الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ﴾ معطوفة على قوله: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ هذا هو الراجح، وإن كان فيها خلاف عند المعربين لكن هذا أرجح ما يكون، أي: وبكفرهم لَعَنَّاهُم.
﴿وَبِكُفْرِهِمْ﴾ وهذا توكيد على أنهم كفروا كفرًا أكبر أُكِّدَ بهذا التكرار.
﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ قولهم على مريم وهي بنت عمران وأخت هارون؛ وهنا إشكال كيف تكون أختًا لهارون وبين هارون وبينها سنين طويلة؟
أورد هذا على الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم وأن هارون أخا مريم ليس هو هارون أخا موسى؛ لكن كانوا يُسَمَّوْن بأسماء أنبيائهم حتى وصل إلى هارون أخي مريم، مريم بنت عمران وقد وصفها الله تعالى بأنها أحصنت فرجها وأنها أبعد ما يكون عن البغي مع أن بني إسرائيل قالوا لها: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم ٢٨] هذا نفي، يمدحون بذلك؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا يمدحون بذلك أباها وأمها، أبوها ليس امرأ سوء وأمها ليست بغيًا، والمراد به؟ المراد به رميها بالزنا كأنهم يقولون: من أين جاءك هذا؟ الأم طاهرة والأب بعيد عن السوء من أين جاءك؟ ولهذا ذهب بعض العلماء الفقهاء إلى أن القذف بالتورية يجب به الحد، القذف بالتورية يجب به الحد فلو تنازع شخصان، وقال أحدهما للآخر: أنا -الحمد لله- محصن الفرج عفيف ما زنيت، هو يقول عن نفسه.
المعنى: أنك أنت بالعكس؛ ولهذا قال بعض العلماء إنه يجب أن يُحَدَّ؛ لأن هذا التعريض أشد؛ ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ﴾ بنت عمران ﴿بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ حيث قالوا: إنها كانت بغيًّا، ويلزم من ذلك أن يكون عيسى أحد الأنبياء أولي العزم ولد زنا -والعياذ بالله- وهذا بهتان عظيم.
ونظير ذلك ما وقع من المنافقين في عائشة في قصة الإفك، قال الله تعالى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور ١٢] بَيِّنٌ، ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور ١٣] ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور ١٥].
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ هذا أيضًا مما ادعاه اليهود بنو إسرائيل، يقولون ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ شوف، ذكروه باللقب والاسم والكنية، المسيح لقب، الاسم عيسى، ابن مريم الكنية؛ هذا لا شك أنه وقع من اليهود، قالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم حتى لا يقع اشتباه فيه يعني ذكروه بالاسم وباللقب والكنية لئلا يقع اشتباه، وهذا من باب التوكيد توكيد العين والشخص بأنه هو المراد.
أما ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ فقد اختلف المفسرون فيها؛ هل هذا من قولهم أو من قول الله؟ فقال بعض أهل العلم: إنه من قول الله، يعني لما قال هؤلاء المسيح عيسى بن مريم هم لا يقرون بأنه رسول إذ لو كان رسولًا ما قتلوه؛ لكن الله تعالى قال: ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ كأنه سبحانه يقول: إنه لا يستحق أن يُقْتَل لأنه رسول.
وقال بعض المفسرين: إن هذا من كلامهم، وإنهم قالوا ذلك على سبيل التهكُّم؛ يعني الذي يزعم أنه رسول الله، وأن هذا كقول قريش للرسول ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر ٦] كيف نُزِّلَ عليه الذكر وتقول: إنه مجنون؟!
لكن هذا من باب التهكم؛ على كل حال، القرآن عظيم جاء بهذه الصيغة من أجل أن يدير الإنسان فكره في كل ناحية، يتأمل أيهما أحق.
ويمكن أن يقال: قاله الله تعالى تكريمًا وتعظيمًا لعيسى عليه الصلاة والسلام، وقاله هؤلاء استهزاء وتهكُّمًا.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾ القتل موجود، هم قالوا: قتلنا المسيح؛ لكن أين الصلب؟ يقولون: هذا من باب حذف المعلوم بالسياق، هنا هم قالوا: قتلنا وصلبنا.
قاله الله تعالى تكريمًا وتعظيمًا لعيسى عليه الصلاة والسلام، وقاله هؤلاء أيش؟ استهزاءً وتهكمًا.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾ [النساء ١٥٧] القتل موجود؛ هم قالوا: قتلنا المسيح. لكن أين الصلب؟
يقولون: هذا من باب حذف المعلوم بالسياق؛ هنا هم قالوا: قتلنا وصلبنا. لكن طوى ذكره اكتفاءً بما سيذكر.
﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾ وهم قالوا: إنا قتلناه وصلبناه، والصلب: أن توضع خشبة على طول جسد المصلوب ويُعرَض فوقها على حذاء عضديه عارضة، ثم يُوقف ويُشدّ على هذه الخشبة وتُربَط يداه على العارضتين، هذا هو الصلب؛ ولذلك اتخذ النصارى لسفههم وضلالهم وقلة عقولهم اتخذوا الصليب الذي صُلِب عليه نبيهم أيش؟ إلهًا، وعلى الأقل مقدَّسًا، مع أنهم لو كانوا عُقَلاء لكانوا إذا رأوا الصليب كسروه وأوقدوا به النار، لكنهم سفهاء ضُلَّال لا يميزون بين الحق و الباطل.
قال: ﴿وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ ﴿شُبِّهَ﴾ أي: أُلقِيَ شَبَهُهُ على شخصٍ آخر فقتلوا هذا الشخص، شوف الضلال والفتنة؛ ألقى اللهُ شبهه على رجلٍ فقتلوا هذا الرجل وصلبوه وقالوا: قتلنا المسيح. وقد اتفق جميع الذين كانوا حاضرين معه على أنه رُفِع كما قال الله عز وجل، ونحن لسنا بحاجة إلى شهادة أحد بعد شهادة الله عز وجل.
من الذي شُبِّه؟
قيل: إن الذي شُبِّه هو نفسه الذي دلَّ اليهود على عيسى؛ لأن اليهود كانوا يبحثون عن عيسى، وعيسى -كما تعلمون- كان يسيح في الأرض هو وأُمُّه خوفًا على نفسه من اليهود، فقيل لهم: إنه كان في البيت الفلاني. فأرسلوا أُمَّة لقتله، وكان دليلهم واحدًا منهم، فلما وصلوا إلى البيت الذي هو فيه وأصحابه -نحو ثلاثة عشر نفر أو اثني عشر- دخل الذي يدلُّ عليه ليتأكد، فلما دخل ألقى الله عليه شَبَه عيسى، سبحان الله! عُومِل بنقيض قصده، فدخل اليهود فأمسكوه، عيسى عيسى، قال: أنا صاحبكم. قالوا: أنت عيسى. فقتلوه وصلبوه.
أما عيسى عليه الصلاة والسلام فيقال: إن الله فتح له كوة في الجدار وخرج من غير الباب، رفعه الله إليه سبحانه وتعالى.
وقيل: إن الذي شُبِّه رجلٌ من قومه؛ من قوم عيسى، فقال لقومه الثلاثة عشر نفرًا قال: من يصبر على القتل فيُلقِي الله عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة. فقام شاب منهم وقال: أنا. فكأنهم استصغروه، فأعادها مرةً ثانيةً أو ثالثةً فقال: أنا. قال: أنت ذاك. فألقى الله شبهه عليه ونجا عيسى، وهذا الشاب هو الذي دخل اليهود عليه فقتلوه وصلبوه.
يقول عز وجل: ﴿وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ أما عيسى عليه الصلاة والسلام فيذكر الله أنه رفعه.
قال: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ﴾ الذين اختلفوا فيه؛ فقيل: إنه عيسى، وقال بعضهم: ليس عيسى؛ كأنَّ الشبه ليس تامًّا، ففيه ملامح عيسى وفيه ملامح غيره، ولذلك اختلفوا.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء ١٥٩ - ١٦٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ سبق لنا أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾ أي: ما قتلوا عيسى وما صلبوه، واليهود ادَّعوا أنهم قتلوه وصلبوه، ﴿وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ أي: أُلقِيَ شَبَهُهُ على شخصٍ.
وسبق أن المفسرين اختلفوا في ذلك؛ فمنهم من قال: أُلقِيَ شَبَهُهُ على واحد ممن كانوا عنده، ومنهم من قال: إنه أُلقِيَ شَبَهُهُ على الذي دلَّ عليه من اليهود.
واختلفوا؛ منهم من قال: قتلنا عيسى، ومنهم من قال: لم نقتله؛ لأن الشبه لا يقتضي المماثلة، ولعلهم لقُوَّة انفعالهم لم يتأنَّوْا كثيرًا، فأُلقِيَ الشبه على واحد منهم أو على مَن في البيت فقتلوه، ثم بعد قتْله تنازعوا: هل حقيقةً أنهم قتلوا عيسى أو لا؟ فاختلفوا فيه، وهؤلاء الذين اختلفوا لم يختلفوا عن علم، ولكن عن شكٍّ؛ منهم من قال: قتلناه، ومنهم من قال: لم نقتله، واختلفوا، وصار هذا في النهاية اختلافًا دينيًّا؛ فمن اليهود من أقرَّ بأنهم قتلوه، ومنهم من أنكر وقال: إن الذي قتلنا الشَّبَهُ شَبَهُ عيسى والجسد ليس جسده، اليهود اختلفوا فيه فمنهم من قال كذا ومنهم من قال كذا، والنصارى أيضًا اتبعوا؛ اتبعوهم في اختلافهم أيضًا، حتى النصارى اختلفوا فيه؛ يقول عز وجل: ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾، فنفى الله عنهم أن يكونوا عالِمين.
ووجه ذلك: أن العلم إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع إدراكًا جازمًا، هذا هو العلم، العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع إدراكًا جازمًا، وهؤلاء لم يَصِلُوا إلى هذا الحد، بل نعلم أنهم لم يعلموا هذا لأنهم ما قتلوه وما صلبوه.
﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ و﴿مَا﴾ هنا نافية، وهل هي حجازية أو تميمية أو حجازية لم تكمل شروطها؟
* طالب: حجازية لم تكمل شروطها.
* الشيخ: حجازية لم تكمل شروطها. ما الذي اختلَّ من الشروط؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: عدم الترتيب بين اسمها وخبرها، وابن مالك يقول -رحمه الله- في الألفية:
؎.................................. ∗∗∗ مَــــــــــــــعَ بَقَـــــــا النَّفْـــــــيِوَتَرْتِيــــــــــــبٍ زُكِــــــــــــــــنْ
أي: عُلِم، وهنا الترتيب مختلف؛ لو قلتَ: ما زيدٌ قائمًا، كنتَ حجازيًّا، ولو قلتَ: ما زيدٌ قائمٌ، كنتَ تميميًّا، وقال الشاعر يصف معشوقته:
؎وَمُهَفْهَفِ الْأَعْطَافِ قُلْتُ لَهُ: انْتَسِبْ ∗∗∗ فَأَجَــــــابَ: مَـــا قَتْـــــــلُالْمُحِـــــــــبِّ حَـــــــــــــرَامُ
إذن هي تميمية، ولو كانت حجازية لقالت: ما قتلُ المحب حرامًا، لكن لا تعمل عمل (ليس) عند الحجازيين إلا مع الترتيب وبقاء النفي، وهنا لا ترتيب، ولذلك نُعرب ﴿مَا﴾ نافية، و﴿لَهُمْ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، و﴿عِلْمٍ﴾ مبتدأ مؤخر، لكن دخل عليه حرف الجر الزائد إعرابًا الزائد معنًى؛ لأن الحروف الزائدة إعرابًا تفيد تقوية الكلام.
﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ ﴿إِلَّا﴾ هنا أداة استثناء، لكن الاستثناء منقطع، وعلامة الاستثناء المنقطع أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، ونحن نعلم جميعًا أن اتباع الظن ليس عِلمًا، وعلى هذا فلا يكون الاستثناء هنا.. أتموا.
* الطلبة: متصلًا.
* الشيخ: لا يكون متصلًا، بل هو منقطع؛ لأن اتباع الظن ليس علمًا، فيكون المستثنى الآن من غير جنس المستثنى منه ويكون منقطعًا، وتُقدَّر (إلَّا) في الاستثناء المنقطع بـ(لكنْ)؛ يعني: ما لهم به من علم لكن اتباع الظن.
﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ والظن هو الراجح من أحد احتمالين أو احتمالات؛ إذا كان الأمر يحتمل شيئين فأكثر ترجَّح أحدها فالراجح يُسمَّى ظنًّا، والمرجوح يُسمَّى وهمًا، وإن تساوى الأمران فهو شكٌّ، هذا عند الأصوليين.
أما عند الفقهاء فالشكُّ ما يقابل اليقين، فيشمل الوهم والظن والشك، ولهذا قالوا: إذا تيقَّن الطهارة وشكَّ في الحدث فهو على طهارته، ومعنى (شك في الحدث) يشمل الظن والوهم والشك، لكنَّ الأصوليين رحمهم الله قسَّموا ما لا يكون عِلمًا إلى هذه الأقسام: ظن، وشك، ووهم. ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾، وحينئذٍ لا علم عندهم.
هل لنا أن نأتي بمثال يكون فيه الاستثناء منقطعًا من القرآن سوى هذا؟ نعم كثير، مثل قوله تعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ [الغاشية ٢٢ - ٢٤] فهنا (إلا) الاستثناء منقطع؛ لأن انتفاء السيطرة على هؤلاء يشمل من كفر ومن كان غير كافر؛ ولهذا أتت (الفاء) في الجواب، والتقدير: لستَ عليهم بمصيطر، لكنْ مَن تولَّى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر.
يقول جل وعلا: ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ ﴿مَا﴾ نافية، ﴿قَتَلُوهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول به، ﴿يَقِينًا﴾ قيل: إنها مصدر في موضع الحال من (الواو) في ﴿قَتَلُوهُ﴾ أي: وما قتلوه متيقنين، ولكنهم في شكٍّ منه، فهنا يتناسب هذا مع قوله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ وقولِه: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ﴾، وعلى هذا فتكون ﴿يَقِينًا﴾ مصدرًا في موضع الحال، أين عاملها؟
* طالب: الواو.
* الشيخ: لا، أين عاملها؟
* طالب: قتلوا.
* الشيخ: قتلوا، وأين صاحبها؟
* الطلبة: الواو.
* الشيخ: الواو، يعني: وما قتلوه متيقِّنين، وقيل: إن ﴿يَقِينًا﴾ مؤكِّدة للنفي؛ أي: ما قتلوه، أقول ذلك يقينًا. ولايصح أن تكون تأكيدًا للمنفي يعني: وما قتلوه قتلًا يقينًا بل قتلًا ظنيًّا، هذا لا يصح.
إذن هي إما مصدر في موضع الحال من فاعل (قتلوا) والمعنى: وما قتلوه متيقنين ولكنهم في شكٍّ، أو أنها تأكيد للنفي؛ أي: وما قتلوه أنفي ذلك يقينًا، أو: أقول ذلك يقينًا. وعلى القاعدة التي مرَّت علينا في التفسير: أنه إذا احتمل الكلام معنيين فأكثر لا منافاة بينهما ولا مرجِّح لأحدهما؟
* الطلبة: حُمِل على المعنيين.
* الشيخ: حُمِل على المعنيين جميعًا، وعلى هذا فنقول: كلمة ﴿يَقِينًا﴾ لها معنيان: المعنى الأول: ما قتلوه متيقنين، والمعنى الثاني: ما قتلوه أنفي ذلك يقينًا.
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ هذه ﴿بَلْ﴾ حرف إضراب، وهل هذا إضراب إبطاليٌّ أو انتقاليٌّ؟
* الطلبة: إبطاليٌّ.
* الشيخ: إبطاليٌّ، وعلامة الإضراب الإبطاليِّ أن يكون مبطِلًا لما سبقه، وعلامة الانتقالي أن لا يكون مبطِلًا لما سبقه لكنه ينتقل من حال إلى حال؛ مثل قوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل ٦٦] هذه انتقالية، لكن الإضراب هنا إضرابٌ إبطالي؛ ﴿بَلْ﴾ يعني: لم يصْدُقوا في دعواهم.
﴿رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ أي: رفعه حيًّا أو ميتًا؟
* الطلبة: حيًّا.
* الشيخ: حيًّا، رفعه الله تعالى إليه حيًّا؛ إما من كوَّة في البيت أو من الباب، الله أعلم، كل ذلك ممكن، وكل ذلك بقدرة الله عز وجل.
﴿رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ وأين كان؟ كان في السماء الثانية؛ دليل ذلك «أن النبي ﷺ حين عُرِج به وجد في الأولى آدم، ووجد في الثانية عيسى ويحيى، ووجد في الثالثة يوسف، ووجد في الرابعة إدريس، ووجد في الخامسة هارون، ووجد في السادسة موسى، ووجد في السابعة إبراهيم»[[أخرجه مسلم (١٦٢ / ٢٥٩) من حديث أنس بن مالك.]]، إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أعلى هؤلاء منزلة عند الله عز وجل، ولهذا كان في السماء السابعة، وآدم في السماء الدنيا ليقرب من بنيه؛ فإنَّ بنيه كانوا في الأرض، وأقربُ ما يكون من السماوات هو السماء الدنيا، أقربُ ما يكون إلى الأرض هو السماء الدنيا، وفضْل الله واسع يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
إذن ﴿رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ إلى أيِّ مكان؟ إلى السماء الثانية مع ابن خالته يحيى، لكن يحيى ليس مرفوعًا في حالِ حياته، إنما هو مرفوع بعد أن مات.
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا﴾ أي: ذا عِزَّة، والعِزَّة قال العلماء: إنها ثلاثة أقسام: عِزَّة القَهْر، وعِزَّة؟
* طالب: القَدْر.
* الشيخ: وعِزَّة الامتناع.
(عِزَّة القهر) أن الله سبحانه وتعالى غالبٌ غيرُ مغلوبٍ، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي:
؎أَيْنَ الْمَفَـــــــــــرُّ وَالْإِلَــــــــــــهُالطَّالِــــــــــــــبُ ∗∗∗ وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُــــــــوبُ لَيْسَالْغَالِـــــــــبُ
ومن أمثلة ذلك -أي: من أمثلة ظهور الغَلَبة في العزة- قول الله تبارك وتعالى ردًّا على قول المنافقين: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون ٨] قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، العِزَّة هنا أظهر معانيها أيش؟ الغَلَبة؛ لأنه في مقابلة قول هؤلاء المنافقين، عِزَّة الغَلَبة واضحة؛ أن يكون غالبًا لكل شيء، فهو غالبٌ وليس بمغلوبٍ جل وعلا.
(عِزَّة القَدْر) أي أنه ذو قدر عظيم لا نظير له.
(عِزَّة الامتناع) أنه يمتنع عليه النقص، وأخذوا هذا من قول العرب: أرض عَزازٌ. (عَزازٌ) أي: صلبة قويَّة.
و﴿حَكِيمًا﴾ أي: ذا حِكْمة، فما هي الحكمة؟
الحِكْمة هي إحكام الشيء وإتقانه ووضعه موضعَه بحيث لا يقول عاقل: ليته لم يكن هنا، هذه الحكمة.
وقد نتوسع في المعنى ونقول: إن الحكيم مشتقة من الحِكمة والْحُكم؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام ٥٧] وقال تعالى: ﴿مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠]، فهو الحكيم؛ أي: الحاكم في عباده وبين عباده؛ فهو الحاكم في عباده يَشْرع ما شاء فيهم بأمره ونهيه، وهو الحاكم بينهم بشرعه في الدنيا وبجزائه في الآخرة، هذا حُكم.
ويكون أيضًا من الحكمة وهي: إتقان الشيء ووضعه في موضعه، ولا شكَّ أن الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في شرعه وفي قَدَره؛ ولهذا نقول: الحكمة شرعية وقَدَرية.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ المناسبة، يعني مناسبة ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين؛ لأن هؤلاء اليهود جاؤوا مغالبين يريدون أن يقتلوا رسولًا من رُسُل الله عز وجل، فناسب أن يختم الآية بالعِزَّة والحكمة، وهي هنا في الْحُكم أظهر منها في الحكمة؛ يعني: هو الحاكم عز وجل، ولذلك منع هؤلاء من إفسادهم وقتلهم النبي.
* نأخذ الفوائد:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾.
* هنا من هذه الآية يؤخذ: إثبات السبب؛ لقوله: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن الكفر سببٌ للشرِّ والفساد واللَّعن والإبعاد عن رحمة الله عز وجل؛ لأنه متعلق بمحذوف، كما قلنا في قوله: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ﴾ [المائدة ١٣].
* ومن فوائدها: أن اليهود رَمَوْا مريم ببُهْتانٍ عظيمٍ حيث قالوا: إنها زانية وإن عيسى ابن زنى -نسأل الله العافية- وهذا بُهتانٌ عظيمٌ.
ولكن هل نقول: إنهم كفروا برميهم إياها؟
نقول: أما من قذفها بذلك بعد أن برَّأها الله من ذلك فهو كافر، لا لقذفه ولكنْ لتكذيبه تبرئة الله سبحانه وتعالى إياها، فعلى هذا يكون كُفْره من باب كُفْر الجحود؛ لأنه أنكر ما أثبته الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم ١٢]، فشهد الله لها بإحصان الفرج، وعليه فمن رماها بما رماها به اليهود فإنه كافرٌ مكذِّبٌ لله عز وجل، وليس هذا من أجْل قذفها، نُكَفِّره الآن من أجْل أن قذْفها تكذيبٌ لله عز وجل.
ننتقل -وإن كان ليس هناك علاقة تامة- لو قذف أحد من الناس زوجة النبي عليه الصلاة والسلام عائشة بما برأها الله منه يكون كافرًا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، يكون كافرًا من وجهين:
الوجه الأول: تكذيب خبر الله عز وجل، وأول ما ذكر الله القصة ذكر الإفك؛ ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ [النور ١١]، مما يدل على أن هذه القضية من أصلها وفصلها كذبٌ، فمن رمى أم المؤمنين عائشة بما برَّأها الله منه فإنه كافر مكذِّب لله عز وجل.
وأيضًا من وجه آخر أنه دنَّس فِراش النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت أم المؤمنين عائشة -وحاشاها من أن تكون فعلت ما رُمِيتْ به- إذا كانت زانية -والعياذ بالله- فهي خبيثة، و﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور ٢٦]، ولهذا يلزم من ذلك أن يكون طَعَن بالرسول عليه الصلاة والسلام.
زِدْ على ذلك: أنه طَعَن في حكمة الله عز وجل أن يجعل هذه المرأة الزانية فِراشًا لأفضل البشر عنده -نعوذ بالله- طَعَن في حكمة الله، هل من الحكمة أن يجعل ولِيَّه وصفِيَّه وخليله محمدًا ﷺ يفترش امرأة زانية؟ ليس من الحكمة، فهؤلاء الذين يرمونها بما برَّأها الله منه هم كَفَرةٌ لا شكَّ، نشهد بالله أنهم كَفَرةٌ وليسوا من الإسلام في شيء؛ لأنهم كذَّبوا الله ورسوله، ولأنهم دنَّسوا فِراش النبي عليه الصلاة والسلام، ولأنهم طعنوا في حكمة الله، ولا إشكال في هذا.
لو قذف غير أم المؤمنين عائشة من زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام اللاتي مِتْنَ وهُنَّ في حباله أو مات عنهن، فكذلك؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فكذلك، الصحيح أنه يكفر، لماذا؟ لا نقول: لأنه تكذيبٌ لله؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما برَّأ واحدة منهنَّ، لكنْ لأنه دنَّس فِراش النبي ﷺ وطعن في حكمة الله عز وجل؛ ولهذا كان القول الراجح: أن مَن قَذَفَ واحدة من أمَّهات المؤمنين فإنه كافر يُباح دمُه ومالُه إلا أن يتوب، فإذا تاب فينظر الإمام هل يرفع عنه القتل لأنه تاب، أو لا يرفع لأنه حدٌّ، هذا يرجع إلى رأي الإمام.
* طالب: القسم الثاني ممن رمى مريم رضي الله عنها قبل أن يبرِّئها الله.
* الشيخ: لا، إذا رمى مِن غير ما برَّأها الله منه فهذا يكون كغيرها ممن رُمِيتْ؛ لأنها ليست هي زوجة نبي حتى نقول: إنه يكون طعن بالنبي.
* من فوائد الآية الكريمة: أن رمي المحصنات بُهتانٌ عظيمٌ، ولهذا أوجب الله فيه حدًّا قَدْره كم؟
* الطلبة: ثمانون جلدة.
* الشيخ: قدره ثمانون جلدة، حتى لو شهد أحدٌ بأنَّ فلانة أو فلانًا زنى وأنه شاهد ذَكَر هذا الرجلِ في فرجها، شهد هذه الشهادة، نقول: الآن عليك ثمانون جلدة، ولو كان من أصدق الناس، ولو كان من أزكى الناس نقول: عليك ثمانون جلدة، قال: معي شاهد آخر، هاتوا، شهد الثاني، نجلده أيضًا ثمانين جلدة مع الأول، قالوا: عندنا شاهد ثالث، قلنا: هات، فنجلده أيضًا ثمانين جلدة، كل هذا حماية للأعراض والأنساب؛ يعني: جَلْد القاذف ليس حمايةً لعِرض المقذوف فقط، وللأنساب أيضًا؛ لأنه لو ثبت زناه اختلط نسب الزاني بنسب الزوج، ما يُدرَى هذا الولد لهذا أو لهذا فضاعت الأنساب، ولهذا كان من الواجب أن يُقام على القاذف الحد.
وأيضًا لا يكفي أن يُقام عليه الحد؛ لا تُقبل له شهادةٌ أبدًا، ولو شَهِد بما يساوي فلسًا لا تُقبل شهادته؛ لأنه قال: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ [النور ٤] أكَّد النفي بالتأبيد، فإذا شَهِد وهو من أعدل الناس قلنا: لا نقبل، ليش؟ هذا أمر الله: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾.
الثالث؛ العقوبة الثالثة: خروجه عن العدالة؛ ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور ٤]، وبناء على ذلك فكل عمل ديني أو دنيوي يُشترط فيه العدالة فإنه لا يتولَّاه أبدًا، لكن الله استثنى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور ٥]، وهذا الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة بالاتفاق وهو ارتفاع الفسق عنه إذا تاب، ولا يعود للأولى بالاتفاق وهي قوله: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور ٤]، واختلف العلماء هل يعود للثانية وهي ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ أو لا على قولين، وينبغي أن يرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم القاضي.
قال: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: أن اليهود باؤوا بإثم قتل المسيح أخذًا لهم بإقرارهم؛ لأن الله جعل الإقرار شهادة فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، ولهذا نقول: اليهود قتلوا المسيح وما قتلوه، أيش قتلوه وما قتلوه؟ قتلوه حُكمًا ولم يقتلوه واقعًا؛ قتلوه حُكمًا لأنهم أقرُّوا بأنهم قتلوه، ولكنهم لم يقتلوه واقعًا في الحقيقة.
* فمن فوائد الآية الكريمة إذن: أن حُكم قتل المسيح أيش؟ ثابتٌ على اليهود بإقرارهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنهم -أعني اليهود- إما أن يكونوا قد أقرُّوا بأنه رسول وقالوا: ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ ليعلنوا على أنفسهم أنهم فعلوا ذلك عنادًا، أو أن ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ هذه من كلام الله، كما سبق ذكر القولين فيها من المفسرين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: نسبة الإنسان إذا لم يكن له أبٌ إلى أمه، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة وهي فائدة نحوية: أن الإنسان إذا اشتهر بلقبه فلا بأس أن يُقدَّم على اسم العَلَم؛ لأنه قدَّم ﴿الْمَسِيحَ﴾، وإلا فالأصل أن يُقدَّم الاسم أولًا ثم اللقب ثم الكُنية، لكن إذا اشتهر به فإنه يُقدَّم اللقب مثل أن تقول: الإمام أحمد بن حنبل، أو أحمد بن حنبل الإمام؟ الأول؛ لأنه مشتهر به.
* من فوائد الآية الكريمة: أن عيسى عليه الصلاة والسلام رسول الله؛ لقوله: ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾، وهو آخر نبي بعث بعده محمد ﷺ؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ أيش؟ ﴿عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة ١٩]، «وثبت عن النبي ﷺ أنه ليس بينه وبين عيسى أحد من الرسل»[[أخرجه مسلم (٢٣٦٥ / ١٤٤) من حديث أبي هريرة.]]، وبه نعرف كذب الأخبار التي قالت: إن خالد بن سنان -وهو من العرب- كان رسولًا، فيقال: ليس بين عيسى ومحمد أحد من الرسل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: شرف عيسى عليه الصلاة والسلام، كيف؟ لأنه رسول الله، وكفى بالإنسان شرفًا أن يكون رسولًا لله، كما كفى به شرفًا أن يكون عبدًا لله، أليس كذلك؟ لكن الرسالة أخصُّ من العبودية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يُقتَل ولم يُصلَب، خلافًا لمن؟ لليهود، والذي قال: إنه لم يُقتَل ولم يُصلَب هو الله عز وجل؛ ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: سفاهة النصارى وقلة تمييزهم؛ حيث كانوا يعبدون الصليب ويعظمونه، ولو كانوا عُقَلاء لكسروه، صليبٌ يُصلَب عليه نبيهم ثم يذهبون إلى تقديسه! لو أخذنا بظاهر الحال لقلنا: هذا دليل على بُغضهم لعيسى حيث قدَّسوا ما عُذِّب به وهو الصليب، لكن هم يدَّعون أن هذا تعظيم لعيسى عليه الصلاة والسلام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام قدرة الله عز وجل؛ حيث انقلب الرجل إلى مشابهة عيسى، سواء قلنا: إنه أحد القاعدين في البيت أو إنه اليهودي الذي دلَّ اليهودَ على مكان عيسى، فهو دليل على تمام قدرة الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية -إذا قلنا: إن المقتول الرجل الذي دلَّ اليهودَ- من فوائد الآية: أن فيها تأييدًا للمثل القائل: من حفر لأخيه حفرة وقع فيها؛ فإن هذا الرجل جاء يدل اليهود ليقتلوا عيسى فقتلوه هو.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اليهود اختلفوا بعد أن قتلوا عيسى بزعمهم، اختلفوا هل قتلوه أم لا.
* ومن فوائدها: أنهم تكلموا بهذا بلا علم، هذا الاختلاف كله لا علم فيه، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾، حتى كل المختلفين ليس لهم به علم وإنما هو الظن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كما ينتفي العلم عن النصارى لأنهم ضُلَّال فقد انتفى العلم عن اليهود في هذه المسألة ولم يدركوها حقًّا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى ذمِّ من اتبع الظن؛ وجهه: أن الله نَفَى عنهم العلم أولًا، ونَفْيُ العلم يقتضي ثبوت الجهل، والجهل مذموم، فاتباع الظن أيضًا مذموم.
ولكن بيَّن الله تعالى في سورة الحجرات أن الظن بعضه غير مذموم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ يعني: ولا تجتنبوا بعض الظن، ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات ١٢] يعني: وبعضه ليس بإثم، فما هو الفرق؟ الظن المبني على قرائن قوية ليست أوهامًا أو تخيلات هذا ليس بإثم، والظن الذي لا أصل له هذا إثم.
ولكن إذا ظنَّ الإنسان بأخيه سوءًا فهل الأَوْلى أن يُحقِّق أو أن يتجاهل الأمر؟
* طلبة: الأول.
* طلبة آخرون: الثاني.
* الشيخ: لا، إن قلتم: الأول، أخطأتم، وإن قلتم: الثاني، أخطأتم.
* طالب: حسب الحال.
* الشيخ: إي نعم، حسب الحال؛ قد يكون من المصلحة أن نبحث حتى نصل إلى اليقين إما نفيًا أو إثباتًا، وقد يكون من المصلحة أن نتجاهل ونتغاضى، فإذا كان الأمر بينك وبين هذا الرجل فالتجاهل أحسن؛ يعني: لو نقل إليك إنسان كلامًا فيك من شخص فالأَوْلى أن تتجاهل هذا لئلَّا يقع في قلبك شيء عليه، فضلًا عن أنه ربما تذهب إليه وتتنازع معه، ولهذا جاء في حديث رواه ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَا يُخْبِرَنِّي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ»[[أخرجه أبو داود (٤٨٦٠) والترمذي (٣٨٩٦) من حديث ابن مسعود بلفظ: «لَا يُبَلِّغُنِي».]]، والحديث فيه ما فيه من حيث السند، لكن معناه جيد، إلا إذا دعت الحاجة إلى إخبار الإنسان فهذا شيء ثانٍ؛ مثل أن نعرف أن هذا الرجل بينه وبين هذا صداقة ويُفضي إليه بسِرِّه والثاني ينقل كلامه كالمنخل تمامًا لا يُمسك الماء، فهذا يجب أن تنصحه، وإذا أخبرت عن حاله ليس هذا نميمة، بل هو نصيحة.
المهم أن الظن الآن ينقسم إلى قِسمين: بعضه له قرائن قوية فهُنا ينتفي عنه الإثم، وقِسم آخر ليس له قرائن قوية فظنه إثم، ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: انتفاء قتل عيسى عليه الصلاة والسلام، وأنه لم يُقتَل يقينًا؛ لقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ على أحد الاحتمالين، أيهما؟ أن اليقين هنا عائد إلى نفي القتل.
فإن قال قائل: ما الذي أحوج القضية إلى أن يكون فيها هذا التأكيد ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾؟ ما الذي أوجب؟ ألسنا نحن نؤمن بكلمة واحدة من ربنا عز وجل؟ بلى، لكن ما الذي أوجب؟
أوجب هذا أن اليهود لهم دعاية قوية فيما يذهبون إليه، فمن أجل هذه الدعاية القوية قوبلوا بهذه التأكيدات التي تدل على أن اليهود لم يقتلوا عيسى، واضح؟ وهذا من رحمة الله ومن حكمة الله؛ أما كونه من رحمته فلئلَّا يعلق في قلوب المسلمين شيء من هذه الدعاية، وأما كونه من حكمة الله فلأجل أن يتبين الأمر كما هو حتى لا يكون ملتبسًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين ادَّعوا قتله لم يتيقَّنوا من قتله بل هم في شكٍّ منه، بناء على أيش؟
* طالب: على الثاني.
* الشيخ: الثاني من يعرف؟ وأيش الاحتمال الثاني؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: أن ﴿يَقِينًا﴾ مصدر في موضع الحال من فاعل (قتلوا)، يعني: وما قتلوه متيقِّنين، بل هم في شكٍّ من ذلك، والله أعلم.
* طالب: كيف الجمع بين الدرس الماضي والفوائد؛ ذكرنا في الدرس الماضي ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ هذا من قول الله؛ لأن اليهود لم يعترفوا على لسانهم، فتعيَّن هذا من قول الله، وذكرنا هذا من قول اليهود؛ لأنهم يقولون: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم الذي يزعم أنه رسول؟
* الشيخ: ذكرنا فيها القولين، ذكرنا في الشرح القولين.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء ١٥٨ - ١٦١].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ماذا تقول في دعوى اليهود أنهم قتلوا المسيح؟
* طالب: لم يقتلوه، وإنما قتلوا من أُلقِيَ عليه شَبَهُهُ.
* الشيخ: يعني إذن الدعوى هذه كذب.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ما الدليل؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾.
* الشيخ: طيب، كلمة ﴿يَقِينًا﴾ هنا هل هي عائدة إلى فعلهم أو عائدة إلى النفي؟
* الطالب: يحتمل أن تعود على الجهتين؛ فإن قلنا: إنها عائدة على القتل فإن القتل الذي قتلوه ليس هو قتلًا يقينيًّا.
* الشيخ: القتيل.
* الطالب: القتيل ليس هو عيسى نفسه، وإن قلنا: إنها عائدة على النفي فإنه ينفي تحقُّق فعل القتل منهم.
* الشيخ: فإنه يؤكد انتفاء القتل.
وإذا احتملت الآية المعنيين جميعًا فما الحكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني تُحمل على المعنيين جميعًا.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: هل لهذا شرط؛ أعني حملها على المعنيين جميعًا؟
* طالب: أن لا يكون بينهما تعارض.
* الشيخ: طيب، وأيش بعد؟
* الطالب: أن يكون اللفظ يحتمل المعنيين ولا يكون بينهما..
* الشيخ: هذا معنى يحتمل المعنيين أن لا يكون بينهما تعارض. الثاني؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذه معناها، واحد.
* طالب: أن لا يكون الحمل على وجه (...)؛ يعني وجه بعيد.
* الشيخ: يعني أن لا يترجَّح أحدهما على الآخر، فإن ترجَّح أحدهما على الآخر أُخِذ بالراجح.
قوله: ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ الاستثناء هنا بماذا نصفه؟
* طالب: منقطع.
* الشيخ: منقطع، ما هو ضابط الاستثناء المنقطع؟
* طالب: إذا لم يكن المستثنى منه من جنس الـ..
* الشيخ: إذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه. فما وجه المخالفة هنا؟
* الطالب: أن اتباع الظن ليس من العلم.
* الشيخ: لأن اتباع الظن ليس من العلم.
ثم قال تبارك وتعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إبطال ما ادَّعاه هؤلاء من قتل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام؛ حيث نَفَى قتلَه ثم بيَّن أنه مرفوع إلى الله.
* ومن فوائدها: إثبات علو الله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِلَيْهِ﴾، و(إلى) للغاية، فدلَّ ذلك على أن المرفوع إليه عالٍ، والأدلة على علو الله تعالى بذاته كثيرة لا تحصر من القرآن والسُّنة وإجماع السلف والعقل والفطرة، وقد تكرر هذا كثيرًا وبيَّناه، والحمد لله.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حيٌّ؛ لقوله: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾، وهذا يقتضي رفعه بجسده، كما عُرِج بالنبي ﷺ بجسده إلى السماوات.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين لله عز وجل وهما: العزيز والحكيم، والعزيز: المتَّصف بالعزة، والحكيم: المتَّصف بالْحُكم والحِكمة؛ لأنها من (حَكَمَ) و(أَحْكَمَ)، وسبق أن قلنا: إن عِزَّة الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عِزَّة القدر، وعِزَّة القهر، وعِزَّة الامتناع، فهي ثلاثة معانٍ.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحكمة لله عز وجل، وهو أنه لا يحكم بشيء إلا لحكمة، ولا يفعل شيئًا إلا لحكمة، وهذه الحكمة قد تكون معلومة للناس وقد تكون غير معلومة.
* ومن فوائدها: وجوب اقتناع الإنسان بحكم الله ورضاه بقَدَره، فوجوب اقتناعه بحكم الله لأنه إذا آمن أنه لحكمة وجب أن يقتنع به، ولهذا كان السلف الصالح لا يُقْنعون النفوس عند الإشكال إلا بالنصوص؛ كما فعلت عائشة رضي الله عنها حين سُئِلت: «ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة»[[أخرجه مسلم (٣٣٥ / ٦٩) من حديث عائشة.]].
وأما الرضا بقضائه فالمراد أن يرضى الإنسان بقضاء الله لا بالمقضيِّ؛ لأن المقضيَّ فيه تفصيل، لكن القضاء من حيث هو قضاء الله يجب عليه أن يرضى به، وهذا من تمام توحيد الربوبية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحكم لله عز وجل، فالحكم لله كونًا وشرعًا؛ أما الحكم الكوني فنافذٌ على كل أحد: مسلم، كافر، مؤمن، فاجر، كلُّ أحد خاضعٌ للحكم الكوني، وأما الحكم الشرعي فمن الناس من خضع له، ومن الناس من لم يخضع له؛ فالمؤمنون خاضعون له، والكافرون لم يخضعوا له.
{"ayahs_start":156,"ayahs":["وَبِكُفۡرِهِمۡ وَقَوۡلِهِمۡ عَلَىٰ مَرۡیَمَ بُهۡتَـٰنًا عَظِیمࣰا","وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا","بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"],"ayah":"بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق