الباحث القرآني

﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ ۝٥٦﴾ - تفسير

٧٢٧٦٩- قال علي بن أبي طالب: ﴿إلا لِيَعْبُدُونِ﴾، أي: إلا لِآمرهم أن يعبدوني، وأدعوهم إلى عبادتي[[تفسير الثعلبي ٩/١٢٠، وتفسير البغوي ٧/٣٨٠.]]. (ز)

٧٢٧٧٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾، قال: ليُقِرّوا بالعبودية طوعًا أو كرهًا[[أخرجه ابن جرير ٢١/٥٥٤. وذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٤/٢٩١-. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]٦٢٢١. (١٣/٦٨٨)

٦٢٢١ ذكر ابنُ عطية (٨/٨٢) قولًا آخر لابن عباس، وعلّق عليه فقال: «وقال ابن عباس أيضًا: معنى: ﴿ليعبدونِ﴾ أي: ليتذللوا لي ولقدرتي، وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع. وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلّل، والكفار كذلك، ألا تراهم عند القَحْط والأمراض وغير ذلك!».

٧٢٧٧١- عن عبد الله بن عباس، في قوله: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾، قال: على ما خلقتُهم عليه مِن طاعتي ومعصيتي، وشِقوتي وسعادتي[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٣/٦٨٨)

٧٢٧٧٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله ﷿: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾، قال: إلّا ليعرفوني[[أخرجه إسحاق البستي ص٤٣٦، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ٢/٨١٠.]]٦٢٢٢. (ز)

٦٢٢٢ ذكر ابنُ تيمية (٦/١١٩) نحو قول مجاهد عن ابن عباس، ثم انتقده، فقال: «وأما التفسير المذكور عن ابن عباس فالذين ذكروه عنه جعلوا هذه المعرفة هي المعرفة الفطرية التي يُقرّ بها المؤمن والكافر، ومقصودهم بذلك: أن جميع الإنس والجن قد وُجد منهم ما خُلقوا له من العبادة التي هي مجرد الإقرار الفطري، وجعلوا ذلك فِرارًا من احتجاج القدرية بهذه الآية، ولا ريب أنّ هذا ضعيف، ليس المراد أنّ الله خَلقهم لمجرد الإقرار الفطري».

٧٢٧٧٣- قال الضَّحّاك بن مُزاحِم: ﴿إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ هذا خاصٌّ لأهل عبادته وطاعته[[تفسير الثعلبي ٩/١٢٠.]]. (ز)

٧٢٧٧٤- قال عكرمة مولى ابن عباس: ﴿إلا ليعبدون﴾ ويطيعون؛ فأُثيب العابد، وأُعاقب الجاحد[[تفسير الثعلبي ٩/١٢٠.]]. (ز)

٧٢٧٧٥- عن محمد بن كعب -من طريق أبي معشر- في قوله ﷿: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، قال: إلا ليقولوا: لا إله إلا الله[[أخرجه الطبراني في الدعاء ٣/١٥٣٧.]]. (ز)

٧٢٧٧٦- عن زيد بن أسلم -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾، قال: ما جُبِلوا عليه مِن الشّقاء والسعادة[[أخرجه سفيان الثوري ص٢٨٢، وعبد الرزاق ٢/٢٤٥، وابن جرير ٢١/٥٥٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٣/٦٨٨)

٧٢٧٧٧- عن محمد بن السّائِب الكلبي -من طريق حيان- ﴿إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾: إلا ليُوحِّدون، فأما المؤمن فيوحّده في الشّدة والرخاء، وأما الكافر فيوحّده في الشّدة والبلاء دون النعمة والرخاء[[أخرجه الثعلبي ٩/١٢٠.]]. (ز)

٧٢٧٧٨- قال محمد بن السّائِب الكلبي: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ هذا خاصٌّ لأهل طاعته من الفريقين[[تفسير البغوي ٧/٣٨٠.]]. (ز)

٧٢٧٧٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾، يعني: إلا ليُوحّدون، وقالوا: إلا ليعرفونِ، يعني: ما أمرتُهم إلا بالعبادة، ولو أنهم خُلقوا للعبادة ما عَصَوا طرْفة عين[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/١٣٣.]]. (ز)

٧٢٧٨٠- عن سفيان [الثوري] -من طريق مهران- ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ﴾، قال: مَن خُلق للعبادة[[أخرجه ابن جرير ٢١/٥٥٤. وجاء في تفسير الثعلبي ٩/١٢٠ منسوبًا إلى سفيان مهملًا بلفظ: هذا خاصّ لأهل عبادته وطاعته.]]. (ز)

٧٢٧٨١- عن إبراهيم بن بشّار، عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: صدق الله -عزّ اسمه- فيما يقول: ﴿وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون﴾، ولم يقُل: وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعمروا الدنيا ويجمعوا الأموال، ويبنوا الدُّور ويُشيّدوا القصور ويتلذَّذوا ويتفكّهوا. ويجعل يومه أجمع يُرَدِّد ذلك، ويقول: ﴿فبهداهم اقتده﴾ [الأنعام:٩٠]، ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزّكاة وذلك دين القيمة﴾ [البينة:٥][[أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٨/٤٠.]]. (ز)

٧٢٧٨٢- عن محمد بن شعيب، عن محمد بن صهيب أنّه سأل بعضَ علماء أهل الجزيرة بأرمينية عن قول الله ﷿: ﴿وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون﴾. فأخبره عن بعض علماء الجزيرة أنّه كان يقول: هذه خاصّة، ولم يُعَمِّم كقوله: ﴿ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس﴾ [الأنعام:١٢٨]، ﴿ألم يأتكم رسل منكم﴾ [الأنعام:١٣٠]، قال: فهذه خاصة، وقد قال جميعًا. قال ابن شعيب: فلقيتُ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فسألتُه عن قول الله: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأخبرتُه بقول ابن صهيب عن الجزري، فقال: هو كذلك، إنّ الله رُبَّما ذكر الواحد وهو لجميع الناس، وربما ذكر الناس وهو واحد، يقول الله ﷿: ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم﴾ [آل عمران:١٧٣]، وإنما قال لهم ذلك رجل واحد، وقال: ﴿يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم﴾ [الانفطار:٦]، فهذا لجميع الناس، وإنما قال: يا أيها الإنسان[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٣/٢٧٧.]]. (ز)

٧٢٧٨٣- عن الهُذيل بن حبيب، قال: إلا ليوحِّدونِ، وقال: الأمر يُعصى، والخَلْق لا يعصى[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/١٣٣.]]. (ز)

٧٢٧٨٤- قال يحيى بن سلّام: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾، كقوله: ﴿ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَن خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف:٨٧][[تفسير ابن أبي زمنين ٤/٢٩١.]]٦٢٢٣. (ز)

٦٢٢٣ اختُلف في قوله: ﴿وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون﴾ على أقوال: الأول: إلا ليُقِرّوا ويُذعنوا بالعبودية طوعًا أو كرهًا. الثاني: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي. الثالث: إلا ليعرفوني. الرابع: الآية خاصة في أهل الإيمان، والمعنى: وما خلقت الطائعين من الجن والإنس إلا لعبادتي. وقد ذكر ابنُ عطية (٨/٨٢) القول الأول، وعلّق عليه، فقال: «قال ابن عباس وعلي بن أبي طالب ﵄: المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي، وليُقِرّوا لي بالعبودية، فعبّر عن ذلك بقوله: ﴿ليعبدون﴾ إذ العبادة هي مضمون الأمر». وعلّق على القول الرابع بقوله: «ويؤيد هذا التأويل أن ابن عباس روى عن النبي ﷺ أنه قرأ: (وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ إلّا لِيَعْبُدُونِي)». وعلّق ابنُ تيمية (٦/١١٦) على القولين الأول والثالث، فقال: «فعلى هذه الأقوال أن جميع الإنس والجن عبدوه وعرفوه ووحّدوه وأقرُّوا له بالعبودية طوعًا وكرهًا». ولم يذكر ابنُ جرير غير القولين الأولين، ثم رجّح (٢١/٥٥٥) القول الأول مستندًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجن والإنس إلا لعبادتنا، والتذلل لأمرنا. فإن قال قائل: فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم؛ لأن قضاءه جارٍ عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه مَن كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه». وأورد ابنُ تيمية (٦/١١٧) توجيه ابن جرير لترجيحه، ونسَبه للثعلبي، ثم انتقده مستندًا إلى الدلالة العقلية، وظاهر القرآن، والسياق، فقال: «وهذا المعنى -وإن كان في نفسه صحيحًا، وقد نازعت القدرية في بعضه- فليس هو المراد بالآية، فإن جميع المخلوقات -حتى البهائم والجمادات- بهذه المنزلة. وأيضًا فالعبادة المذكورة في عامة المواضع في القرآن لا يراد بها هذا المعنى. وأيضًا فإن قوله: ﴿ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ دليل على أنه خلقهم ليعبدوه، لا ليرزقوا ويُطعموا، بل هو المُطعم الرازق، وإطعامه لهم ورزقه إياهم هو من جملة تدبيرهم وتصريفهم، الذي قد جعله أهل هذا القول عبادةً له، فتكون العبادة التي خُلقوا لها كونهم مرزوقين مُدبَّرين، وهذا باطل. وأيضًا فقوله: ﴿ليعبدون﴾ يقتضي فعلًا يفعلونه هم، وكونه يربّيهم ويخلقهم ليس فيه إلا فِعله فقط، ليس في ذلك فعل لهم». وانتقد كذلك القول الرابع، فقال: «ويلي هذا القول في الضعف قول مَن يقول: إن الآية خاصة فإنه هذه أقوال ضعيفة». وذكر ابنُ عطية في الآية احتمالًا آخر، فقال: «وتحتمل الآية أن يكون المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا مُعدّين ليعبدون». وعلّق عليه بقوله: «وكأن الآية تعديد نعمة، أي: خلقت لهم حواس وعقولًا وأجسامًا منقادة نحو العبادة، وهذا كما تقول: البقر مخلوقة للحرْث، والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يُحارب به أصلًا، فالمعنى: أن الإعداد في خلْق هؤلاء إنما هو للعبادة، لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك، ويؤيد هذا المنزع قول النبي ﷺ: «اعملوا فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له». وقوله: «كلّ مولود يولد على الفطرة»».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب