الباحث القرآني
روى أنّ كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازورا وغيرهما قالوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى [[لم أجده هكذا. ورواه الطبري من طريق أسباط عن السدى قال «قالت اليهود للنبي صلى اللَّه عليه وسلم:
إن كنت صادقا أنك رسول اللَّه فائتنا بكتاب من السماء كما جاء به موسى. فنزلت.]] . فنزلت. وقيل: كتابا إلى فلان وكتابا إلى فلان أنك رسول اللَّه، وقيل: كتابا نعاينه حين ينزل. وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت، قال الحسن: ولو سألوه لكي يتبينوا الحق لأعطاهم، وفيما آتاهم كفاية فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى جواب لشرط مقدر [[قال محمود: «فقد سألوا موسى: جواب لشرط مقدر ... الخ» قال أحمد: وهذا من المواضع التي استولى عليه فيها الاغفال، ولوح به اتباع هواه إلى مهواة الضلال، لأنه بنى على أن الظلم المضاف إليهم لم يكن إلا لمجرد كونهم طلبوا الرؤية وهي محال عقلا دنيا وآخرة على زعم القدرية، لما يلزم عندهم لو قيل بجوازها من اعتقاد التشبيه، فلذلك سمي أهل السنة المعتقدين لجوازها ووقوعها في الآخرة وفاء بالوعد الصادق مشبهة، وغفل عن كون اليهود اقترحوا على موسى عليه السلام خصوصية علقوا إيمانهم بها، ولم يعتبروا المعجز من حيث هو كما يجب اعتباره فقالوا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) فهذا الاقتراح والتعنت يكفيهم ظلما. ألا ترى أن الذين قالوا لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا من السماء، أو حتى تفجر الأرض، أو يكون لك بيت من زخرف، كيف هم من أظلم الظلمة؟ وإن كانوا إنما طلبوا أمورا جائزة، ولكنهم اقترحوا في الآيات على اللَّه، وحقهم أن يسندوا إيمانهم إلى أى معجز اختاره اللَّه- دل ذلك دلالة يلجأ على أن ظلمهم مسبب عن اقتراحهم، لا عن كون المقترح ممتنعا عقلا. والعجب بتنظير هذا السؤال لو كان المسئول جائزاً كسؤال إبراهيم عن إحياء الموتى على زعم الزمخشري، غفلة منه عما انطوى عليه سؤال ابراهيم عليه السلام من صريح الايمان حيث قال له تعالى: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) وعما انطوى عليه سؤال هؤلاء الملاعين من محض الكفر والإصرار عليه في قولهم: لن نؤمن لك. فصدروا كلامهم بالجحد والنفي. وأما دعاء الزمخشري على أهل السنة بالتب والصواعق، فاللَّه أعلم أى الفريقين أحق بها، ويكفيه هذه الغفلة التي تنادى عليه باتباع الهوى الذي يعمى ويصم، نسأل اللَّه العصمة من الضلالة والغواية.]] . معناه: إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى وهم النقباء السبعون، لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم ومضاهين لهم في التعنت جَهْرَةً عيانا بمعنى أرناه نره جهرة بِظُلْمِهِمْ بسبب سؤالهم الرؤية. ولو طلبوا أمرا جائزا لما سموا ظالمين ولما أخذتهم الصاعقة، كما سأل إبراهيم عليه السلام أن يريه إحياء الموتى فلم يسمه ظالما ولا رماه بالصاعقة، فتبا للمشتبهة ورميا بالصواعق [[قوله «فنبا للمشبهة ورميا بالصواعق» يعنى أهل السنة، حيث أجازوا على اللَّه الرؤية كما حقق في محله، وغفر اللَّه للمؤمن يسيء المؤمنين. (ع)]] آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه، واحتبوا بأفنيتهم والسيوف تتساقط عليهم فيا لك من سلطان مبين بِمِيثاقِهِمْ بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه وَقُلْنا لَهُمُ والطور مطل عليهم ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ولا تعدوا في السبت، وقد أخذ منهم الميثاق على ذلك، وقولهم سمعنا وأطعنا، ومعاهدتهم على أن يتموا عليه ثم نقضوه بعد. وقرئ: لا تعتدوا. ولا تعدّوا، بإدغام التاء في الدال فَبِما نَقْضِهِمْ فبنقضهم. «وما» مزيدة للتوكيد. فإن قلت: بم تعلقت الباء؟ وما معنى التوكيد؟ [[قال محمود: «إن قلت بم تعلقت الباء في قوله: (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) قلت: إما أن تتعلق بمحذوف كأنه قيل: فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا. وإما أن تتعلق بقوله: (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ) على أن قوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) بدل من قوله: (فَبِما نَقْضِهِمْ) انتهى كلامه» . قلت: ولذكر البدل المذكور سر، وهو أن الكلام لما طال بعد قوله (فَبِما نَقْضِهِمْ) حتى بعد عن متعلقه الذي هو حرمنا، قوى ذكره بقوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) حتى يلي متعلقه، وجاء النظم به على وجه من الاقتصار في إجمال ما سبق تفصيله، لأن جميع ما تقدم من النقض، والقتل، وقولهم قلوبنا غلف، وكفرهم، وقولهم على مريم بهتانا عظيما. ودعواهم قتل المسيح ابن مريم قد انطوى عليه الإجمال المذكور آخرا انطواء جامعا، مع التسجيل على أن جميع أفاعيلهم الصادرة منهم ظلم. وقد تقدم لهذا التقرير نظائر واللَّه الموفق.]] قلت: إما أن يتعلق بمحذوف، كأنه قيل: فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا، وإما أن يتعلق بقوله: (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ) على أنّ قوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) بدل من قوله (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) وأما التوكيد فمعناه تحقيق أنّ العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك. فإن قلت: هلا زعمت أن المحذوف [[عاد كلامه. قال: «إن قلت هلا زعمت أن المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها) فيكون التقدير: فبما نقضهم ميثاقهم طبع اللَّه على قلوبهم. قلت: لم يصح هذا التقدير لأن قوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) رد وإنكار لقولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) فكان متعلقا به، وذلك أنهم أرادوا بقولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) أن اللَّه خلقها غلفا، أى في أكنة لا يتوصل إليها شيء من الذكر والموعظة، كما حكى اللَّه عن المشركين وقالوا (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) وكمذهب المجبرة أخزاهم اللَّه، فقيل لهم: بل خذلها اللَّه ومنعها الألطاف بسبب كفرهم، فصارت كالمطبوع عليها» انتهى كلامه. قال أحمد: هؤلاء قوم زعموا أن لهم على اللَّه حجة بكونه خلق قلوبهم غير قابلة للحق ولا متمكنة من قبوله، فكذبهم في قولهم لأنه خلق قلوبهم على الفطرة أى أن الايمان وقبول الحق من جنس مقدورهم كما هو من جنس مقدور المؤمنين، وذلك هو المعبر بالتمكن، وبخلقهم ميسرين للايمان، متأتيا منهم قبول الحق قامت عليهم حجة اللَّه، إذ يجد الإنسان بالضرورة الفرق بين قبول الحق والدخول في الايمان، وبين طيرانه في الهواء ومشيه على الماء، ويعلم ضرورة أن الايمان ممكن منه، كما يعلم أن الطيران غير ممكن منه عادة، فقد قامت الحجة وتبلجت، ألا للَّه الحجة البالغة، فمن هذا الوجه اتجه الرد عليهم «لا كما يزعمه الزمخشري من أن لهم قدرة على الايمان يلحقونه بها لأنفسهم ويقرونه في قلوبهم، وتلك القدرة موجودة سواء وجد الفعل أو لا، كالسيف المعد في يد القاتل للقتل سواء وجد أو لا، وأن هذه القدرة التي هي كالآلة للخلق على زعمه يصرفها العبد حيث شاء في إيمان وكفر، وافق ذلك مشيئة اللَّه أولا، وأن هؤلاء صرفوا قدرتهم إلى خلق الكفر لأنفسهم على خلاف مشيئة اللَّه تعالى، فلذلك يعرض الزمخشري بأهل السنة، القائلين بأن اللَّه تعالى لو شاء من عبدة الأوثان أن لا يعبدوها لما عبدوها، وتسميتهم لذلك مجبرة، ويجعل قوله تعالى: (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) ردا على الأشعرية كما هو رد على الوثنية، ويغفل عن النكتة التي نبهنا عليها، وهي: أن الرد على الوثنية بذلك لم يكن إلا لأنهم ظنوا أن هذا المقدار يقيم لهم الحجة على اللَّه، ولذلك قال تعالى عقيب ذلك (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) فأوضح اللَّه تعالى أن الرد عليهم لم يكن لقولهم: إن اللَّه لو شاء لهداكم أجمعين، ولكن إنما كان الرد لظنهم أن ذلك حجة على اللَّه بقوله: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فهذا التقدير هو الايمان المحض والتوحيد الصرف، وما عداه من الاشراك الصراح فخزي، نعوذ باللَّه منه.]] الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها فيكون التقدير: فبما نقضهم ميثاقهم طبع اللَّه على قلوبهم، بل طبع اللَّه عليها بكفرهم. قلت: لم يصح هذا التقدير لأنّ قوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) ردّ وإنكار لقولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) فكان متعلقاً به، وذلك أنهم أرادوا بقولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) أنّ اللَّه خلق قلوبنا غلفاً، أى في أكنة لا يتوصل إليها شيء من الذكر والموعظة، كما حكى اللَّه عن المشركين وقالوا (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) وكمذهب المجبرة [[قوله «وكمذهب المجبرة أخزاهم اللَّه» يريد بهم أهل السنة وحاشاهم أن يريدوا بمذهبهم ما أراده الكفار بما قالوا. وتحقيقه في علم التوحيد. وغفر اللَّه لمن تعدى حد الشرع من المؤمنين ولا أخراهم يوم الدين. (ع)]] أخزاهم اللَّه، فقيل لهم: بل خذلها اللَّه ومنعها الألطاف بسبب كفرهم، فصارت كالمطبوع عليها، لا أن تخلق غلفاً غير قابلة للذكر ولا متمكنة من قبوله. فإن قلت: علام عطف قوله وَبِكُفْرِهِمْ؟ قلت: الوجه أن يعطف على: (فَبِما نَقْضِهِمْ) ويجعل قوله: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) كلاماً تبع قوله: (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) على وجه الاستطراد، يجوز عطفه على ما يليه من قوله: (بِكُفْرِهِمْ) . فإن قلت: ما معنى المجيء بالكفر معطوفاً على ما فيه ذكره، سواء عطف على ما قبل حرف الإضراب، أو على ما بعده، وهو قوله: (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ) وقوله: (بِكُفْرِهِمْ) ؟
قلت: قد تكرّر منهم الكفر، لأنهم كفروا بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد صلوات اللَّه عليهم، فعطف بعض كفرهم على بعض، أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه، كأنه قيل:
فيجمعهم بين نقض الميثاق، والكفر بآيات اللَّه، وقتل الأنبياء، وقولهم قلوبنا غلف، وجمعهم بين كفرهم وبهتهم [[قوله «وبهتهم مريم» أى رميها بما ليس فيها، وهو التزنية. أى الرمي بالزنا. (ع)]] مريم، وافتخارهم بقتل عيسى، عاقبناهم. أو بل طبع اللَّه عليها بكفرهم وجمعهم بين كفرهم وكذا وكذا. والبهتان العظيم: هو التزنية. فإن قلت: كانوا كافرين بعيسى عليه السلام، أعداء له، عامدين لقتله، يسمونه الساحر بن الساحرة، والفاعل بن الفاعلة، فكيف قالوا (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) ؟ قلت: قالوه على وجه الاستهزاء، كقول فرعون (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ويجوز أن يضع اللَّه الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعاً لعيسى عما كانوا يذكرونه به وتعظيما لما أرادوا بمثله كقوله: (لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) . روى أنّ رهطاً من اليهود سبوه وسبوا أمّه فدعا عليهم «اللهم أنت ربى وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي» فمسخ اللَّه من سبهما قردة وخنازير، فأجمعت اليهود على قتله، فأخبره اللَّه بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود، فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم: أنا فألقى عليه شبهه فقتل وصلب. وقيل: كان رجلا ينافق عيسى، فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه، فدخل بيت عيسى فرفع عيسى وألقى شبهه على المنافق، فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى، ثم اختلفوا فقال بعضهم: إنه إله لا يصح قتله. وقال بعضهم: إنه قتل وصلب. وقال بعضهم إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ وقال بعضهم رفع إلى السماء. وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا. فإن قلت: شُبِّهَ مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح، فالمسيح مشبه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر قلت: هو مسند إلى الجار والمجرور وهو قَوْلِهِمْ كقولك خيل إليه، كأنه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه. ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول لأنّ قوله: إنا قتلنا يدل عليه، كأنه قيل: ولكن شبه لهم من قتلوه إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع لأنّ اتباع الظن ليس من جنس العلم، يعنى: ولكنهم يتبعون الظن. فإن قلت: قد وصفوا بالشك والشك أن لا يترجح أحد الجائزين [[قال محمود: «إن قلت قد وصفوا بالشك والشك أن لا يترجح ... الخ» قال أحمد: وليس في هذا الجواب شفاء للغليل. والظاهر واللَّه أعلم أنهم كانوا أغلب أحوالهم الشك في أمره والتردد فجاءت العبارة الأولى على ما يغلب من حالهم ثم كانوا لا يخلون من ظن في بعض الأحوال وعنده يقفون لا يرفعون إلى العلم فيه البتة وكيف يعلم الشيء على خلاف ما هو به فجاءت العبارة الثانية على حالهم النادرة في الظن نافية عنهم ما يترقى عن الظن البتة، واللَّه أعلم.]] ، ثم وصفوا بالظن والظن أن يترجح أحدهما، فكيف يكونون شاكين ظانين؟ قلت: أريد أنهم شاكون ما لهم من علم قط، ولكن إن لاحت لهم أمارة فظنوا، فذاك وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً وما قتلوه قتلا يقيناً. أو ما قتلوه متيقنين، كما ادّعوا ذلك في قولهم (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ) أو يجعل (يَقِيناً) تأكيداً لقوله: (وَما قَتَلُوهُ) كقولك: ما قتلوه حقا أى حق انتفاء قتله حقا. وقيل: هو من قولهم: قتلت الشيء علماً ونحرته علماً إذا تبلغ فيه علمك. وفيه تهكم، لأنه إذا نفى عنهم العلم نفياً كليا بحرف الاستغراق. ثم قيل: وما علموه علم يقين وإحاطة لم يكن إلا تهكما بهم لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره: وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمننّ به. ونحوه: (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ، (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمننّ قبل موته بعيسى، وبأنه عبد اللَّه ورسوله، يعنى: إذا عاين قبل أن تزهق روحه [[قال محمود: «يعنى إذا عاين قبل أن تزهق روحه ... الخ» قال أحمد: كقول فرعون لما عاين الهلاك:
آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.]] حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف. وعن شهر بن حوشب: قال لي الحجاج: آية ما قرأتها [[عاد كلامه. قال محمود: «وعن شهر بن حوشب قال لي الحجاج آية ما قرأتها ... الخ» . قال أحمد:
ويبعد هذا التأويل قوله: (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) فان ظاهره التهديد، ولكن ما أريد بقوله في حق هذه الأمة (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) واللَّه أعلم.]] إلا تخالج في نفسي شيء منها [[لم أجده. قلت: هو في تفسير الكلبي، رواه عن شهر. ورأيته قديما في كتاب المبتدإ وقصص الأنبياء لوثيمة بسنده من هذا الوجه.]] يعنى هذه الآية، وقال إنى أوتى بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع منه ذلك، فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا يا عدوّ اللَّه، أتاك موسى نبيا فكذبت به فيقول: آمنت أنه عبد نبىّ. وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه اللَّه أو ابن اللَّه، فيؤمن أنه عبد اللَّه ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه. قال: وكان متكئاً فاستوى جالساً فنظر إلىّ وقال: ممن؟ قلت: حدثني محمد بن علىّ بن الحنفية، فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال: لقد أخذتها من عين صافية، أو من معدنها. قال الكلبي: فقلت له: ما أردت إلى أن تقول حدثني محمد بن علىّ بن الحنفية. قال: أردت أن أغيظه، يعنى بزيادة اسم علىّ، لأنه مشهور بابن الحنفية.
وعن ابن عباس أنه فسره كذلك، فقال له عكرمة: فإن أتاه رجل فضرب عنقه قال: لا تخرج نفسه حتى يحرّك بها شفتيه. قال: وإن خرّ من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع قال: يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن [[لم أجده هكذا. وأخرجه الطبري من رواية أسباط عن السدى قال: قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما «ليس من يهودى يموت حتى يؤمن بعيسى بن مريم. فقال له رجل من أصحابه: كيف والرجل يغرق أو يحترق، أو يسقط عليه الجدار أو يأكله السبع؟ فقال: لا تخرج روحه من جسده حتى يقذف فيه الايمان بعيسى عليه الصلاة والسلام]] به. وتدل عليه قراءة أبىّ: إلا ليؤمننّ به قبل موتهم، بضم النون على معنى: وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم، لأنّ أحداً يصلح للجمع. فإن قلت: ما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم؟ قلت: فائدته الوعيد، وليكون علمهم بأنهم لا بدّ لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة، وأن ذلك لا ينفعهم، بعثا لهم وتنبيها على معاجلة الإيمان به في أوان الانتفاع به، وليكون إلزاما للحجة لهم، وكذلك قوله وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يشهد على اليهود بأنهم كذبوه، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن اللَّه. وقيل:
الضميران لعيسى، بمعنى: وإن منهم أحد إلا ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى، وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله. روى أنه ينزل من السماء في آخر الزمان، فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام، ويهلك اللَّه في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه [[أخرجه ابن حبان وأبو داود من رواية همام عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبى هريرة في حديث أوله «الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إخوة أولاد علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإنى أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبى، وإنه نازل. فإذا رأيتموه فاعرفوه، فانه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر، كأن رأسه يقطر وإن لم يمسه بلل، بين محصرين، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال ويقاتل الناس على الإسلام حتى يملكه اللَّه في زمانه الملك كلها إلا الإسلام إلى آخره» وأما قوله في أوله هنا «لا يبقى أحد من أهل الأرض إلا يؤمن به» فرواه الطبري من قول ابن عباس رضى اللَّه عنهما.]] . ويجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به، على أن اللَّه يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان، ويعلمهم نزوله وما أنزل له، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم.
وقيل: الضمير في: (بِهِ) يرجع إلى اللَّه تعالى. وقيل: إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
{"ayahs_start":153,"ayahs":["یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَـٰبࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَ ٰلِكَۚ وَءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَـٰنࣰا مُّبِینࣰا","وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِیثَـٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُوا۟ فِی ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّیثَـٰقًا غَلِیظࣰا","فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَیۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا","وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡیَمَ بُهۡتَـٰنًا عَظِیمࣰا","وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا","بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا","وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَیُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا"],"ayah":"بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق