الباحث القرآني
﴿هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ ٧ یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ٨﴾ - قراءات
٧٧٠٠٧- عن زيد بن أرْقَم= (ز)
٧٧٠٠٨- وعبد الله بن مسعود أنهما قرءا: (لا تُنفِقُواْ عَلى مَن عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتىَّ يَنفَضُّواْ مِن حَوْلِهِ)[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه. وهي قراءة شاذة. انظر: فتح القدير ٥/٣٠٩.]]. (١٤/٥٠١)
﴿هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ ٧ یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ٨﴾ - نزول الآيتين
٧٧٠٠٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جُبَير- قال: نزلت هذه الآيةُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ في عَسِيفٍ[[العسيف: الأجير. النهاية (عسف).]] لعمر بن الخطاب[[أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ١٠/٩٥ (٩٢) من طريق ابن مردويه. رجال إسناده ثقات، رجال الشيخين، سوى المثنى بن معاذ العنبري فمِن رجال مسلم، والراوي عنه ابنه معاذ بن المثنى، قال الخطيب في تاريخ بغداد ١٣/١٣٦: «كان ثقة». والراوي عنه أحمد بن محمد بن زياد، وهو أبو سهل القطان شيخ ابن مردويه، قال الذهبي في المعين في طبقات المحدثين (١٢٥٧): «شيخ».]]. (١٤/٥٠١)
٧٧٠١٠- عن جابر بن عبد الله -من طريق عمرو بن دينار- قال: كُنّا مع النبيِّ ﷺ في غَزاة -قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المُصْطَلِق- فكَسَعَ رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار[[كسع: ضرب دبره بيده. النهاية (كسع).]]، فقال المهاجري: يا للمهاجرين. وقال الأنصاريّ: يا للأنصار. فسمع ذلك النبى ﷺ فقال: «ما بال دعوى الجاهلية؟». قالوا: رجل من المهاجرين كَسَع رجلًا من الأنصار. فقال النبيُّ ﷺ: «دَعُوها؛ فإنها مُنتِنة». فسمع ذلك عبد الله بن أُبيّ فقال: أوَقد فعلوها؟! واللهِ، لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فقام عمر، فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عُنُق هذا المنافق. فقال النبي ﷺ: «دَعْه، لا يتحدّث الناسُ أنّ محمدًا يقتل أصحابه». زاد الترمذي: فقال له ابنه عبد الله: واللهِ، لا تَنقلب حتى تُقرّ أنك الذليل، ورسول الله ﷺ العزيز. ففعل[[أخرجه البخاري ٤/١٨٣-١٨٤، ٦/١٥٤ (٤٩٠٥)، ٦/١٥٤-١٥٥ (٤٩٠٧)، ومسلم ٤/١٩٩٨ (٢٥٨٤)، والترمذي ٥/٥٠٧-٥٠٨ (٣٦٠٢)، وابن جرير ٢٢/٦٦٣.]]. (١٤/٥٠٣)
٧٧٠١١- عن زيد بن أرْقَم -من طريق أبي حمزة- قال: لما قال عبد الله بن أُبيّ ما قال: لا تُنفِقوا على مَن عند رسول الله حتى يَنفَضّوا. وقال: لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. سمعتُه، فأتيتُ النَّبِيّ ﷺ، فذكرتُ ذلك له، فلامني ناس من الأنصار، وجاءهم يَحلِف ما قال ذلك، فرجعتُ إلى المنزل، فنِمتُ، فأتاني رسول الله ﷺ، فقال: «إنّ الله صدّقك، وعذرك». فنَزلت هذه الآية: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ الآيتين[[أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ٣٢/٥١ (١٩٢٩٧)، ومن طريقه الطبراني في الكبير ٥/١٧٧ (٥٠٠٣). رجال إسناده ثقات، رجال الشيخين، سوى أبي حمزة طلحة بن يزيد الأيلي فمن رجال البخاري، وقال عنه ابن حجر في التقريب (٣٠٣٨): «وثّقه النسائي».]]. (١٤/٤٩٤)
٧٧٠١٢- عن زيد بن أرْقَم -من طريق ابن أبي ليلى- قال: لما قال ابن أُبيّ ما قال أتيتُ النَّبِيَّ ﷺ، فأَخبَرتُه، فجاء، فحَلف ما قال، فجعل ناس يقولون: جاء رسول الله ﷺ بالكذب. حتى جلستُ في البيت مخافة إذا رَأوني قالوا: هذا الذي يَكذب. حتى أنزل الله: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ الآية[[أخرجه الطبراني في الكبير ٥/١٦٩ (٤٩٧٩)، وابن مردويه -كما في تغليق التعليق لابن حجر ٤/٣٤١-٣٤٢-، وابن جرير ٢٢/٦٦٠-٦٦١. وعلقه البخاري ٦/١٥٣ بصيغة الجزم.]]. (١٤/٤٩٤)
٧٧٠١٣- عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: كان بين غلام من الأنصار وغلام من بني غِفار في الطريق كلام، فقال عبد الله بن أُبيّ: هنيئًا لكم بلَوْسٍ[[واللَّوَس: تتبع الإنسان الحلاوات وغيرها ليأكلها، واللَّوْس: الأكل القليل. التاج (لوس).]] هنيئًا، جَمعتم سُرّاق الحجيج من مُزَينة وجُهَينة، فغلبوكم على ثماركم! لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٥٠٤)
٧٧٠١٤- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق الحكم-: أنّ عبد الله بن أُبيّ بن سَلول كان له ابن يُقال له: حُباب، فسمّاه رسول الله ﷺ: عبد الله، فقال: يا رسول الله، إنّ والدي يؤذي الله ورسوله؛ فذَرْني حتى أقتله. فقال له رسول الله ﷺ: «لا تقتل أباك». ثم جاءه أيضًا، فقال له: يا رسول الله، إنّ والدي يؤذي الله ورسوله؛ فذَرْني حتى أقتله. فقال له رسول الله ﷺ: «لا تقتل أباك». ثم جاءه أيضًا، فقال: يا رسول الله، إنّ والدي يؤذي الله ورسوله؛ فذَرْني أقتله. فقال له رسول الله ﷺ: «لا تقتل أباك». فقال: يا رسول الله، فذَرْني حتى أسقيه مِن وضُوئك؛ لعلّ قلبه أن يَلين. فتوضأ رسول الله ﷺ، وأعطاه، فذهب به إلى أبيه، فسقاه، ثم قال له: هل تدري ما سقيتُك؟ قال له والده: نعم، سَقيتني بول أمك. فقال له ابنه: لا، واللهِ، ولكن سقيتُك وضُوء رسول الله ﷺ. قال عكرمة: وكان عبد الله بن أُبيّ عظيم الشأن فيهم، وفيه أُنزِلت هذه الآية في المنافقين: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾، وهو الذي قال: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ﴾[[أخرجه عبد بن حميد -كما في الفتح ٨/٦٤٨-، والحديث عند ابن جرير ٢٢/٦٦٢-٦٦٣، وعبد الرزاق (٦٦٢٧). وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر. قال الحافظ في الفتح ٨/٦٥٠: «مرسل عن عكرمة».]]. (١٤/٤٩٩)
٧٧٠١٥- عن الحسن البصري -من طريق معمر-: أنّ غلامًا جاء إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله، إني سمعتُ عبد الله بن أُبيّ يقول كذا وكذا. قال: «فلعلّكَ غَضِبتَ عليه». قال: لا، واللهِ، يا نبي الله، لقد سمعتُه يقوله. قال: «فلعلّكَ أخطأ سمعكَ». قال: لا، واللهِ، يا نبي الله، لقد سمعتُه يقوله. قال: «فلعلّه شُبّه عليكَ». قال: لا، والله. قال: فأنزل الله تصديقًا للغلام: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ﴾. فأخذ النبي ﷺ بأُذُن الغلام، فقال: «وفتْ أُذُنك، وفتْ أُذُنك، يا غلام»[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٩٤، وابن جرير ٢٢/٦٦٥ مرسلًا.]]. (ز)
٧٧٠١٦- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- قال: اقتتل رجلان؛ أحدهما من جُهَينة، والآخر من غِفار، وكانت جُهَينة حليف الأنصار، فظهر عليه الغِفاري، فقال رجلٌ منهم عظيم النّفاق: عليكم صاحبكم، عليكم صاحبكم، فواللهِ، ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمِّن كلبك يَأكلك، أما -واللهِ- لئن رَجَعنا إلى المدينة لَيُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. وهم في سفر، فجاء رجلٌ مِمّن سمعه إلى النبي ﷺ، فأَخبَره ذلك، فقال عمر: مُر معاذًا يضرب عُنُقه. فقال: «واللهِ، لا يتحدّث الناس أنّ محمدًا يقتل أصحابه». فنَزلت فيهم: ﴿همُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٩٣، وابن جرير ٢٢/٦٦٤-٦٦٥.]]. (ز)
٧٧٠١٧- قال محمد بن السّائِب الكلبي: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ أنها نزلت في عبد الله بن أُبيّ بن سَلول رأس المنافقين أنه قال لقوم كانوا يُنفِقون على بعض مَن كان مع رسول الله ﷺ: لا تُنفِقوا عليهم؛ حتى يَنفَضُّوا عنه[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٤/٣٩٥-.]]. (ز)
٧٧٠١٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿همُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ يعني: عبد الله بن أُبيّ ﴿لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ وذلك أنّ النبي ﷺ لما رجع غانمًا من غَزاة بني لِحْيانَ -وهم حيّ من هُذيل- هاجتْ ريح شديدة ليلًا، وضلّتْ ناقة رسول الله ﷺ، فلمّا أصبحوا قالوا للنبي ﷺ: ما هذه الريح؟ قال: «موت رجل مِن رؤوس المنافقين تُوفّي بالمدينة». قالوا: مَن هو؟ قال: «رفاعة بن التابوه». فقال رجل منافق: كيف يزعم محمد أنّه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته؟! أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته! فقال له رجل: اسكت، فواللهِ، لو أنّ محمدًا يعلم بهذا الزّعم لأُنزل عليه فينا. ثم قام المنافق، فأتى النبيَّ ﷺ، فوجده يحدِّث أصحابه: «أنّ رجلًا من المنافقين شَمتَ بي بأن ضلّتْ ناقتي، قال: كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب؟! أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته! لعَمري، لقد كذب، ما أزعم أني أعلم الغيب، ولا أعلمه، ولكن الله تعالى أخبَرني بقوله، وبمكان ناقتي، وهي في الشِّعب، وقد تعلّق زمامها بشجرة». فخرجوا من عنده يَسعَون قِبل الشِّعب، فإذا هي كما قال النبي ﷺ، فجاؤوا بها، والمنافق ينظر، فصدق مكانه، ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أُذَكِّركم الله، هل قام أحد منكم من مجلسه؟ أو ذكر حديثي هذا إلى أحد؟. قالوا: لا. قال: أشهد أنّ محمدًا رسول الله، واللهِ، لكأني لم أُسلم إلا يومى هذا. قالوا: وما ذاك؟ قال: وجدتُ النبي ﷺ يُحَدِّث الناس بحديثي الذي ذكرتُ لكم، وأنا أشهد أنّ الله أطلَعه عليه، وأنه لصادق. فسار حتى دنا من المدينة، فتحاور رجلان؛ أحدهما عامريّ، والآخر جُهَنيّ، فأعان عبد الله بن أُبيّ المنافق الجُهَنيّ، وأعان جُعال بن عبد الله بن سعيد العامريّ، وكان جُعال فقيرًا، فقال عبد الله لجعال: وإنك لهناك. فقال: وما يمنعني أنْ أفعل ذلك! فاشتدّ لسان جُعال على عبد الله، فقال عبد الله: مثلي ومثلك كما قال الأول: سمِّن كلبك يَأكلك، والذي يَحلِف به عبد الله، لأَذرَنّك ولهمك غير هذا. قال جُعال: ليس ذلك بيدك، وإنما الرّزق بيد الله تعالى. فرجع عبد الله غضبان، فقال لأصحابه: والله، لو كنتم تَمنعون جُعالًا وأصحابَ جُعال الطعامَ الذي من أجله رَكبوا رِقابكم لأوشكوا أن يَذَروا محمدًا ﷺ، ويَلحَقوا بعشائرهم ومواليهم، لا تُنفِقوا عليهم حتى يَنفَضُّوا -يعني: حتى يَتفرّقوا- من حول محمد ﷺ. ثم قال: لو أنّ جُعالًا أتى محمدًا ﷺ فأَخبَره لصدّقه، وزعم أني ظالم، ولعَمري، إني ظالم إذ جِئنا بمحمد من مكة وقد طرده قومه، فواسيناه بأنفسنا، وجعلناه على رِقابنا، أما -والله- لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ، ولنَجعلنّ علينا رجلًا مِنّا. يعني: نفسه، يعني بالأَعزّ: نفسه وأصحابه، ويعني بالأَذلّ: النبي ﷺ وأصحابه، فقال زيد بن أرْقَم الأنصاريّ -وهو غلام شاب-: أنتَ -واللهِ- الذليل القصير المُبغَض في قومك، ومحمد ﷺ في عِزٍّ من الرحمن، ومودة من المسلمين، واللهِ، لا أُحبّك بعد هذا الكلام أبدًا. فقال عبد الله: إنما كنتُ ألعب معك. فقام زيد، فأَخبَر النبيَّ ﷺ، فشقّ عليه قول عبد الله بن أُبيّ، وفشا في الناس أنّ النبي ﷺ غَضِب على عبد الله لخبر زيد، فأَرسَل النبيُّ ﷺ إلى عبد الله، فأتاه ومعه رجال من الأنصار يَرفُدونه[[من الرِّفْد: وهو الإعانة. النهاية (رفد).]] ويَكذِبون عنه. فقال له النبي ﷺ: «أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك؟». قال عبد الله: والذي أنزل عليك الكتاب، ما قلتُ شيئًا من ذلك قطّ، وإنّ زيدًا لَكاذب، وما عملتُ عملًا قطُّ أرجى في نفسي أن يُدخلني اللهُ به الجنةَ مِن غَزاتي هذه معك. وصدّقه الأنصار، وقالوا: يا رسول الله، شيخنا وسيّدنا لا يُصدَّق عليه قول غلام من غلمان الأنصار مشى بكذبٍ ونميمة! فعذَره النبيُّ ﷺ، وفشَت الملامة لزيد في الأنصار، وقالوا: كذَب زيد، وكذّبه النبي ﷺ. وكان زيد يُسايِر النبي ﷺ في المسِير قبل ذلك، فاستحى بعد ذلك أن يَدنُوَ مِن النبي ﷺ، فأنزل الله تعالى تصديق زيد وتكذيب عبد الله، فقال: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا ولِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ والأَرْضِ ولَكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ولَكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾. فانطلَق النبي ﷺ يسير ويتخلّل على ناقته حتى أدرك زيدًا، فأخذ بأُذُنه، فَفَركها حتى احمرّ وجهه، فقال لزيد: «أبْشِر؛ فإنّ الله تعالى قد عذَرك، ووقى سمعك، وصدّقك». وقرأ عليه الآيتين وعلى الناس، فعرفوا صِدْق زيد، وكَذِبَ عبد الله[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٣٣٨-٣٤١.]]. (ز)
﴿هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ ٧ یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ٨﴾ - تفسير الآيتين
٧٧٠١٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية- في قوله: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾، يقول: لا تُطعموا محمدًا وأصحابه حتى تُصيبهم مجاعة فيَتركوا نبيّهم. وفي قوله: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ﴾، قال: قال ذلك عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين، وأناس معه من المنافقين[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٦٦٢. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (١٤/٥٠٢)
٧٧٠٢٠- عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- في قوله: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾: يعني: الرِّفد والمعونة، وليس يعني: الزَّكاة المفروضة؛ والذين قالوا هذا هم المنافقون[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٦٦٠.]]. (ز)
٧٧٠٢١- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾، قال: إنّ عبد الله بن أُبيّ قال لأصحابه: لا تُنفِقوا على مَن عند رسول الله؛ فإنكم لو لم تُنفِقوا عليهم قد انفَضُّوا. وفي قوله: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ﴾ قال: قد قالها منافقٌ عظيم النّفاق في رجلين اقتتلا؛ أحدهما غِفاريّ، والآخر جُهَني، فظهر الغِفاريّ على الجُهنيّ، وكان بين جُهَينة وبين الأنصار حِلفٌ، فقال رجل من المنافقين، وهو عبد الله بن أُبيّ: يا بني الأَوْس والخَزْرج، عليكم صاحبكم وحليفكم. ثم قال: واللهِ، ما مثَلنا ومَثَل محمد إلا كما قال القائل: سمِّن كلبك يأكلك، واللهِ، لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. فسعى بها بعضهم إلى نبي الله ﷺ، فقال عمر: يا نبي الله، مُرْ معاذًا أن يضرب عُنُق هذا المنافق. فقال: «لا يتحدّث الناس أنّ محمدًا يقتل أصحابه». وذُكر لنا: أنه أُكثر على رجلين من المنافقين عنده، فقال: «هل يُصلّي؟». فقال: نعم، ولا خير في صلاته. قال: «نُهيتُ عن المُصلِّين، نُهيتُ عن المُصلِّين، نُهيتُ عن المُصلِّين»[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٩٣، وابن جرير ٢٢/٦٦٤. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٥٠٢)
٧٧٠٢٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿هُمُ﴾ يعني: عبد الله ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا ولِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ والأَرْضِ﴾ يعني: مفاتيح الرزق والمطر والنبات، ﴿ولكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ﴾ الخير. ثم قال -يعني: عبد الله-: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ﴾ يعني: الأمنع منها الأَذلّ، ﴿ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فهؤلاء أعزّ من المنافقين، ﴿ولكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٣٣٨-٣٤١.]]. (ز)
﴿هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ ٧ یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ ٨﴾ - آثار متعلقة بقصة الآية
٧٧٠٢٣- عن عكرمة، قال: لَمّا حضر عبدَ الله بن أُبيّ الموتُ؛ قال ابنُ عباس: فدخل عليه رسول الله ﷺ، فجرى بينهما كلام، فقال له عبد الله بن أُبيّ: قد أفقه ما تقول، ولكن مُنّ عليَّ اليوم وكفِّني بقميصك هذا، وصلِّ عليَّ. قال ابن عباس: فكفّنه رسول الله ﷺ بقميصه، وصلّى عليه، والله أعلم أيّ صلاة كانت، وإنّ محمدًا ﷺ لم يَخدع إنسانًا قط، غير أنه قال يوم الحُدَيبية كلمة حسنة. فسُئِل عكرمة: ما هذه الكلمة؟ قال: قالت له قريش: يا أبا حُباب، إنّا قد مَنعنا محمدًا طواف هذا البيت، ولكنا نأذن لك. فقال: لا، لي في رسول الله أسوة حسنة. قال: فلما بلغوا المدينة أخذ ابنه السيف، ثم قال لوالده: أنت تزعم لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ! واللهِ، لا تَدخلها حتى يَأذن لك رسول الله ﷺ[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٥٠٤)
٧٧٠٢٤- عن محمد بن سيرين: أنّ رسول الله ﷺ كان مُعسكِرًا، وأنّ رجلًا من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام، حتى اشتدّ الأمر بينهما، فبلغ ذلك عبد الله بن أُبيّ، فخرج فنادى: غَلبني على قومي مَن لا قوم له. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فأخذ سيفه، ثم خرج عامدًا ليضربه، فذكر هذه الآية: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ [الحجرات:١]، فرجع حتى دخل على النبيِّ ﷺ، فقال: «مالك، يا عمر؟». قال: العَجب مِن ذلك المنافق! يقول: غَلبني على قومي مَن لا قوم له، واللهِ، لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. قال النبيُّ ﷺ: «قم، فنادِ في الناس يَرتحلوا». فتفرّق القوم، فخرج عمر، فنادى: يا أيها الناس، إنّ رسول الله مُرتحِل؛ فارتَحِلوا. فساروا، حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة تعجّل عبدُ الله بن عبد الله بن أُبيّ، حتى أناخ بجامع طرق المدينة، ودخل الناس، حتى جاء أبوه عبد الله بن أُبيّ، فقال: وراءك. فقال: مالك، ويلك؟! قال: واللهِ، لا تَدخلها أبدًا إلا أن يَأذن رسول الله، ولتَعلمنّ اليوم مَن الأَعزّ من الأَذلّ. فرجع حتى لقي رسول الله ﷺ، فشكا إليه ما صنع ابنه، فأَرسَل إليه النبيُّ ﷺ أنْ خَلِّ عنه حتى يَدخل، ففعل، فلم يلبثوا إلا أيامًا قلائل حتى اشتكي عبد الله، فاشتدّ وجعُه، فقال لابنه عبد الله: يا بني، ائت رسول الله ﷺ، فادْعُه، فإنك إذ أنتَ طلبتَ ذلك إليه فعل. ففعل ابنه، فأتى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، إنّ عبد الله بن أُبيّ شديد الوجع، وقد طلب إلَيّ أنْ آتيك فتأتيه؛ فإنه قد اشتاق إلى لقائك. فأخذ نعليه، فقام، وقام معه نفرٌ من أصحابه حتى دَخلوا عليه، فقال لأهله حين دخل النبيُّ ﷺ: أجلِسوني. فأَجلَسوه، فبكى، فقال رسول الله ﷺ: «أجزعًا -يا عدوّ الله- الآن؟!». فقال: يا رسول الله، إني لم أدْعُك لتُؤنّبني، ولكن دَعوْتُك لترحمني. فاغرورقتْ عينا رسول الله ﷺ، فقال: «ما حاجتك؟». قال: حاجتي إذا أنا مِتّ أن تشهد غُسلي، وتُكفّني في ثلاثة أثواب مِن أثوابك، وتمشي مع جنازتي، وتُصلّي علي. ففعل رسول الله ﷺ؛ فنَزلت هذه الآية بعد: ﴿ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهُمْ ماتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ [التوبة:٨٤][[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٤/٥٠٦)
٧٧٠٢٥- عن عُروة بن الزبير -من طريق هشام-: أنّ أصحاب رسول الله ﷺ في غزوة بني المُصْطَلِق لَمّا أتَوا المنزل كان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار قتال، فقال غلمان من المهاجرين: يا لَلمهاجرين. وقال غلمان من الأنصار: يا لَلأنصار. فبلغ ذلك عبد الله بن أُبيّ بن سَلول، فقال: أما -واللهِ- لو أنهم لم يُنفِقوا عليهم انفَضُّوا من حوله، أما -والله- لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. فبَلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فأمرهم بالرحيل، فأدرَك ركبًا من بني عبد الأشهل في المسِير، فقال لهم: «ألم تعلموا ما قال المنافق عبد الله بن أُبيّ؟». قالوا: وماذا قال، يا رسول الله؟ قال: «قال: أما -واللهِ- لو لم تُنفِقوا عليهم لانفَضُّوا من حوله، أما -واللهِ- لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ». قالوا: صدَق، يا رسول الله، فأنتَ والله العزيز وهو الذليل[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٤/٤٢٨-٤٢٩.]]. (١٤/٥٠٥)
٧٧٠٢٦- عن عاصم بن عمر بن قتادة -من طريق محمد بن إسحاق-: أنّ عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ أتى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتْل عبد الله بن أُبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنتَ فاعلًا فمُرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فواللهِ، لقد عَلمت الخَزْرَج ما كان لها رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تَدَعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبيّ يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافر، فأَدخل النار. فقال رسول الله ﷺ: «بل نَرْفُق به، ونُحسنُ صُحبته ما بقي معنا». وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يُعاتبونه ويأخذونه ويُعنّفونه ويتوعّدونه، فقال رسول الله ﷺ لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم: «كيف ترى، يا عمر؟ أما -واللهِ- لو قتلتُه يوم أمرتني بقتْله لأَرعدتْ له أُنُفٌ لو أمرتُها اليوم بقتْله لقَتَلتْه». قال: فقال عمر: قد -واللهِ- عِلمتُ لأمر رسول الله ﷺ أعظم بركة مِن أمري[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٦٦٩-٦٧٠.]]. (ز)
٧٧٠٢٧- عن عبد الملك ابن جُرَيْج، قال: لما قدموا المدينة سلّ عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ على أبيه السيف، وقال: لأضربنك أو تقول: أنا الأَذلّ ومحمد الأَعزّ. فلم يَبرح حتى قال ذلك[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٤/٥٠٥)
٧٧٠٢٨- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قول الله: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ﴾، قال: كان المنافقون يُسمّون المهاجرين: الجلابيب. وقال: قال ابن أُبيّ: قد أمرتُكم في هؤلاء الجلابيب أمري. قال: هذا بين أمَجَ[[أمج: بلد من أعراض المدينة وهي من بلدان الحجاز الآن. ينظر جغرافية شبه جزيرة العرب لكحالة ص١٣٩.]] وعُسْفانَ[[عسفان: قرية بين المدينة ومكة. السابق ص٣٠، ٣٤، ١٧٠.]] على الكَدِيدِ[[الكديد: موضع بالحجاز. ينظر معجم البلدان ٤/٢٤٥.]]، تنازعوا على الماء، وكان المهاجرون قد غَلبوا على الماء. قال: وقال ابن أُبيّ أيضًا: أما -واللهِ- لَئِن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ، لقد قلتُ لكم: لا تُنفِقوا عليهم، لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون، ويَخرجوا ويَهربوا. فأتى عمرُ بن الخطاب إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول ابن أُبيّ؟ قال: «وما ذاك؟». فأَخبَره، وقال: دَعني أضرب عُنُقه، يا رسول الله. قال: «إذًا تَرعَد له أنُفٌ كثيرة بيَثرب». قال عمر: فإن كرهتَ -يا رسول الله- أن يقتله رجل من المهاجرين؛ فمُر به سعد بن معاذ، ومحمد بن مَسْلمة فيقتلانه. فقال رسول الله ﷺ: «إني أكره أن يتحدّث الناس أنّ محمدًا يقتل أصحابه، ادعوا لي عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ». فدعاه، فقال: «ألا ترى ما يقول أبوك؟». قال: وما يقول، بأبي أنت وأمي؟ قال: «يقول: لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ». فقال: فقد صدَق -واللهِ- يا رسول الله، أنتَ -واللهِ- الأَعزّ وهو الأَذلّ، أما -والله- لقد قدمتَ المدينة -يا رسول الله- وإنّ أهل يثرب ليَعلمون ما بها أحد أبرّ مني، ولئن كان يُرضي الله ورسوله أنْ آتيهما برأسه لآتينّهما به. فقال رسول الله ﷺ: «لا». فلما قدموا المدينة قام عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ على بابها بالسيف لأبيه، ثم قال: أنت القائل: لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ؟! أما -واللهِ- لتعرفنّ العزّة لك أو لرسول الله، والله، لا يأويكَ ظِلّه، ولا تأويه أبدًا إلا بإذنٍ من الله ورسوله. فقال: يا للخَزْرَج، ابني يمنعني بيتي! يا للخَزْرَج، ابني يمنعني بيتي! فقال: واللهِ، لا تَأويه أبدًا إلا بإذنٍ منه. فاجتمع إليه رجال، فكلّموه، فقال: واللهِ، لا يَدخله إلا بإذنٍ من الله ورسوله. فأتَوا النبيَّ ﷺ، فأَخبَروه، فقال: «اذهبوا إليه، فقولوا له: خلِّه ومسكنَه». فأتَوه، فقال: أما إذ جاء أمر النبي ﷺ فنَعم[[أخرجه ابن جرير ٢٢/٦٦٥-٦٦٦.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.