الباحث القرآني

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ [القمر: ٥٤] هذه مقابل قوله: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ [القمر٤٧، ٤٨]، ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ الجنات: جمع جنة، وقد ذكر الله تعالى أصنافها في سورة الرحمن أربعة: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن ٤٦] ثم قال: ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن ٦٢] فهي إذن أربعة؛ التي ذكرها الله في سورة الرحمن، إذن ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ يعني في هذه الجنات الأربع هذه أصناف، لكن أنواعها كثيرة. والجنات نفسرها بأنها شرعًا هي دور المتقين؛ فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمِعت، ولا خطَر على قلب بشر، فسِّر الجنات التي في الآخرة بهذا التفسير، هي التي أعد الله للمتقين؛ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. لكن عندما تقرأ قول الله تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [القلم ١٧]، كيف تفسر الجنة بأنها البستان الكثير الأشجار، عندما تقرأ: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ [الكهف ٣٣] تفسر بأنها بستان كثير الأشجار، لكن لا تفسر جنة النعيم في الآخرة بهذا التفسير، إنك إن فسرتها بهذا التفسير قَلَّت الرغبة فيها، وهبطت عظمتها في قلوب الناس، لكن قل: هي الدار التي أعدها الله لأوليائه، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، سكانها خير البشر، النبيون والصديقون، والشهداء، والصالحون، حتى تحفز النفوس على العمل لها، وحتى لا يتصور الجاهل أن ما فيها كأمثال ما في الدنيا. وقوله: ﴿وَنَهَرٍ﴾ يعني بذلك الأنهار، وذكر الله تعالى أصنافها أربعة في سورة القتال، ما هي؟ * طالب: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد ١٥]. * الشيخ: طيب هذه أربعة أصناف: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ أي: وصفها ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ﴾ هذا بيان للوصف، ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ يعني: لا يتغير أبدًا؛ لا بتكدر، ولا بطعم، ولا بلون، ولا بريح. ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ اللبن في الدنيا إذا تأخر تغير طعمه وفسد وانتقل إلى حموضةٍ لا يطاق. ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ وليس لذته كلذة خمر الدنيا، وليس فيه شيء من عيوب الدنيا ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ﴾ [الواقعة ١٩]. ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ -اللهم اجعلنا ممن يشربون منها- أنهارٌ من عسل مصفى ليس فيه شمع النحل، ولا أذاه، مصفى من كل كدر. هذا تفسيرٌ لقوله تعالى: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾، يأتيك هذا المكان ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ [القمر ٥٥] يعني: في مقعد ليس فيه كذب، لا في الخبر عنه، ولا في وصفه، كله حق، وعند من؟ ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر ٥٥] وهو الله جل وعلا -اللهم اجعلنا منهم- ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ يتنعمون بلذة النظر إلى الله عز وجل، وهو أنعم ما يكون لأهل الجنة، قال الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦] الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله. وقال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ يعني حسنة بهية ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة ٢٢، ٢٣] يكسوها الله تعالى نضرًا -أي: حسنا وجمالا وبهاءً- لتكون مستعدة للنظر إلى الله عز وجل، ثم ينظرون إلى الله فيزدادون حسنًا إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهليهم قال لهم أهلوهم: إنكم ازددتم بعدنا حسنًا بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، أن تجعلنا من هؤلاء بمنك وكرمك، إنك على كل شيءٍ قدير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب