الباحث القرآني

﴿يَقُولُونَ﴾ أيْ يُوجِدُونَ هَذا القَوْلَ ويُجَدِّدُونَهُ مُؤَكِّدِينَ لَهُ لِاسْتِشْعارِهِمْ بِأنَّ أكْثَرَ قَوْمِهِ يُنْكِرُهُ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا﴾ أيْ [نَحْنُ أيَّتُها العِصابَةُ المُنافِقَةُ] مِن غُزاتِنِا هَذِهِ - الَّتِي قَدْ رَأوْا فِيها مِن نُصْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ ما يُعْجِزُ الوَصْفَ وهي غَزْوَةُ بَنِي المُصْطَلِقِ حَيٌّ مِن هُذَيْلٍ بِالمَرِيسِيعِ وهو ماءٌ مِن مِياهِهِمْ مِن ناحِيَةِ قَدِيدٍ إلى السّاحِلِ وفِيها تَكَلَّمَ ابْنُ أُبَيٍّ بِالإفْكِ وأشاعَهُ - ﴿إلى المَدِينَةِ﴾ [و]دَلُّوا عَلى تَصْمِيمِهِمْ عَلى عَدَمِ المُساكَنَةِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ﴾ يَعْنُونَ أنْفُسَهم ﴿مِنها الأذَلَّ﴾ وهم كاذِبُونَ في هَذا، لَكِنَّهم تَصَوَّرُوا لِشِدَّةِ غَباوَتِهِمْ أنَّ العِزَّةَ لَهم وأنَّهم يَقْدِرُونَ عَلى إخْراجِ المُؤْمِنِينَ ﴿ولِلَّهِ﴾ أيْ والحالُ أنَّ كُلَّ مَن لَهُ نَوْعُ بَصِيرَةٍ يَعْلَمُ أنَّ لِلْمَلِكِ الأعْلى الَّذِي لَهُ وحْدَهُ عِزُّ الإلَهِيَّةِ ﴿العِزَّةُ﴾ كُلُّها، فَهو قَهّارٌ لِمَن دُونُهُ [وكُلُّ ما عَداهُ دُونَهُ]. (p-٩٠)ولَمّا حَصَرَ العِزَّةَ بِما دَلَّ عَلى ذَلِكَ مِن تَقْدِيمِ المَعْمُولِ، أخْبَرَ أنَّهُ يُعْطِي مِنها مَن أرادَ وأحَقَّهم بِذَلِكَ مَن أطاعَهُ فَتَرْجَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولِرَسُولِهِ﴾ لِأنَّ عِزَّتَهُ مَن عِزَّتِهِ بِعِزِّ النُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ وإظْهارِ اللَّهِ دِينَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ، وكَذَلِكَ أيْضًا أنَّ العِزَّةَ لِمَن أطاعَ الرَّسُولَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أيِ الَّذِينَ صارَ الإيمانُ لَهم وصْفًا راسِخًا لِأنَّ عِزَّتَهم بِعَزَّةِ الوِلايَةِ، ونَصَرَ اللَّهُ إيّاهم عِزَّةً لِرَسُولِهِمْ ﷺ، ومَن تَعَزَّزَ بِاللَّهِ لَمْ يَلْحَقْهُ ذُلٌّ. ولَمّا كانَ جَهْلُهم في هَذا أشَدَّ لِكَثْرَةِ ما رَأوْا مِن نُصْرَةِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ ﷺ ومَن تابَعَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وإعْلائِهِمْ عَلى كُلِّ مَن ناوَأهُمْ، قالَ مُنَبِّهًا عَلى ذَلِكَ: ﴿ولَكِنَّ المُنافِقِينَ﴾ أيِ الَّذِي اسْتَحْكَمَ فِيهِمْ مَرَضُ القُلُوبِ. ولَمّا كانَتِ الدَّلائِلُ عَلى عِزَّةِ اللَّهِ لا تَخْفى عَلى أحَدٍ لِما تَحَقَّقَ مِن قَهْرِهِ لِلْمُلُوكِ وغَيْرِهِمْ بِالمَوْتِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ أحَدٌ عَلى الخَلاصِ مِنهُ ولا المُنازَعَةِ فِيهِ، ومِنَ المَنعِ مِن أكْثَرِ المُرادّاتِ، ومَن نَصَرَ الرَّسُولَ وأتْباعَهم بِإهْلاكِ أعْدائِهِمْ بِأنْواعِ الهَلاكِ، وبِأنَّهُ سُبْحانَهُ ما قالَ شَيْئًا إلّا تَمَّ ولا قالَتِ الرُّسُلُ شَيْئًا إلّا صَدَقَهم فِيهِ، خَتَمَ الآيَةَ بِالعِلْمِ الأعَمِّ مِنَ الفِقْهِ فَقالَ: ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ لا لِأحَدٍ لَهم عِلْمٌ الآنَ، ولا يَتَجَدَّدُ (p-٩١)فِي حِينٍ مَنَّ الأحْيانِ، فَلِذَلِكَ هم يَقُولُونَ مِثْلَ هَذا الخِرافَ، ورُوِيَ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جاءَ عَبْدُ اللَّهِ ولَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ [بْنِ] سَلُولٍ الَّذِي نَزَلَتْ بِسَبَبِهِ إلى أبِيهِ، وذَلِكَ في غَزْوَةِ المَرِيسِيعِ لِبَنِي المُصْطَلِقِ فَأخَذَ بِزِمامِ ناقَةِ أبِيهِ وقالَ: أنْتَ واللَّهِ الذَّلِيلُ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ العَزِيزُ، ولَمّا دَنَوْا مِنَ المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ جَرَّ سَيْفَهُ وأتى أباهُ فَأخَذَ بِزِمامِ ناقَتِهِ. وزَجَرَها إلى ورائِها وقالَ: إيّاكَ وراءَكَ واللَّهِ لا تَدْخُلُها حَتّى يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَئِنْ لَمْ تُقِرَّ بِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الأعَزُّ وأنْتَ الأذَلُّ لَأضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قالَ: أفاعِلٌ أنْتَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أشْهَدُ أنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ، وشَكا ولَدَهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأمَرَهُ أنْ يَدَعَهُ يَدْخُلُ المَدِينَةَ، فَأطْلَقَ فَدَخَلَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب