قوله: ﴿[قَالَ] لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿[وَنَزَّلْنَاهُ] تَنْزِيلاً﴾.
معناه: قال موسى لقد علمت يا فرعون أن هذه الآيات ما أنزلها الله إلا بصائر للعباد وتصديق هذه المعاني قوله: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤].
وهذا: على قراءة من قرأ بفتح التاء في "علمت".
ومن ضم التاء فمعناه: أن موسى ﷺ يخبر عن نفسه أنه على يقين أن الآيات، الله أنزلها بصائر لعباده. ويكون هذا من موسى ﷺ جواباً لقول فرعون له: ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً﴾ [الإسراء: ١٠١] أي: قد سحرت فلا تدري ما تقول. فقال: موسى لقد علمت أنا أن الله أنزل هذه الآيات بصائر لعباده ولست بمسحور.
ونصب بصائر على الحال أي: أنزلها حججاً وهي جمع بصيرة.
* * *
ثم قال: ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً﴾.
وقال ابن عباس: "مثبوراً" ملعوناً، أي: ممنوعاً من الخير، وهو قول: الضحاك. وقال مجاهد وقتادة: مثبوراً: هالكاً. وقال عطية العوفي: "مثبوراً": مبدلاً أي مغيراً وقال ابن زيد: "مثبوراً": مخبولاً لا عقل لك.
وعن الضحاك: "مثبوراً": مسحوراً. رد [عليه] موسى ﷺ، مثل ما قاله فرعون بغير اللفظ، والمعنى سواء.
ثم قال [تعالى]: ﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ﴾. أي: أراد فرعون أن يزيل موسى وبني إسرائيل من أرض مصر إما بقتل أو غيره ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً﴾. ونجينا بني إسرائيل وموسى منه. ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ﴾ أي: من بعد هلاكه ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ﴾ أي: أرض الشام. ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ﴾ أي: قيام الساعة ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ أي: مختلطين، قد التف بعضكم على بعض لا تتعارضون، ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته.
وقال ابن عباس: "لفيفاً": جميعاً. وقال غيره: [لفيفاً] من كل قوم. وقال قتادة: "لفيفاً" جميعاً أولكم وآخركم، وكذلك قال: الضحاك.
واللفيف جمع لا واحد له كالجميع. وقيل: هو مصدر لففت فلذلك واحد في موضع الجمع.
* * *
ثم قال: ﴿وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ﴾.
أي: أنزل هذا القرآن بالحق لأن فيه الأمر بالعدل والإنصاف والأخلاق الجميلة ﴿وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ﴾ أي: وبذلك نزل من عند الله [عز وجل] على نبيه عليه السلام.
* * *
ثم قال: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾.
أي: مبشراً بالجنة من أطاعك ومنذراً بالنار من عصاك.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ﴾.
قال ابن عباس: "فرقناه" فصلناه. وقيل: معنى [فرقناه] فرقنا به بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
وقرأ: ابن عباس وعكرمة والشعبي وقتادة "فرقناه" بالتشديد على معنى أنزل به آية بعد آية.
قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحد إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. وهو قوله: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾.
ونصب "قرآناً" عند البصريين بإضمار فعل يفسره ما بعده. ونصبه عند غير البصريين على العطف "مبشراً ونذيراً".
وقرآناً يتأول بمعنى: رحمة. لأن القرآن رحمة. فلا يحسن الوقف على هذا التقدير على نذيراً. ويقف عليه على القول الأول.
و معنى ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ﴾ على تؤدة، وترتله وتبينه فلا تعجل في تلاوته فلا يفهم عنك. قال ابن عباس: "على مكث" على تأن. وقال مجاهد على ترسل. وقال مالك "على مكث" على تثبت وترسل.
* * *
ومعنى ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ أي نزلناه شيئاً [بعد] شيء. وقال الحسن نزل القرآن قبل أن يهاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة بثماني سنين. وبالمدينة عشر سنين.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَاۤ أَنزَلَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَاۤىِٕرَ وَإِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورࣰا","فَأَرَادَ أَن یَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِیعࣰا","وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفࣰا","وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَـٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا","وَقُرۡءَانࣰا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثࣲ وَنَزَّلۡنَـٰهُ تَنزِیلࣰا"],"ayah":"قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَاۤ أَنزَلَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَاۤىِٕرَ وَإِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورࣰا"}