الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ "الْهُمَزَةِ" مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ. وَهِيَ تِسْعُ آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي "الْوَيْلِ" فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ [[راجع ج ٢ ص ٧ طبعه ثانية.]]، وَمَعْنَاهُ الْخِزْيُ وَالْعَذَابُ وَالْهَلَكَةُ. وَقِيلَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ [[في بعض نسخ الأصل (المفرقون).]] بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ، فَعَلَى هَذَا هُمَا بِمَعْنًى. وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: [شِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ [. وَعَنِ ابْنِ عباس أن الهمزة: القتات، وَاللُّمَزَةَ: الْعَيَّابُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: الْهُمَزَةُ: الَّذِي يَغْتَابُ وَيَطْعَنُ فِي وَجْهِ الرَّجُلِ، وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَغْتَابُهُ مِنْ خَلْفِهِ إِذَا غَابَ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ: هَمَزْتُكَ فَاخْتَضَعْتَ بِذُلِّ نَفْسٍ ... بِقَافِيَةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ [[رواية البيت كما في ديوانه: مجللة تعممه شنارا ... مضرمة تأجج كالشواظ كهمزة ضيغم يحمى عربنا ... شديد مغارز الأضلاع خاظي [ ..... ]]] وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ [[آية ٥٨ سورة التوبة.]] [التوبة: ٥٨]. وَقَالَ مُقَاتِلٌ ضِدَّ هَذَا الْكَلَامِ: إِنَّ الْهُمَزَةَ: الذي يغتاب بالغيبة، واللمزة: الذي يغتاب في الْوَجْهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: الْهُمَزَةُ: الطَّعَّانُ فِي الناس، والهمزة: الطَّعَّانُ فِي أَنْسَابِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ الْهَامِزُ: الَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَيَضْرِبُهُمْ، وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَلْمِزُهُمْ بِلِسَانِهِ وَيَعِيبُهُمْ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَهْمِزُ بِلِسَانِهِ، وَيَلْمِزُ بِعَيْنَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْهُمَزَةُ الَّذِي يُؤْذِي جُلَسَاءَهُ بِسُوءِ اللَّفْظِ، وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَكْسِرُ عَيْنَهُ عَلَى جَلِيسِهِ، وَيُشِيرُ بِعَيْنِهِ وَرَأْسِهِ وَبِحَاجِبَيْهِ. وَقَالَ مُرَّةً: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْقَتَّاتُ الطَّعَّانُ لِلْمَرْءِ إِذَا غَابَ. وَقَالَ زِيَادٌ الْأَعْجَمُ: تُدْلِي بِوُدِّي إِذَا لَاقَيْتَنِي كَذِبًا ... وَإِنْ أُغَيَّبْ فَأَنْتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ وَقَالَ آخَرُ: إِذَا لَقِيْتُكَ عَنْ سُخْطٍ تُكَاشِرُنِي ... وَإِنْ تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الْهَامِزَ اللمزة الشحط: العبد. وَالْهُمَزَةُ: اسْمٌ وُضِعَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، كَمَا يُقَالُ: سُخَرَةٌ وَضُحَكَةٌ: لِلَّذِي يَسْخَرُ وَيَضْحَكُ بِالنَّاسِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْأَعْرَجُ (هُمْزَةً لُمْزَةً) بِسُكُونِ الْمِيمِ فِيهِمَا. فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضْ لِلنَّاسِ حَتَّى يَهْمِزُوهُ وَيَضْحَكُوا مِنْهُ، وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى الِاغْتِيَابِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو وَائِلٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَعْمَشُ: "وَيْلٌ لِلْهُمَزَةِ اللُّمَزَةِ". وَأَصْلُ الْهَمْزِ: الْكَسْرُ، وَالْعَضُّ عَلَى الشَّيْءِ بِعُنْفٍ، وَمِنْهُ هَمْزُ الْحَرْفِ. وَيُقَالُ: هَمَزْتُ رَأْسَهُ. وَهَمَزْتُ الْجَوْزَ بِكَفِّي كَسَرْتُهُ. وَقِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: أَتَهْمِزُونَ (الْفَارَةَ)؟ فَقَالَ: إِنَّمَا تَهْمِزُهَا الْهِرَّةُ. الَّذِي فِي الصِّحَاحِ: وَقِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ أَتَهْمِزُ الْفَارَةَ؟ فَقَالَ السِّنَّوْرُ يَهْمِزُهَا. وَالْأَوَّلُ قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهِرَّ يُسَمَّى الْهُمَزَةَ. قَالَ الْعَجَّاجُ: وَمَنْ هَمَزْنَا رَأْسَهُ تَهَشَّمَا وَقِيلَ: أَصْلُ الْهَمْزِ وَاللَّمْزِ: الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ. لَمَزَهُ يَلْمِزُهُ لَمْزًا: إِذَا ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ. وَكَذَلِكَ هَمَزَهُ: أَيْ دَفَعَهُ وَضَرَبَهُ. قَالَ الرَّاجِزُ: وَمَنْ هَمَزْنَا عِزَّهُ تَبَرْكَعَا ... عَلَى استه زوبعة أو زوبعا الْبَرْكَعَةُ: الْقِيَامُ عَلَى أَرْبَعٍ. وَبَرْكَعَهُ فَتَبَرْكَعَ، أَيْ صَرَعَهُ فَوَقَعَ عَلَى اسْتِهِ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فِيمَا رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ يَلْمِزُ النَّاسَ وَيَعِيبُهُمْ: مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ يَغْتَابُ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ وَرَائِهِ، وَيَقْدَحُ فِيهِ فِي وَجْهِهِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أُبَيِّ بن خلف. وقيل: في جميل ابن عَامِرٍ الثَّقَفِيِّ [[كذا في نسخ الأصل. والذي في الطبري: (جميل بن عامر الجمحي). وفي سيرة ابن هشام (ص ٢٢٩ طبع أوربا) وتاريخ الكامل لابن الأثير (ج ٢ ص ٦٦ طبع أوربا) وبعض كتب التفسير: (جميل بن معمر الجمحي).]]. وَقِيلَ: إِنَّهَا مُرْسَلَةٌ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ لِأَحَدٍ، بَلْ لِكُلِّ مَنْ كانت هذه صفته. وقال الفراء: بجوز أَنْ يُذْكَرَ الشَّيْءُ الْعَامُّ وَيُقْصَدَ بِهِ الْخَاصُّ، قَصْدَ الْوَاحِدِ إِذَا قَالَ: لَا أَزُورُكَ أَبَدًا. فَتَقُولُ: مَنْ لَمْ يَزُرْنِي فَلَسْتُ بِزَائِرِهِ، يَعْنِي ذلك القائل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب