الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ مَنَعَها مِنَ الكَلامِ هو الخَتْمُ عَلَيْها.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ خَتْمًا يُوضَعُ عَلَيْها فَيَرى ويُمْنَعُ مِنَ الكَلامِ.
وَفِي سَبَبِ الخَتْمِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: لِأنَّهم قالُوا ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ فَخَتَمَ اللَّهُ تَعالى عَلى أفْواهِهِمْ حَتّى نَطَقَتْ جَوارِحُهم، قالَهُ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ.
الثّانِي: لِيَعْرِفَهم أهْلُ المَوْقِفِ فَيَتَمَيَّزُونَ مِنهم، قالَهُ ابْنُ زِيادٍ.
الثّالِثُ: لِأنَّ إقْرارَ غَيْرِ النّاطِقِ أبْلَغُ في الإلْزامِ مِن إقْرارِ النّاطِقِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الإعْجازِ وإنْ كانَ يَوْمًا لا يُحْتاجُ فِيهِ إلى الإعْجازِ.
الرّابِعُ: لِيَعْلَمَ أنَّ أعْضاءَهُ الَّتِي كانَتْ لَهم أعْوانًا في حَقِّ نَفْسِهِ صارَتْ عَلَيْهِ شُهُودًا في حَقِّ رَبِّهِ.
(p-٢٨)﴿وَتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ وفي كَلامِها ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّهُ يَظْهَرُ مِنها سِمَةٌ تَقُومُ [مَقامَ] كَلامِها كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎ وقَدْ قالَتِ العَيْنانِ سَمْعًا وطاعَةً وحَدَّرَتا كالدُّرِّ لَمّا يُثَقَّبِ
الثّانِي: أنَّ المُوَكَّلِينَ بِها يَشْهَدُونَ عَلَيْها.
الثّالِثُ: أنَّ اللَّهَ تَعالى يَخْلُقُ فِيها ما يَتَهَيَّأُ مَعَهُ الكَلامُ مِنها.
رَوى الشَّعْبِيُّ عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: « (يُقالُ لِأرْكانِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِعَمَلِهِ ثُمَّ يُخَلّى بَيْنَهُ وبَيْنَ الكَلامِ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناضِلُ).»
فَإنْ قِيلَ فَلِمَ قالَ: ﴿وَتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ﴾ فَجَعَلَ ما كانَ مِنَ اليَدِ كَلامًا، وما كانَ مِنَ الرِّجْلِ شَهادَةً؟
قِيلَ: لِأنَّ اليَدَ مُباشِرَةٌ لِعَمَلِهِ والرِّجْلُ حاضِرَةٌ، وقَوْلُ الحاضِرِ عَلى غَيْرِهِ شَهادَةٌ، وقَوْلُ الفاعِلِ عَلىَ نَفْسِهِ إقْرارٌ، فَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَمّا صَدَرَ مِنَ الأيْدِي بِالقَوْلِ، وعَمّا صَدَرَ مِنَ الأرْجُلِ بِالشَّهادَةِ.
وَقَدْ رَوى شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: « (أوَّلُ عَظْمٍ مِنَ الإنْسانِ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلى الأفْواهِ فَخِذُهُ مِنَ الرِّجْلِ اليُسْرى).»
فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ تَقَدُّمُ الفَخِذِ بِالكَلامِ عَلى سائِرِ الأعْضاءِ لِأنَّ لَذَّةَ مَعاصِيهِ يُدْرِكُها بِحَواسِّهِ الَّتِي في الشَّطْرِ الأعْلى مِن جَسَدِهِ، وأقْرَبُ أعْضاءِ الشَّطْرِ الأسْفَلِ مِنها الفَخِذُ، فَجازَ لِقُرْبِهِ مِنها أنْ يَتَقَدَّمَ في الشَّهادَةِ عَلَيْها، وتَقَدَّمَتِ اليُسْرى لِأنَّ الشَّهْوَةَ في (p-٢٩)مَيامِنِ الأعْضاءِ أقْوى مِنها في مَياسِرِها، فَلِذَلِكَ تَقَدَّمَتِ اليُسْرى عَلى اليُمْنى لِقِلَّةِ شَهْوَتِها.
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: لَأعْمَيْنا أبْصارَ المُشْرِكِينَ في الدُّنْيا فَضَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ فَلا يُبْصِرُونَ عُقُوبَةً لَهم، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: لَأعْمَيْنا قُلُوبَهم فَضَلُّوا عَنِ الحَقِّ فَلَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
قالَ الأخْفَشُ وابْنُ قُتَيْبَةَ: المَطْمُوسُ هو الَّذِي لا يَكُونُ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقٌّ مَأْخُوذٌ مِن طَمْسِ الرِّيحِ الأثَرَ.
﴿وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهم عَلى مَكانَتِهِمْ﴾ فِيهِ ثَلاثُ تَأْوِيلاتٍ:
أحَدُها: لَأقْعَدْناهم عَلى أرْجُلِهِمْ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ.
الثّانِي: لَأهْلَكْناهم في مَساكِنِهِمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّالِثُ: لَغَيَّرْنا خَلْقَهم فَلا يَنْقَلِبُونَ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
﴿فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: فَما اسْتَطاعُوا لَوْ فَعَلْنا ذَلِكَ بِهِمْ أنْ يَتَقَدَّمُوا ولا يَتَأخَّرُوا، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا في الدُّنْيا، ولا رُجُوعًا فِيها، قالَهُ أبُو صالِحٍ.
{"ayahs_start":63,"ayahs":["هَـٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ","ٱصۡلَوۡهَا ٱلۡیَوۡمَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ","ٱلۡیَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰۤ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَاۤ أَیۡدِیهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ","وَلَوۡ نَشَاۤءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰۤ أَعۡیُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُوا۟ ٱلصِّرَ ٰطَ فَأَنَّىٰ یُبۡصِرُونَ","وَلَوۡ نَشَاۤءُ لَمَسَخۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمۡ فَمَا ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ مُضِیࣰّا وَلَا یَرۡجِعُونَ"],"ayah":"ٱلۡیَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰۤ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَاۤ أَیۡدِیهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق