الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ﴾؛ أيْ: وقُلْنا لَكُمْ: إنْ أحْسَنْتُمْ فَأطَعْتُمُ اللَّهَ ﴿أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ﴾؛ أيْ: عاقِبَةُ الطّاعَةِ لَكم ﴿وَإنْ أسَأْتُمْ﴾ بِالفَسادِ والمَعاصِي ﴿فَلَها﴾، وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ بِمَعْنى: فَإلَيْها. والثّانِي: فَعَلَيْها. ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ﴾، جَوابُ " فَإذا " مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: فَإذا جاءَ (p-١١)وَعْدُ عُقُوبَةِ المَرَّةِ الآَخِرَةِ مِن إفْسادِكُمْ، بَعَثْناهم لَيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ، وهَذا الفَسادُ الثّانِي هو قَتْلُهم يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا، وقَصْدُهم قَتْلَ " عِيسى " فَرُفِعَ، وسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُلُوكَ فارِسٍ والرُّومِ فَقَتَلُوهم وسَبَوْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ . قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: ( لِيَسُوؤُوا ) بِالياءِ عَلى الجَمِيعِ والهَمْزِ بَيْنَ الواوَيْنِ، والإشارَةُ إلى المَبْعُوثِينَ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: ( لِيَسُوءَ وُجُوهُكم ) عَلى التَّوْحِيدِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِيَسُوءَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. والثّانِي: لِيَسُوءَ البَعْثُ. وقَرَأ الكِسائِيُّ: ( لِنَسُوءَ ) بِالنُّونِ، وذَلِكَ راجِعٌ إلى اللَّهِ تَعالى. وَفِيمَن بُعِثَ عَلَيْهِمْ في المَرَّةِ الثّانِيَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: بُخْتَنَصَّرُ، قالَهُ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ، وكَثِيرٌ مِنَ الرُّواةِ يَأْبى هَذا القَوْلَ، يَقُولُونَ: كانَ بَيْنَ تَخْرِيبِ ( بُخْتَنَصَّرَ ) بَيْتُ المَقْدِسِ وبَيْنَ مَوْلِدِ يَحْيى بْنِ زَكَرِيّا زَمانٌ طَوِيلٌ. والثّانِي: انْطِياخُوسُ الرُّومِيُّ، قالَهُ مُقاتِلٌ. ومَعْنى ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾؛ أيْ: لِيُدْخِلُوا عَلَيْكُمُ الحُزْنَ بِما يَفْعَلُونَ مِن قَتْلِكم وسَبْيِكُمْ، وخُصَّتِ المَساءَةُ بِالوُجُوهِ، والمُرادُ: أصْحابُ الوُجُوهِ، لِما يَبْدُو عَلَيْها مِن أثَرِ الحُزْنِ والكَآَبَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ﴾، يَعْنِي: بَيْتَ المَقْدِسِ، ﴿ " كَما دَخَلُوهُ﴾ " في المَرَّةِ الأُولى، ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾؛ أيْ: لِيُدَمِّرُوا ويُخَرِّبُوا. قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ لِكُلِّ شَيْءٍ يَنْكَسِرُ مِنَ الزُّجاجِ والحَدِيدِ والذَّهَبِ: تِبْرٌ، ومَعْنى ﴿ما عَلَوْا﴾؛ أيْ: لِيُدَمِّرُوا في حالِ عُلُوِّهِمْ عَلَيْكم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ هَذا مِمّا وُعِدُوا بِهِ في التَّوْراةِ. و " عَسى " مِنَ اللَّهِ واجِبَةٌ، فَرَحِمَهُمُ [ اللَّهُ ] بَعْدَ انْتِقامِهِ مِنهُمْ، وعَمَّرَ بِلادَهُمْ، وأعادَ نِعَمَهم (p-١٢)بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً. ﴿وَإنْ عُدْتُمْ﴾ إلى مَعْصِيَتِنا ﴿عُدْنا﴾ إلى عُقُوبَتِكم. قالَ المُفَسِّرُونَ: ثُمَّ إنَّهم عادُوا إلى المَعْصِيَةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُلُوكًا مِن مُلُوكِ فارِسٍ والرُّومِ. قالَ قَتادَةُ: ثُمَّ كانَ آَخِرُ ذَلِكَ أنْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ، فَهم في عَذابٍ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، فَيُعْطُونَ الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهم صاغِرُونَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: سِجْنًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ. وقالَ مُجاهِدٌ: يُحْصَرُونَ فِيها. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ وابْنُ قُتَيْبَةَ: مَحْبِسًا. وقالَ الزَّجّاجُ: " حَصِيرًا ": حَبْسًا، أُخِذَ مِن قَوْلِكَ: حَصَرْتُ الرَّجُلَ: إذا حَبَسْتُهُ، فَهو مَحْصُورٌ، وهَذا حَصِيرُهُ؛ أيْ: مَحْبِسُهُ، والحَصِيرُ: المَنسُوجُ، سُمِّيَ حَصِيرًا؛ لِأنَّهُ حُصِرَتْ طاقاتُهُ بَعْضُها مَعَ بَعْضٍ، ويُقالُ لِلْجُنُبِ: حَصِيرٌ؛ لِأنَّ بَعْضَ الأضْلاعِ مَحْصُورٌ مَعَ بَعْضٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: حَصِيرًا: بِمَعْنى: حاصِرَةً، فَصُرِفَ مِن حاصِرَةٍ إلى حَصِيرٍ، كَما صُرِفَ ( مُؤْلِمٌ ) إلى ألِيمٍ. والثّانِي: فِراشًا ومِهادًا، قالَهُ الحَسَنُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جَهَنَّمَ لَهم مِهادًا بِمَنزِلَةِ الحَصِيرِ، والحَصِيرُ: البِساطُ الصَّغِيرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب