الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ أَيْ إِذَا صَلَّيْتَ فَأَكْثِرْ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: مَعْنَى سَبِّحْ: صَلِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِحَمْدِ رَبِّكَ أَيْ حَامِدًا لَهُ عَلَى مَا آتَاكَ مِنَ الظَّفَرِ وَالْفَتْحِ. وَاسْتَغْفِرْهُ أَيْ سَلِ اللَّهَ الْغُفْرَانَ. وَقِيلَ: فَسَبِّحْ الْمُرَادُ بِهِ: التَّنْزِيهُ، أَيْ نَزِّهْهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَعَ شُكْرِكَ لَهُ. وَاسْتَغْفِرْهُ أَيْ سَلِ اللَّهَ الْغُفْرَانَ مَعَ مُدَاوَمَةِ الذِّكْرِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. رَوَى الْأَئِمَّةُ (وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةُ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَّا يَقُولُ: [سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي [وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: [سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي [. يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ: وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ آخِرَ أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجئ وَلَا يَذْهَبُ إِلَّا قَالَ: [سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، استغفر الله وأتوب إِلَيْهِ- قَالَ- فَإِنِّي أُمِرْتُ بِهَا- ثُمَّ قَرَأَ- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إِلَى آخِرِهَا [. وقال أبو هريرة: اجتهد النبي ﷺ بَعْدَ نُزُولِهَا، حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ. وَنَحَلَ جِسْمُهُ، وَقَلَّ تَبَسُّمُهُ، وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ مَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ نُزُولِهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا نَزَلَتْ قَرَأَهَا النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَبَكَى الْعَبَّاسُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: [مَا يُبْكِيكَ يَا عَمُّ؟ [قَالَ: نُعِيَتْ إِلَيْكَ نَفْسُكَ. قَالَ: [إِنَّهُ لَكَمَا تَقُولُ [، فَعَاشَ بَعْدَهَا سِتِّينَ [[الذي في الطبري والكشاف: (سنتين).]] يَوْمًا، مَا رُئِيَ فِيهَا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا. وَقِيلَ: نزلت في منى بعد أيام التشريق، حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَبَكَى عُمَرُ وَالْعَبَّاسُ، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّ هَذَا يَوْمُ فَرَحٍ، فَقَالَا: بَلْ فِيهِ نَعْيُ النَّبِيِّ ﷺ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: [صَدَقْتُمَا، نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي [. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْذَنُ لِأَهْلِ بَدْرٍ، وَيَأْذَنُ لِي مَعَهُمْ. قَالَ: فَوَجِدَ [[أي غضب.]] بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: يَأْذَنُ لِهَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَمِنْ أَبْنَائِنَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ! فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ [[أي من جهة ذكائه وزيادة معرفته. أو من جهة قرابته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.]]. قَالَ: فَأَذِنَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقالوا: أمر اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ ﷺ إِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ، وَأَنْ يَتُوبَ إِلَيْهِ. فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قُلْتُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ حُضُورَ أَجَلِهِ، فَقَالَ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، فَذَلِكَ عَلَامَةُ مَوْتِكِ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَلُومُونَنِي عَلَيْهِ؟ وَفِي الْبُخَارِيِّ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ عبد الرحمن ابن عَوْفٍ: أَتَسْأَلُهُ وَلَنَا بَنُونَ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ نَعْلَمُ. فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. فَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، وَقَرَأَ السُّورَةَ إِلَى آخِرَهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَاذَا يُغْفَرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ؟ قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: [رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي، وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وأنت المؤخر، إنك على شي قَدِيرٌ [. فَكَانَ ﷺ يَسْتَقْصِرُ نَفْسَهُ لِعِظَمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَيَرَى قُصُورَهُ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّ ذَلِكَ ذُنُوبًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى: كُنْ مُتَعَلِّقًا بِهِ، سَائِلًا رَاغِبًا، مُتَضَرِّعًا عَلَى رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ، لِئَلَّا يَنْقَطِعَ إِلَى رُؤْيَةِ الْأَعْمَالِ. وقيل: الاستغفار تعبد يجب أتيناه، لَا لِلْمَغْفِرَةِ، بَلْ تَعَبُّدًا. وَقِيلَ: ذَلِكَ تَنْبِيهٌ لِأُمَّتِهِ، لِكَيْلَا يَأْمَنُوا وَيَتْرُكُوا الِاسْتِغْفَارَ. وَقِيلَ: وَاسْتَغْفِرْهُ أَيِ اسْتَغْفِرْ لِأُمَّتِكَ.
(إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً): أَيْ عَلَى الْمُسَبِّحِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ، يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَيَرْحَمُهُمْ، وَيَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ. وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مَعْصُومٌ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ، فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ؟ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: [سُبْحَانَ الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه [. قالت: فقلت يا رسول الله أراك تكثر مِنْ قَوْلِ (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ:) خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ- فَتْحُ مَكَّةَ- وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً.
(وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ نَزَلَتْ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [[آية ٣ سورة المائدة.]] [المائدة: ٣] فَعَاشَ بَعْدَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ ثَمَانِينَ يَوْمًا. ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْكَلَالَةِ [[آخر سورة النساء.]]، فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ يَوْمًا. ثُمَّ نَزَلَ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [[آية ١٢٨ سورة التوبة.]] [التوبة: ١٢٨] فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. ثُمَّ نَزَلَ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ [[آية ٢٨١ سورة البقرة.]] إِلَى اللَّهِ فَعَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ غَيْرَ هَذَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي "البقرة" بيانه [[راجع ج ٣ ص ٣٧٥]]، والحمد الله.
{"ayah":"فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق