﴿ٱلۡیَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰۤ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَاۤ أَیۡدِیهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾ [يس ٦٥]
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٦٥ ]
﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أيْ: عِنْدَما يَجْحَدُونَ ما اَجْتَرَمُوهُ في اَلدُّنْيا، ويَحْلِفُونَ ما فَعَلُوهُ، فَيَخْتِمُ اَللَّهُ عَلى أفْواهِهِمْ، ويَسْتَنْطِقُ جَوارِحَهُمْ، قالَ الرّازِيُّ: وفي اَلْخَتْمِ عَلى اَلْأفْواهِ وُجُوهٌ، أقْواها أنَّ اَللَّهَ يُسْكِتُ ألْسِنَتَهم فَلا يَنْطِقُونَ بِها، ويُنْطِقُ جَوارِحَهم فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وإنَّهُ في قُدْرَةِ اَللَّهِ يَسِيرٌ، أمّا اَلْإسْكاتُ فَلا خَفاءَ فِيهِ، وأمّا اَلْإنْطاقُ فَلِأنَّ اَللِّسانَ عُضْوٌ مُتَحَرِّكٌ بِحَرَكَةٍ مَخْصُوصَةٍ. فَكَما جازَ تَحَرُّكُهُ بِها، جازَ تَحَرُّكُ غَيْرِهِ بِمِثْلِها، واللَّهُ قادِرٌ عَلى اَلْمُمْكِناتِ.
والوَجْهُ اَلْآخَرُ، أنَّهم لا يَتَكَلَّمُونَ بِشَيْءٍ؛ لِانْقِطاعِ أعْذارِهِمْ وانْتِهاكِ أسْتارِهِمْ، فَيَقِفُونَ ناكِسِي اَلرُّؤُوسِ وُقُوفَ اَلْقَنُوطِ اَلْيَؤُوسِ، لا يَجِدُ عُذْرًا فَيَعْتَذِرَ، ولا مَجالَ تَوْبَةٍ فَيَسْتَغْفِرَ، وتَكَلُّمُ اَلْأيْدِي ظُهُورُ اَلْأُمُورِ بِحَيْثُ لا يُسَعُ مَعَهُ اَلْإنْكارُ، حَتّى تَنْطِقَ بِهِ اَلْأيْدِي والأبْصارُ. كَما يَقُولُ اَلْقائِلُ: )الحِيطانُ تَبْكِي عَلى صاحِبِ اَلدّارِ). إشارَةً إلى ظُهُورِ اَلْحُزْنِ، والأوَّلُ صَحِيحٌ. اِنْتَهى.
أيْ: لِإمْكانِهِ وعَدَمِ اِسْتِحالَتِهِ، فَلا تَتَعَذَّرُ اَلْحَقِيقَةُ. ويُؤَيِّدُهُ آيَةُ:
﴿وقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أنْطَقَنا اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت: ٢١]ومِن لَطائِفِ بَعْضِ أُدَباءِ اَلْعَصْرِ ما نَظَمَهُ في اَلْفُونُغْرافِ، مُسْتَشْهِدًا بِهِ في ذَلِكَ، فَقالَ:
بِنُطْقِ اَلْفُونْغِرافِ لَنا دَلِيلٌ عَلى نُطْقِ اَلْجَوارِحِ والجَمادِ
وفِيهِ لِكُلِّ ذِي نَظَرٍ مِثالٌ ∗∗∗ عَلى بَدْءِ اَلْخَلِيقَةِ والمَعادِ
يُدِيرُ شُؤُونَهُ فَرْدٌ بِصُورٍ ∗∗∗ بِهِ اَلْأصْواتُ تَجْرِي كالمِدادِ
فَيُثْبِتُ رَسْمَها قَلَمٌ بِلَوْحٍ ∗∗∗ عَلى وِفْقِ المَشِيئَةِ والمُرادِ
وبَعْدَ فَراغِها تَمْضِي كَبَرْقٍ ∗∗∗ ولا أثَرَ لَها في اَلْكَوْنِ بادِي
تَظُنُّ بِأنَّها ذَهَبَتْ جُفاءً ∗∗∗ كَما ذَهَبَتْ بِرِيحٍ قَوْمُ عادِ
وأحْلى رَنَّها فِيهِ لِتَبْقى ∗∗∗ كَأرْواحٍ تَجَرَّدَ عَنْ مُوادِ
مَتى شاءَ المُدِيرُ لَها مَعادًا ∗∗∗ ورامَ ظُهُوْرُها في كُلِّ نادِ
يُدِيرُ اَلصُّورَ بِالآَلاتِ قَسْرًا ∗∗∗ فَيَنْشُرُ مَيْتَها بَعْدَ الرُّقادِ
وهَذِي آَلَةٌ مِن صُنْعِ عَبْدٍ ∗∗∗ فَكَيْفَ بِصُنْعِ خَلّاقِ العِبادِ؟
تَبارَكَ مَن يُعِيدُ اَلْخَلْقَ طَرًّا ∗∗∗ بِنَفْخَةِ صُورِهِ يَوْمَ التَّنادِ.