الباحث القرآني
ولَمّا كانَتِ البَساتِينُ لا تُسْكَنُ في الدُّنْيا لِأنَّهُ لَيْسَ فِيها جَمِيعُ ما يَحْتاجُهُ الإنْسانُ، بَيَّنَ أنَّ حالَ تِلْكَ غَيْرُ حالِ هَذِهِ، فَقالَ مُبْدِلًا مِمّا قَبْلَهُ: ﴿فِي مَقْعَدِ﴾ أيْ تِلْكَ الجِنانُ مَحَلُّ إقامَتِهِمُ الَّتِي تُرادُ لِلْقُعُودِ ﴿صِدْقٍ﴾ أيْ: فِيما أرادَهُ الإنْسانُ صَدَقَ وُجُودُهُ الإرادَةَ ولا يَقْعُدُ فِيهِ إلّا أهْلُ الصِّدْقِ، ولا يَكُونُ فِيهِ إلّا صِدْقُهُ، لا لَغْوَ فِيهِ ولا تَأْثِيمَ، والتَّوْحِيدُ لِإرادَةِ الجِنْسِ مَعَ أنَّ الإبْدالَ يُفْهِمُ أنَّهُ لا مَوْضِعَ في تِلْكَ الجِنانِ إلّا وهو الصّالِحُ لِلتَّسْمِيَةِ بِهَذا الِاسْمِ ولِأنَّهم لِاتِّحادِ قُلُوبِهِمْ ورِضاهم (p-١٣٧)كَأنَّهم في مَقْعَدٍ واحِدٍ عَلى أنَّهُ قُرِئَ بِالجَمْعِ.
ولَمّا كانَ هَذا غَيْرَ مَعْهُودٍ، بَيَّنَ أنَّ سَبَبَهُ تَمْكِينُ اللَّهِ لَهم مِنهُ لِاخْتِصاصِهِ لَهم وتَقْرِيبِهِ إيّاهم لِإرْضائِهِ لَهُمْ، فَقالَ مُقَيِّدًا لِذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِالعِنْدِيَّةِ لِأنَّ عِنْدِيَّتَهُ سُبْحانَهُ تَعالى مُنَزَّهَةٌ عَنْ قُرْبِ الأجْسامِ والجِهاتِ: ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ﴾ أيْ مَلِكٍ تامِّ المِلْكِ ﴿مُقْتَدِرٍ﴾ أيْ شامِلِ القُدْرَةِ بالِغِها إلى حَدٍّ لا يُمْكِنُ إدْراكُهُ لِغَيْرِهِ سُبْحانَهُ كَما تَقَدَّمَ قَرِيبًا، فَهو يُوصِلُهم إلى كُلِّ خَيْرٍ ويَدْفَعُ عَنْهم كُلَّ ضَيْرٍ، وكَما أنَّ لَهم في الآخِرَةِ عِنْدِيَّةَ الإشْهادِ فَلَهم في الدُّنْيا عِنْدِيَّةُ الإمْدادِ، ولِهَذا الِاسْمِ الشَّرِيفِ سِرٌّ في الِانْتِصارِ عَلى الظّالِمِينَ، ولَقَدْ خُتِمَتِ السُّورَةُ كَما تَرى كَما ابْتُدِئَتْ بِهِ مِن أمْرِ السّاعَةِ، وكانَتِ البِدايَةُ لِلْبِدايَةِ والنِّهايَةُ لِلنِّهايَةِ، وزادَتِ النِّهايَةُ بَيانَ السَّبَبِ المُوجِدِ لَها، وهو قُدْرَتُهُ سُبْحانَهُ وعَزَّ شَأْنُهُ وعَظُمَتْ رَحْمَتُهُ وإحْسانُهُ، وعَفْوُهُ ومَغْفِرَتُهُ ورِضْوانُهُ، ولِتَصْنِيفِ النّاسِ فِيها إلى كافِرٍ مُسْتَحِقٍّ لِلِانْتِقامِ، ومُؤْمِنٍ مُؤَهَّلٍ لِغايَةِ الإكْرامِ، لَمْ يَذْكُرِ الِاسْمَ الأعْظَمَ الجامِعَ الَّذِي يَذْكُرُ في سِياقِ مُقْتَضى جَمْعِ الجَلالِ والإكْرامِ لِصِنْفٍ واحِدٍ وهو مَن يَقَعُ مِنهُ الإيمانُ و[لا] يَتَدَنَّسُ بِالعِصْيانِ، وهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا، ولِمُشارَكَتِها لِلسُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَها في هَذا العَرْضِ، وهو الكَلامُ في حَقِّ الصِّنْفَيْنِ فَقَطْ مِن غَيْرِ ذِكْرٍ عارِضٍ مِمَّنْ آمَنَ، أشْرَكَ الثَّلاثَةَ في الخُلُوِّ عَنْ ذِكْرِ الِاسْمِ الأعْظَمِ. فَلَمْ يَذْكُرْ في واحِدَةٍ مِنها وجاءَ فِيها مِنَ الصِّفاتِ ما يَقْتَضِي العَظَمَةَ عَلى أهْلِ الكُفْرانِ، وما يُنْبِئُ عَنِ الإكْرامِ والإحْسانِ لِأهْلِ الإيمانِ ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] ولِهَذا خُتِمَتْ هَذِهِ بِصِفَةِ المُلْكِ المُقْتَضِي لِلسَّطْوَةِ التّامَّةِ (p-١٣٨)والإكْرامِ البالِغِ وعَدَمِ المُبالاةِ بِأحَدٍ كائِنًا مَن كانَ، لِأنَّ المَلِكَ مِن حَيْثُ هو مَلِكٌ إمّا يَقْتَضِي مَقامُهُ إهانَةَ العَدُوِّ وإكْرامَ الوَلِيِّ، وجَعَلَ ذَلِكَ عَلى وجْهِ المُبالَغَةِ أيْضًا، كُلُّ ذَلِكَ لِلْإعْلامِ بِأنَّ تَصْرِيفَهُ سُبْحانَهُ لِأحْوالِ الآخِرَةِ كَما قُصِدَ في هَذِهِ السُّورَةِ مِن تَصْرِيفِهِ في أحْوالِ الدُّنْيا مِن إهْلاكِ الأعْداءِ وإنْجاءِ الأوْلِياءِ، وكَأنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كانَتْ هَكَذا لِأنَّها جاءَتْ عَقِبَ النَّجْمِ الَّتِي شَرَحَ فِيها الإسْراءَ وكانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِنَ العَظَمَةِ بِخَرْقِ العَوائِدِ بِاخْتِراقِ السَّماواتِ، والوُصُولِ إلى أنْهى الغايَةِ مِنَ المُناجاةِ، وغَيْرِها مِن سِرِّ المَلَكُوتِ ومَحَلِّ الجَبَرُوتِ، بَعْدَ أنْ لَوَّحَ بِمَقامِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالطُّورِ لِيُعْلَمَ الفَرْقُ ويُوصَفَ كُلٌّ بِما هو الحَقُّ، فَكانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِئَلّا يَكُونَ بَعْدَهُ مِنَ النّاسِ إلّا مُؤْمِنٌ خالِصٌ، فَإنْ كانَ غَيْرَهُ فَهو مُعانِدٌ شَدِيدُ الكُفْرِ، وكَأنَّها جُعِلَتْ ثَلاثًا لِإرادَةِ غايَةِ التَّأْكِيدِ لِهَذا المَعْنى الشَّدِيدِ، فَلَمّا انْقَضَتِ الثَّلاثَةُ كانَ مُتَبَرَّكًا بِهِ في مُعْظَمِ آياتِ الحَدِيدِ ثُمَّ تُوِّجَتْ كُلُّ آيَةٍ مِن آياتِ المُجادِلَةِ بِهِ إشارَةً إلى أنَّهُ قَدْ حَصَلَ غايَةُ التَّشَوُّفِ إلَيْهِ تَرْهِيبًا لِمَن يَعْصِي ولا سِيَّما مَن يُظاهِرُ، وتَرْغِيبًا في الطّاعَةِ لِلْمَلِكِ الغافِرِ، واللَّهُ المُوَفِّقُ لِما يُرِيدُ إنَّهُ قَوِيٌّ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ.
{"ayah":"فِی مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِیكࣲ مُّقۡتَدِرِۭ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق