تقدم إعراب قوله تعالى ﴿وَقُل لِّعِبَادِي﴾ في سورة إبراهيم [31] . وفي العباد ها هنا قولان:
الأول: المراد به المؤمنون؛ لأنَّ لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختصٌّ بالمؤمنين. قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول﴾ [الزمر: 17، 18] ﴿فادخلي فِي عِبَادِي﴾ [الفجر: 29] ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ [الإنسان: 6] .
وإذا عرف هذا، فإنه تعالى لمَّا ذكر الحجج القطعيَّة في صحَّة المعاد، وهو قوله تعالى: ﴿قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: 51] قال ها هنا: قل، يا محمد لعبادي: إذا أردتم الاستدلال على المخالفين، فاذكروا تلك الدلائل بطريق الأحسن من غير شتم، ولا سبٍّ، ونظيره قوله تعالى: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: 46] وذلك لأنَّ ذكر الحجَّة، إذا اختلط به سبٌّ أو شتمٌ، لقابلوكم بمثله، كما قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108] ويزداد الغضب، وتكمل النُّفرة، ويمتنع المقصود، وإذا ذكرت الحجة بالطَّريق الأحسن، أثَّر في القلب تأثيراً شديداً، ثم نبَّه تعالى على وجه المنفعة، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ أي: يفسد بينهم، ويغري بينهم.
قال الكلبي: كان المشركون يؤذون المسلمين، فشكوا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأنزل الله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي﴾ المؤمنين يقولوا للمشركين التي هي أحسنُ، ولا يكافئوهم بسفههم.
قال الحسن: يقول له: يهديك الله، وكان هذا قبل الإذن في الجهاد.
وقيل: نزلت في عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - شتمة بعض الكفَّار، فأمره الله تعالى بالعفو.
وقيل: أمر المؤمنين بأن يقولوا، ويفعلوا الخلَّة التي هي أحسن.
وقيل: الأحسن قول: لا إله إلا الله.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة اعتراضاً بين المفسَّر والمفسِّر؛ وذلك أن قوله تعالى: ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ [الإسراء: 54] وقع تفسيراً لقوله ﴿بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: 34] وبياناً لها، ويجوز ألاَّ تكون معترضة، بل مستأنفة.
وقرأ طلحة «ينْزغُ» بكسر الزاي، وهما لغتان، كيَعْرِشُون ويَعرُشُونَ، قاله الزمخشري. قال أبو حيان: ولو مثَّل ب «يَنطَحُ» و «يَنْطِحُ» كأنَّه يعني من حيث إنَّ لامَ كلِّ منهما حرف حلقٍ، وليس بطائلٍ.
والمعنى: أنَّ الشيطان يلقي العداوة بينهم ﴿إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ ظاهر العداوة.
{"ayah":"وَقُل لِّعِبَادِی یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ یَنزَغُ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا"}