الباحث القرآني

فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جودًا وإحسانًا ليعبدوه فيربحوا هم عليه كل الأرباح كقوله: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، ﴿وَمَن عَمِلَ صالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤]. * (فصل) اعلم أنه سبحانه يجب أن يعبد بأنواع العبودية، ومن أعلاها وأجلها عبودية الموالاة فيه والمعاداة فيه والحب فيه والبغض فيه والجهاد في سبيله وبذل مهج النفوس في مرضاته، ومعارضة أعدائه. وهذا النوع هو ذروة سنام العبودية وأعلى مراتبها، وهو أحب أنواعها إليه وهو موقوف على ما لا يحصل بدونه من خلق الأرواح التي تواليه وتشكره وتؤمن به، والأرواح التي تعاديه وتكفر به ويسلط بعضها على بعض لتحصل بذلك محابه على أتم الوجوه، وتقرب أوليائه إليه لجهاد أعدائه ومعارضتهم فيه وإذلالهم وكبتهم ومخالفة سبيلهم، فتعلو كلمته ودعوته على كلمة الباطل ودعوته، ويتبين بذلك شرف علوها وظهورها، ولو لم يكن للباطل والكفر والشرك وجود فعلي أي شيء كانت كلمته ودعوته تعلو، فإن العلو أمر لشيء يستلزم غالبا ما يعلى عليه. وعلو الشيء على نفسه محال، والوقوف على الشيء لا يحصل بدونه يوضحه أن من عبوديته العتق والصدقة والإيثار والمواساة والعفو والصفح والصبر وكظم الغيظ، واحتمال المكاره ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلقه وأسبابه، فلولاه لم تحصل عبودية العتق، فالرق من أثر الكفر، ولولا الظلم والإساءة والعدوان لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة وكظم الغيظ. ولولا الفقر والحاجة لم تحصل عبودية الصدقة والإيثار والمواساة، فلو سوى بين خلقه جميعهم لتعطلت هذه العبوديات التي هي أحب شيء إليه، ولأجلها خلق الجن والإنس، ولأجلها شرع الشرائع وأنزل الكتب وأرسل الرسل، وخلق الدنيا والآخرة، وكما أن ذلك من صفات كماله فلو لم يقدر الأسباب التي يحصل بها ذلك لغاب هذا الكمال، وتعطلت أحكام تلك الصفات.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب