الباحث القرآني

ولَمّا كانَ هَذا رُبَّما أوْهَمَ أنَّ سِواهم غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِمْ، قالَ مُؤَكِّدًا بِالحَصْرِ دالًّا عَلى أنَّهُ هو الَّذِي قَسَّمَ النّاسَ إلى طاغِينَ ومُؤْمِنِينَ بِالعَطْفِ عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَما حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الضَّلالِ والهُدى غَيْرِي، وما أرْسَلْتُ الرُّسُلَ وأنْزَلْتُ الكُتُبَ إلّا لِاسْتِخْلاصِ المُؤْمِنِينَ وإقامَةِ الحُجَّةِ عَلى الضّالِّينَ: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ﴾ الَّذِينَ أكْثَرُهم كافِرُونَ ﴿إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ أيْ: لِيَنْجَرُّوا تَحْتَ أقَضِيَتِي عَلى وجْهٍ يَنْفَعُونَ بِهِ أنْفُسَهم أوْ يَضُرُّونَها لا لِشَيْءٍ يَلْحَقُنِي أنا مِنهُ شَيْءٌ مِن نَفْعٍ أوْ ضَرَرٍ، فَإنِّي (p-٤٨١)بَنَيْتُهم عَلى العَجْزِ وأوْدَعْتُهم نَوازِعَ الهَوى، ورَكَّبْتُ فِيهِمْ غَرائِزَ فَهَيَّأْتُهم لِاتِّباعِ الهُدى، فَمَن أطاعَ عَقْلَهُ كانَ عابِدًا لِي فارًّا إلَيَّ مَعَ جَرْيِهِ تَحْتَ الإرادَةِ، عِبادَةً شَرْعِيَّةً أمْرِيَّةً يَسْتَفِيدُ بِها الثَّوابَ، ومَن أطاعَ الهَوى كانَ عابِدًا لِي مَعَ مُخالَفَتِهِ أمْرِي عِبادَةً إرادِيَّةً قَسْرِيَّةً يَسْتَحِقُّ بِها العِقابَ، وكُلُّ تابِعٍ لِهَواهُ إذا حَقَّقَ النَّظَرَ عَلِمَ أنَّ الخَيْرَ في غَيْرِ ما هو مُرْتَكِبُهُ، فَما ألْزَمَهُ ما هو فِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأنَّ غَيْرَهُ خَيْرٌ مِنهُ إلّا قَهْرُ إرادَتِي، فَهَذِهِ عِبادَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وذاكَ عِبادَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وقَدْ مَرَّ في آخِرِ هُودٍ ما يَنْفَعُ هُنا، وهَذا كُلُّهُ مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ: إلّا لِيُقِرُّوا لِي بِالعِبادَةِ طَوْعًا وكَرْهًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب