الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ .
والمُرادُ مِنَ العِزَّةِ كَمالُ القُدْرَةِ، ومِنَ الحِكْمَةِ كَمالُ العِلْمِ، فَنَبَّهَ بِهَذا عَلى أنَّ رَفْعَ عِيسى مِنَ الدُّنْيا إلى السَّماواتِ وإنْ كانَ كالمُتَعَذِّرِ عَلى البَشَرِ لَكِنَّهُ لا تَعَذُّرَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِي وإلى حِكْمَتِي، وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ [الإسْراءِ: ١] فَإنَّ الإسْراءَ وإنْ كانَ مُتَعَذِّرًا بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَةِ مُحَمَّدٍ إلّا أنَّهُ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَةِ الحَقِّ سُبْحانَهُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإنْ مِن أهْلِ الكِتابِ إلّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ويَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ فَضائِحَ اليَهُودِ وقَبائِحَ أفْعالِهِمْ وشَرَحَ أنَّهم قَصَدُوا قَتْلَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وبَيَّنَ أنَّهُ ما حَصَلَ لَهم ذَلِكَ المَقْصُودُ، وأنَّهُ حَصَلَ لِعِيسى أعْظَمُ المَناصِبِ وأجَلُّ المَراتِبِ بَيَّنَ تَعالى أنَّ هَؤُلاءِ اليَهُودَ الَّذِينَ كانُوا مُبالِغِينَ في عَداواتِهِ لا يَخْرُجُ أحَدٌ مِنهم مِنَ الدُّنْيا إلّا بَعْدَ أنْ يُؤْمِنَ بِهِ فَقالَ: ﴿وإنْ مِن أهْلِ الكِتابِ إلّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ كَلِمَةَ (إنْ) بِمَعْنى (ما) النّافِيَةِ كَقَوْلِهِ ﴿وإنْ مِنكم إلّا وارِدُها﴾ [مَرْيَمَ: ٧١] فَصارَ التَّقْدِيرُ: وما أحَدٌ مِن أهْلِ الكِتابِ إلّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ. ثُمَّ إنّا نَرى أكْثَرَ اليَهُودِ يَمُوتُونَ ولا يُؤْمِنُونَ بِعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - .
والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: ما رُوِيَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قالَ: قالَ الحَجّاجُ: إنِّي ما قَرَأْتُها إلّا وفي نَفْسِي مِنها شَيْءٌ، يَعْنِي هَذِهِ الآيَةَ، فَإنِّي أضْرِبُ عُنُقَ اليَهُودِيِّ ولا أسْمَعُ مِنهُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: إنَّ اليَهُودِيَّ إذا حَضَرَهُ المَوْتُ ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ وجْهَهُ ودُبُرَهُ، وقالُوا: يا عَدُوَّ اللَّهِ أتاكَ عِيسى نَبِيًّا فَكَذَّبْتَ بِهِ، فَيَقُولُ آمَنتُ أنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، وتَقُولُ لِلنَّصْرانِيِّ: أتاكَ عِيسى نَبِيًّا فَزَعَمْتَ أنَّهُ هو اللَّهُ وابْنُ اللَّهِ، فَيَقُولُ: آمَنتُ أنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَأهْلُ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ولَكِنْ حَيْثُ لا يَنْفَعُهم ذَلِكَ الإيمانُ، فاسْتَوى الحَجّاجُ جالِسًا وقالَ: عَمَّنْ نَقَلْتَ هَذا ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ، فَأخَذَ يَنْكُتُ في الأرْضِ بِقَضِيبٍ ثُمَّ قالَ: لَقَدْ أخَذْتَها مِن عَيْنٍ صافِيَةٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ فَسَّرَهُ كَذَلِكَ فَقالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: فَإنْ خَرَّ مِن سَقْفِ بَيْتٍ أوِ احْتَرَقَ أوْ أكَلَهُ سَبُعٌ، قالَ: يَتَكَلَّمُ بِها في الهَواءِ ولا تَخْرُجُ رُوحُهُ حَتّى يُؤْمِنَ بِهِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قِراءَةُ أُبَيٍّ: (إلّا لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) بِضَمِّ النُّونِ عَلى مَعْنى: وإنْ مِنهم أحَدٌ إلّا سَيُؤْمِنُونَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِمْ؛ لِأنَّ أحَدًا يَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: والفائِدَةُ في إخْبارِ اللَّهِ تَعالى بِإيمانِهِمْ بِعِيسى قَبْلَ مَوْتِهِمْ أنَّهم مَتى عَلِمُوا أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الإيمانِ بِهِ لا مَحالَةَ فَلِأنْ يُؤْمِنُوا بِهِ حالَ ما يَنْفَعُهم ذَلِكَ الإيمانُ أوْلى مِن أنْ يُؤْمِنُوا بِهِ حالَ ما لا يَنْفَعُهم ذَلِكَ الإيمانُ.
والوَجْهُ الثّانِي: في الجَوابِ عَنْ أصْلِ السُّؤالِ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أيْ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسى، والمُرادُ أنَّ (p-٨٣)أهْلَ الكِتابِ الَّذِينَ يَكُونُونَ مَوْجُودِينَ في زَمانِ نُزُولِهِ لا بُدَّ وأنْ يُؤْمِنُوا بِهِ: قالَ بَعْضُ المُتَكَلِّمِينَ: إنَّهُ لا يُمْنَعُ نُزُولَهُ مِنَ السَّماءِ إلى الدُّنْيا إلّا أنَّهُ إنَّما يَنْزِلُ عِنْدَ ارْتِفاعِ التَّكالِيفِ أوْ بِحَيْثُ لا يُعْرَفُ، إذْ لَوْ نَزَلَ مَعَ بَقاءِ التَّكالِيفِ عَلى وجْهٍ يُعْرَفُ أنَّهُ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَكانَ إمّا أنْ يَكُونَ نَبِيًّا ولا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، أوْ غَيْرَ نَبِيٍّ، وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ عَلى الأنْبِياءِ، وهَذا الإشْكالُ عِنْدِي ضَعِيفٌ لِأنَّ انْتِهاءَ الأنْبِياءِ إلى مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَعِنْدَ مَبْعَثِهِ انْتَهَتْ تِلْكَ المُدَّةُ، فَلا يَبْعُدُ أنْ يَصِيرَ بَعْدَ نُزُولِهِ تَبَعًا لِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ويَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ قِيلَ: يَشْهَدُ عَلى اليَهُودِ أنَّهم كَذَّبُوهُ وطَعَنُوا فِيهِ، وعَلى النَّصارى أنَّهم أشْرَكُوا بِهِ، وكَذَلِكَ كُلُّ نَبِيٍّ شاهِدٌ عَلى أُمَّتِهِ.
{"ayahs_start":158,"ayahs":["بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا","وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَیُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا"],"ayah":"بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق