الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً﴾ أَيْ وَأَرْسَلْنَا، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى "أَرْسَلْنا نُوحاً". وَقِيلَ لَهُ أَخُوهُمْ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَكَانَتِ الْقَبِيلَةُ تَجْمَعُهُمْ، كَمَا تَقُولُ: يَا أَخَا تَمِيمٍ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ أَخُوهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ كَمَا أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي "الْأَعْرَافِ" [[راجع ج ٧ ص ٢٣٥ فما بعد.]] وَكَانُوا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ. وَقِيلَ: هُمْ عَادَانِ، عَادٌ الْأُولَى وَعَادٌ الْأُخْرَى، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأُولَى، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَهُوَ شَدَّادٌ وَلُقْمَانُ الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ﴾[[راجع ج ٢٠ ص ٤٤.]] [الفجر: ٧]. وعاد اسم رَجُلٍ ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ انْتَسَبُوا إِلَيْهِ.
(قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) بِالْخَفْضِ عَلَى اللَّفْظِ، وَ "غَيْرُهُ" بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِعِ، وَ "غَيْرُهُ" بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ.
(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أَيْ مَا أَنْتُمْ فِي اتِّخَاذِكُمْ إِلَهًا غَيْرَهُ إِلَّا كَاذِبُونَ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَزَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. وَالْفِطْرَةُ ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) مَا جَرَى عَلَى قَوْمِ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
(يُرْسِلِ السَّماءَ) جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ. "(عَلَيْكُمْ مِدْراراً) " نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّكْثِيرِ، أَيْ يُرْسِلِ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ مُتَتَابِعًا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ الْهَاءَ فِي مِفْعَالٍ عَلَى النَّسَبِ، وَأَكْثَرُ مَا يَأْتِي مِفْعَالٌ مِنْ أَفْعَلَ، وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا مِنْ فَعَلَ، لِأَنَّهُ مِنْ دَرَّتِ السَّمَاءُ تَدِرُّ وَتَدُرُّ فَهِيَ مِدْرَارٌ. وَكَانَ قَوْمُ هُودٍ- أَعْنِي عَادًا- أَهْلَ بَسَاتِينَ وَزُرُوعٍ وَعِمَارَةٍ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمُ الرِّمَالَ الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْأَعْرَافِ" [[راجع ج ٧ ص ٢٣٦.]].
(وَيَزِدْكُمْ) عَطْفٌ عَلَى يُرْسِلْ.
(قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) قَالَ مُجَاهِدٌ: شِدَّةٌ عَلَى شِدَّتِكُمْ. الضَّحَّاكُ: خِصْبًا إِلَى خِصْبِكُمْ. عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: عِزًّا عَلَى عِزِّكُمْ. عِكْرِمَةُ: وَلَدًا إِلَى وَلَدِكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ [وَأَعْقَمَ الْأَرْحَامَ [[من ع وو.]]] ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمْ يُولَدْ لَهُمْ وَلَدٌ، فَقَالَ لهم هود: إن آمنتم أحيى اللَّهُ بِلَادَكُمْ وَرَزَقَكُمُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَتِلْكَ الْقُوَّةُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى يَزِدْكُمْ قُوَّةً فِي النِّعَمِ.
(وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) أَيْ لَا تُعْرِضُوا عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَتُقِيمُوا عَلَى الْكُفْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ﴾ أَيْ حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ.
(وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) إِصْرَارًا مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ﴾ أَيْ أَصَابَكَ.
(بَعْضُ آلِهَتِنا) أَيْ أَصْنَامِنَا.
(بِسُوءٍ) أَيْ بِجُنُونٍ لِسَبِّكَ إِيَّاهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. يُقَالُ: عَرَاهُ الْأَمْرُ وَاعْتَرَاهُ إِذَا أَلَمَّ بِهِ. وَمِنْهُ ﴿وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾[[راجع ج ١٢ ص ٤٧.]] [الحج: ٣٦].
(قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ) أَيْ عَلَى نَفْسِي.
(وَاشْهَدُوا) أَيْ وَأُشْهِدُكُمْ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ شَهَادَةٍ، ولكنه نهاية للتقرير، أي لتعرفوا (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا) أَيْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا.
(فَكِيدُونِي جَمِيعاً) أَيْ أَنْتُمْ وَأَوْثَانَكُمْ فِي عَدَاوَتِي وَضُرِّي.
(ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ) أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِ. وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الثِّقَةِ بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ وَحْدَهُ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: "فَكِيدُونِي جَمِيعاً". وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِقُرَيْشٍ. وَقَالَ نُوحٌ ﷺ ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ﴾[[راجع ج ٨ ص ٣٦٢.]] [يونس: ٧١] الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ أَيْ رَضِيتُ بِحُكْمِهِ، وَوَثِقْتُ بِنَصْرِهِ.
(مَا مِنْ دَابَّةٍ) أَيْ نَفْسٍ تَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ.
(إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أَيْ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُهَا مِمَّا يَشَاءُ، أَيْ فَلَا تَصِلُونَ إِلَى ضُرِّي. وَكُلُّ مَا فِيهِ رُوحٌ يُقَالُ لَهُ دَابٌّ وَدَابَّةٌ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَالِكُهَا، وَالْقَادِرُ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: قَاهِرُهَا، لِأَنَّ مَنْ أَخَذْتَ بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْتَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُحْيِيهَا ثُمَّ يُمِيتُهَا، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَالنَّاصِيَةُ قُصَاصُ الشَّعْرِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ. وَنَصَوْتُ الرَّجُلَ أَنْصُوهُ نَصْوًا أَيْ مَدَدْتُ نَاصِيَتَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّمَا خَصَّ النَّاصِيَةَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ إِذَا وَصَفَتْ إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ، فَيَقُولُونَ. مَا نَاصِيَةُ فلان إلا بيد فلان، ألا إِنَّهُ مُطِيعٌ لَهُ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ. وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا أَسِيرًا وَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنَّ عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَتَهُ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَخْرًا عَلَيْهِ، فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي كَلَامِهِمْ. وَقَالَ، التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي "نَوَادِرِ الْأُصُولِ" قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ وَجْهُهُ عِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ مَقَادِيرَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، ثم نظر إليها، ثم خلق خلقه، وقدر نَفَذَ بَصَرُهُ فِي جَمِيعِ مَا هُمْ فِيهِ عَامِلُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، فَلَمَّا خَلَقَهُمْ وَضَعَ نُورُ تِلْكَ النَّظْرَةِ فِي نَوَاصِيهِمْ فَذَلِكَ النُّورُ آخِذٌ بِنَوَاصِيهِمْ، يُجْرِيهِمْ إِلَى أَعْمَالِهِمُ الْمُقَدَّرَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْمَقَادِيرِ. وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أن يخلق السموات وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، رَوَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "قَدَّرَ الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة". ولهذا قَوِيَتِ الرُّسُلُ وَصَارُوا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا نُورَ النَّوَاصِي، وَأَيْقَنُوا أَنَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ مُنْقَادُونَ بِتِلْكَ الْأَنْوَارِ إِلَى مَا نَفَذَ بَصَرُهُ فِيهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَأَوْفَرُهُمْ حَظًّا مِنَ الْمُلَاحَظَةِ أَقْوَاهُمْ فِي الْعَزْمِ، وَلِذَلِكَ مَا قَوِيَ هُودٌ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى قَالَ: "فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها". وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ نَاصِيَةٌ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ نُصَّتْ وَبَرَزَتْ مِنْ غَيْبِ الْغَيْبِ فَصَارَتْ مَنْصُوصَةً فِي الْمَقَادِيرِ، قَدْ نَفَذَ بَصَرُ الْخَالِقِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِ الْخَلْقِ بِقُدْرَةٍ، ثُمَّ وُضِعَتْ حَرَكَاتُ كُلِّ مَنْ دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ حَيًّا فِي جَبْهَتِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ نَاصِيَةً، لِأَنَّهَا تَنُصُّ حَرَكَاتِ الْعِبَادِ بِمَا قُدِّرَ، فَالنَّاصِيَةُ مَأْخُوذَةٌ بِمَنْصُوصِ الْحَرَكَاتِ الَّتِي نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا. وَوَصَفَ نَاصِيَةَ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ: ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾[[راجع ج ٢٠ ص ١٢٤.]] [العلق: ١٦] يُخْبِرُ أَنَّ النَّوَاصِيَ فِيهَا كَاذِبَةٌ خَاطِئَةٌ، فَعَلَى سَبِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ النَّاصِيَةُ مَنْسُوبَةً إِلَى الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ. [وَاللَّهُ أَعْلَمُ [[من ع.]]].
(إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قَالَ النَّحَّاسُ: الصِّرَاطُ فِي اللُّغَةِ الْمِنْهَاجُ الْوَاضِحُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى كُلِّ شي فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُمْ إِلَّا بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا خَلَلَ فِي تَدْبِيرِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ.
(قَوْلُهُ تَعَالَى:) فَإِنْ تَوَلَّوْا) فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ، فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ، وَالْأَصْلُ تَتَوَلَّوْا، فَحُذِفَتِ التَّاءُ لِاجْتِمَاعِ تَاءَيْنِ.
(فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) بِمَعْنَى قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ.
(وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أَيْ يُهْلِكُكُمْ وَيَخْلُقُ مَنْ هُوَ أَطْوَعُ لَهُ مِنْكُمْ يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ. "وَيَسْتَخْلِفُ" مَقْطُوعٌ مِمَّا قَبْلَهُ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ، أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَجِبُ فِيمَا بَعْدَ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: "فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ". وَرُوِيَ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ "وَيَسْتَخْلِفْ" بِالْجَزْمِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ وَمَا بَعْدَهَا، مِثْلُ:" وَيَذَرُهُمْ [[بالباء وسكون الراء قراءة. راجع ج ٧ ص ٣٣٤.]] فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ" [الأعراف: ١٨٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً﴾ أَيْ بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ.
(إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي لكل شي حَافِظٌ. "عَلى " بِمَعْنَى اللَّامِ، فَهُوَ يَحْفَظُنِي مِنْ أن تنالوني بسوء.
(قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أَيْ عَذَابُنَا بِهَلَاكِ عَادٍ.
(نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَنْجُو إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ "لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ". وَقِيلَ: مَعْنَى "بِرَحْمَةٍ مِنَّا" بِأَنْ بَيَّنَّا لَهُمُ الْهُدَى الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ. وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ.
(وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أَيْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: هُوَ الرِّيحُ الْعَقِيمُ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي "الذَّارِيَاتِ" [[راجع ج ١٧ ص ٥٠.]] وَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ: وَالْعَذَابُ الَّذِي يَتَوَعَّدُ بِهِ النَّبِيَّ أُمَّتُهُ إِذَا حَضَرَ يُنَجِّي اللَّهُ مِنْهُ النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ، نَعَمْ! لَا يَبْعُدُ أَنْ يَبْتَلِيَ اللَّهُ نَبِيًّا وَقَوْمَهُ فَيَعُمُّهُمْ بِبَلَاءٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ عُقُوبَةً لِلْكَافِرِينَ، وَتَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا تَوَعَّدَهُمُ النَّبِيُّ بِهِ.
(قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَتِلْكَ عادٌ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ لَا يَصْرِفُ "عَادًا" فَيَجْعَلُهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ.
(جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أَيْ كَذَّبُوا بِالْمُعْجِزَاتِ وَأَنْكَرُوهَا.
(وَعَصَوْا رُسُلَهُ) يَعْنِي هُودًا وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِمْ مِنَ الرُّسُلِ سِوَاهُ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ﴾[[راجع ج ١٢ ص ١٢٧.]] [المؤمنون: ٥١] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ رَسُولٌ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ هَاهُنَا لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا وَاحِدًا فَقَدْ كَفَرَ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ. وَقِيلَ: عَصَوْا هُودًا وَالرُّسُلَ قَبْلَهُ، وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَلْفُ رَسُولٍ لَجَحَدُوا الْكُلَّ.
(وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أَيِ اتَّبَعَ سُقَّاطُهُمْ رُؤَسَاءَهُمْ. وَالْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ. وَالْعَنِيدُ الطَّاغِي الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ وَلَا يُذْعِنُ لَهُ [[في ع: ينقاد.]]. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعَنِيدُ وَالْعَنُودُ وَالْعَانِدُ وَالْمُعَانِدُ الْمُعَارِضُ بِالْخِلَافِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعِرْقِ الَّذِي يَنْفَجِرُ بِالدَّمِ عَانِدٌ. وَقَالَ الرَّاجِزُ:
إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ الْعُنَّدَا [[صدر البيت:
إذا رحلت فاجعلوني وسطا
.]]
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً﴾ أَيْ أُلْحِقُوهَا.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أَيْ وَأُتْبِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَالتَّمَامُ عَلَى قَوْلِهِ: "وَيَوْمَ الْقِيامَةِ".
(أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ كَفَرُوا نِعْمَةَ رَبِّهِمْ، قَالَ: وَيُقَالُ كَفَرْتُهُ وَكَفَرْتُ بِهِ، مِثْلُ شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ.
(أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) أَيْ لَا زَالُوا مُبْعَدِينَ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَالْبُعْدُ الْهَلَاكُ. وَالْبُعْدُ التَّبَاعُدُ مِنَ الْخَيْرِ. يُقَالُ: بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا إِذَا تَأَخَّرَ وَتَبَاعَدَ. وَبَعِدَ يَبْعَدُ بَعَدًا إِذَا هَلَكَ، قَالَ:
لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ ... سُمُّ الْعُدَاةِ وَآفَةِ الْجُزْرِ [[تقدم شرح البيت في هامش ج ٦ ص ١٤.]]
وَقَالَ النَّابِغَةُ:
فَلَا تَبْعَدَنْ إِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْهَلٌ ... وَكُلُّ امرئ يوما به الحال زائل
{"ayahs_start":50,"ayahs":["وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ","یَـٰقَوۡمِ لَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِی فَطَرَنِیۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ","وَیَـٰقَوۡمِ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیَزِدۡكُمۡ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمۡ وَلَا تَتَوَلَّوۡا۟ مُجۡرِمِینَ","قَالُوا۟ یَـٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَیِّنَةࣲ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِیۤ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِینَ","إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءࣲۗ قَالَ إِنِّیۤ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوۤا۟ أَنِّی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ","مِن دُونِهِۦۖ فَكِیدُونِی جَمِیعࣰا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ","إِنِّی تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّی وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَاۤبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِیَتِهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّاۤ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦۤ إِلَیۡكُمۡۚ وَیَسۡتَخۡلِفُ رَبِّی قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَفِیظࣱ","وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا هُودࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَنَجَّیۡنَـٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِیظࣲ","وَتِلۡكَ عَادࣱۖ جَحَدُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡا۟ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوۤا۟ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ","وَأُتۡبِعُوا۟ فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا لَعۡنَةࣰ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ أَلَاۤ إِنَّ عَادࣰا كَفَرُوا۟ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدࣰا لِّعَادࣲ قَوۡمِ هُودࣲ"],"ayah":"إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءࣲۗ قَالَ إِنِّیۤ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوۤا۟ أَنِّی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق