الباحث القرآني
﴿وقَوْلِهِمْ﴾ عَلى سَبِيلِ التَّبَجُّحِ.
﴿إنّا قَتَلْنا المَسِيحَ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ ذَكَرُوهُ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ تَهَكُّمًا واسْتِهْزاءً، كَما في قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنِ الكُفّارِ: ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ إلَخْ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنهم بِناءً عَلى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإنْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ، وقِيلَ: إنَّهم وصَفُوهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِن صِفاتِ الذَّمِّ، فَغُيِّرَ في الحِكايَةِ فَيَكُونُ مِنَ الحِكايَةِ لا مِنَ المَحْكِيِّ، وقِيلَ: هو اسْتِئْنافٌ مِنهُ؛ مَدْحًا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ورَفْعًا لِمَحَلِّهِ، وإظْهارًا لِغايَةِ جَراءَتِهِمْ في تَصَدِّيهِمْ لِقَتْلِهِ، ونِهايَةَ وقاحَتِهِمْ في تَبَجُّحِهِمْ ﴿وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ﴾ حالٌ أوِ اعْتِراضٌ ﴿ولَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّ رَهْطًا مِنَ اليَهُودِ سَبُّوهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأمَّهُ فَدَعا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وخَنازِيرَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ يَهُوذا رَأْسَ اليَهُودِ، فَخافَ فَجَمَعَ اليَهُودَ، فاتَّفَقُوا عَلى قَتْلِهِ، فَسارُوا إلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَأدْخَلَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ – بَيْتًا، ورَفَعَهُ مِنهُ إلى السَّماءِ، ولَمْ يَشْعُرُوا بِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ طِيطانُوسُ لِيَقْتُلَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، وأبْطَأ عَلَيْهِمْ، وألْقى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ شِبْهَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَلَمّا خَرَجَ قَتَلُوهُ وصَلَبُوهُ.
وقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ في خَبَرٍ طَوِيلٍ، رَواهُ عَنْهُ ابْنُ المُنْذِرِ: «أتى عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ومَعَهُ سَبْعَةٌ وعِشْرُونَ مِنَ الحَوارِيُّونَ في بَيْتٍ، فَأحاطُوا بِهِمْ، فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِمْ صَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعالى كُلَّهم عَلى صُورَةِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقالُوا لَهُمْ: سَحَرْتُمُونا، لِيَبْرُزْ لَنا عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - أوْ لَنَقْتُلَنَّكم جَمِيعًا، فَقالَ عِيسى لِأصْحابِهِ: مَن يَشْتَرِي نَفْسَهُ مِنكُمُ اليَوْمَ بِالجَنَّةِ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِنهُمْ: أنا، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقالَ: أنا عِيسى، فَقَتَلُوهُ وصَلَبُوهُ، ورَفَعَ اللَّهُ تَعالى عِيسى، عَلَيْهِ السَّلامُ».
وبِهِ قالَ قَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ إسْحاقَ، وإنِ اخْتَلَفُوا في عَدَدِ الحَوارِيِّينَ، ولَمْ يَذْكُرْ أحَدٌ غَيْرُ وهْبٍ أنَّ شَبَهَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أُلْقِيَ عَلى جَمِيعِهِمْ، بَلْ قالُوا: أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلى واحِدٍ، ورُفِعَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن بَيْنِهِمْ.
ورَجَّحَ الطَّبَرِيُّ قَوْلَ وهْبٍ، وقالَ: إنَّهُ الأشْبَهُ، وقالَ أبُو عَلِيٍّ الجُبّائِيُّ: إنَّ رُؤَساءَ اليَهُودِ أخَذُوا إنْسانًا فَقَتَلُوهُ وصَلَبُوهُ عَلى مَوْضِعٍ عالٍ، ولَمْ يُمَكِّنُوا أحَدًا مِنَ الدُّنُوِّ مِنهُ، فَتَغَيَّرَتْ حِلْيَتُهُ، وقالُوا: إنّا قَتَلْنا عِيسى لِيُوهِمُوا بِذَلِكَ عَلى عَوامِّهِمْ؛ لِأنَّهم كانُوا أحاطُوا بِالبَيْتِ الَّذِي بِهِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَلَمّا دَخَلُوهُ ولَمْ يَجِدُوهُ فَخافُوا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإيمانِ اليَهُودِ، فَفَعَلُوا ما فَعَلُوا.
وقِيلَ: كانَ رَجُلٌ مِنَ الحَوارِيِّينَ يُنافِقُ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَلَمّا أرادُوا قَتْلَهُ قالَ: أنا أدُلُّكم عَلَيْهِ، وأخَذَ عَلى ذَلِكَ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا، فَدَخَلَ بَيْتَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَرُفِعَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلى المُنافِقِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وهم يَظُنُّونَ أنَّهُ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، و(شُبِّهَ) مُسْنَدٌ إلى الجارِّ والمَجْرُورِ، والمُرادُ وقَعَ لَهم تَشْبِيهٌ بَيْنَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ومَن صُلِبَ، أوْ في الأمْرِ - عَلى قَوْلِ الجُبّائِيِّ - أوْ هو مُسْنَدٌ إلى ضَمِيرِ المَقْتُولِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ (إنّا قَتَلْنا) أيْ: (شُبِّهَ لَهُمْ) مَن قَتَلُوهُ بِعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - أوِ الضَّمِيرُ لِلْأمْرِ، و(شُبِّهَ) مِنَ الشُّبْهَةِ، أيِ: التَبَسَ عَلَيْهِمُ الأمْرُ بِناءً عَلى ذَلِكَ القَوْلِ، ولَيْسَ المُسْنَدُ إلَيْهِ ضَمِيرَ المَسِيحِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ لِأنَّهُ مُشَبَّهٌ بِهِ لا مُشَبَّهٌ.
﴿وإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ أيْ: في شَأْنِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَإنَّهُ لَمّا وقَعَتْ تِلْكَ (p-11)الواقِعَةُ اخْتَلَفَ النّاسُ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كانَ كاذِبًا فَقَتَلْناهُ حَقًّا، وتَرَدَّدَ آخَرُونَ فَقالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كانَ هَذا عِيسى فَأيْنَ صاحِبُنا؟! وإنْ كانَ صاحِبَنا فَأيْنَ عِيسى ؟! وقالَ بَعْضُهُمُ: الوَجْهُ وجْهُ عِيسى، والبَدَنُ بَدَنُ صاحِبِنا، وقالَ مَن سَمِعَ مِنهُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يَرْفَعُنِي إلى السَّماءِ: إنَّهُ رُفِعَ إلى السَّماءِ، وقالَتِ النَّصارى الَّذِينَ يَدَّعُونَ رُبُوبِيَّتَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: صُلِبَ النّاسُوتُ وصَعِدَ اللّاهُوتُ، ولِهَذا لا يَعُدُّونَ القَتْلَ نَقِيصَةً حَيْثُ لَمْ يُضِيفُوهُ إلى اللّاهُوتِ، ويَرُدُّ هَؤُلاءِ إنَّ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ عِنْدَ اليَعْقُوبِيَّةِ القائِلِينَ: إنَّ المَسِيحَ قَدْ صارَ بِالِاتِّحادِ طَبِيعَةً واحِدَةً، إذِ الطَّبِيعَةُ الواحِدَةُ لَمْ يَبْقَ فِيها ناسُوتٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ لاهُوتٍ، والشَّيْءُ الواحِدُ لا يُقالُ: ماتَ ولَمْ يَمُتْ، وأُهِينَ ولَمْ يُهَنْ.
وأمّا الرُّومُ القائِلُونَ بِأنَّ المَسِيحَ بَعْدَ الِاتِّحادِ باقٍ عَلى طَبِيعَتَيْنِ فَيُقالُ لَهُمْ: فَهَلْ فارَقَ اللّاهُوتُ ناسُوتَهُ عِنْدَ القَتْلِ؟ فَإنْ قالُوا: فارَقَهُ، فَقَدْ أبْطَلُوا دِينَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ المَسِيحُ الرُّبُوبِيَّةَ عِنْدَهم إلّا بِالِاتِّحادِ، وإنْ قالُوا: لَمْ يُفارِقْهُ فَقَدِ التَزَمُوا ما ورَدَ عَلى اليَعْقُوبِيَّةِ، وهو قَتْلُ اللّاهُوتِ مَعَ النّاسُوتِ، وإنْ فَسَّرُوا الِاتِّحادَ بِالتَّدَرُّعِ، وهو أنَّ الإلَهَ جَعَلَهُ مَسْكَنًا وبَيْتًا ثُمَّ فارَقَهُ عِنْدَ وُرُودِ ما ورَدَ عَلى النّاسُوتِ أبْطَلُوا إلَهِيَّتَهُ في تِلْكَ الحالَةِ، وقُلْنا لَهُمْ: ألَيْسَ قَدْ أُهِينَ، وهَذا القَدْرُ يَكْفِي في إثْباتِ النَّقِيصَةِ، إذْ لَمْ يَأْنَفِ اللّاهُوتُ لِمَسْكَنِهِ أنَّ تَنالَهُ هَذِهِ النَّقائِصُ، فَإنْ كانَ قادِرًا عَلى نَفْيِها فَقَدْ أساءَ مُجاوَرَتَهُ ورَضِيَ بِنَقِيصَتِهِ، وذَلِكَ عائِدٌ بِالنَّقْصِ عَلَيْهِ في نَفْسِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ قادِرًا فَذَلِكَ أبْعَدُ لَهُ عَنْ عِزِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وهَؤُلاءِ يُنْكِرُونَ إلْقاءَ الشَّبَهِ، ويَقُولُونَ: لا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ إضْلالُ، ورَدُّهُ أظْهَرُ مِن أنْ يُخْفى، ويُكْفى في إثْباتِهِ أنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثابِتًا لَزِمَ تَكْذِيبُ المَسِيحِ، وإبْطالُ نُبُوَّتِهِ، بَلْ وسائِرُ النُّبُوّاتِ، عَلى أنَّ قَوْلَهم في الفَصْلِ: إنَّ المَصْلُوبَ قالَ: إلَهِي إلَهِي لِمَ تَرَكْتَنِي وخَذَلْتَنِي، وهو يُنافِي الرِّضا بِمُرِّ القَضا، ويُناقِضُ التَّسْلِيمَ لِأحْكامِ الحَكِيمِ، وأنَّهُ شَكى العَطَشَ وطَلَبَ الماءَ، والإنْجِيلُ مُصَرِّحٌ بِأنَّ المَسِيحَ كانَ يَطْوِي أرْبَعِينَ يَوْمًا ولَيْلَةً، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لَهم فِيهِ - إنْ صَحَّ - مِمّا يُنادِي عَلى أنَّ المَصْلُوبَ هو الشَّبَهُ كَما لا يَخْفى.
فالمُرادُ مِنَ المَوْصُولِ ما يَعُمُّ اليَهُودَ والنَّصارى جَمِيعًا ﴿لَفِي شَكٍّ مِنهُ﴾ أيْ: لَفي تَرَدُّدٍ، وأصْلُ الشَّكِّ أنْ يُسْتَعْمَلَ في تَساوِي الطَّرَفَيْنِ، وقَدْ يُسْتَعْمَلُ في لازِمِ مَعْناهُ، وهو التَّرَدُّدُ مُطْلَقًا، وإنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ أحَدُ طَرَفَيْهِ، وهو المُرادُ هُنا، ولِذا أكَّدَهُ بِنَفْيِ العِلْمِ الشّامِلِ لِذَلِكَ أيْضًا بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إلا اتِّباعَ الظَّنِّ﴾ والِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ، أيْ: لَكِنَّهم يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ.
وجُوِّزَ أنْ يُفَسَّرَ الشَّكُّ بِالجَهْلِ، والعِلْمُ بِالِاعْتِقادِ الَّذِي تَسْكُنُ إلَيْهِ النَّفْسُ جَزْمًا كانَ أوْ غَيْرَهُ، فالِاسْتِثْناءُ حِينَئِذٍ مُتَّصِلٌ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ، إلّا أنَّهُ خِلافُ المَشْهُورِ، وما قِيلَ: إنَّ اتِّباعَ الظَّنِّ لَيْسَ مِنَ العِلْمِ قَطْعًا فَلا يُتَصَوَّرُ اتِّصالُهُ فَمَدْفُوعٌ بِأنَّ مَن قالَ بِهِ جَعَلَهُ بِمَعْنى الظَّنِّ المُتَّبَعِ ﴿وما قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ الضَّمِيرُ لِعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَما هو الظّاهِرُ، أيْ: ما قَتَلُوهُ قَتْلًا يَقِينًا، أوْ مُتَيَقِّنِينَ، ولا يَرِدُ أنَّ نَفْيَ القَتْلِ المُتَيَقَّنِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ القَتْلِ المَشْكُوكِ؛ لِأنَّهُ لِنَفْيِ القَيْدِ، ولا مانِعَ مِن أنَّهُ قُتِلَ في ظَنِّهِمْ، فَإنَّهُ يَقْتَضِي أنَّهُ لَيْسَ في نَفْسِ الأمْرِ كَذَلِكَ، فَلا حاجَةَ إلى التِزامِ جَعْلِ (يَقِينًا) مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ تَيَقَّنُوا ذَلِكَ يَقِينًا، وقِيلَ: هو راجِعٌ إلى العِلْمِ، وإلَيْهِ ذَهَبُ الفَرّاءُ وابْنُ قُتَيْبَةَ أيْ: وما قَتَلُوا العِلْمَ (يَقِينًا) مِن قَوْلِهِمْ: قَتَلْتُ العِلْمَ والرَّأْيَ، وقَتَلْتُ كَذا عِلْمًا إذا تَبالَغَ عِلْمُكَ فِيهِ، وهو مَجازٌ كَما في الأساسِ، والمَعْنى: ما عَلِمُوهُ يَقِينًا، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلظَّنِّ، أيْ: ما قَطَعُوا الظَّنَّ يَقِينًا، ونُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما – والسُّدِّيِّ، وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّ في الكَلامِ تَقْدِيمًا وتَأْخِيرًا، وأنَّ (يَقِينًا) (p-12)مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ﴾ أيْ: بَلْ رَفَعَهُ سُبْحانَهُ إلَيْهِ (يَقِينًا) ورَدَّهُ في البَحْرِ بِأنَّهُ قَدْ نَصَّ الخَلِيلُ عَلى أنَّهُ لا يَعْمَلُ ما بَعْدَ بَلْ فِيما قَبْلَها، والكَلامُ رَدٌّ وإنْكارٌ لِقَتْلِهِ وإثْباتٌ لِرَفْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وفِيهِ تَقْدِيرُ مُضافٍ عِنْدَ أبِي حَيّانَ أيْ: إلى سَمائِهِ، قالَ: وهو حَيٌّ في السَّماءِ الثّانِيَةِ عَلى ما صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في حَدِيثِ المِعْراجِ، وهو هُنالِكَ مُقِيمٌ حَتّى يَنْزِلَ إلى الأرْضِ، يَقْتُلُ الدَّجّالَ، ويَمْلَؤُها عَدْلًا كَما مُلِئَتْ جَوْرًا، ثُمَّ يَحْيا فِيها أرْبَعِينَ سَنَةً أوْ تَمامَها مِن سِنِّ رَفْعِهِ، وكانَ إذْ ذاكَ ابْنَ ثَلاثٍ وثَلاثِينَ سَنَةً، ويَمُوتُ كَما تَمُوتُ البَشَرُ، ويُدْفَنُ في حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أوْ في بَيْتِ المَقْدِسِ.
وقالَ قَتادَةُ: رَفَعَ اللَّهُ تَعالى عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلَيْهِ فَكَساهُ الرِّيشَ، وألْبَسَهُ النُّورَ، وقَطَعَ عَنْهُ لَذَّةَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ، فَطارَ مَعَ المَلائِكَةِ، فَهو مَعَهم حَوْلَ العَرْشِ، فَصارَ إنْسِيًّا مَلَكِيًّا سَماوِيًّا أرْضِيًّا، وهَذا الرَّفْعُ عَلى المُخْتارِ كانَ قَبْلَ صَلْبِ الشَّبَهِ، وفي إنْجِيلِ لُوقا ما يُؤَيِّدُهُ.
وأمّا رُؤْيَةُ بَعْضِ الحَوارِيِّينَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَ الصَّلْبِ فَهو مِن بابِ تَطَوُّرِ الرُّوحِ فَإنَّ لِلْقِدِّسِيِّينَ قُوَّةُ التَّطَوُّرِ في هَذا العالَمِ، وإنْ رُفِعَتْ أرْواحُهم إلى المَحَلِّ الأسْنى، وقَدْ وقَعَ التَّطَوُّرُ لِكَثِيرٍ مِن أوْلِياءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وحِكاياتُهم في ذَلِكَ يَضِيقُ عَنْها نِطاقُ الحَصْرِ.
﴿وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا﴾ لا يُغْلَبُ فِيما يُرِيدُهُ ﴿حَكِيمًا﴾ في جَمِيعِ أفْعالِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ تَدْبِيراتُهُ سُبْحانَهُ في أمْرِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وإلْقاءُ الشَّبَهِ عَلى مَن ألْقاهُ دُخُولًا أوَّلِيًّا
{"ayahs_start":157,"ayahs":["وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا","بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"],"ayah":"بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق