الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوّابًا﴾ . تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى التَّسْبِيحِ ومُتَعَلِّقِهِ وتَصْرِيفِهِ.
وَهُنا قَرَنَ التَّسْبِيحَ بِحَمْدِ اللَّهِ، وفِيهِ ارْتِباطٌ لَطِيفٌ بِأوَّلِ السُّورَةِ ومَوْضُوعِها، إذْ هي في الدَّلالَةِ عَلى كَمالِ مُهِمَّةِ الرِّسالَةِ بِمَجِيءِ نَصْرِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ ولِلْمُؤْمِنِينَ ولِدِينِهِ. ومَجِيءِ الفَتْحِ العامِّ عَلى المُسْلِمِينَ لِبِلادِ اللَّهِ بِالفِعْلِ أوْ بِالوَعْدِ الصّادِقِ كَما تَقَدَّمَ، وهي نِعْمَةٌ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ ويَسْتَحِقُّ مُولِيها الحَمْدَ.
فَكانَ التَّسْبِيحُ مُقْتَرِنًا بِالحَمْدِ في مُقابِلِ ذَلِكَ وقَوْلُهُ: ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾، لِيُشْعِرَ أنَّهُ سُبْحانَهُ المُولِي لِلنِّعَمِ، كَما جاءَ في سُورَةِ الضُّحى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى﴾ [الضحى: ٣] .
(p-١٤١)وَقَوْلُهُ في سُورَةِ اقْرَأْ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١]، وتَكْرارُها ﴿اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ﴾ [العلق: ٣]؛ لِأنَّ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ مُشْعِرَةٌ بِالإنْعامِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿واسْتَغْفِرْهُ﴾، قالَ بَعْضُهم: إنَّ الِاسْتِغْفارَ عَنْ ذَنْبٍ فَما هو. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح: ٢] .
وَمِمّا تَجْدُرُ الإشارَةُ إلَيْهِ أنَّ التَّوْبَةَ دَعْوَةُ الرُّسُلِ، ولَوْ بَدَأْنا مَعَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ قِصَّتِهِ فَفِيها: ﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٣٧]، ومَعْلُومٌ مُوجِبُ تِلْكَ التَّوْبَةِ.
ثُمَّ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ الآيَةَ [نوح: ٢٨] .
وَإبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: ﴿وَأرِنا مَناسِكَنا وتُبْ عَلَيْنا إنَّكَ أنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٨] .
وَبِناءً عَلَيْهِ قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّ الِاسْتِغْفارَ نَفْسَهُ عِبادَةٌ كالتَّسْبِيحِ، فَلا يَلْزَمُ مِنهُ وُجُودُ ذَنْبٍ.
وَقِيلَ: هو تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ.
وَقِيلَ: رَفْعٌ لِدَرَجاتِهِ ﷺ .
وَقَدْ جاءَ في السُّنَّةِ، أنَّهُ ﷺ قالَ: «تُوبُوا إلى اللَّهِ، فَإنِّي أتُوبُ إلى اللَّهِ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»، فَتَكُونُ أيْضًا مِن بابِ الِاسْتِكْثارِ مِنَ الخَيْرِ، والإنابَةِ إلى اللَّهِ.
* تَنْبِيهٌ
جاءَ في التَّفْسِيرِ عِنْدَ الجَمِيعِ أنَّهُ ﷺ مُنْذُ أنْ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ وهو لَمْ يَكُنْ يَدَعُ قَوْلَهُ: «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ» تَقُولُ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: ”يَتَأوَّلُ القُرْآنَ“ أيْ: يُفَسِّرُهُ، ويَعْمَلُ بِهِ.
وَنَقَلَ أبُو حَيّانَ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّهُ قالَ: والأمْرُ بِالِاسْتِغْفارِ مَعَ التَّسْبِيحِ تَكْمِيلٌ لِلْأمْرِ (p-١٤٢)بِما هو قِوامُ أمْرِ الدِّينِ، مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ الطّاعَةِ والِاحْتِرازِ مِنَ المَعْصِيَةِ، ولِيَكُونَ أمْرُهُ بِذَلِكَ مَعَ عِصْمَتِهِ لُطْفًا لِأُمَّتِهِ، ولِأنَّ الِاسْتِغْفارَ مِنَ التَّواضُعِ وهَضْمِ النَّفْسِ فَهو عِبادَةٌ في نَفْسِهِ.
وَفِي هَذا لَفْتُ نَظَرٍ لِأصْحابِ الأذْكارِ والأوْرادِ الَّذِينَ يَحْرِصُونَ عَلى دَوامِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى، حَيْثُ هَذا كانَ مَن أكْثَرِ ما يُداوِمُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مَعَ ما ورَدَ عَنْهُ ﷺ في أذْكارِ الصَّباحِ والمَساءِ دُونَ المُلازَمَةِ عَلى ذِكْرِ اسْمٍ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى وحْدَهُ، مُنْفَرِدًا مِمّا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ ولا صَرِيحٌ.
وَلا شَكَّ أنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ في الِاتِّباعِ لا في الِابْتِداعِ، وأيُّ خَيْرٍ أعْظَمُ مِمّا اخْتارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ في آخِرِ حَياتِهِ، ويَأْمُرُهُ بِهِ، ويُلازِمُ هو عَلَيْهِ.
وَقُلْنا في آخِرِ حَياتِهِ: لِأنَّهُ ﷺ تُوُفِّيَ بَعْدَها بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةُ الإيماءِ، كَما قالُوا: ودَلالَةُ الِالتِزامِ كَما جاءَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قِصَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ كِبارِ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، حِينَما كانَ يَسْمَحُ لَهُ بِالجُلُوسِ مَعَهم، ويَرى في وُجُوهِهِمْ، وسَألُوهُ وقالُوا: إنَّ لَنا أوْلادًا في سِنِّهِ، فَقالَ: إنَّهُ مِن حَيْثُ عَلِمْتُمْ.
وَفِي يَوْمٍ اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَدَعاهُ عُمَرُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَعَلِمْتُ أنَّهُ ما دَعانِي إلّا لِأمْرٍ، فَسَألَهم عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾، السُّورَةَ.
فَقالُوا: إنَّها بُشْرى بِالفَتْحِ وبِالنَّصْرِ، فَقالَ: ما تَقُولُ أنْتَ يا ابْنَ عَبّاسٍ ؟
قالَ: فَقُلْتُ، لا واللَّهِ، إنَّها نَعَتْ إلَيْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو بَيْنَ أظْهُرِنا.
فَقالَ عُمَرُ: وأنا لا أعْرِفُ فِيها إلّا كَما قُلْتَ، أيْ: أنَّهُ ﷺ جاءَ لِمُهِمَّةٍ، وقَدْ تَمَّتْ بِمَجِيءِ النَّصْرِ والفَتْحِ والدُّخُولِ في الدِّينِ أفْواجًا.
وَعَلَيْهِ يَكُونُ قَدْ أدّى الأمانَةَ وبَلَّغَ الرِّسالَةَ. فَعَلَيْهِ أنْ يَتَأهَّبَ لِمُلاقاةِ رَبِّهِ لِيَلْقى جَزاءَ عَمَلِهِ، وهو مَأْخَذٌ في غايَةِ الدِّقَّةِ، وبَيانٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أوْ فَهْمٌ أعْطاهُ اللَّهُ مَن شاءَ في كِتابِ اللَّهِ.
{"ayah":"فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق