الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [١٥٨]
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ﴾ رَدٌّ وإنْكارٌ لِقَتْلِهِ، وإثْباتٌ لِرَفْعِهِ، أيِ: اليَقِينُ إنَّما هو في رَفْعِهِ إلَيْهِ ﴿وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ أيْ: لا يَبْعُدُ رَفْعُهُ عَلى اللَّهِ؛ لِأنَّهُ عَزِيزٌ لا يُغْلَبُ عَلى ما يُرِيدُهُ، وحَكِيمٌ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ رَفْعَهُ، فَلا بُدَّ أنْ يَرْفَعَهُ، وهي حِفْظُهُ لِتَقْوِيَةِ دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ انْتِهائِهِ إلى غايَةِ الضَّعْفِ بِظُهُورِ الدَّجّالِ، فَيَقْتُلُهُ، أفادَهُ المَهايِمِيُّ.
* * *
تَنْبِيهٌ:
لا خَفاءَ في أنَّ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ لِتَكْذِيبِ اليَهُودِ في دَعْوى الصَّلْبِ الَّتِي تابَعَهم عَلَيْها أكْثَرُ النَّصارى، ولِتَبْرِئَةِ ساحَةِ مَقامِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِمّا تَوَهَّمُوهُ في ذَلِكَ، ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِن مَباحِثِ الأُمَّتَيْنِ، ومَعارِكِ الفِرْقَتَيْنِ - أرَدْتُ بَسْطَ الكَلامِ في هَذا المَقامِ؛ انْتِهاجًا لِلْحَقِّ، وأخْذًا بِناصِرِ الصِّدْقِ، ورَدَّ أباطِيلِ المُكَذِّبِينَ، وتَزْيِيفَ أقْوالِ المُلْحِدِينَ.
نُورِدُ أوَّلًا ما زَعَمُوهُ ورَوَوْهُ مِمّا نَفاهُ التَّنْزِيلُ الكَرِيمُ، ثُمَّ بُطْلانَ المَرْوِيِّ عِنْدَهم وتَهافُتَهُ بِالحُجَجِ الدّامِغَةِ، (p-١٦٣٩)ثُمَّ ما رَواهُ أئِمَّةُ سَلَفِنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - في هَذِهِ القِصَّةِ، ثُمَّ رَدَّ زَعْمِهِمْ أنَّ إلْقاءَ الشُّبَهِ سَفْسَطَةٌ، ثُمَّ سُقُوطَ دَعْواهُمُ التَّواتُرَ في الصَّلْبِ، ثُمَّ تَزْيِيفَ تَفْسِيرِ بَعْضِ النَّصارى لِهَذِهِ الآيَةِ، وأنَّها مُطابِقَةٌ لِمُعْتَقَدِهِمْ عَلى زَعْمِهِ، مَعَ ذِكْرِ مَن رَفَضَ عَقِيدَةَ الصَّلْبِ مِن فِرَقِ النَّصارى، وذِكْرِ ما رُوِيَ في إنْجِيلٍ خامِسٍ يُوافِقُ عَقِيدَةَ المُسْلِمِينَ، ويُطابِقُ هَذِهِ الآيَةَ، ونَخْتِمُ هَذِهِ المَباحِثَ بِما قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هَذِهِ الآيَةِ، وأبْدَعَ - عَلى عادَتِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ - فَهَذِهِ المُطالِبُ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُها لِكُلِّ طالِبٍ؛ إذْ تَفَرَّعَتْ إلى مَباحِثَ فائِقَةٍ، وفَوائِدَ شائِقَةٍ، فَنَقُولُ وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ:
ذِكْرُ ما زَعَمُوهُ ورَوَوْهُ مِمّا نَفاهُ التَّنْزِيلُ الكَرِيمُ:
جاءَ في الفَصْلِ الثّانِي والعِشْرِينَ مِن إنْجِيلِ لُوقا ما نَصُّهُ:
٢ - كانَ رُؤَساءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ يَلْتَمِسُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَ يَسُوعَ لَكِنَّهم كانُوا يَخافُونَ مِنَ الشَّعْبِ.
٣٨ - أيْ: لِأنَّ الشَّعْبَ كُلَّهم كانُوا يُبَكِّرُونَ إلَيْهِ في الهَيْكَلِ (وهُوَ الكَنِيسَةُ) لِيَسْتَمِعُوهُ.
(p-١٦٤٠)٣٧ - وكانَ في النَّهارِ يُعَلِّمُ في الهَيْكَلِ وفي اللَّيْلِ يَخْرُجُ ويَبِيتُ في الجَبَلِ الَّذِي يُدْعى جَبَلَ الزَّيْتُونِ.
كَما ذَكَرَ لُوقا قَبْلَ الفَصْلِ.
٣ - فَدَخَلَ الشَّيْطانُ في يَهُوذا المُلَقَّبِ بِالأسْخَرْيُوطِيِّ وهو أحَدُ الِاثْنَيْ عَشَرَ.
٤ - فَمَضى وفاوَضَ رُؤَساءَ الكَهَنَةِ والوُلاةَ كَيْفَ يُسْلِمُهُ إلَيْهِمْ.
٥ - فَفَرِحُوا وعاهَدُوهُ أنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً.
٦ - فَواعَدَهم وكانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسْلِمَهُ إلَيْهِمْ بِمَعْزِلٍ عَنِ الجَمِيعِ.
٧ - وبَلَغَ يَوْمُ الفَطِيرِ الَّذِي كانَ يَنْبَغِي أنْ يُذْبَحَ فِيهِ الفِصْحُ.
٨ - فَأرْسَلَ بُطْرُسُ ويُوحَنّا قائِلًا: امْضِيا فَأعِدّا لَنا الفِصْحَ لِنَأْكُلَ.
٩ - فَقالا لَهُ: أيْنَ تُرِيدُ أنْ نُعِدَّ.
١٠ - فَقالَ لَهُما: إذا دَخَلْتُما المَدِينَةَ يَلْقاكُما رَجُلٌ حامِلٌ جَرَّةَ ماءٍ، فاتَّبِعاهُ إلى البَيْتِ الَّذِي يَدْخُلُهُ.
(p-١٦٤١)١١ - وقُولا لِرَبِّ البَيْتِ: المُعَلِّمُ يَقُولُ لَكَ: أيْنَ المَنزِلُ الَّذِي آكُلُ فِيهِ الفِصْحَ مَعَ تَلامِيذِي؟
١٢ - فَهو يُرِيكُما غُرْفَةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً، فَأعِدّا هُناكَ.
١٣ - فانْطَلَقا فَوَجَدا كَما قالَ لَهُما وأعَدّا الفِصْحَ.
١٤ - ولَمّا كانَتِ السّاعَةُ اتَّكَأ هو والرُّسُلُ الِاثْنا عَشَرَ مَعَهُ.
١٥ - فَقالَ لَهُمْ: لَقَدِ اشْتَهَيْتُ شَهْوَةً أنْ آكُلَ هَذا الفِصْحَ مَعَكم قَبْلَ أنْ أتَألَّمَ.
١٦ - فَإنِّي أقُولُ لَكُمْ: إنِّي لا آكُلُهُ بَعْدُ حَتّى يَتِمَّ في مَلَكُوتِ اللَّهِ.
١٧ - ثُمَّ تَناوَلَ كَأْسًا وشَكَرَ وقالَ: خُذُوا فاقْتَسِمُوا بَيْنَكم.
١٨ - فَإنِّي أقُولُ لَكُمْ: إنِّي لا أشْرَبُ مِن عَصِيرِ الكَرْمَةِ حَتّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللَّهِ.
١٩ - وأخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ وكَسَرَ وأعْطاهم قائِلًا: هَذا هو جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ لِأجْلِكُمُ، اصْنَعُوا هَذا لِذِكْرِي.
(p-١٦٤٢)٢٠ - وكَذَلِكَ الكاسَ مِن بَعْدِ العَشاءِ قائِلًا: هَذِهِ هي الكَأْسُ، العَهْدُ الجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ مِن أجْلِكم.
٢١ - ومَعَ ذَلِكَ فَها! إنَّ يَدَ الَّذِي يُسْلِمُنِي مَعِيَ عَلى المائِدَةِ.
٢٢ - وابْنُ البَشَرِ ماضٍ كَما هو مَحْدُودٌ، ولَكِنَّ الوَيْلَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يُسْلِمُهُ.
٢٣ - فَطَفِقُوا يَسْألُونَ بَعْضُهم بَعْضًا: مَن كانَ مِنهم مُزْمِعًا أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
٢٤ - ووَقَعَتْ بَيْنَهم مُجادَلَةٌ في أيِّهِمْ يُحْسَبُ الأكْبَرَ.
٢٥ - فَقالَ لَهُمْ: إنَّ مُلُوكَ الأُمَمِ يَسُودُونَهم والمُسَلَّطِينَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ.
٢٦ - وأمّا أنْتُمْ فَلَسْتُمْ كَذَلِكَ، ولَكِنْ لِيَكُنِ الأكْبَرُ فِيكم كالأصْغَرِ، والَّذِي يَتَقَدَّمُ كالَّذِي يَخْدُمُ.
٢٨ - وأنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُّمْ مَعِيَ في تَجارِبِي.
(p-١٦٤٣)٢٩ - فَأنا أُعِدُّ لَكُمُ المَلَكُوتَ كَما أعَدَّهُ لِي أبِي.
٣٠ - لِتَأْكُلُوا وتَشْرَبُوا عَلى مائِدَتِي في مَلَكُوتِي وتَجْلِسُوا عَلى كَراسِيٍّ تَدِينُونَ أسْباطَ بَنِي إسْرائِيلَ الِاثْنَيْ عَشَرَ.
٣١ - وقالَ يَسُوعُ: سَمْعانُ سَمْعانُ هو ذا الشَّيْطانُ سَألَ أنْ يُغَرْبِلَكم مِثْلَ الحِنْطَةِ.
٣٢ - لَكِنِّي صَلَّيْتُ مِن أجْلِكَ لِئَلّا يَنْقُصَ إيمانُكَ وأنْتَ مَتى رَجَعْتَ فَثَبِّتْ إخْوَتَكَ.
٣٣ - فَقالَ لَهُ: أنا مُسْتَعِدٌّ أنْ أمْضِيَ مَعَكَ إلى السِّجْنِ وإلى المَوْتِ.
٣٤ - قالَ: إنِّي أقُولُ لَكَ يا بُطْرُسُ إنَّهُ لا يَصِيحُ الدِّيكُ اليَوْمَ حَتّى تُنْكِرَ ثَلاثَ مَرّاتٍ أنَّكَ تَعْرِفُنِي.
٣٩ - ثُمَّ خَرَجَ ومَضى عَلى عادَتِهِ إلى جَبَلِ الزَّيْتُونِ وتَبِعَهُ التَّلامِيذُ.
٤٠ - فَلَمّا انْتَهى إلى المَكانِ قالَ لَهُمْ: صَلُّوا لِئَلّا تَدْخُلُوا في تَجْرِبَةٍ.
٤١ - ثُمَّ فَصَلَ عَنْهم نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وخَرَّ عَلى رُكْبَتَيْهِ وصَلّى.
(p-١٦٤٤)٤٢ - قائِلًا: يا رَبِّ إنْ شِئْتَ فَأجِزْ عَنِّي هَذِهِ الكَأْسَ لِكَيْ لا تَكُنْ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَتُكَ.
٤٣ - وتَراءى لَهُ مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ يُشَدِّدُهُ.
٤٤ - ولَمّا أخَذَ في النِّزاعِ أطالَ في الصَّلاةِ وصارَ عَرَقُهُ كَقَطَراتِ دَمٍ نازِلَةٍ عَلى الأرْضِ.
٤٥ - ثُمَّ قامَ مِنَ الصَّلاةِ وجاءَ إلى تَلامِيذِهِ فَوَجَدَهم نِيامًا مِنَ الحُزْنِ.
٤٦ - فَقالَ لَهُمْ: ما بالُكم نائِمِينَ، قُومُوا فَصَلُّوا؛ لِئَلّا تَدْخُلُوا في تَجْرِبَةٍ.
٤٧ - وفِيما هو يَتَكَلَّمُ وإذا بِجَمْعٍ يَتَقَدَّمُهُمُ المُسَمّى يَهُوذا أحَدُ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَدَنا مِن يَسُوعَ لِيُقَبِّلَهُ.
٤٨ - فَقالَ لَهُ يَسُوعُ: يا يَهُوذا أبِقُبْلَةٍ تُسْلِمُ ابْنَ البَشَرِ.
٤٩ - فَلَمّا رَأى الَّذِينَ حَوْلَهُ ما سَيَحْدُثُ قالُوا لَهُ: أنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ.
٥٠ - وضَرَبَ أحَدُهم عَبْدَ رَئِيسِ الكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ اليُمْنى.
(p-١٦٤٥)٥١ - فَأجابَ يَسُوعُ وقالَ: قِفُوا لا تَزِيدُوا، ثُمَّ لَمَسَ أُذُنَهُ فَأبْرَأهُ.
٥٢ - ثُمَّ قالَ يَسُوعُ لِلَّذِينَ جاؤُوا إلَيْهِ مِن رُؤَساءِ الكَهَنَةِ ووُلاةِ الهَيْكَلِ والشُّيُوخِ: كَأنَّما خَرَجْتُمْ إلى لِصٍّ بِسُيُوفٍ وعِصِيٍّ.
٥٣ - إنِّي كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكم في الهَيْكَلِ ولَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ أيْدِيَكُمْ، ولَكِنَّ هَذِهِ ساعَتُكم وهَذا سُلْطانُ الظُّلْمَةِ.
حِينَئِذٍ تَرَكَهُ تَلامِيذُهُ وهَرَبُوا.
٥٤ - فارْتَمَوْا عَلى يَسُوعَ فَقَبَضُوا عَلَيْهِ وقادُوهُ إلى بَيْتِ رَئِيسِ الكَهَنَةِ.
وكانَ الكَتَبَةُ والرُّؤَساءُ مُجْتَمَعِينَ، وهُناكَ أعْطى يَهُوذا الحِوارِيَّ الثَّلاثِينَ دِرْهَمًا الَّتِي أخَذَها رِشْوَةً عَلى تَسْلِيمِالمَسِيحِ.
وكانَ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ مِن بَعِيدٍ...
٥٤ – فَجَلَسَ داخِلًا مَعَ الخُدّامِ لِيَنْظُرَ الغايَةَ. ٥٥ - وأضْرَمُوا نارًا في وسَطِ الدّارِ وجَلَسُوا حَوْلَها فَجَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهم.
٥٦ - فَرَأتْهُ جارِيَةٌ جالِسًا عِنْدَ الضَّوْءِ فَتَفَرَّسَتْ فِيهِ ثُمَّ قالَتْ: إنَّ هَذا أيْضًا كانَ مَعَهُ.
(p-١٦٤٦)٥٧ - فَكَفَرَ أمامَ الجَمِيعِ وأنْكَرَهُ قائِلًا: إنِّي لَسْتُ أعْرِفُهُ.
٥٨ - وبَعْدَ قَلِيلٍ رَآهُ آخَرُ فَقالَ: أنْتَ أيْضًا مِنهُمْ، فَأخَذَ بُطْرُسُ يَحْلِفُ: لا أعْرِفُ هَذا الرَّجُلَ ولَسْتُ مِنهم.
٥٩ - وبَعْدَ نَحْوِ ساعَةٍ أكَّدَ عَلَيْهِ آخَرُ قائِلًا: في الحَقِيقَةِ هَذا أيْضًا كانَ مَعَهُ فَإنَّهُ جَلِيلِي.
٦٠ - فَقالَ بُطْرُسُ: يا رَجُلُ لا أدْرِي ما تَقُولُ.
قالَ مُفَسِّرُوهُمْ: إنَّ خَطَأ بُطْرُسَ هَذا كانَ ثَقِيلًا: لِأنَّ المَسِيحَ قالَ: مَن يُنْكِرُنِي أمامَ النّاسِ أُنْكِرُهُ أمامَ أبِي الَّذِي في السَّماواتِ.
٦٠ - وفي الحالِ بَيْنَما هو يَتَكَلَّمُ صاحَ الدِّيكُ.
٦١ - فالتَفَتَ يَسُوعُ ونَظَرَ إلى بُطْرُسَ فَتَذَّكَّرُ كَلامَهُ إذْ قالَ: إنَّكَ قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرّاتٍ.
٦٢ - فَخَرَجَ بُطْرُسُ وبَكى بُكاءً مُرًّا.
٦٣ - وكانَ الرِّجالُ الَّذِينَ قَبَضُوا عَلَيْهِ يَهْزَءُونَ بِهِ ويَضْرِبُونَهُ.
(p-١٦٤٧)٦٤ - وغَطَّوْهُ وطَفِقُوا يَلْطِمُونَهُ ويَسْألُونَهُ قائِلِينَ: تَنَبَّأْ مَنِ الَّذِي ضَرَبَكَ.
٦٥ - وأشْياءَ أُخَرَ كانُوا يَقُولُونَها عَلَيْهِ مُجْدِفِينَ.
٦٦ - ولَمّا كانَ النَّهارُ اجْتَمَعَ شُيُوخُ الشَّعْبِ ورُؤَساءُ الكَهَنَةِ عَلَيْهِ لِيُمِيتُوهُ، وأحْضَرُوهُ إلى مَحْفَلِهِمْ.
٦٧ - وقالُوا: إنْ كُنْتَ أنْتَ المَسِيحَ فَقُلْ لَنا، فَقالَ لَهُمْ: إنْ قُلْتُ لَكم لا تُؤْمِنُونَ.
٦٨ - وإنْ سَألْتُكم لا تُجِيبُونِي ولا تُطْلِقُونِي.
٦٩ - ولَكِنْ - مِنَ الآنِ - يَكُونُ ابْنُ البَشَرِ جالِسًا عَنْ يَمِينِ قُدْرَةِ اللَّهِ.
٧٠ - فَقالَ الجَمِيعُ: أفَأنْتَ ابْنُ اللَّهِ، فَقالَ لَهُمْ: أنْتُمْ تَقُولُونَ إنِّي أنا هو.
٧١ – فَقالُوا: ما حاجَتُنا إلى شَهادَةٍ إنّا قَدْ سَمِعْنا مِن فَمِهِ.
فَأوْثَقُوهُ، وأمّا يَهُوذا الأسْخَرْيُوطِيُّ الدّافِعُ لَمّا رَأى يَسُوعَ قَدْ دِينَ نَدِمَ ومَضى، فَأعادَ الثَّلاثِينَ الفِضَّةَ إلى رُؤَساءِ الكَهَنَةِ قائِلًا: لَقَدْ أخْطَأْتُ بِتَسْلِيمِي دَمًا زَكِيًّا، فَقالُوا لَهُ: ما عَلَيْنا أنْتَ أخْبِرْهُ، فَطَرَحَ الفِضَّةَ في الهَيْكَلِ وذَهَبَ فَخَنَقَ نَفْسَهُ، وأمّا رُؤَساءُ الكَهَنَةِ فَأخَذُوا الفِضَّةَ وقالُوا: لا يَحِلُّ لَنا أنْ نَضَعَها في بَيْتِ التَّقْدِمَةِ؛ لِأنَّها ثَمَنُ دَمٍ.
(p-١٦٤٨)١ - ثُمَّ ذَهَبَ جَمِيعُ جُمْهُورِهِمْ ومَضَوْا بِيَسُوعَ إلى بِيَلاطُسَ.
٢ - وطَفِقُوا يَشْكُونَهُ قائِلِينَ: إنّا وجَدْنا هَذا يُفْسِدُ أُمَّتَنا ويَمْنَعُ مِن أداءِ الجِزْيَةِ لِقَيْصَرَ، ويَدَّعِي أنَّهُ هو المَسِيحُ المَلِكُ.
٣ - فَسَألَهُ بِيَلاطُسُ قائِلًا: هَلْ أنْتَ مِلْكُ اليَهُودِ؟ فَأجابَهُ قائِلًا: أنْتَ قُلْتَ.
٤ - فَقالَ بِيَلاطُسُ لِرُؤَساءِ الكَهَنَةِ ولِلْجُمُوعِ: إنِّي لَمْ أجِدْ عَلى هَذا الرَّجُلِ عِلَّةً.
٥ - فَلَجُّوا وقالُوا: إنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ؛ إذْ يَعْلَمُ في اليَهُودِيَّةِ كُلِّها مُبْتَدِئًا مِنَ الجَلِيلِ إلى هَهُنا.
٦ - فَلَمّا سَمِعَ بِيَلاطُسُ ذِكْرَ الجَلِيلِ سَألَ: هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ.
٧ - ولَمّا عَلِمَ أنَّهُ مِن إيالَةِ هِيرُودُسَ أرْسَلَهُ إلى هِيرُودُسَ وكانَ في تِلْكَ الأيّامِ في أُورْشَلِيمَ.
٨ - فَلَمّا رَأى هيرؤدس يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا؛ لِأنَّهُ مِن زَمانٍ طَوِيلٍ كانَ يَشْتَهِي أنْ يَراهُ لِسَماعِهِ عَنْهُ أشْياءَ كَثِيرَةً، ويَرْجُو أنْ يُعايِنَ آيَةً يَصْنَعُها.
(p-١٦٤٩)٩ - فَسَألَهُ بِكَلامٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ.
١٠ - وكانَ رُؤَساءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ واقِفِينَ يَشْكُونَهُ بِلَجاجَةٍ.
١١ - فازْدَراهُ هِيرُودُسُ مَعَ جُنُودِهِ وهَزَأ بِهِ وألْبَسَهُ ثَوْبًا لامِعًا ورَدَّهُ إلى بِيَلاطُسَ.
١٢ - وتَصادَقَ هِيرُودُسُ وبِيَلاطُسُ في ذَلِكَ اليَوْمِ، وقَدْ كانا مِن قَبْلُ مُتَعادِيَيْنِ.
١٣ - فَدَعا بِيَلاطُسَ رُؤَساءَ الكَهَنَةِ والعُظَماءَ والشَّعْبَ.
١٤ - وقالَ لَهُمْ: قَدْ قَدَّمْتُمْ إلَيَّ هَذا الرَّجُلَ كَأنَّهُ يَفْتِنُ الشَّعْبَ، وها أنا قَدْ فَحَصْتُهُ أمامَكم فَلَمْ أجِدْ عَلى هَذا الرَّجُلِ عِلَّةً مِمّا تَشْكُونَهُ بِهِ.
١٥ - ولا هِيرُودُسُ أيْضًا؛ لِأنِّي أرْسَلْتُكم إلَيْهِ وهو ذا لَمْ يُصْنَعْ بِهِ شَيْءٌ مِن حُكْمِ المَوْتِ.
١٦ - فَأنا أُؤَدِّبُهُ وأُطْلِقُهُ.
١٧ - وكانَ لا بُدَّ لَهُ أنْ يُطْلِقَ لَهم في كُلِّ عِيدٍ رَجُلًا.
(p-١٦٥٠)١٨ - فَصاحُوا كُلُّهم جُمْلَةً قائِلِينَ: ارْفَعْ هَذا وأطْلِقْ لَنا بَرْأبا.
١٩ - كانَ ذاكَ قَدْ أُلْقِيَ في السِّجْنِ لِأجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ في المَدِينَةِ وقَتْلٍ.
٢٠ - فَناداهم بِيَلاطُسَ مَرَّةً أُخْرى وهو يُرِيدُ أنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ.
٢١ - فَصَرَخُوا قائِلِينَ: اصْلُبْهُ، اصْلُبْهُ.
٢٢ - فَقالَ لَهم مَرَّةً ثالِثَةً: وأيُّ شَرٍّ صَنَعَ هَذا؟ إنِّي لَمْ أجِدْ عَلَيْهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ فَأنا أُؤَدِّبُهُ وأُطْلِقُهُ.
٢٣ - فَألَحُّوا عَلَيْهِ بِأصْواتٍ عالِيَةٍ طالِبِينَ أنْ يُصْلَبَ واشْتَدَّتْ أصْواتُهم.
٢٤ - فَحَكَمَ بِيَلاطُسُ أنْ يُجْرى مَطْلَبُهم.
٢٥ - فَأطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طَلَبُوهُ ذاكَ الَّذِي أُلْقِيَ في السِّجْنِ لِأجْلِ فِتْنَةٍ، وجَلَدَ يَسُوعَ بِالسِّياطِ وأسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ.
قالَ مُفَسِّرُوهُمْ: ولِذا يَظْهُرُ أنَّ اللِّصَّيْنِ اللَّذَيْنِ صُلِبا مَعَهُ جُلِدا أيْضًا، والجَلّادُونَ كانُوا سِتِّينَ نَفَرًا، وأرْشاهُمُ اليَهُودُ لِيُمِيتُوهُ بِالجَلْدِ؛ خَشْيَةَ أنْ يُطْلِقَهُ بِيَلاطُسُ، ونَزَعُوا ثِيابَهُ وألْبَسُوهُ لِباسًا (p-١٦٥١)قِرْمِزِيًّا وضَفَّرُوا إكْلِيلًا مِن شَوْكِ العَوْسَجِ ووَضَعُوهُ عَلى رَأْسِهِ، وأنْشَبُوا في رَأْسِهِ عُنْفًا أشْواكَهُ الحادَّةَ، ومِن هُنا أخَذَتِ الكَنِيسَةُ العادَةَ عَلى إبْقاءِ إكْلِيلًا مِن شَعْرٍ في رَأْسِ الكَهَنَةِ؛ تِذْكارًا لِإكْلِيلِ المَسِيحِ الشَّوْكِيِّ، ثُمَّ جَثَوْا عَلى رُكَبِهِمْ مُسْتَهْزِئِينَ بِهِ وقائِلِينَ: السَّلامُ يا مَلِكَ اليَهُودِ، وتَناوَلُوا قَصَبَةً يَضْرِبُونَ بِها رَأسَهُ، ولَمّا هَزَءُوا بِهِ نَزَعُوا ذَلِكَ اللِّباسَ وألْبَسُوهُ ثِيابَهُ واسْتاقُوهُ لِيُصْلَبَ، وكانَ يَتَقَدَّمُهُ مُبَوِّقٌ يَدْعُو الشَّعْبَ إلى هَذا المَنظَرِ بِحَسَبِ عادَةِ اليَهُودِ، وخَشَبَةُ الصَّلْبِ عَلى مَنكِبَيْهِ.
٣٢ - وانْطُلِقَ مَعَهُ بِآخَرَيْنِ مُجْرِمَيْنِ لِيُقْتَلا.
ولَمّا بَلَغُوا إلى المَكانِ المُسَمّى الجُمْجُمَةَ صَلَبُوهُ هُناكَ هو والمُجْرِمَيْنِ، أحَدُهُما عَنِ اليَمِينِ والآخَرُ عَنِ اليَسارِ.....
وناوَلُوهُ خَلًّا مَخْلُوطًا بِمَرارَةٍ أوْ خَمْرًا مَمْزُوجًا بِعَلْقَمٍ بَعْدَ أنْ طَلَبَ الماءَ، فَذاقَهُ ولَمْ يَشْرَبْ.
ولَمّا صَلَبُوهُ بِالمَسامِيرِ وبِالحِبالِ مَعَها، وكانَتِ المَسامِيرُ في راحَةِ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ - ضَرَبُوا جَنْبَهُ بِالحَرْبَةِ فَنَفَذَتْ مِن صَدْرِهِ، وفي الصَّلِيبِ مَحَلٌّ يَسْنِدُ إلَيْهِ رِجْلَيْهِ، واقْتَسَمُوا ثِيابَهُ بِالقُرْعَةِ وهي ثَلاثَةٌ: القَمِيصُ والرِّداءُ والجُبَّةُ، ولَمْ يَكُنْ يَلْبَسُ السِّرْوالَ كَعادَةِ تِلْكَ البِلادِ، وجَلَسُوا هُناكَ يَحْرُسُونَهُ؛ لِئَلّا يَسْرِقَهُ أحَدٌ.
وكانَ الشَّعْبُ واقِفِينَ يَنْظُرُونَ، والرُّؤَساءُ يَسْخَرُونَ مِنهُ مَعَهم قائِلِينَ: قَدْ خَلَّصَ آخَرِينَ فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إنْ كانَ هو مَسِيحَ اللَّهِ المُخْتارَ.
(p-١٦٥٢)٣٦ - وكانَ الجُنْدُ أيْضًا يَهْزَءُونَ بِهِ.
٣٧ - وقائِلِينَ: إنْ كُنْتَ أنْتَ مَلِكَ اليَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ.
٣٨ - وكانَ عُنْوانٌ فَوْقَهُ مَكْتُوبًا بِالحُرُوفِ اليُونانِيَّةِ واللّاتِينِيَّةِ والعِبْرانِيَّةِ: هَذا هو مَلِكُ اليَهُودِ.
٤٤ – ولَمّا كانَ نَحْوَ السّاعَةِ السّادِسَةِ حَدَثَتْ ظُلْمَةٌ عَلى الأرْضِ كُلِّها إلى السّاعَةِ التّاسِعَةِ.
٤٥ - وأظْلَمَتِ الشَّمْسُ وانْشَقَّ حِجابُ الهَيْكَلِ مِن وسَطِهِ.
٤٦ - ونادى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قائِلًا: إيلُ إيلُ لِمَ شَبَقْتَنِي؟ أيْ: إلَهِي إلَهِي لِماذا تَرَكْتَنِي؟ فَكانَ أُناسٌ مِنَ القائِمِينَ يَقُولُونَ: دَعُوا نَنْظُرْ هَلْ يَأْتِي إيلِيا فَيُخَلِّصُهُ، ثُمَّ صَرَخَ أيْضًا بِصَوْتٍ عالٍ وأسْلَمَ الرُّوحَ.
٤٧ - فَلَمّا رَأى قائِدُ المِئَةِ ما حَدَثَ مَجَّدَ اللَّهَ قائِلًا: في الحَقِيقَةِ كانَ هَذا الرَّجُلُ صِدِّيقًا.
٤٨ - وكُلُّ الجُمُوعِ الَّذِينَ كانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلى هَذا المَنظَرِ، لَمّا عايَنُوا ما حَدَثَ - رَجَعُوا وهم يَقْرَعُونَ صُدُورَهم.
(p-١٦٥٣)٤٩ - وكانَ جَمِيعُ مَعارِفِهِ والنِّساءُ اللَّواتِي تَبِعْنَهُ مِنَ الجَلِيلِ واقِفِينَ مِن بَعِيدٍ يَنْظُرُونَ ذَلِكَ.
٥٠ - وإذا بِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسُفُ وهو صالِحٌ صِدِّيقٌ.
٥١ - ولَمْ يَكُنْ مُوافِقًا لِرَأْيِهِمْ وعَمَلِهِمْ.
٥٢ - فَدَنا إلى بِيَلاطُسَ وسَألَهُ جَسَدَ يَسُوعَ فَأعْطاهُ إيّاهُ.
٥٣ - فَأنْزَلَهُ ولَفَّهُ في كَتّانٍ ووَضَعَهُ في قَبْرٍ مَنحُوتٍ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ فِيهِ أحَدٌ.
٥٤ - وكانَ يَوْمَ التَّهْيِئَةِ أيِ: الجُمُعَةِ، وقَدْ أخَذَ السَّبْتُ يَلُوحُ .....
وفِي يَوْمِ السَّبْتِ اجْتَمَعَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ عِنْدَ بِيَلاطُسَ قائِلِينَ لَهُ: قَدْ تَذَكَّرْنا أنَّ ذاكَ المُضِلَّ كانَ يَقُولُ وهو حَيٌّ: إنِّي أقُومُ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ، فَمُرْ أنْ يَحْرُسُوا القُبُورَ حَتّى اليَوْمِ الثّالِثِ؛ لِئَلّا يَأْتِيَ تَلامِيذُهُ فَيَسْرِقُوهُ لَيْلًا ويَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إنَّهُ قامَ مِن بَيْنِ الأمْواتِ، فَتَكُونُ الضَّلالَةُ الأخِيرَةُ شَرًّا مِنَ الأُولى، فَأمَرَ لَهم بِجُنُودٍ يَحْرُسُونَ وحَصَّنُوا القَبْرَ وخَتَمُوا الحَجَرَ مَعَ الجُنُودِ.
وفِي عَشِيَّةِ السَّبْتِ المُسْفِرِ صَباحُهُ عَنِ الأحَدِ أتَتْ مَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ ومَرْيَمُ الأُخْرى لِتَنْظُرَ القَبْرَ.
قالَ مُفَسِّرُوهُمْ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ أتْعَبَتِ العُلَماءَ في تَفْسِيرِها والتَّوْفِيقِ بَيْنَ أجْزائِها وبَيْنَ أقْوالِ باقِي الإنْجِيلِيِّينَ. انْتَهى.
(p-١٦٥٤)وإذا بِزَلْزَلَةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ صارَتْ؛ لِأنَّ مَلَكَ الرَّبِّ انْحَدَرَ مِنَ السَّماءِ، وكانَ المَلَكُ جِبْرِيلُ ظَهَرَ بِهَيْئَةِ شابٍّ وجاءَ فَدَحْرَجَ الحَجَرَ عَنْ بابِ القَبْرِ وجَلَسَ فَوْقَهُ، وكانَ مَنظَرُهُ كالبَرْقِ ولِباسُهُ أبْيَضَ كالثَّلْجِ، ومِنَ الخَوْفِ مِنهُ اضْطَرَبَ الحُرّاسُ وصارُوا كالأمْواتِ.
فَقالَ لِلنِّسْوَةِ: لا تَخَفْنَ، فَقَدْ عَرَفْتُ أنَّكُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ المَصْلُوبَ، إنَّهُ لَيْسَ هَهُنا، فَإنَّهُ قَدْ قامَ.
وقالَ لُوقا:
٥٥ - كانَتِ النِّساءُ اللَّواتِي أتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الجَلِيلِ يَتْبَعْنَ، فَأبْصَرْنَ القَبْرَ وكَيْفَ وُضِعَ فِيهِ جَسَدُهُ.
٥٦ - ثُمَّ رَجَعْنَ وأعْدَدْنَ حَنُوطًا وأطْيابًا، وفي السَّبْتِ قَرَرْنَ عَلى حَسَبِ الوَصِيَّةِ.
١ - وفي أوَّلِ الأُسْبُوعِ باكِرًا جِدًّا أتَيْنَ إلى القَبْرِ وهُنَّ يَحْمِلْنَ الحَنُوطَ الَّذِي أعْدَدْناهُ.
٢ - فَوَجَدْنَ الحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ عَنِ القَبْرِ.
٣ - فَدَخَلْنَ فَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوعَ.
٤ - وبَيْنَما هُنَّ مُتَحَيِّراتٌ في ذَلِكَ إذا بِرَجُلَيْنِ قَدْ وقَفا عِنْدَهُنَّ بِلِباسٍ بَرّاقٍ.
(p-١٦٥٥)٥ - وإذْ كُنَّ خائِفاتٍ ونَكَّسْنَ وُجُوهَهُنَّ إلى الأرْضِ قالا لَهُنَّ: لِماذا تَطْلُبْنَ الحَيَّ بَيْنَ الأمْواتِ؟!
٦ - إنَّهُ لَيْسَ هَهُنا لَكِنَّهُ قامَ، اذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وهو في الجَلِيلِ.
٧ - إذْ قالَ: إنَّهُ يَنْبَغِي لِابْنِ البَشَرِ أنْ يُسْلِمَ إلى أيْدِي أُناسٍ خَطَأةٍ ويُصْلَبَ ويَقُومَ في اليَوْمِ الثّالِثِ.
فَذَكَرْنَ كَلامَهُ.
ورَجَعْنَ مِنَ القَبْرِ وأخْبَرْنَ الأحَدَ عَشَرَ وجَمِيعَ الباقِينَ بِهَذا كُلِّهِ.
وقُلْنَ لَهُمْ: قَدْ أخَذُوا يَسُوعَ مِنَ القَبْرِ ولا نَعْلَمُ أيْنَ وضَعُوهُ.
١٠ - ومَرْيَمُ المِجْدَلِيَّةُ وحَنَّةُ ومَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وأُخَرُ مَعَهُنَّ هُنَّ اللَّواتِي أخْبَرْنَ الرُّسُلَ بِهَذا.
فَكانَ عِنْدَهم هَذا الكَلامُ كالهَذَيانِ ولَمْ يُصَدِّقُوهُنَّ.
(p-١٦٥٦)١٢ - فَقامَ بُطْرُسُ وأسْرَعَ إلى القَبْرِ وتَطَلَّعَ فَرَأى الأكْفانَ مَوْضُوعَةً عَلى حِدَةٍ فانْصَرَفَ مُتَعَجِّبًا في نَفْسِهِ مِمّا كانَ.
١٣ - وإنَّ اثْنَيْنِ مِنهم كانا سائِرَيْنِ في ذَلِكَ اليَوْمِ إلى قَرْيَةٍ اسْمُها عِمّاوُسُ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورَشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً.
١٤ - وكانا يَتَحادَثانِ عَنْ تِلْكَ الحَوادِثِ كُلِّها.
١٥ - وفِيما هُما يَتَحادَثانِ ويَتَساءَلانِ دَنا مِنهُما يَسُوعُ نَفْسُهُ وكانَ يَسِيرُ مَعَهُما.
١٦ - ولَكِنْ أمْسَكَتْ أعْيُنُهُما عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
١٧ - فَقالَ لَهُما: ما هَذا الكَلامُ الَّذِي تَتَحاوَرانِ فِيهِ وأنْتُما سائِرانِ مُكْتَئِبَيْنِ.
١٨ - فَأجابَ أحَدُهُما: أفَأنْتَ غَرِيبٌ في أُورَشَلِيمَ ولَمْ تَعْلَمْ ما حَدَثَ بِها في هَذِهِ الأيّامِ.
١٩ - فَقالَ لَهُما: وما هُوَ؟ قالا لَهُ: ما يَخُصُّ يَسُوعَ النّاصِرِيَّ الَّذِي كانَ رَجُلًا نَبِيًّا ذا قُوَّةٍ في العَمَلِ والقَوْلِ أمامَ اللَّهِ والشَّعْبِ كُلِّهِ.
(p-١٦٥٧)٢٠ - وكَيْفَ أسْلَمَهُ رُؤَساءُ الكَهَنَةِ وحُكّامُنا لِقَضاءِ المَوْتِ وصَلَبُوهُ.
٢١ - واليَوْمُ هو اليَوْمُ الثّالِثُ لِحُدُوثِ ذَلِكَ.
٢٢ - إلّا أنَّ نِساءً مِنّا أدْهَشْنَنا؛ لِأنَّهُنَّ بَكَّرْنَ إلى القَبْرِ.
٢٣ - فَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ فَأتَيْنَ وقُلْنَ: إنَّهُنَّ رَأيْنَ مَظْهَرَ مَلائِكَةٍ قالُوا: إنَّهُ حَيٌّ.
٢٤ - فَمَضى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنا إلى القَبْرِ فَوَجَدُوا كَما قالَتِ النِّساءُ لَكِنَّهم لَمْ يَرَوْهُ.
٢٥ - فَقالَ لَهُما: يا قَلِيلَيِ الفَهْمِ وبَطِيئَيِ القَلْبِ في الإيمانِ بِكُلِّ ما نَطَقَتْ بِهِ الأنْبِياءُ.
٢٦ - أما كانَ يَنْبَغِي لِلْمَسِيحِ أنْ يَتَألَّمَ هَذِهِ الآلامَ ثُمَّ يَدْخُلَ إلى مَجْدِهِ.
٢٧ - ثُمَّ أخَذَ يُفَسِّرُ لَهُما مِن مُوسى ومِن جَمِيعِ الأنْبِياءِ ما يَخْتَصُّ بِهِ في الأسْفارِ كُلِّها.
٢٨ - فَلَمّا اقْتَرَبُوا مِنَ القَرْيَةِ الَّتِي كانا يَقْصِدانِها تَظاهَرَ بِأنَّهُ مُنْطَلِقٌ إلى مَكانٍ أبْعَدَ.
٢٩ - فَألْزَماهُ قائِلَيْنِ: امْكُثْ مَعَنا؛ لِأنَّ المَساءَ مُقْبِلٌ، وقَدْ مالَ النَّهارُ، فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُما.
(p-١٦٥٨)٣٠ - ولَمّا اتَّكَأ مَعَهُما أخَذَ خُبْزًا وبارَكَ وكَسَرَ وناوَلَهُما.
٣١ - فانْفَتَحَتْ أعْيُنُهُما وعَرَفاهُ فَغابَ عَنْهُما.
٣٢ - فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ: أما كانَتْ قُلُوبُنا مُضْطَرِمَةً فِينا حِينَ كانَ يُخاطِبُنا في الطَّرِيقِ ويَشْرَحُ لَنا الكُتُبَ.
٣٤ - وقاما في تِلْكَ السّاعَةِ ورَجَعا إلى أُورَشَلِيمَ فَوَجَدا الأحَدَ عَشَرَ والَّذِينَ مَعَهم مُجْتَمَعِينَ.
وهم يَقُولُونَ: لَقَدْ قامَ يَسُوعُ في الحَقِيقَةِ وتَراءى لِسِمْعانَ.
٣٥ - فَأخَذا يُخْبِرانِ بِما حَدَثَ في الطَّرِيقِ وكَيْفَ عَرَفاهُ عِنْدَ كَسْرِ الخُبْزِ.
٣٦ - وبَيْنَما هم يَتَحَدَّثُونَ بِهَذِهِ وقَفَ يَسُوعُ في وسَطِهِمْ وقالَ لَهُمُ: السَّلامُ لَكُمْ، أنا هو لا تَخافُوا.
٣٧ - فاضْطَرَبُوا وخافُوا وظَنُّوا أنَّهم يَرَوْنَ رُوحًا.
(p-١٦٥٩)٣٨ - فَقالَ لَهُمْ: ما بالُكم مُرْتَعِدِينَ ولِماذا ثارَتِ الأوْهامُ في قُلُوبِكُمْ؟!
٣٩ - انْظُرُوا يَدَيَّ ورِجْلَيَّ إنِّي أنا هو جُسُّونِي وانْظُرُوا فَإنَّ الرُّوحَ لا لَحْمَ لَهُ ولا عِظامَ كَما تَرَوْنَ لِي.
٤٠ - ثُمَّ أراهم يَدَيْهِ ورِجْلَيْهِ.
٤١ - وإذْ كانُوا غَيْرَ مُصَدِّقِينَ بَعْدُ مِنَ الفَرَحِ ومُتَعَجِّبِينَ قالَ: أعِنْدَكم هَهُنا طَعامٌ.
٤٢ - فَأعْطَوْهُ قِطْعَةً مِن سَمَكٍ مَشْوِيٍّ وشَهْدَ عَسَلٍ.
٤٣ - فَأخَذَ وأكَلَ أمامَهم.
ثُمَّ أخَذَ الباقِيَ وأعْطاهم.
وبَعْدَ مُفاوَضَتِهِ مَعَهم.
٥٠ - خَرَجَ بِهِمْ إلى بَيْتِ عَنْيا ورَفَعَ يَدَيْهِ وبارَكَهم.
٥١ - وفِيما هو يُبارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهم وصَعِدَ إلى السَّماءِ.
(p-١٦٦٠)هَذا ما جاءَ في إنْجِيلِ لُوقا مَمْزُوجًا بِبَعْضِ تَفاسِيرِهِمْ، وإنَّما آثَرْتُ النَّقْلَ عَنْهُ لِزَعْمِهِمْ أنَّ كَلامَهُ أصَحُّ وأفْصَحُ، وأشَدُّ انْسِجامًا مِن كَلامِ باقِي مُؤَلِّفِي العَهْدِ الجَدِيدِ، كَما في "ذَخِيرَةِ الألْبابِ" مِن كُتُبِهِمْ.
* * *
فَصْلٌ
فِي بُطْلانِ ما رَوَوْهُ وتَهافُتِهِ بِالحُجَجِ الدّامِغَةِ
اعْلَمْ أنَّ في كُتُبِهِمُ المَوْجُودَةِ مِنَ التَّضارُبِ في هَذِهِ القِصَّةِ ما يَقْضِي بِالعَجَبِ ويُبَرْهِنُ عَلى عَدَمِ الوُثُوقِ بِها، كَما قالَ تَعالى: ﴿ما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إلا اتِّباعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] [النِّساءِ: ١٥٧].
قالَ البُرْهانُ البِقاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "تَفْسِيرِهِ" بَعْدَ (أنْ ساقَ أزْيَدَ مِمّا سُقْناهُ عَنْ أناجِيلِهِمْ، وقالَ: أحْسَنُ ما رُدَّ عَلى الإنْسانِ بِما يَعْتَقِدُهُ) ما نَصُّهُ: فَقَدْ بانَ لَكَ أنَّ أناجِيلَهم كُلَّها اتَّفَقَتْ عَلى أنَّ عِلْمَهم في أمْرِهِ انْتَهى إلى واحِدٍ، وهو الأسْخَرْيُوطِيُّ، وأمّا غَيْرُهُ مِنَ الأعْداءِ فَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ، وإنَّهُ إنَّما وضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ولَمْ يَقُلْ بِلِسانِهِ إنَّهُ هُوَ، وأنَّ الوَقْتَ كانَ لَيْلًا، وأنَّ عِيسى نَفْسَهُ قالَ لِأصْحابِهِ: كُلُّكم تَشُكُّونَ فِيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وأنَّ تَلامِيذَهُ كُلَّهم هَرَبُوا فَلَمْ يَكُنْ لَهم عِلْمٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِما اتَّفَقَ في أمْرِهِ، وإنَّ بُطْرُسَ إنَّما تَبِعَهُ مِن بَعِيدٍ، وإنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ خَنْقُ نَفْسِهِ، وإنَّ النّاقِلَ لِأنَّ المَلَكَ قالَ إنَّهُ قامَ مِنَ الأمْواتِ إنَّما هو نِسْوَةٌ كُنَّ عِنْدَ القَبْرِ في مَدًى بَعِيدٍ، وما يَدْرِي النِّسْوَةُ المَلَكَ مِن غَيْرِهِ، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا تُفِيدُ غَيْرَ الظَّنِّ، وأمّا الآياتُ الَّتِي وقَعَتْ فَعَلى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِها لا يَضُرُّنا التَّصْدِيقُ بِها.... وتَكُونُ لِجَراءَتِهِمْ عَلى اللَّهِ بِصَلْبِ مَن يَظُنُّونَهُ المَسِيحَ، وهَذا كُلُّهُ يُصادِقُ القُرْآنَ في أنَّهم في شَكٍّ مِنهُ، ويَدُلُّ عَلى أنَّ المَصْلُوبَ - إنْ صَحَّ أنَّهم صَلَبُوهُ - مَن ظَنُّوهُ إيّاهُ، هو الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ.
(p-١٦٦١)قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّهُ أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَيْهِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ خَنَقَ نَفْسَهُ، فالظّاهِرُ أنَّهم لَمّا لَمْ يَرَوْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَنُّوا أنَّهُ خَنَقَ نَفْسَهُ: فَجَزَمُوا بِهِ، واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى.
وقالَ العَلّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الآلُوسِيُّ في "الجَوابِ الفَسِيحِ": اعْلَمْ أنَّ ما ذَكَرَهُ هَذا النَّصْرانِيُّ مِن أنَّ المَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ماتَ بِجَسَدِهِ، وأقامَ عَلى الصَّلِيبِ إلى وقْتِ الغُرُوبِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ، ثُمَّ أُنْزِلَ ودُفِنَ، وأقامَ في القَبْرِ إلى صَبِيحَةِ يَوْمِ الأحَدِ، ثُمَّ انْبَعَثَ حَيًّا بِلاهُوتِهِ وتَراءى لِلنِّسْوَةِ اللّاتِي جِئْنَ إلى قَبْرِهِ زائِراتٍ، وظَهَرَ بَعْدُ لِحَوارِيِّيهِ .... إلى آخِرِ ما قالَهُ - هو ما أجْمَعَ عَلَيْهِ النَّصارى.
ويَرُدُّ ذَلِكَ العَقْلُ والنَّقْلُ، وإنْ صَدَّقَتْهُمُ اليَهُودُ في قَتْلِهِ، فاسْتَمِعْ مِنَ المَنقُولِ ما يُتْلى عَلَيْكَ بِأُذُنٍ واعِيَةٍ، وخُذْ ما يَأْتِيكَ مِنَ المَعْقُولِ بِالدَّلائِلِ الهادِيَةِ، عَلى أنَّ المَقْتُولَ هو الشَّبَهُ، وأنَّ الحالَ عِنْدَ صالِبِيهِ اشْتَبَهَ، وأنَّ المَسِيحَ رَفَعَهُ اللَّهُ تَعالى قَبْلَ القَتْلِ إلَيْهِ؛ لِشَرَفِهِ عِنْدَهُ ومَكانَتِهِ لَدَيْهِ، قالَ اللَّهُ تَعالى في بَيانِ حالِ اليَهُودِ: ﴿وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ﴾ [النساء: ١٥٧] الآيَةَ.
وفِي الإنْجِيلِ أنَّ رَئِيسَ الكَهَنَةِ أقْسَمَ عَلى المَأْخُوذِ بِاللَّهِ أأنْتَ المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟ فَقالَ لَهُ: أنْتَ قُلْتَ، ولَمْ يُجِبْهُ بِأنَّهُ المَسِيحُ، فَلَوْ كانَ المُقْسَمُ عَلَيْهِ هو المَسِيحَ لَقالَ لَهُ: نَعَمْ، ولَمْ يُوَرِّ ولَمْ يَتَلَعْثَمْ، وهو مُحَلَّفٌ بِاللَّهِ، لا سِيَّما وهو بِزَعْمِهِمُ الإلَهُ، الَّذِي نَزَلَ لِخَلاصِ عِبادِهِ بِإفْداءِ نَفْسِهِ ودُخُولِ الجَحِيمِ ولَأْواهُ.
وقالَ لُوقا في الفَصْلِ التّاسِعِ مِن إنْجِيلِهِ.
٢٨ - إنَّ المَسِيحَ صَعِدَ قَبْلَ الصَّلْبِ إلى جَبَلِ الخَلِيلِ ومَعَهُ بُطْرُسُ ويَعْقُوبُ ويُوحَنّا.
٢٩ - فَبَيْنَما هو يُصَلِّي إذْ تَغَيَّرَ مَنظَرُ وجْهِهِ عَمّا كانَ عَلَيْهِ وابْيَضَّتْ ثِيابُهُ وصارَتْ تَلْمَعُ كالبَرْقِ.
(p-١٦٦٢)٣٠ - وإذا مُوسى بْنُ عِمْرانَ وإيلِيا.
٣١ - قَدْ ظَهَرا لَهُ وجاءَتْ سَحابَةٌ فَأظَلَّتْهم.
٣٢ - وأمّا الَّذِينَ كانُوا مَعَ المَسِيحِ فَوَقَعَ عَلَيْهِمُ النَّوْمُ فَنامُوا.
وهَذا مِن أوْضَحِ الدَّلالَةِ عَلى رَفْعِهِ وحُصُولِ الشَّبَهِ الَّذِي نَقُولُ بِهِ؛ إذْ لا مَعْنى لِظُهُورِ مُوسى وإيلِيا ووُقُوعِ النَّوْمِ عَلى أصْحابِهِ إلّا رَفْعُهُ، ألا تَرى أنَّ اليَهُودَ كانُوا يَسْمَعُونَ مِنهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنَّ إيلِيا يَأْتِي، فَلَمّا رَفَعُوهُ عَلى الخَشَبَةِ - كَما في الأناجِيلِ - قالُوا: دَعُوهُ حَتّى نَرى أنَّ إيلِيا يَأْتِي فَيُخَلِّصُهُ، فَصارُوا في شَكٍّ يُرِيدُونَ تَحْقِيقَهُ، فَإنْ أتى إيلِيا فَما رَفَعُوهُ هو المَسِيحُ، وإنْ لَمْ يَأْتِ فَهو غَيْرُهُ كَما في ظَنِّهِمْ، فَلَمّا لَمْ يَأْتِ ازْدادُوا رِيبَةً في أمْرِهِ، ومَن رَآهُ الحَوارِيُّونَ بَعْدَ يَقَظَتِهِمْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ طَوْرًا مِن أطْوارِ رُوحِهِ؛ لِأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةُ التَّطَوُّرِ، وتَشَكُّلُ الرُّوحِ بَعْدَ المَوْتِ أمْرٌ مُمْكِنٌ، لا سِيَّما وقَدْ صَدَرَتْ عَلى يَدَيْهِ مُعْجِزاتٌ أعْظَمُ مِن ذَلِكَ، كَإحْياءِ المَوْتى، وكَثْرَةِ الخُبْزِ والحِيتانِ، وإبْراءِ الأكْمَهِ، والأبْرَصِ.
وقالَ يُوحَنّا التِّلْمِيذُ:
١ - كانَ يَسُوعُ مَعَ تَلامِيذِهِ بِالبُسْتانِ فَجاءَ اليَهُودُ في طَلَبِهِ.
(p-١٦٦٣)٤ - فَخَرَجَ إلَيْهِمْ يَسُوعُ وقالَ لَهُمْ: مَن تُرِيدُونَ؟
قالُوا: يَسُوعُ (وقَدْ خَفِيَ شَخْصُهُ عَنْهُمْ) قالَ: أنا يَسُوعُ، وفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وقَدْ أنْكَرُوا صُورَتَهُ.
فانْظُرْ - أيُّها العاقِلُ - كَيْفَ اعْتَرَفَ هُنا أنَّهُ يَسُوعُ لَمّا عَلِمَ أنَّ اللَّهَ تَعالى تَوَلّى حِراسَتَهُ مِنهُمْ، وأنَّهم لا يَقْدِرُونَ أنْ يَنالُوهُ بِسُوءٍ، وكَيْفَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِأنَّهُ المَسِيحُ لَمّا سَألَهُ رَئِيسُ الكَهَنَةِ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَدَمُ اعْتِرافِهِ هُناكَ واعْتِرافُهُ هُنا دَلِيلٌ واضِحٌ أيْضًا عَلى أنَّ ما قالَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ هو الحَقُّ.
ثُمَّ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى عَدَمِ قَتْلِهِ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الأناجِيلُ مِنِ اخْتِلافِ المَبانِي والمَعانِي والمَقاصِدِ والِاضْطِرابِ في حِكايَةِ هَذِهِ الواقِعَةِ والتَّناقُضِ في ألْفاظِها، كَدَعْواهُمُ الأُلُوهِيَّةَ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – (عِنْدَ صَلْبِهِ بِزَعْمِهِمْ): إلَهِي! إلَهِي! لِمَ تَرَكْتَنِي، وقَوْلِهِ كَما في الفَصْلِ السّادِسِ والعِشْرِينَ مِن إنْجِيلِ مَتّى: يا أبَتاهُ إنَّ كانَ لا يُمْكِنُكَ أنْ تَفُوتَنِي هَذِهِ الكَأْسُ - أيِ: المَوْتُ - ولا بُدَّ لِي أنْ أشْرَبَها فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ، وقامَ يُصَلِّي، وقَوْلِهِ لِرَئِيسِ الكَهَنَةِ: إنَّكم مِنَ الآنَ لا تَرَوْنَ ابْنَ الإنْسانِ حَتّى تَرَوْنَهُ جالِسًا عَنْ يَمِينِ القُوَّةِ وآتِيًا في سَحابِ السَّماءِ، يُرِيدُ بِالقُوَّةِ البارِئَ تَعالى شَأْنُهُ.
وفِي الفَصْلِ السّابِعِ مِن إنْجِيلِ يُوحَنّا: إنَّ الفُرَيْسِيِّينَ ورُؤَساءَ الكَهَنَةِ أرْسَلُوا شُرَطًا لِيَقْبِضُوا عَلى المَسِيحِ (يَعْنِي لِيَقْتُلُوهُ كَما قالَ مُفَسِّرُوهُمْ) قالَ: أنا ماكِثٌ أيْضًا مَعَكم زَمانًا، ثُمَّ (p-١٦٦٤)أنْطَلِقُ إلى مَن أرْسَلَنِي وتَطْلُبُونِي فَلا تَجِدُونِي، وحَيْثُما أكُنْ فَلا تَسْتَطِيعُونَ إلَيَّ سَبِيلًا، قالَ اليَهُودُ في ذَواتِهِمْ: فَإلى أيْنَ؟ هَذا عَتِيدٌ أنْ يَنْطَلِقَ حَتّى لا نَجِدَهُ نَحْنُ؟ قالَ مُفَسِّرُوهم أيْ: يَصْعَدُ إلى السَّماءِ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِمّا لَوْ أرَدْنا ذِكْرَهُ والتَّنْقِيرَ عَنْهُ لَطالَ البَحْثُ.
ثُمَّ نَقَلَ خَيْرُ الدِّينِ نَحْوًا مِمّا أسْلَفْناهُ عَنْ أناجِيلِهِمْ، وقالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَأجِلْ في تَناقُضِها قِداحَ فِكْرِكَ، وفي تَهافُتِها خُيُولَ ذِهْنِكَ؛ لِتَرى في هَذِهِ القِصَّةِ ما يَدُلُّكَ عَلى وُقُوعِ الشَّبَهِ ونَجاةِ المَسِيحِ عَقْلًا ونَقْلًا، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] ولِيَتَبَيَّنَ لَكَ عُبُودِيَّتُهُ ورِسالَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَإنَّ ذَلِكَ ظاهِرٌ مِنَ العِباراتِ، ولْنَزِدْكَ في البَيانِ وُضُوحًا بِما نُنَبِّهُكَ عَلَيْهِ بِكَلِماتٍ يَسِيرَةٍ مَقْدُوحًا ومَشْرُوحًا.
مِنها: قَوْلُهم إنَّهُ صُلِبَ قَبْلَ غُرُوبِ يَوْمِ الجُمُعَةِ ودُفِنَ مَساءَها، ولَمّا جاءَتِ النِّسْوَةُ عَشِيَّةَ السَّبْتِ المُسْفِرِ صَباحُهُ عَنِ الأحَدِ وجَدْنَهُ فارِغًا، وقَدْ قامَ مِنهُ المَدْفُونُ، مَعَ أنَّ النَّصارى يَزْعُمُونَ - كَما في أناجِيلِهِمْ - أنَّهُ يَبْقى في قَبْرِهِ ثَلاثَةَ أيّامٍ، كَما بَقِيَ يُونانُ - أيْ: يُونُسُ - في بَطْنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أيّامٍ بِلَيالِيها، فَما هَذا إلّا دَلِيلٌ عَلى الِاخْتِلافِ والتَّهافُتِ في الأمْرِ.
ومِنها: سُؤالُهُ اليَهُودَ مَرَّتَيْنِ مَن تَطْلُبُونَ؟ وهم يَقُولُونَ: يَسُوعُ النّاصِرِيُّ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ وهو يَقُولُ لَهُمْ: أنا.
ومِنها: أنَّ يَهُوذا ارْتَشى لِيَدُلَّهم عَلَيْهِ، وجَعَلَ العَلامَةَ عَلى تَعْيِينِهِ لَهم تَقْبِيلَ يَدِهِ، فَلَوْ كانَ مَعْلُومًا لَهم لَعَرَفُوهُ بِلا دَلالَةٍ وبِلا سُؤالٍ، مَعَ أنَّهُ كانَ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ وفي غالِبِ الأيّامِ في هَيْكَلِهِمْ.
ومِنها: أنَّهُ لَمّا أقْسَمَ عَلَيْهِ رَئِيسُ الكَهَنَةِ أنَّهُ هو المَسِيحُ لَمْ يَقُلْ لَهُ: أنا المَسِيحُ، بَلْ قالَ لَهُ: أنْتَ قُلْتَ.
(p-١٦٦٥)ومِنها: إنْكارُ بُطْرُسَ لَهُ وهو مِن أعْظَمِ رُسُلِهِ، وإنْكارُهُ كُفْرٌ.
ومِنها: أنَّهُ لَمّا سَألَهُ الوالِي: أنْتَ هُوَ؟ لَمْ يَرُدَّ لَهُ جَوابًا، فَلَوْ كانَ هو لاعْتَرَفَ وأقَرَّ.
ومِنها: أنَّهُ لَمّا كانَ أخْذُهُ لَيْلًا، وقَدْ شُوِّهَتْ صُورَتُهُ وتَغَيَّرَتْ مَحاسِنُهُ بِالضَّرْبِ والنَّكالِ، فَهي حالَةٌ تُوجِبُ اللَّبْسَ بَيْنَ الشَّيْءِ وخِلافِهِ، فَكَيْفَ بَيْنَ الشَّيْءِ وشَبَهِهِ؟ فَمِن أيْنَ يَحْصُلُ القَطْعُ بِأنَّهُ هُوَ؟ لا سِيَّما والنَّصارى قَدْ حَكَمُوا أنَّ المَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَدْ أُعْطِيَ قُوَّةَ التَّحَوُّلِ مِن صُورَةٍ إلى صُورَةٍ، ويُحْتَمَلُ أنَّ المَسِيحَ ذَهَبَ في الجَماعَةِ الَّذِينَ أطْلَقَهُمُ الأعْوانُ، وكانَ المُتَكَلِّمُ مَعَهم تِلْمِيذٌ أرادَ أنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ وِقايَةً لِلْمَسِيحِ، فَألْقى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ الشَّبَهَ، وأتْباعُ الأنْبِياءِ يَفْدُونَ أنْفُسَهم لِأنْبِيائِهِمْ، وهَذا فَدى نَفْسَهُ لِإلَهِهِ بِزَعْمِ النَّصارى.
ومِنها: أنَّهُ يُحْتَمَلُ أنَّ الأعْوانَ ارْتَشَوْا عَلى إطْلاقِهِ كَما ارْتَشى يَهُوذا عَلى الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، وأخَذُوا غَيْرَهُ مِمَّنْ يُرِيدُ أنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ لِلْمَسِيحِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ عَدَمُ اعْتِرافِهِ بِأنَّهُ المَسِيحُ.
ومِنها: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا: أنا ماكِثٌ مَعَكم زَمانًا، ثُمَّ أنْطَلِقُ إلى مَن أرْسَلَنِي، فَتَطْلُبُونِي فَلا تَجِدُونِي، وحَيْثُما أكُنْ فَلا تَسْتَطِيعُونَ إلَيَّ سَبِيلًا، فَهَذا صَرِيحٌ في أنَّهم سَيَطْلُبُونَهُ ولا يَجِدُونَهُ ولا يَنالُونَ مِنهُ شَيْئًا؛ لِأنَّهُ سَيَصْعَدُ إلى السَّماءِ، ومِثْلُهُ في الفَصْلِ الثّانِي عَشَرَ مِن "إنْجِيلِ يُوحَنّا" ما لَفْظُهُ: قالَ لَهُ الجُمُوعُ: نَحْنُ سَمِعْنا مِنَ النّامُوسِ أنَّ المَسِيحَ يَمْكُثُ إلى الأبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أنْتَ أنَّ ابْنَ البَشَرِ سَوْفَ يَرْتَفِعُ مَن هو هَذا ابْنُ البَشَرِ؟
قالَ لَهم يَسُوعُ: إنَّ النُّورَ مَعَكم زَمانًا آخَرَ يَسِيرًا، امْشُوا ما دامَ لَكُمُ النُّورُ؛ لِئَلّا يُدْرِكَكُمُ الظَّلامُ، ومَن يَمْشِ في الظَّلامِ فَلا يَدْرِ أيْنَ يَذْهَبُ، آمِنُوا بِالنُّورِ ما دامَ لَكُمُ النُّورُ، قالَ يَسُوعُ هَذا، وذَهَبَ مُتَوارِيًا عَنْهُمُ. انْتَهى.
فَفِي هَذا الكَلامِ أدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مُؤَيِّدَةٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ﴾ [النِّساءِ: ١٥٨].
مِنها: أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِعِيسى: إنَّ المَسِيحَ المَذْكُورَ في العَهْدِ القَدِيمِ يَمْكُثُ إلى الأبَدِ.
(p-١٦٦٦)أيْ: فَإنْ كُنْتَ أنْتَ المَسِيحَ فَأنْتَ لا تَمُوتُ في هَذا الزَّمانِ، بَلْ تَبْقى إلى قِيامِ السّاعَةِ، ولَمْ يُكَذِّبْهم في نَقْلِهِمْ ذَلِكَ، والمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: إنَّهُ رُفِعَ حَيًّا إلى السَّماءِ وهو الآنَ حَيٌّ فِيها، وسَيَنْزِلُ آخِرَ الزَّمانِ عِنْدَ قُرْبِ السّاعَةِ، ويَقْتُلُ الدَّجّالَ ويَحْكُمُ بِالشَّرِيعَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، ويُتَوَفّى ويُدْفَنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَهو حَيٌّ إلى الأبَدِ، يَعْنِي إلى قُرْبِ قِيامِ السّاعَةِ، ونُزُولُهُ ومَوْتُهُ مِن أماراتِ السّاعَةِ الكُبْرى، وفي هَذا القَوْلِ دَلالاتٌ ظاهِراتٌ أيْضًا عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِإلَهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ قالَ: ابْنُ البَشَرِ، يَعْنِي لا تَظُنُّوا أنِّي أدَّعِي الأُلُوهِيَّةَ وإنْ أحْيَيْتُ المَوْتى؛ لِأنَّ ذَلِكَ مُعْجِزَةٌ خَلَقَها اللَّهُ تَعالى عَلى يَدِهِ لِلْإيمانِ بِنُبُوَّتِهِ.
ثانِيها: لَوْ كانَ إلَهًا لَما تَوارى مِنهم خائِفًا مِن قَتْلِهِمْ لَهُ؛ لِأنَّ الإلَهَ هو خالِقٌ لَهم ولِعَمَلِهِمْ، وعالِمٌ بِزَمَنِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَفِرُّ وهو يَعْلَمُ وقْتَ مَوْتِهِ؟ وهو خالِقُ المَوْتِ والحَياةِ؟!
ثُمَّ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أنَّ اللَّهَ تَعالى ألْقى شَبَهَهُ عَلى شَيْطانٍ أوْ مارِدٍ مِن مَرَدَةِ الجِنِّ لِيُخَلِّصَ نَبِيَّهُ ورَسُولَهُ مِن أيْدِي أعْدائِهِ، ويَرْفَعُهُ إلَيْهِ مَحْفُوظًا مُكْرَمًا، كَما أجْرى عَلى يَدَيْهِ إحْياءَ المَوْتى، وخَلَقَهُ مِن غَيْرِ أبٍ، وأبْرَأ الأكْمَهَ والأبْرَصَ، لا سِيَّما وهو بِزَعْمِهِمْ إلَهُ العالَمِ وخالِقُ الإنْسِ والجِنِّ وبَنِي آدَمَ، فَأيُّ ضَرُورَةٍ تَدْعُو لِإثْباتِ أنْواعِ الإهانَةِ والعَذابِ - عَلى ما زَعَمُوا - لِرَبِّ الأرْبابِ، مَعَ وُجُودِ التَّناقُضِ فِيما نَقَلَتْهُ أناجِيلُهم في هَذا الفَصْلِ والبابِ.
؎عَجَبًا لِلْمَسِيحِ بَيْنَ النَّصارى وإلى أيِّ والِدٍ نَسَبُوهُ
؎أسْلَمُوهُ إلى اليَهُودِ وقالُوا ∗∗∗ إنَّهم بَعْدَ ضَرْبِهِ صَلَبُوهُ
؎فَإذا كانَ ما يَقُولُونَ حَقًّا ∗∗∗ وصَحِيحًا فَأيْنَ كانَ أبُوهُ؟
؎حِينَ خَلّى ابْنَهُ رَهِينَ الأعادِي ∗∗∗ أتَراهم أرْضَوْهُ أمْ أغْضَبُوهُ؟
؎فَلَئِنْ كانَ راضِيًا بِأذاهم ∗∗∗ فاحْمَدُوهم لِأنَّهم عَذَّبُوهُ
؎ولَئِنْ كانَ ساخِطًا فاتْرُكُوهُ ∗∗∗ واعْبُدُوهم لِأنَّهم غَلَبُوهُ
وفِي كِتابِ "الفاصِلِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ" ما نَصُّهُ: وفي الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ شَهِيدًا عَلى صَلْبِهِ مِن (p-١٦٦٧)كَلامِ عامُوصَ النَّبِيِّ أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ عَلى لِسانِهِ: ثَلاثَةُ ذُنُوبٍ أقْبَلُ لِبَنِي إسْرائِيلَ، والرّابِعَةُ لا أقْبَلُها، بَيْعُهُمُ الرَّجُلَ الصّالِحَ - حُجَّةٌ عَلَيْكم لا لَكُمْ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَقُلْ: بَيْعُهم إيّايَ، ولا قالَ: بَيْعُهم إلَهًا مُتَساوِيًا مَعِيَ.
ويَجْرِي تَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلى وجْهَيْنِ:
إمّا أنْ يَكُونَ عَنى بِالمَبِيعِ عِيسى كَما تَزْعُمُونَ فَقُولُوا حِينَئِذٍ إنَّهُ (الرَّجُلُ الصّالِحُ) كَما قالَ عامُوصُ، ولَيْسَ بِالإلَهِ المَعْبُودِ، وإمّا أنْ يُرِيدَ بِالمَبِيعِ غَيْرَهُ وهو الَّذِي شُبِّهَ لِلْيَهُودِ فابْتاعُوهُ وصَلَبُوهُ، ويَلْزَمُكم وقْتَئِذٍ إنْكارُ صَلُوبِيَّةِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَيْفَ لا ونُصُوصُ الإنْجِيلِ والكُتُبِ النَّصْرانِيَّةِ مُتَضافِرَةٌ دالَّةٌ عَلى عَدَمِ الصَّلْبِ لِعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ووُقُوعِ الشَّبَهِ عَلى غَيْرِهِ، وذَلِكَ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: يُوجَدُ في الإنْجِيلِ أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - صَعِدَ إلى جَبَلِ الجَلِيلِ ومَعَهُ بُطْرُسُ ويَعْقُوبُ ويُوحَنّا، فَبَيْنَما هو يُصَلِّي إذْ تَغَيَّرَ مَنظَرُ وجْهِهِ عَمّا كانَ عَلَيْهِ، وابْيَضَّتْ ثِيابُهُ فَصارَتْ تَلْمَعُ كالبَرْقِ، وإذا بِمُوسى بْنُ عِمْرانَ وإيلِيا قَدْ ظَهَرا لَهُ، وجاءَتْ سَحابَةٌ فَأظَلَّتْهُمْ، فَوَقَعَ النَّوْمُ عَلى الَّذِينَ مَعَهُ، فَأيُّ مانِعٍ يَمْنَعُ مِن أنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ وقَعَ في اليَوْمِ الَّذِي طَلَبَتْهُ فِيهِ اليَهُودُ، وإنَّما قَدِ اخْتَلَفْتُمْ في نَقْلِها كَما اخْتَلَفْتُمْ وتَناقَضْتُمْ في غَيْرِ ذَلِكَ، وغَيَّرْتُمُ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ.
وظُهُورُ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - وتَظْلِيلُ السَّحابَةِ، ووُقُوعُ النَّوْمِ عَلى التَّلامِيذِ - يَكُونُ حِينَئِذٍ دَلِيلًا ظاهِرًا عَلى الرَّفْعِ إلى السَّماءِ وعَدَمِ الصَّلْبِ، وإلّا فَلا مَعْنى لِظُهُورِ هَذِهِ الآياتِ.
وثانِيها: ما في الإنْجِيلِ أيْضًا أنَّ المَصْلُوبَ قَدِ اسْتَسْقى اليَهُودَ فَأعْطَوْهُ خَلًّا مُضافًا بِمُرٍّ، فَذاقَهُ ولَمْ يَشْرَبْهُ، فَنادى: إلَهِي إلَهِي لِمَ خَذَلْتَنِي؟ والأناجِيلُ كُلُّها مُصَرِّحَةٌ بِأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ يَطْوِي أرْبَعِينَ يَوْمًا وأرْبَعِينَ لَيْلَةً، ويَقُولُ لِلتَّلامِيذِ: إنِّي لِي طَعامًا لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ، ومَن يَصْبِرُ عَلى العَطَشِ والجُوعِ أرْبَعِينَ يَوْمًا ولَيْلَةً كَيْفَ يُظْهِرُ الحاجَةَ والمَذَلَّةَ لِأعْدائِهِ بِسَبَبِ عَطَشِ يَوْمٍ واحِدٍ؟! هَذا لا يَفْعَلُهُ أدْنى النّاسِ فَكَيْفَ بِخَواصِّ الأنْبِياءِ؟! أوْ كَيْفَ بِالرَّبِّ عَلى ما تَدَّعُونَهُ؟! فَيَكُونُ حِينَئِذٍ المُدَّعِي لِلْعَطَشِ غَيْرَهُ، وهو الَّذِي شُبِّهَ لَكم.
وثالِثُها: قَوْلُهُ: إلَهِي إلَهِي لِمَ خَذَلْتَنِي وتَرَكَتْنِي؟ هو كَلامٌ يَقْتَضِي عَدَمَ الرِّضا بِالقَضاءِ، وعَدَمَ (p-١٦٦٨)التَّسْلِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى، وعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، فَيَكُونُ المَصْلُوبُ غَيْرَهُ، لا سِيَّما وأنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ المَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إنَّما نَزَلَ لِيُؤْثِرَ العالَمَ عَلى نَفْسِهِ، ويُخَلِّصَهُ مِنَ الشَّيْطانِ ورِجْسِهِ، فَكَيْفَ تَرْوُونَ عَنْهُ ما يُؤَدِّي إلى خِلافِ ذَلِكَ، مَعَ رِوايَتِكم في تَوْراتِكم أنَّ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ ومُوسى وهارُونَ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - لَمّا حَضَرَهُمُ المَوْتُ كانُوا مُسْتَبْشِرِينَ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ، فَرِحِينَ بِانْقِلابِهِمْ إلى سَعْيِهِمْ، لَمْ يَجْزَعُوا مِنَ المَوْتِ ولَمْ يَسْتَقِيلُوا مِنهُ، ولَمْ يَهابُوا مَذاقَهُ، مَعَ أنَّهم عَبِيدُهُ، والمَسِيحُ بِزَعْمِكم ولَدٌ ورَبٌّ، فَكانَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أثْبَتَ مِنهُمْ، ولَمّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلى أنَّ المَصْلُوبَ غَيْرُهُ، وهو الَّذِي شُبِّهَ لَكم.
* * *
فَصْلٌ
فِيما رُوِيَ عَنْ سَلَفِنا الكِرامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ.
قالَ الإمامُ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ الدِّمَشْقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - في (تَفْسِيرِهِ) هُنا ما نَصُّهُ: وكانَ مِن خَبَرِ اليَهُودِ - عَلَيْهِمْ لَعائِنُ اللَّهِ وسَخَطُهُ وغَضَبُهُ وعِقابُهُ - أنَّهُ لَمّا بَعَثَ اللَّهُ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ بِالبَيِّناتِ والهُدى حَسَدُوهُ عَلى ما آتاهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ النُّبُوَّةِ والمُعْجِزاتِ الباهِراتِ، الَّتِي كانَ يُبْرِئُ بِها الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ، ويُصَوِّرُ مِنَ الطِّينِ طائِرًا ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طائِرًا يُشاهَدُ طَيَرانُهُ بِإذْنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُعْجِزاتِ الَّتِي أكْرَمَهُ اللَّهُ بِها، وأجْراها عَلى يَدَيْهِ، ومَعَ هَذا كَذَّبُوهُ، وخالَفُوهُ، وسَعَوْا في أذاهُ بِكُلِّ ما أمْكَنَهُمْ، حَتّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لا يُساكِنُهم في بَلْدَةٍ بَلْ يُكْثِرُ السِّياحَةَ هو وأُمُّهُ - عَلَيْهِما السَّلامُ - ثُمَّ لَمْ يُقْنِعْهم ذَلِكَ حَتّى سَعَوْا إلى مَلِكِ دِمَشْقَ في ذَلِكَ الزَّمانِ، وكانَ رَجُلًا مُشْرِكًا مِن عَبَدَةِ الكَواكِبِ، وكانَ يُقالُ لِأهْلِ مِلَّتِهِ اليُونانُ، وأنْهَوْا إلَيْهِ أنَّ في بَيْتِ المَقْدِسِ رَجُلًا يَفْتِنُ النّاسَ ويُضِلُّهم ويُفْسِدُ عَلى المَلِكِ رَعاياهُ، فَغَضِبَ المَلِكُ مِن هَذا، وكَتَبَ إلى نائِبِهِ بِالقُدْسِ أنْ يَحْتاطَ عَلى هَذا المَذْكُورِ، وأنْ يَصْلُبَهُ ويَضَعَ الشَّوْكَ عَلى رَأْسِهِ، ويَكُفَّ أذاهُ عَنِ النّاسِ، فَلَمّا وصَلَ الكِتابُ (p-١٦٦٩)امْتَثَلَ والِي بَيْتِ المَقْدِسِ ذَلِكَ، وذَهَبَ هو وطائِفَةٌ مِنَ اليَهُودِ إلى المَنزِلِ الَّذِي فِيهِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وهو في جَماعَةٍ مِن أصْحابِهِ اثْنَيْ عَشَرَ أوْ ثَلاثَةَ عَشَرَ، وقَيْلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا.
وكانَ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَحَصَرُوهُ هُنالِكَ، فَلَمّا أحَسَّ بِهِمْ، وأنَّهُ لا مَحالَةَ مِن دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ، أوْ خُرُوجِهِ إلَيْهِمْ - قالَ لِأصْحابِهِ: أيُّكم يُلْقى عَلَيْهِ شَبَهِي وهو رَفِيقِي في الجَنَّةِ؟ فانْتُدِبَ لِذَلِكَ شابٌّ مِنهُمْ، فَكَأنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأعادَها ثانِيَةً وثالِثَةً، وكُلُّ ذَلِكَ لا يُنْتَدَبُ إلّا ذَلِكَ الشّابُّ، فَقالَ: أنْتَ هُوَ، وألْقى اللَّهَ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسى حَتّى كَأنَّهُ هُوَ، وفُتِحَتْ رَوْزَنَةٌ مِن سَقْفِ البَيْتِ، وأخَذَتْ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - سِنَةٌ مِنَ النَّوْمِ فَرُفِعَ إلى السَّماءِ، وهو كَذَلِكَ كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] الآيَةَ.
فَلَمّا رُفِعَ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ، فَلَمّا رَأى أُولَئِكَ النَّفَرُ ذَلِكَ الشّابَّ ظَنُّوا أنَّهُ عِيسى فَأخَذُوهُ في اللَّيْلِ وصَلَبُوهُ ووَضَعُوا الشَّوْكَ عَلى رَأْسِهِ، وأظْهَرَ اليَهُودُ أنَّهم سَعَوْا في صَلْبِهِ وتَبَجَّحُوا بِذَلِكَ، وسَلَّمَ لَهم طَوائِفُ مِنَ النَّصارى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وقِلَّةِ عَقْلِهِمْ، ما عَدا مَن كانَ في البَيْتِ مَعَ المَسِيحِ فَإنَّهم شاهَدُوا رَفْعَهُ.
وأمّا الباقُونَ فَإنَّهم ظَنُّوا كَما ظَنَّ اليَهُودُ أنَّ المَصْلُوبَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، حَتّى ذَكَرُوا أنَّ مَرْيَمَ جَلَسَتْ تَحْتَ ذَلِكَ المَصْلُوبِ وبَكَتْ، ويُقالُ: إنَّهُ خاطَبَها، واللَّهُ أعْلَمُ.
وهَذا كُلُّهُ مِنِ امْتِحانِ اللَّهِ عِبادَهُ لِما لَهُ في ذَلِكَ مِنَ الحِكْمَةِ البالِغَةِ، وقَدْ أوْضَحَ اللَّهُ الأمْرَ وجَلّاهُ وبَيَّنَهُ وأظْهَرَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ الَّذِي أنْزَلَهُ عَلى رَسُولِهِ الكَرِيمِ، المُؤَيَّدِ بِالمُعْجِزاتِ والبَيِّناتِ، والدَّلائِلِ الواضِحاتِ، فَقالَ تَعالى وهو أصْدَقُ القائِلِينَ، ورَبُّ العالَمِينَ المُطَّلِعُ عَلى السَّرائِرِ والضَّمائِرِ، الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّماواتِ والأرْضِ، العالِمُ بِما كانَ وما يَكُونُ، وما لَمْ يَكُنْ لَوْ كانَ كَيْفَ يَكُونُ: ﴿وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧] أيْ: رَأوْا شَبَهَهُ فَظَنُّوا أنَّهُ إيّاهُ ولِهَذا قالَ: ﴿وإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفي شَكٍّ مِنهُ ما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إلا اتِّباعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] (p-١٦٧٠)يَعْنِي بِذَلِكَ مَنِ ادَّعى أنَّهُ قَتَلَهُ مِنَ اليَهُودِ ومَن سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ مِن جُهّالِ النَّصارى، كُلُّهم في شَكٍّ مِن ذَلِكَ وحَيْرَةٍ وضَلالٍ وسُعُرٍ ولِهَذا قالَ: ﴿وما قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] أيْ: وما قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أنَّهُ هو بَلْ شاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا﴾ أيْ: مَنِيعَ الجَنابِ لا يُرامُ جَنابُهُ، ولا يُضامُ مَن لاذَ بِبابِهِ ﴿حَكِيمًا﴾ أيْ: في جَمِيعِ ما يُقَدِّرُهُ ويَقْضِيهِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَخْلُقُها، ولَهُ الحِكْمَةُ البالِغَةُ، والحُجَّةُ الدّامِغَةُ، والسُّلْطانُ العَظِيمُ، والأمْرُ القَدِيمُ.
قالَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ سِنانٍ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنِ المِنهالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا أرادَ اللَّهُ أنْ يَرْفَعَ عِيسى إلى السَّماءِ خَرَجَ عَلى أصْحابِهِ، وفي البَيْتِ اثْنا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الحَوارِيِّينَ، يَعْنِي فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِن عَيْنٍ في البَيْتِ ورَأْسُهُ يَقْطُرُ ماءً، فَقالَ: إنَّ مِنكم مَن يَكْفُرُ بِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أنْ آمَنَ بِي، قالَ: ثُمَّ قالَ: أيُّكم يُلْقى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكانِي ويَكُونُ مَعِيَ في دَرَجَتِي؟ فَقامَ شابٌّ مِن أحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقالَ لَهُ: اجْلِسْ. ثُمَّ أعادَ عَلَيْهِمْ فَقامَ ذَلِكَ الشّابُّ، فَقالَ: اجْلِسْ. ثُمَّ أعادَ عَلَيْهِمْ فَقامَ الشّابُّ فَقالَ: أنا، فَقالَ: هو أنْتَ ذاكَ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسى، ورُفِعَ عِيسى مِن رَوْزَنَةٍ في البَيْتِ إلى السَّماءِ.
قالَ: وجاءَ الطَّلَبُ مِنَ اليَهُودِ فَأخَذُوا الشَّبَهَ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ صَلَبُوهُ، فَكَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أنْ آمَنَ بِهِ، وافْتَرَقُوا ثَلاثَ فِرَقٍ:
فَقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ اللَّهُ فِينا ما شاءَ، ثُمَّ صَعِدَ إلى السَّماءِ وهَؤُلاءِ اليَعْقُوبِيَّةُ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ فِينا ابْنُ اللَّهِ ما شاءَ ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، وهَؤُلاءِ النَّسْطُورِيَّةُ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَ فِينا عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، وهَؤُلاءِ المُسْلِمُونَ. فَتَظاهَرَتِ الكافِرَتانِ عَلى المُسْلِمَةِ فَقَتَلُوها، فَلَمْ يَزَلِ الإسْلامُ طامِسًا حَتّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ».
وهَذا إسْنادٌ صَحِيحٌ إلى ابْنِ عَبّاسٍ، ورَواهُ النَّسائِيُّ، عَنْ أبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أبِي مُعاوِيَةَ، نَحْوَهُ.
وكَذا ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أنَّهُ قالَ لَهُمْ: أيُّكم يُلْقى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلُ مَكانِي وهو رَفِيقِي في الجَنَّةِ؟
(p-١٦٧١)وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ القُمِّيُّ، عَنْ هارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: أتى عِيسى ومَعَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الحَوارِيِّينَ في بَيْتٍ، فَأحاطُوا بِهِمْ، فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ صَوَّرَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - كُلَّهم عَلى صُورَةِ عِيسى، فَقالُوا لَهُمْ: سَحَرْتُمُونا، لَتَبْرُزُنَّ لَنا عِيسى أوْ لَنَقْتُلَنَّكم جَمِيعًا، فَقالَ عِيسى لِأصْحابِهِ: مَن يَشْرِي نَفْسَهُ مِنكُمُ اليَوْمَ بِالجَنَّةِ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِنهُمْ: أنا، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، وقالَ: أنا عِيسى، وقَدْ صَوَّرَهُ اللَّهُ عَلى صُورَةِ عِيسى، فَأخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وصَلَبُوهُ، فَمِن ثَمَّ شُبِّهَ لَهم فَظَنُّوا أنَّهم قَدْ قَتَلُوا عِيسى، وظَنَّتِ النَّصارى مِثْلَ ذَلِكَ أنَّهُ عِيسى، ورَفَعَ اللَّهُ عِيسى مِن يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا سِياقٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
ثَمَّ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وقَدْ رُوِيَ عَنْ وهْبٍ نَحْوُ هَذا القَوْلِ، وهو ما حَدَّثَنِي المُثَنّى، حَدَّثَنا إسْحاقُ، حَدَّثَنا إسْماعِيلُ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ أنَّهُ سَمِعَ وهْبًا يَقُولُ: إنَّ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ لَمّا أعْلَمَهُ اللَّهُ أنَّهُ خارِجٌ مِنَ الدُّنْيا جَزِعَ مِنَ المَوْتِ، وشَقَّ عَلَيْهِ، فَدَعا الحَوارِيِّينَ فَصَنَعَ لَهم طَعامًا فَقالَ: احْضُرُونِي اللَّيْلَةَ فَإنَّ لِي إلَيْكم حاجَةً، فَلَمّا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ عَشّاهم وقامَ يَخْدُمُهُمْ، فَلَمّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعامِ أخَذَ يَغْسِلُ أيْدِيَهُمْ، ويُوَضِّئُهم بِيَدِهِ، ويَمْسَحُ أيْدِيَهم بِثِيابِهِ فَتَعاظَمُوا ذَلِكَ وتَكارَهُوهُ.
فَقالَ: ألا مَن رَدَّ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ شَيْئًا مِمّا أصْنَعُ فَلَيْسَ مِنِّي، ولا أنا مِنهُ، فَأقَرُّوهُ حَتّى إذا فَرَغَ مِن ذَلِكَ قالَ: أمّا ما صَنَعْتُ بِكُمُ اللَّيْلَةَ مِمّا خَدَمْتُكم عَلى الطَّعامِ وغَسَلْتُ أيْدِيَكم بِيَدِي، فَلْيَكُنْ لَكم بِي أُسْوَةٌ، فَإنَّكم تَرَوْنَ أنِّي خَيْرُكم فَلا يَتَعاظَمُ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ، ولْيَبْذُلْ بَعْضُكم لِبَعْضٍ نَفْسَهُ كَما بَذَلْتُ نَفْسِي لَكُمْ، وأمّا حاجَتِي اللَّيْلَةَ الَّتِي اسْتَعَنْتُكم عَلَيْها فَتَدْعُونَ اللَّهَ لِي، وتَجْتَهِدُونَ في الدُّعاءِ أنْ يُؤَخِّرَ أجَلِي، فَلَمّا نَصَبُوا أنْفُسَهم لِلدُّعاءِ، وأرادُوا أنْ يَجْتَهِدُوا، أخَذَهُمُ النَّوْمُ حَتّى لَمْ يَسْتَطِيعُوا دُعاءً، فَجَعَلَ يُوقِظُهم ويَقُولُ: سُبْحانَ اللَّهِ! أما تَصْبِرُونَ لِي لَيْلَةً واحِدَةً تُعِينُونِي فِيها؟! فَقالُوا: واللَّهِ ما نَدْرِي ما لَنا، لَقَدْ كُنّا نَسْمُرُ فَنُكْثِرُ السَّمَرَ، (p-١٦٧٢)وما نُطِيقُ اللَّيْلَةَ سَمَرًا، وما نُرِيدُ دُعاءً إلّا حِيلَ بَيْنَنا وبَيْنَهُ، فَقالَ: يُذْهَبُ بِالرّاعِي وتَتَفَرَّقُ الغَنَمُ، وجَعَلَ يَأْتِي بِكَلامٍ نَحْوِ هَذا يَنْعى نَفْسَهُ.
ثُمَّ قالَ: الحَقَّ، لَيَكْفُرَنَّ بِي أحَدُكم قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، ولَيَبِيعَنِّي أحَدُكم بِدَراهِمَ يَسِيرَةٍ ولَيَأْكُلَنَّ ثَمَنِي، فَخَرَجُوا فَتَفَرَّقُوا، وكانَتِ اليَهُودُ تَطْلُبُهُ، وأخَذُوا شَمْعُونَ أحَدَ الحَوارِيِّينَ وقالُوا: هَذا مِن أصْحابِهِ فَجَحَدَ وقالَ: ما أنا بِصاحِبِهِ، فَتَرَكُوهُ، ثُمَّ أخَذَهُ آخَرُونَ فَجَحَدَ كَذَلِكَ، ثُمَّ سَمِعَ صَوْتَ دِيكٍ فَبَكى وأحْزَنَهُ.
فَلَمّا أصْبَحَ أتى أحَدُ الحَوارِيِّينَ إلى اليَهُودِ، فَقالَ: ما تَجْعَلُونَ لِي إنْ دَلَلْتُكم عَلى المَسِيحِ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا، فَأخَذَها ودَلَّهم عَلَيْهِ، وكانَ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأخَذُوهُ فاسْتَوْثَقُوا مِنهُ، ورَبَطُوهُ بِالحَبْلِ، وجَعَلُوا يَقُودُونَهُ ويَقُولُونَ لَهُ: أنْتَ كُنْتَ تُحْيِي المَوْتى وتَنْتَهِرُ الشَّيْطانَ، وتُبْرِئُ المَجْنُونَ، أفَلا تُنْجِي نَفْسَكَ مِن هَذا الحَبْلِ؟ ويَبْصُقُونَ عَلَيْهِ ويُلْقُونَ عَلَيْهِ الشَّوْكَ، حَتّى أتَوْا بِهِ الخَشَبَةَ الَّتِي أرادُوا أنْ يَصْلُبُوهُ عَلَيْها، فَرَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وصَلَبُوا ما شُبِّهَ لَهم فَمَكَثَ سَبْعًا.
ثُمَّ إنَّ أُمَّهُ والمَرْأةَ الَّتِي كانَ يُداوِيها عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَأبْرَأها اللَّهُ مِنَ الجُنُونِ - جاءَتا تَبْكِيانِ حَيْثُ المَصْلُوبُ، فَجاءَهُما عِيسى فَقالَ: عَلامَ تَبْكِيانِ؟ فَقالَتا عَلَيْكَ، فَقالَ: إنِّي قَدْ رَفَعَنِي اللَّهُ إلَيْهِ، ولَمْ يُصِبْنِي إلّا خَيْرًا، وإنَّ هَذا شَيْءٌ شُبِّهَ لَهُمْ، فَأْمُرا الحَوارِيِّينَ أنْ يَلْقَوْنِي إلى مَكانِ كَذا وكَذا، فَلَقَوْهُ إلى ذَلِكَ المَكانِ أحَدَ عَشَرَ، وفَقَدَ الَّذِي كانَ باعَهُ ودَلَّ عَلَيْهِ اليَهُودَ، فَسَألَ عَنْهُ أصْحابَهُ فَقالَوا: إنَّهُ نَدِمَ عَلى ما صَنَعَ، فاخْتَنَقَ وقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقالَ: لَوْ تابَ لَتابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ سَألَهم عَنْ غُلامٍ يَتَّبِعُهم يُقالُ لَهُ يُحَنّى، فَقالَ: هو مَعَكم فانْطَلِقُوا فَإنَّهُ َيُصْبِحُ كُلُّ إنْسانٍ يُحَدِّثُ بِلُغَةِ قَوْمٍ، فَلْيُنْذِرْهم ولْيَدْعُهم.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: سِياقٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجاهِدٍ: صَلَبُوا رَجُلًا شُبِّهَ بِعِيسى، ورَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عِيسى إلى السَّماءِ حَيًّا.
* * *
(p-١٦٧٣)فَصْلٌ
فِي رَدِّ زَعْمِ النَّصارى أنَّ إلْقاءَ الشَّبَهِ يُفْضِي إلى السَّفْسَطَةِ
قالَ خَيْرُ الدِّينِ في "الجَوابِ الفَسِيحِ" قالَ النَّصارى: القَوْلُ بِإلْقاءِ الشَّبَهِ عَلى عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَوْلٌ يُفْضِي إلى السَّفْسَطَةِ، والدُّخُولِ في الجَهالاتِ، وما لا يَلِيقُ بِالعُقَلاءِ؛ لِأنّا إذا جَوَّزْنا ذَلِكَ فَيَنْبَغِي إذا رَأى الإنْسانُ ولَدَهُ أوْ زَوْجَتَهُ لَمْ يَثِقْ بِأنَّهُ ولَدُهُ أوْ زَوْجَتُهُ، وكَذَلِكَ سائِرُ المَعارِفِ، لا يَثِقُ الإنْسانُ بِأحَدٍ مِنهم ولا يَسْكُنُ إلَيْهِ، ونَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّ الإنْسانَ يَقْطَعُ بِأنَّ ولَدَهُ هو ولَدُهُ، وأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن مَعارِفِهِ هُوَ، مِن غَيْرِ شَكٍّ ولا رِيبَةٍ، بَلِ القَوْلُ بِالشَّبَهِ يَمْنَعُ مِنَ الوُثُوقِ بِمَدِينَةِ الإنْسانِ ووَطَنِهِ إذا دَخَلَهُ، ولَعَلَّهُ مَكانٌ آخَرُ أُلْقِيَ عَلَيْهِ الشَّبَهُ، بَلْ إذا غَمَّضَ الإنْسانُ عَيْنَيْهِ عَنْ صَدِيقِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَحْظَةً، ثُمَّ فَتَحَها، يَنْبَغِي أنْ لا يَقْطَعَ بِأنَّهُ صَدِيقُهُ؛ لِجَوازِ إلْقاءِ الشَّبَهِ عَلى غَيْرِهِ، وكُلُّ ذَلِكَ خِلافُ الضَّرُورَةِ، فالقَوْلُ بِإلْقاءِ الشَّبَهِ عَلى غَيْرِ عِيسى خِلافُ الضَّرُورَةِ، كالقَوْلِ بِأنَّ الواحِدَ نِصْفُ العَشَرَةِ مَثَلًا، فَلا يُسْمَعُ.
والجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّ هَذا تَهْوِيلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ، بَلِ البَراهِينُ القاطِعَةُ، والأدِلَّةُ السّاطِعَةُ قائِمَةٌ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ الإنْسانَ وجُمْلَةَ أجْزاءِ العالَمِ، وإنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، فَما مِن شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى في العالَمِ إلّا هو قادِرٌ عَلى خَلْقِ مِثْلِهِ؛ لِتَعَذُّرِ خَلْقِهِ في نَفْسِهِ، فَيَلْزَمُ أنْ يَكُونَ خَلْقُ الإنْسانِ مُسْتَحِيلًا، بَلْ جُمْلَةُ العالَمِ، وهو مُحالٌ بِالضَّرُورَةِ.
وإذا ثَبَتَ أنَّ اللَّهَ تَعالى قادِرٌ عَلى خَلْقِ مِثْلٍ لِكُلِّ شَيْءٍ في العالَمِ، فَجَمِيعُ صِفاتِ جَسَدِ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَها أمْثالٌ في حَيِّزِ الإمْكانِ في العَدَمِ، يُمْكِنُ خَلْقُها في مَحَلٍّ آخَرَ غَيْرِ جَسَدِ المَسِيحِ، فَيَحْصُلُ الشَّبَهُ قَطْعًا، فالقَوْلُ بِالشَّبَهِ قَوْلٌ بِأمْرٍ مُمْكِنٍ، لا بِما هو خِلافُ الضَّرُورَةِ، ويُؤْنِسُ ذَلِكَ أنَّ التَّوْراةَ مُصَرِّحَةٌ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ جَمِيعَ ما لِلْحَيَّةِ في عَصا مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وهو أعْظَمُ مِنَ الشُّبَهِ، فَإنَّ جَعْلَ حَيَوانٍ يُشْبِهُ حَيَوانًا، وإنْسانٍ يُشْبِهُ إنْسانًا - أقْرَبُ مِن (p-١٦٧٤)جَعْلِ نَباتٍ يُشْبِهُ حَيَوانًا، وقَلْبُ العَصا مِمّا أجْمَعَ عَلَيْهِ اليَهُودُ والنَّصارى، كَما أجْمَعُوا عَلى قَلْبِ النّارِ بَرْدًا وسَلامًا، وعَلى قَلْبِ لَوْنِ يَدِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وعَلى انْقِلابِ الماءِ خَمْرًا وزَيْتًا لِلْأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - وإذا جَوَّزُوا مِثْلَ هَذا فَيَجُوزُ إلْقاءُ الشَّبَهِ مِن غَيْرِ اسْتِحالَةٍ.
عَلى أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَدْ خُولِفَتْ عادَةُ اللَّهِ تَعالى الأغْلَبِيَّةَ في خَلْقِهِ مِن ماءٍ واحِدٍ، ونَفْخِ جِبْرِيلَ في جَيْبِ مَرْيَمَ، فَجَعْلُ شَبَهِهِ عَلى غَيْرِهِ لَيْسَ بِأبْعَدَ مِنَ العادَةِ مِن خَلْقِهِ، عَلى أنَّ إحْياءَهُ لِلْمَوْتى، وإبْراءَهُ لِلْأبْرَصِ والأكْمَهِ أعْظَمُ مِن إلْقاءِ شَبَهِهِ عَلى غَيْرِهِ، عَلى أنَّ عُرُوجَهُ إلى السَّماءِ بِناسُوتِهِ وخَرْقَ السَّماءِ والتِئامَها لَيْسَ بِأهْوَنَ مِن ذَلِكَ، عَلى أنَّ رَدَّ الشَّمْسِ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، ومَشْيَ عِيسى وحَوارِيِّهِ عَلى الماءِ، وسائِرَ مُعْجِزاتِ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ - لَيْسَ بِأهْوَنَ مِمّا هُنالِكَ، وإذا صَحَّ عِنْدَ النَّصارى انْقِلابُ الخُبْزِ إلى جَسَدِ المَسِيحِ، والخَمْرِ إلى دَمِهِ في العَشاءِ السِّرِّيِّ - لِمَ لا يُمْكِنُ أنْ يُوقِعَ شَبَهَهُ عَلى أحَدِهِمْ؟! كَما لا يَخْفى.
وثانِيها: أنَّ الإنْجِيلَ ناطِقٌ بِأنَّ المَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - نَشَأ بَيْنَ ظَهَرانَيِ اليَهُودِ، وحَضَرَ مِرارًا عَدِيدَةً في مَواسِمِهِمْ وأعْيادِهِمْ وهَياكِلِهِمْ، يَعِظُهم ويُعَلِّمُهم ويُناظِرُهُمْ، ويَتَعَجَّبُونَ مِن بَراعَتِهِ وكَثْرَةِ تَحْصِيلِهِ، حَتّى إنَّهم (كَما في الإنْجِيلِ) يَقُولُونَ: ألَيْسَ هَذا ابْنَ يُوسُفَ؟ ألَيْسَتْ أُمُّهُ مَرْيَمَ ؟ ألَيْسَ إخْوَتُهُ عِنْدَنا؟ فَمِن أيْنَ لَهُ هَذِهِ الحِكْمَةُ؟ وإذًا، كانَ في غايَةِ الشُّهْرَةِ والمَعْرِفَةِ عِنْدَهم.
وقَدْ نَصَّ الإنْجِيلُ عَلى أنَّهم عِنْدَ إرادَةِ الصَّلْبِ لَمْ يُحَقِّقُوهُ، حَتّى دَفَعُوا لِتِلْمِيذِهِ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا لِيَدُلَّهم عَلَيْهِ، فَما حاجَتُهم حِينَئِذٍ أنْ يَكْتَرُوا رَجُلًا مِن تَلامِيذِهِ لِيُعَرِّفَهم شَخْصَهُ؟ لَوْلا وُقُوعُ الشَّبَهِ الَّذِي نَقُولُ بِهِ.
وثالِثُها: أنَّهُ - كَما تَقَدَّمَ في الأناجِيلِ - أُخِذَ في حِنْدِسٍ مِنَ اللَّيْلِ المُظْلِمِ في حالَةٍ شُوِّهَتْ صُورَتُهُ، وغُيِّرَتْ مَحاسِنُهُ وهَيْئَتُهُ بِالضَّرْبِ والسَّحْبِ وأنْواعِ النَّكالِ المُوجِبَةِ لِتَغَيُّرِ الحالِ، ومِثْلُ ذَلِكَ يُوجِبُ اللَّبْسَ بَيْنَ الشَّيْءِ وخِلافِهِ، فَكَيْفَ بَيْنَ الشَّيْءِ وشَبَهِهِ؟! حَتّى إنَّ رَئِيسَ الكَهَنَةِ عِنْدَ إحْضارِهِ أقْسَمَ عَلَيْهِ هَلْ هو يَسُوعُ المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، ولَوْ كانَ هو لَأجابَهُ، فَمِن أيْنَ لِلنَّصارى واليَهُودِ القَطْعُ بِأنَّ المَصْلُوبَ هو عَيْنُ عِيسى (p-١٦٧٥)عَلَيْهِ السَّلامُ دُونَ شَبَهِهِ؟ بَلْ إنَّما يَحْصُلُ الظَّنُّ والتَّخْمِينُ كَما قالَ تَعالى في كِتابِهِ المُبِينِ: ﴿وما قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء: ١٥٧] ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ﴾
رابِعُها: قَدْ تَقَدَّمَ في الأناجِيلِ أنَّهُ لَمّا جاءَ اليَهُودُ إلى مَحَلِّهِ خَرَجَ إلَيْهِمْ وقالَ: مَن تُرِيدُونَ؟ قالُوا: يَسُوعُ، وقَدْ خَفِيَ شَخْصُهُ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وهم يُنْكِرُونَ صُورَتَهُ، وهَذا دَلِيلُ الشَّبَهِ، ورَفْعِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ولا سِيَّما وقَدْ نَقَلَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ العُلَماءِ عَنْ بَعْضِ النَّصارى القَوْلَ بِأنَّ المَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ قَدْ أُعْطِيَ قُوَّةَ التَّحَوُّلِ مِن صُورَةٍ إلى صُورَةٍ.
خامِسُها: قَوْلُ مَتّى في (الفَصْلِ الخامِسِ والعِشْرِينَ) مِن (إنْجِيلِهِ) ما لَفْظُهُ: حِينَئِذٍ قالَ لَهم يَسُوعُ: كُلُّكم تَشُكُّونَ فِيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؛ لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ أنِّي أضْرِبُ الرّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرافُ الرَّعِيَّةِ، ولَكِنْ بَعْدَ قِيامِي أسْبِقُكم إلى الجَلِيلِ، فَأجابَ بُطْرُسُ وقالَ لَهُ: وإنْ شَكَّ فِيكَ الجَمِيعُ فَأنا لا أشُكُّ أبَدًا، قالَ لَهُ يَسُوعُ: الحَقُّ أقُولُ لَكَ، إنَّكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ قَبْلَ أنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرّاتٍ. انْتَهى.
فَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِالشَّكِّ، بَلْ خَيْرُهم بُطْرُسُ الَّذِي هو خَلِيفَةٌ عَلَيْهِمْ شَكَّ، فَقَدِ انْخَرَمَتِ الثِّقَةُ بِأقْوالِهِمْ، وصَحَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفي شَكٍّ مِنهُ ما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إلا اتِّباعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧]
سادِسُها: إنَّ في (الفَصْلِ السّابِعِ والعِشْرِينَ) مِن (إنْجِيلِ مَتّى) ما لَفْظُهُ: حِينَئِذٍ لَمّا رَأى يَهُوذا الَّذِي أسْلَمَهُ أنَّهُ قَدْ دِينَ نَدِمَ ورَدَّ الثَّلاثِينَ مِنَ الفِضَّةِ إلى رُؤَساءِ الكَهَنَةِ والشُّيُوخِ قائِلًا: قَدْ أخْطَأْتُ إذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا، فَقالُوا: ما عِلْمُنا، أنْتَ أبْصَرُ، فَطَرَحَ الفِضَّةَ في الهَيْكَلِ وانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضى وخَنَقَ نَفْسَهُ. انْتَهى.
فَهَذِهِ الأناجِيلُ لَيْسَتْ قاطِعَةً في صَلْبِهِ، بَلْ فِيها اخْتِلافاتٌ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَهُوذا كَذِبَ عَلَيْهِمْ في قَوْلِهِ: (هُوَ هَذا) ويَدُلُّ عَلى وُقُوعِ ذَلِكَ ويُقَرِّبُهُ ظُهُورُ نَدَمِهِ بَعْدَ هَذا، ولا سِيَّما (p-١٦٧٦)وهُوَ مِن جُمْلَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمُ المَسِيحُ بِالسَّعادَةِ الأبَدِيَّةِ، والسَّعِيدُ لا يَتِمُّ مِنهُ مِثْلُ هَذا الفَسادِ العَظِيمِ، فَيَلْزَمُ إمّا أنَّ يَهُوذا ما دَلَّ عَلَيْهِ، أوْ كَوْنَ المَسِيحِ ما شَهِدَ لَهم بِالسَّعادَةِ الدّائِمَةِ، أوْ أنَّ أناجِيلَهم مُحَرَّفَةٌ مُبَدَّلَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنَّ أحَدَ أتْباعِ المَسِيحِ باعَ نَفْسَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ وِقايَةً لِلْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وادَّعى أنَّهُ هُوَ، ومِثْلُ هَذا كَثِيرٌ في أتْباعِ الأنْبِياءِ، حَيْثُ يُرِيدُونَ أنْ يَفْدُوا أنْفُسَهم بَدَلَ أنْبِيائِهِ، ويُحْتَمَلُ أنَّ الأعْوانَ أخَذُوا عَلَيْهِ رِشْوَةً وأطْلَقُوهُ، وأخَذُوا بَدَلَهُ، كَما أنَّ يَهُوذا - مَعَ أنَّهُ صَدِيقُهُ ورَسُولُهُ - أخَذَ رِشْوَةً ودَلَّهم عَلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنَّ اللَّهَ تَعالى أرْسَلَ شَيْطانًا عَلى صُورَتِهِ وصَلَبُوهُ، ويُحْتَمَلُ أنَّ المَلَكَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ لِيُقَوِّيَهُ - كَما تَقَدَّمَ في إنْجِيلِ لُوقا بِزَعْمِهِمْ - صارَ فِداءً لَهُ، ويُحْتَمَلُ أنَّ هَذا الَّذِي نَزَلَ إنَّما نَزَلَ لِرَفْعِهِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ نازِلًا لِتَقْوِيَتِهِ لَقَوّاهُ، فَلَمّا لَمْ نَرَ أنَّهُ قَوّاهُ فَيَقْتَضِي أنَّهُ رَفَعَهُ إلى السَّماءِ، أوْ فَدى نَفْسَهُ لَهُ.
وقالَ بَعْضُ الأفاضِلِ: ومِنَ الأدِلَّةِ عَلى رَفْعِهِ وصَلْبِ شَبَهِهِ ما في الفَصْلِ التّاسِعِ مِن "إنْجِيلِ لُوقا" ما لَفْظُهُ: إنَّ المَسِيحَ صَعِدَ إلى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ، وأخَذَ بُطْرُسَ ويُوحَنّا ويَعْقُوبَ مَعَهُ، وفِيما هو يُصَلِّي صارَتْ هَيْئَتُهُ ووَجْهُهُ مُتَغَيِّرَةً، ولِباسُهُ مُضِيئًا لامِعًا.... إلَخْ.
فَهَذا فِيهِ دَلالَةٌ عَلى رَفْعِهِ وحُصُولِ الشَّبَهِ الَّذِي نَقُولُ بِهِ، إذْ لا مَعْنى لِظُهُورِ مُوسى وإيلِياءَ، ووُقُوعِ النَّوْمِ عَلى أصْحابِهِ، وتَغَيُّرِ وجْهِهِ وإضاءَةِ لِباسِهِ إلّا رَفْعُهُ ....
ورُؤْيَتُهم لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّما هو مِن تَطَوُّرِ رُوحِهِ؛ لِأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ لَهُ قُوَّةُ التَّطَوُّرِ، وهَذا مِن أحْكامِ الرُّوحِ والنَّفْسِ.
ولَئِنْ قُلْنا: إنَّهُ لا يَدُلُّ عَلى الرَّفْعِ بِالوَجْهِ التّامِّ، غَيْرَ أنّا نَتَنَزَّلُ ونَقُولُ: ما دامَ في هَذِهِ المَرَّةِ تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ ووَجْهُهُ ولِباسُهُ، واجْتَمَعَ بِالأنْبِياءِ وسَمِعَ مِنَ الغَمامَةِ هَذا الصَّوْتَ، فَلا أقَلَّ مِن أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً لِرَفْعِهِ ومِقْياسًا ومَبْدَأً لِتَقْوِيَتِهِ وإيناسًا، واليَهُودُ لَمْ يَتَحَقَّقُوا مِن أنْفُسِهِمْ أنَّهُ هو المَسِيحُ، بَلِ اعْتَمَدُوا عَلى قَوْلِ يَهُوذا كَما تَقَدَّمَ لَكَ، ويَهُوذا قَوْلُهُ قَوْلٌ فَرْدٌ، وغَيْرُ صالِحٍ لِلِاحْتِجاجِ؛ لِلِاحْتِمالاتِ والأدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْناها لَكَ، فَلَمْ يَبْقَ في قَوْلِ الفِرْقَتَيْنِ حُجَّةٌ (p-١٦٧٧)أنَّ المَصْلُوبَ هو المَسِيحُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لا شَبَهُهُ، وأناجِيلُهم حالُها مَعْلُومٌ لَدَيْكَ، وبَيانُ اشْتِباهِهِمُ المَحْكِيِّ لَكَ في القُرْآنِ لا يَخْفى عَلَيْكَ. انْتَهى.
وهُنا سُؤالٌ يُورِدُهُ بَعْضُ النَّصارى وهُوَ: أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - إذا كانَ لَمْ يُصْلَبْ حَقِيقَةً، وإنَّما صُلِبَ رَجُلٌ أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، ورُفِعَ هو إلى السَّماءِ، فَلِمَ لَمْ يُخْبِرِ الحَوارِيِّينَ بِذَلِكَ قَبْلَ رَفْعِهِ أوْ بَعْدَهُ؟
والجَوابُ: أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأنَّ أُناسًا سَيَفْتَرُونَ عَلَيْهِ ويَقُولُونَ بِأُلُوهِيَّتِهِ، فَأُبْهِمَ الأمْرُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أدُلَّ عَلى كَوْنِهِ عَبْدًا مِن عَبِيدِ اللَّهِ، لا يَقْدِرُ عَلى جَلْبِ نَفْعٍ ولا دَفْعِ ضُرٍّ، بِخِلافٍ ما لَوْ أخْبَرَ بِأنَّهُ لا يُصْلَبْ، أوْ لَمْ يُصْلَبْ، وأنَّ المَصْلُوبَ شَبَهُهُ، فَإنَّهُ رُبَّما كانَ ذَلِكَ مُقَوِّيًا لِشُبْهَةِ أُولَئِكَ الجَماعَةِ، ولِعَدَمِ كَوْنِ هَذِهِ المَسْألَةِ مِنَ المَسائِلِ الِاعْتِقادِيَّةِ في الأصْلِ، إذْ لَوِ اعْتَقَدَ أحَدٌ قَبْلَ إرْسالِ نَبِيِّنا - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِصَلْبِ عِيسى لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَمّا ورَدَ نَبِيُّنا الَّذِي لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى أبانَ خَطَأ النَّصارى في الوَجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: اعْتِقادُ أنَّ عِيسى إلَهٌ.
والآخَرُ: اعْتِقادُ أنَّهُ قَدْ قُتِلَ وصُلِبَ.
وأبانَ أنَّهُ عَبْدٌ مِن عَبِيدِ اللَّهِ تَعالى، تَوَلّاهُ بِالرِّسالَةِ، واصْطَفاهُ، وحَفِظَهُ مِن أيْدِي أعْدائِهِ وحَماهُ، كَذا في "مُنْيَةِ الأذْكِياءِ في قَصَصِ الأنْبِياءِ".
[[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
{"ayah":"بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق