ "لِيَسُوءَ" بِالْيَاءِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَلَهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- لِيَسُوءَ اللَّهُ وُجُوهَكُمْ. وَالثَّانِي- لِيَسُوءَ الْوَعْدُ وُجُوهَكُمْ. وقرا الباقون "لِيَسُوؤُا" بِالْيَاءِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْجَمْعِ، أَيْ لِيَسُوءَ الْعِبَادُ الَّذِينَ هُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وُجُوهَكُمْ. (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا) أَيْ لِيُدَمِّرُوا وَيُهْلِكُوا. وَقَالَ قُطْرُبٌ: يَهْدِمُوا، قَالَ الشَّاعِرُ: فَمَا النَّاسُ إِلَّا عَامِلَانِ فَعَامِلٌ ... يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعُ (مَا عَلَوْا) أَيْ غلبوا عليه من بلادكم (تَتْبِيراً).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب