الباحث القرآني
طالب: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (٢٢) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة ٢٠-٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾.
قال الله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ﴾ عن موسى عليه الصلاة والسلام.
﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾، والنداء هنا ﴿يَا قَوْمِ﴾ يتضمن شيئين: الشيء الأول أن فيه شيئًا من استبلاههم، وأنهم لن يتفطنوا، ولن يستمعوا إلى الخطاب إلا إذا ورد بالنداء وبلفظ القومية، والثاني أيضًا: أنه قال: ﴿يَا قَوْمِ﴾ استعطافًا لهم؛ لأنه فرق بين أن يكون المخاطب من قومك أو من غير قومك.
﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ كلمة ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ﴾ لم يقل: قاتلوا حتى تدخلوا، قال: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ﴾.
ثم قوله: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أيضًا فيها بشارة بأنهم سوف يَغلبون، ففي هاتين الجملتين بشارتان:
الأولى: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ﴾.
والثانية: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، والكتابة هنا هي الكتابة القدرية؛ لأن الكتابة تتنوع إلى نوعين: كتابة شرعية، مثل قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٨٣]، وكتابة قدرية، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥].
وقوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ قلت: إن الكتابة هنا كتابة قدرية لا شرعية، لو كانت شرعية لتعدّت بـ(على): كتب عليكم، ولا يستقيم المعنى.
﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾ أي: لا ترجعوا بعد أن كنتم مُقبلين على القتال على أدباركم؛ لأن النكوص على الدُّبر والرجوع هزيمة وذُل؛ ولهذا نُهي نهيًا شديدًا عن التولّي يوم الزحف.
﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ لا ترتدوا فتنقلبوا، والانقلاب يشعر بخيبة الأمل؛ ولهذا قال: ﴿تَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ و﴿خَاسِرِينَ﴾ حال من الواو في قوله: ﴿تَنْقَلِبُوا﴾.
فماذا كان الجواب؟ كان الجواب -كما تسمعون الآن-: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾.
انظر للخطاب ﴿يَا مُوسَى﴾، ولم يقولوا: يا نبي الله، ولا يا رسول الله، قالوا: ﴿يَا مُوسَى﴾، وهذا لا شك أنه جفاء في المخاطبة، أن يخاطبوا نبيهم باسمه؛ ولهذا نهى الله هذه الأمة أن يخاطبوا الرسول ﷺ باسمه في قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣] على أحد التفسيرين في قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾؛ لأن بعض العلماء يقول: المعنى لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا، وإن كان الآية تشمل هذا المعنى، وتشمل المعنى الثاني، وهو: أنه إذا دعاكم لا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم بعضًا؛ إن شئتم أجبتم، وإن شئتم لم تجيبوا، بل يجب عليكم أن تجيبوا، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال ٢٤].
هنا قالوا: ﴿يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾، فذكروا عِلّة تدل على جُبنهم وخورهم وضعف عزيمتهم، بل عدم عزيمتهم.
﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ والجبار هو: العاتي، الكبير الجسم، الطويل، مأخوذ من قولهم في اللغة العربية: نخلةٌ جَبَّارة، والنخلة الجبارة هي النخلة القوية العالية، وإلى الآن هذا المعنى موجود يقال: فلان عنده بستان جبارٌ نخلُهُ؛ يعني: قويًّا عاليًا لا يتناول الإنسان ثمره بيده.
إذن ﴿جَبَّارِينَ﴾ عتاة الأخلاق، أقوياء الأجساد، هذا المعنى، يعني يدور على هذا المعنى: عتاة الأخلاق، والثاني: أقوياء الأجساد، لا نستطيع أن نقاتلهم.
﴿وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ سبحان الله! هذا قول صبيان!
﴿لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ من يقاتلون إذا لم يكن فيها أحد؟! لا شيء، وهذا مما يدل على سفاهة بني إسرائيل، لن يدخلوها حتى يخرجوا منها، وأيضًا أكدوا هذا المعنى بقولهم: ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾.
وتأمل قولهم: ﴿إِنْ يَخْرُجُوا﴾ لم يقولوا: فإذا خرجوا، كأنهم يستبعدون خروجهم؛ لأن (إنْ) الشرطية تتميز عن (إذا) بأن (إنْ) يكون فعل الشرط فيها حاصلًا وغير حاصل، بل قد يكون من الأشياء المستحيلة، لكن (إذا) تدل على وقوع الشرط، لكن الموقَّت حصول الشرط، انتبه، أنت إذا قلت: إن قامَ زيدٌ قمتُ، تجد الفرق بينها وبين قولك: إذا قامَ زيدٌ قمتُ، أليس كذلك؟ (إذا قام) يعني معناه: أنه سيقوم، لكن لا أقوم إلا إذا قام، فهو شرط للتوقيت؛ توقيت القيام، لكن (إن قامَ زيدٌ قمتُ) شرط لحصول القيام، وقد يحصل، وقد لا يحصل، وقد يكون من المستحيل أن يحصل، كما في قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف ٨١]، هذا في حق الله، في حق الرسول: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر ٦٥]، وكلا الأمرين ممتنعان غاية الامتناع، لا الأول، وهو: أن يكون للرحمن ولد، ولا الثاني، وهو: أن يشرك رسول الله ﷺ الداعي إلى الإخلاص والتوحيد.
إذن هم يقولون: ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ يعني: كأنهم مستبعِدين غاية الاستبعاد أن يخرجوا منها؛ ولذلك ابتُلوا بالتّيه -كما سيأتي إن شاء الله- وهو الضياع وعدم الاهتداء إلى هذا المكان.
وتأمل أيضًا قولهم: ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ يعني: يؤكدون دخولهم إذا خرج هؤلاء، وإذا خرج هؤلاء هل يحتاج إلى أن يؤكَّد الدخول؟ ما يحتاج، لكن -سبحان الله- إذا تأمل حال هذه الأمة الغضبية وجد أنهم في غاية السفاهة في العقول، كما أنهم في غاية الضلال في الدين.
ومن رأى مزيد بيان في هذا الأمر فليرجع إلى كتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان؛ فإنه تكلم عن خصائص الملل بما لا مزيد عليه.
﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾.
أولًا: نسأل عن تركيب هذه الآية الكريمة: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ ﴿رَجُلَانِ﴾ معروف أنها نكرة، أو معرفة؟
* طالب: نكرة.
* الشيخ: تأمل؟ ﴿قَالَ رَجُلَانِ﴾؟
* الطلبة: نكرة.
* الشيخ: بالإجماع؟ ما فيه مخالف؟ نعم، ﴿رَجُلَانِ﴾ نكرة.
﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ يجب أن تكون (مِن) صفة لـ﴿رَجُلَانِ﴾.
لا الأول؛ وهو أن يكون للرحمن ولد، ولا الثاني؛ وهو أن يشرك رسول الله ﷺ الداعي إلى الإخلاص والتوحيد، إذن هم يقولون: ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة ٢٢]، يعني كأنهم مستبعِدين غاية الاستبعاد أن يخرجوا منها، ولذلك ابتُلُوا بالتِّيه -كما سيأتي إن شاء الله- وهو الضياع، وعدم الاهتداء إلى هذا المكان.
وتأمل أيضًا قولهم: ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ يعني يؤكدون دخولهم إذا خرج هؤلاء، وإذا خرج هؤلاء هل يحتاج إلى أن يؤكد الدخول؟ ما يحتاج، لكن سبحان الله إذا تأمل حال هذه الأمة الغضبية وجد أنهم في غاية السفاهة في العقول، كما أنهم في غاية الضلال في الدين، ومن رأى مزيد بيان في هذا الأمر فليرجع إلى كتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان، فإنه تكلم عن خصائص الملل بما لا مزيد عليه.
﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ [المائدة ٢٣]. أولًا: نسأل عن تركيب هذه الآية الكريمة: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾، ﴿رَجُلَانِ﴾ معروف أنها نكرة، أو معرفة؟
* طالب: نكرة.
* الشيخ: تأمّل ﴿قَالَ رَجُلَانِ﴾.
* الطلبة: نكرة.
* الشيخ: بالإجماع، ما فيه مخالف؟ نعم، (رجلان) نكرة.
﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ يجب أن تكون صفة لـ(رجلان)، يجب أن تكون صفة لـ(رجلان)؛ لأن النكرة ما يأتي بعدها من الجملة وشبهها يكون صفة لها.
و﴿يَخَافُونَ﴾ هذه صلة الموصول، ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ صلة الموصول.
﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ هل ﴿أَنْعَمَ﴾ هنا مفعول ﴿يَخَافُونَ﴾، ولَّا منصوبة بفعل محذوف، ولَّا إيه؟ أنا أسأل عن ﴿أَنْعَمَ﴾ ما أسأل عن إعرابها، أقول: هل هي مفعول ﴿يَخَافُونَ﴾ أو لا؟
* الطلبة: فعل.
* الشيخ: نعم، ﴿أَنْعَمَ﴾ هذه فعل ليست مفعولًا، مفعول ﴿يَخَافُونَ﴾ محذوف نقدّره إن شاء الله بعد. ﴿أَنْعَمَ﴾ هذه فعل، ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ ﴿أَنْعَمَ﴾ فعل، جملة فعلية، محلها من الإعراب صفة لـ(رجلان)، ويجوز أن تكون حالًا منها؛ لأنها نكرة خُصِّصت، والنكرة إذا خُصِّصت جاز وقوع الحال منها، عرفتم؟
لكن قد يقول قائل: أليس الأنسب في التركيب أن يقال: قال رجلان أنعم الله عليهما من الذين يخافون؟
الجواب: لا؛ لأن ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ إن قُدِّر أنها حال فالوصف التابع أولى بالموالاة، إن قُدِّر أنها حال فالوصف التابع لموصوفه إعرابًا أولى بالموالاة؛ لأن الحال تابعة لموصوفها معنًى مفارقة له إعرابًا بخلاف الصفة التي هي النعت، فنقول: هذه إن جعلناها حالًا فإنها تكون متأخرة عن الوصف المباشر.
ثانيًا: أن ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ شبه جملة، فهي في حكم المفرد، و﴿أَنْعَمَ﴾ جملة، والنعت بالمفرد أولى بالموالاة من النعت بالجملة؛ لأن إما النعت أن يكون مفردًا أو شبه جملة أو جملة، فلهذا كانت الفصاحة تقتضي تقديم ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾.
﴿قَالَ رَجُلَانِ﴾ إن الله سبحانه وتعالى لم يبيِّن من هذان الرجلان، وليس لنا في معرفة عينهما ضرورة، ليس لنا ضرورة، المهم ماذا قالا؟ أما أن نعرف من هما فلو كان هذا من الأمر الذي تنبني عليه العقيدة لكان الله تعالى بيّنه إما في القرآن أو على لسان الرسول ﷺ.
وقوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ يخافون من؟ يخافون الله، ولهذا نقول: إن مفعول ﴿يَخَافُونَ﴾ محذوف، تقديره: الله.
وقوله: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ بماذا أنعم؟ أنعم الله عليهما بأمور:
أولًا: خوف الله عز وجل، فإن خوف الله من أكبر النعم؛ لأن خوف الله يستلزم اجتناب محارم الله والقيام بطاعته.
ثانيًا: أنعم الله عليهما بالقوة، بقوة النفْس؛ لأنهما الآن يقابلان من؟ يقابلان أمة، قوم موسى كلهم قالوا له: ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا﴾، هذان الرجلان قابلا الأمة كلها مما يدل على الشجاعة والعزيمة الصادقة، وهذه لا شك أنها نعمة إذا وفَّق الله العبد قوة وشجاعة وعدم مبالاة بالكثرة؛ لأن الكثرة ليست بشيء أمام الحق.
أنعم الله عليهما أيضًا بحصافة الرأي، حصافة الرأي؛ لأن كل من قرأ البشائر التي ذكر موسى عليه الصلاة والسلام لا شك أنه سوف يُقدم، ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة ٢١]، والثاني: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة ٢١]، نعم، إذن أنعم الله عليهم من هذه الوجوه الثلاثة وقد يكون أكثر من هذا، يقول: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾.
أولًا: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾. ما معنى المقدسة؟
قال العلماء: معناها المطهّرة؛ المطهّرة من الشرك؛ لأن هذه الأرض كانت أرض الأنبياء، (...).
ثم ما هي هذه الأرض؟ ما المراد بها؟
قال العلماء: هي أرض الشام، أرض الشام التي تشمل ما يسمى في العصر الحاضر سوريا وفلسطين وجميع المنطقة الأردن وغيرها؛ أرض الشام كلها، هذه هي الأرض المقدسة؛ لأنها كانت أرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
* طالب: قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس ٩٢] بعضهم يحمل هذه الآية على وجود بعض الأجسام الموتى لآل فرعون كالموجودة في مصر وغيرها، بل بعضهم يقول: إن بعضها فرعون، يعني يدّعون إن في بعضها فرعون، فهل هذا المعنى صحيح؟
* الشيخ: أنت تعلم أن المدة طويلة، وأن الناس يخلقون من لا شيء شيئًا، ألم تعلم أن رأس الحسين في النجف وفي سوريا وفي مصر؟! صار له ثلاثة رؤوس! تعالى الله! رجل في حياته ليس له إلا رأس، ولما مات صار له ثلاثة رؤوس، ما نصدق بهذه الأشياء. والظاهر لنا أن فرعون لما طفا على ظهر الماء ورآه بنو إسرائيل انتهى أمره، وأكلته الحيتان أو ما ندري عنه، أما أن نقول: إن الذي يوجد الآن في الأهرام هو فرعون فهذا لا نصدّق ولا نكذّب.
* الطالب: (...) ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾؟
* الشيخ: نعم، لمن خلفه، من الذي خلفه؟
* الطالب: يقولون: كل الناس.
* الشيخ: أبدًا، إحنا ما يهمنا، نحن نصدق بكلام الله سواء رأينا الجسم أم لم نره، آيتنا نحن كلام الله عز وجل، لكن آية على أنك هلكت بني إسرائيل الذي كان مرهبها.
* طالب: قلنا: (...) هي أرض الشام، طبعًا بنو إسرائيل يحتجون بإقرارنا بأن هذه الأرض كان فيها بنو إسرائيل على أنها أرضهم أصلًا، فما الرد على هذه الشبهة؟
* الشيخ: نرد على هذه الشبهة بأنها نعم، هي مكتوبة لهم في زمنهم؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥]، أما بعد أن كفروا وصار الإيمان بأمة محمد فهي مكتوبة لمن؟ لأمة محمد، كلام الله يصدق بعضه بعضًا.
﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، وهم بعد أن كفروا بمحمد ليسوا صالحين، نقول: إن موسى يخاطب قومًا في عهده آمنوا به وصدّقوا رسالته، ولذلك لما تخلف الصلاح، وأقولها بمرارة: لما تخلف الصلاح في هذه الأمة صار هذا التسليط تسليط اليهود على هذا الجزء من الأرض.
* طالب: وقع البعض في تحجيم قضية الصراع مع اليهود على أنها صراع على الأرض وليس صراعًا عقديًّا من هذا الباب؟
* الشيخ: نعم، هذا من فوات الصلاح؛ لأن الواجب علينا نحن أن نقاتل اليهود وغير اليهود ممن هم كفروا بالله لا على أساس الأرض، ولكن على أساس العقيدة، ولهذا صاروا هم أقوى، فيجب تعديل النية وإصلاح العمل قبل كل شيء، إذا عدلت النية وأصلح العمل حصل خير كثير.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة ٥١-٥٧].
* الشيخ: قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ يعني: اذكر، أو: اذكروا يا بني إسرائيل ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾.
قوله: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ الأصل في الظلم أنه النقص، ومنه قوله تبارك وتعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣] أي: لم تنقص منه شيئًا، وأطلق على العدوان والتقصير، العدوان في اقتحام المحارم والتقصير في الواجبات.
هنا يقول: ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ أي: باتخاذكم العجل إلهًا، ولهذا نقول: إن ﴿الْعِجْلَ﴾ مفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، التقدير: باتخاذكم العجل إلهًا، وسبق أن هذا العجل هو تمثال من الذهب الذي أخذوه من آل فرعون، ثم صنعوه تمثالًا على صورة العجل الذي له خوار. قال المفسرون: وهذا الخوار إنما هو بواسطة الريح، جعلوا دُبُره مفتوحًا وتتعرج الريح في هذا الجوف، ثم تخرج من الفم، فيكون له صوت كخوار الثور، قالوا بعضهم لبعض: إن موسى عليه الصلاة والسلام ذهب إلى إلهه يطلبه، وأنه تأخر يبحث عنه؛ لأنه كان ذهب على أنه سيغيب ثلاثين يومًا، لكنه زاده الله عز وجل عشرًا ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف ١٤٢]، وهذا حكمة من الله عز وجل وابتلاء وامتحان، قالوا: إن موسى ذهب يطلب إلهه، وهذا هو إلهه، يقولون: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه ٨٨]، قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ [طه ٨٩]، هم اتخذوا العجل ظالمين بذلك أنفسهم؛ لأن النفس أمانة عندك يجب أن ترعاها حق رعايتها، ولهذا قال الله تعالى: ﴿لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، فجعلَنا أمناء على أنفسنا، ونهانا أن نقتل النفس، وقال: ﴿لَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة ٣٦] فنهانا أن نظلم أنفسنا، مما يدل على أن أنفسنا أمانة عندنا، وأنه لا يجوز التفريط في هذه الأمانة، ولهذا قال لهم: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾، وفي قراءة: ﴿إِلَى بَارِيكُمْ﴾ .
(توبوا) أي: ارجعوا ﴿إِلَى بَارِئِكُمْ﴾، فتابوا، لكن كيف توبتهم؟
قال: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ اقتلوا أنفسكم هذه طريق توبتهم، قالوا: إن الله ألقى عليهم ظلمة وحُشِروا في مكان وأُعطي كل واحد منهم خنجرًا، وقيل له: اقتل من أمامك، فقتلوا أنفسهم، وليس المعنى أنه دعاهم إلى الانتحار؛ أن كل واحد يقتل نفسه، لا، كل واحد يقتل أخاه، وتعلمون أن القبيلة الواحدة تعتبر نفسًا واحدة. ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، ففعلوا.
قال موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾، ﴿ذَلِكُمْ﴾ المشار إليه التوبة بهذه الطريقة، ﴿خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ أي: عند خالقكم وهو الله عز وجل.
﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ يعني: لما تبتم تاب عليكم، مع أن ذنبهم عظيم، لكن الله تعالى يتوب على من تاب، ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: رفع عنكم الإثم والعقوبة.
﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ الجملة هنا تعليل للحكم السابق لها، وهو قوله: ﴿تَابَ عَلَيْكُمْ﴾، والتواب جمع (تائب)، وتوبة الله تعالى على العبد تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: توفيقه للتوبة، والقسم الثاني: قبوله للتوبة؛ أما الأول؛ وهو توفيقه للتوبة فهو قوله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة ١١٨]، أي: وفّقهم للتوبة ليتوبوا، وأما الثاني؛ وهو قبول التوبة ففي قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى ٢٥]، فتوبة الله سبحانه وتعالى نوعان كما سمعتم.
﴿الرَّحِيمُ﴾ أي: ذو الرحمة، ورحمة الله تبارك وتعالى واسعة تشمل المؤمن والكافر، وهذه الرحمة العامة، أما الخاصة فهي للمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٤٣]، وقد جاءت (الرحيم) بهذه الصيغة وبصيغة (الرحمن) الدالّ على السعة والعظمة، وبصورة الفعل كما قال تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١].
* في هذه الآية فوائد؛ منها: بيان نصيحة موسى عليه الصلاة والسلام لقومه، حيث بيّن لهم الذنب وحثّهم على أن يتوبوا منه، فقال: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾، وقال: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾.
* ومنها: أن معصية الإنسان ظلم لنفسه، وعلى هذا فيكون في ذلك إبطال لقول المعتزلة القدرية؛ لأنهم إذا قالوا: إن الإنسان مستقلّ بعمله نقول: إذن الإنسان يكون ظالِمًا لنفسه حيث يعمل المعاصي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب على الإنسان أن يعامل نفسه بالعدل كما يعامل غيره بالعدل؛ لقوله: ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾، فكما أننا منهيُّون عن ظلم الناس فنحن منهيّون عن ظلم أنفسنا.
وهل يمكن أن نستدل بها على أنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه لغيره؟ نعم، يمكن؛ لأنه إذا تبرع بشيء من أعضائه فهو ظالم لنفسه، إن كان بعد موته فهذا انتهاك لحرمته بعد الموت، وقد قال النبي ﷺ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»[[أخرجه أبو داود (٣٢٠٧)، وابن ماجه (١٦١٦) من حديث عائشة.]]، وإن كان في حياته فهو ظلم لنفسه بفقد هذا العضو الذي تبرع به، ولنقل: إنها إحدى الكليتين، في هذا ظلم لنفسه بلا شك؛ لأن الله لم يخلقهما عبثًا، بل هما متعاونتان على تصفية الغذاء الذي يتخلل العروق والبدن، فإذا فُقِدت إحداهما صار العمل على واحدة منهما، وما أقرب أن تكل وتملّ وتعطب، لا يقال: إنها تقوم مقام ثنتين كما أن العين تقوم مقام العينين؛ لأن هناك فرقًا بين عملية الكلى وعملية العينين، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: لو أن شخصًا جنى على عين الأعور فتلفت فعليه دية كاملة؛ لأنه أذهب بذهابها البصر، بخلاف الكلية.
* فيمكن أن نأخذ من هذه الآية الكريمة: أنه يحرم على الإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه؛ لأنه سوف يبقى العضو الباقي في تعب شديد، ثم نقول: هب أنه قام بالوظيفة، لكن لو طرأ عليه المرض معناه ليس هناك ما يقوم مقامه فيهلك، وأما مسألة أن هذا من باب المساعدة والعطف وما أشبه ذلك، يعني العطف على المريض، فيقال: لكن نفسك أبدى، ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول، وهنا لا مجال لغيرك.
* من فوائد الآية الكريمة: وجوب التوبة؛ لقوله: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾، والتوبة هي رجوع الإنسان من معصية الله إلى طاعة الله، ولها شروط:
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: الندم على ما وقع من الذنب.
والثالث: الإقلاع عنه في الحال.
والرابع: العزم على أن لا يعود.
والخامس: أن تكون التوبة في وقت قبول التوبة.
هذه شروط خمسة:
أولًا: الإخلاص، ودليله قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر ٢]، والتوبة من العبادة، وقوله في الحديث القدسي: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]].
الشرط الثاني: الندم على ما حصل، وأن يتمنى بكل قلبه أنه لم يقع؛ لأنه إذا لم يندم لم يمكن أن تتحقق التوبة؛ يعني إذا كان عنده سواء أن فعل أم لم يفعل فأين التوبة؟ فلا بد من الندم، قد يقول قائل: الندم انفعال نفسي، كيف يصطنع الإنسان الانفعال؟ نقول: يصطنع بأن يحزن ويتمنى أنه لم يفعل.
والثالث: الإقلاع عن الذنب في الحال؛ لأنه كيف يتوب الإنسان؟ يعني هذا دليل عقلي، كيف يتوب الإنسان من شيء هو متلبّس به؟ هذا امتناعه عقلًا، امتناعه شرعًا قال الله تعالى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران ١٣٥]، ومن ذلك أنه إذا كانت المظلِمة في حق آدمي فلا بد من التخلص من هذا الحق، إما بإيصاله إليه وإما بالتحلل منه، فمثلًا إذا سرق الإنسان مالًا من شخص وتاب إلى الله، فماذا يصنع؟ لا تتم توبته حتى يرد المسروق إلى مالكه، لا بد، وإلا فهو كاذب، فإن لم يجد مالكه وأَيِس من وجوده أو وجود ورثته فليتصدق به عنه، والله تعالى يعلم ذلك.
الشرط الرابع: العزم على ألا يعود، يعني يعزم بنفسه أنه لن يعود أبدًا إلى هذا الذنب؛ لأنه إذا تاب وهو يحدِّث نفسه أنه قد يعود إليه فليس بتائب، والشرط هنا العزم على أن لا يعود، أو الشرط أن لا يعود؟ العزم على أن لا يعود، وبناءً على ذلك نقول: لو عاد بعد أن عزم أن لا يعود فهل تنتقض التوبة؟ لا، التوبة الأولى لا تنتقض، لكن عليه أن يجدّد توبة للذنب الجديد.
الخامس: أن تكون في وقت تُقبل فيه التوبة، فإن كانت التوبة في وقت لا تقبل فيه التوبة لم تنفعه، وهذا وقتان: وقت خاص ووقت عام؛ الوقت الخاص هو حضور الأجل، فإذا حضر أجل الإنسان لم تنفعه التوبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨]، هؤلاء ليس لهم توبة، وقد بيّن الله تعالى وقوع ذلك تطبيقًا في قصة فرعون: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس ٩٠] فقيل له: ﴿آلْآنَ﴾ [يونس ٩١]، يعني: آلآن تتوب؟ ﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس ٩١]، أما الوقت العام فهو خروج الشمس من مغربها؛ لأن الشمس تسير كما تعلمون من مشرقها إلى مغربها، إذا أذن الله تعالى بفناء العالم عادت الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا أجمعون، ولكن حينئذٍ ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨]، وإذا كانت هذه هي الشروط دلّ ذلك على وجوب المبادرة بالتوبة؛ لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت، فبادر بالتوبة إلى الله في حق الله، وبادر بالتوبة في حق العباد بأداء الحقوق إلى أهلها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٨٧)، ومسلم (١٥٦٤ / ٣٣) من حديث أبي هريرة.]].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن التوبة مقبولة حتى من الشرك؛ لقوله: ﴿تُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾، وهو كذلك، يقبل الله التوبة حتى من الشرك.
* ومن فوائدها: أن الإنسان قد يكون بعد التوبة خيرًا منه قبلها؛ لقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات مقتضيات الأسماء؛ أسماء الله عز وجل، وهو الذي يسمى في اصطلاح العلماء: (الحكم أو الأثر المترتب على الاسم)، من قوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
إذن فتوبته عليهم من مقتضى اسمه التواب، ومن المعلوم أن أسماء الله الحسنى لا يتم الإيمان بها إلا بثلاثة شروط فيما يتعدى، وشرطين فيما لا يتعدى؛ فالحي من أسماء الله لا يتم الإيمان به إلا إذا آمنت بأن الله هو الحي، وآمنت بأن له حياة، وأما إذا كان الاسم متعديًا فلا بد من إثبات الاسم، وإثبات الصفة، وإثبات ما يتعدى إليه هذا الاسم، وهو الأثر أو الحكم. (الرحيم) متعدي ولّا لازم؟ متعدي، لأنك تقول: رحم الله فلانًا، فلا بد أن تؤمن بالرحيم اسمًا من أسماء الله، وبما دل عليه من الرحمة. والثالث: وأنه تعالى يرحم بهذه الرحمة من يشاء، وهذه القواعد معروفة عند أهل العلم خلافًا لأهل البدع الذين قالوا: إن أسماء الله يجوز أن تتخلف عنها الصفات، فيقولون: إنه سميع بلا سمع، وعليم بلا علم، هل هذا معقول؟! جميع لغات العالم لا يمكن إلا أن يكون المشتق دالًّا على أصل اشتقاقه، لا بد، لا يمكن أن تصف الأعمى بالبصير، ولا الأصم بالسميع، ولا الأخرس بالمتكلم، هذا ممتنع في جميع لغات العالم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (٢٢) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٦)﴾ [المائدة ٢٢ - ٢٦].
* الشيخ: قال الله تبارك وتعالى: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ إلى آخره، في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد يُنعم على بعض القوم، ويفتح عليه بما لم يفتح على أحد غيره.
﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾، أبهم الله تعالى الرجلين، وذلك لأن تعيين الرجلين باسمهما لا يتوقف عليه فَهم القضية وفهم الواقع، ولذلك تأتي آيات كثيرة وأحاديث كثيرة ليس فيها تعيين الإنسان بعينه؛ لأن المقصود هو فهم القضية.
وقوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ ذكرنا أن مفعول ﴿يَخَافُونَ﴾ محذوف، والتقدير: يخافون الله، وذكرنا أن ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ صفة لـ(رجلان)، وتصح أن تكون حالًا، فإن كانت حالًا قلنا: لا إشكال؛ لأن الحال وإن كانت وصفًا لصاحبها إلا أنها تخالفه في الإعراب، بخلاف النعت فإنه وصف وتابع في الإعراب، ولهذا قُدِّم ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ على قوله: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾، وإن جُعِلت نعتًا آخر فقد أُخِّرت عن قوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾؛ لأن النعت بشبه الجملة ألصق بالمنعوت من الجملة؛ لأن لدينا ثلاثة أشياء: إما أن يُنعت الموصوف بما يطابقه في الإفراد، وإما أن يُنعت بشبه الجملة، وإما أن ينعت بالجملة، وأيها أقرب شبه الجملة أو الجملة؟ شبه الجملة.
وقوله: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ أي: سيروا إليهم ولا تُشعروهم بأنكم سائرون، ائتوهم بغتة.
﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ بدون أن يكون هناك سابق علم؛ لأنه ما من قوم قُوتِلوا في ديارهم إلا ذلّوا، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه حين أراد أن يجاهد أهل مكة وفتح مكة، سأل الله تعالى أن يُعَمِّي الأخبار عنهم حتى يبغتها في دارهم[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩ / ٢٣٣) من حديث المسور بن مخرمة. ]]، أفهمتم؟ ولهذا قالوا: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ أي: لا تنذروهم ولا تخبروهم أنكم قادمون عليهم.
و﴿الْبَابَ﴾ فيها (أل)، و(أل) هنا للعهد، أيّ عهد؟ العهد الذهني، أي: باب المدينة.
﴿فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ يعني إذا دخلتم الباب فإنكم غالبون ولن يغلبوكم، ستكون الغلبة لكم، وهذا إرشاد وتوجيه.
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾ لما أمر هذان الرجلان هؤلاء القوم أن يعملوا الأسباب النافعة أرشدوهم إلى أن لا يعتمدوا على أنفسهم بل يتوكلون على الله، فقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾، والجار والمجرور في قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ متعلق بقوله: ﴿تَوَكَّلُوا﴾، والفاء مزيدة لتحسين اللفظ، ولهذا لو قيل: وعلى الله توكلوا، لصح، ولا يصح هنا أن نجعلها عاطفة؛ لأنّا لو جعلناها عاطفة والواو عاطفة ما استقام الكلام، ولكن يقال: إنها زيدت لتحسين اللفظ. وقوله: ﴿فَتَوَكَّلُوا﴾، ما هو التوكل؟
التوكُّل قال العلماء: إنه صدق الاعتماد على الله، أي: أن يعتمد الإنسان على ربه اعتمادًا صادقًا مع الثقة به وحسن الظن وفعل الأسباب، أربعة أوصاف: صدق الاعتماد على الله، الثاني: مع الثقة به، الثالث: وحسن الظن، والرابع: فعل الأسباب، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الأربعة، فهذا هو حقيقة التوكل، فمن اعتمد على الله، لكنه في شك فإنه ليس بمتوكّل حقيقة، كذلك أيضًا لو أنه اعتمد على الله، ولكنه لم يثق تلك الثقة إما لما يعلم من ذنوبه، وإما لما يعلم من قصور الأسباب أو لغير ذلك فإنه لم يصدق التوكل. والثالث: حسن الظن، وحسن الظن في التوكل أن يظن الإنسان بربه تبارك وتعالى أنه حسبه؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق ٣]. وقوله: مع فعل الأسباب؛ لأن هذا لا بد منه، إذ إن الله تعالى يقدر الشيء بسببه، وهذا من تمام حكمته، انظر إلى قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك ١٥] فلا بد من سعي، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة ١٠]، فلا بد من فعل الأسباب، ولكن بشرط أن تكون الأسباب شرعية، إما منصوصًا عليها في الكتاب والسنة، وإما معلومة بالتجارب الذي يشهد له القدَر.
يقول: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذا شرط في إخلاص التوكل على الله عز وجل، إذ لا يتوكل على الله تمام التوكل إلا من كان عنده إيمان بما وعد الله به في قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، ﴿فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وبعد هذه المشورة وهذا التوجيه الحسن النافع انظر الجواب: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾ ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾ وهذا النفي نفي لفعلهم الشرعي أو نفي لفعل الله القدري؟ الأول، الأول، يعني لا يمكن أن ندخلها ما داموا فيها، وإذا ذهبوا عنها دخلوها، هذا كلام؟!
معلوم أنك إذا وجدت قرية خالية ما فيها أحد وأنت تريد أهلها معلوم أنك ستدخل، لكن هذه عقلية بني إسرائيل؛ ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾.
﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾ يقولون لموسى: اذهب أنت وربك، فمن ربه؟ قال بعض المفسرين: ربه هو هارون، أرادوا هارون؛ لأن الرب يُطلق على السيد، وهارون أكبر من موسى، والأكبر من الأخوين يكون سيدًا للأصغر منهما، لكن هذا بعيد، والظاهر أنهم أرادوا الرب رب العالمين عز وجل؛ لأن موسى يدعوهم إلى الله، وإلى ربهم تبارك وتعالى، فكأنهم من عجرفتهم وكبريائهم وغطرستهم يقولون: ما دام لك رب ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾، فأرادوا من الله أن ينزل الميدان -قاتلهم الله- ويقاتل مع من؟ مع موسى؛ ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾، ومع ذلك ﴿إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾.
﴿هَاهُنَا﴾ في المكان القريب؛ لأن (هنا) للقريب، و(هنالك) للبعيد، هنا في مكاننا لن نتعداه، سنبقى متفرجين عليك أنت وربك.
﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغطرسة والعجرفة والجفاء والعياذ بالله، فماذا قال موسى؟
قال: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾، ﴿رَبِّ﴾ يخاطب من؟ يخاطب ربه رب العالمين ﴿إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾، يعني: لا أملك أمرًا إلا أمر نفسي وأمر أخي، ويقصد بأخيه: هارون.
﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ سأل الله تعالى أن يفرق بينه وبين القوم الفاسقين، فيكون هو وأخوه في جانب والفاسقون في جانب آخر، فماذا كانت إجابة الله؟ قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي: على بني إسرائيل الذين أُمِروا بالقتال، ﴿مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ تحريمًا شرعيًّا أو قدريًّا؟ تحريمًا قدريًّا كما في قوله تعالى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص ١٢]، يعني التحريم قد يكون شرعيًّا مثل ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة ٣]، وقد يكون قدريًّا كما في قوله تعالى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾، أي: تحريمًا قدريًّا، وهنا أيضًا ﴿مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ يعني تحريمًا قدريًّا.
﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ ﴿سَنَةً﴾ شمسية أو هلالية؟ هلالية؛ لأن التوقيت بالهلال كما قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة ١٨٩]، وإلى عصر ليس ببعيد التوقيت بالهلال، حتى إن اليهود لما صاموا يوم عاشوراء صامه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: «نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٩٤٣)، ومسلم (١١٣٠ / ١٢٧) من حديث عبد الله بن عباس، ولفظه: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ».]].
﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني: يضيعون، وسبحان الله كم المسافة بين مصر وأرض الشام؟ كم تقدرونها؟ حوالي شهر، هم بقوا أربعين سنة لم يهتدوا للطريق، ليس سنة ولا سنتين، بل أربعين سنة في هذه المساحة القليلة من الأرض؛ لأن الله تعالى أعماهم، أعماهم فحُرِموا هذا الخير وهو دخول الأرض المقدسة، حُرِموا إياه من أجل هذا العناد وهذا العتو، ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ فلا يهتدون سبيلًا، ولكن لماذا خُصّت أو لماذا خُصّ التيه بأربعين سنة؟ لنا جوابان عنها:
الجواب الأول: أن مثل هذه الأمور القدرية أو الشرعية المحددة بعدد لا يمكن أن يكون الإنسان عالِمًا بحكمتها؛ لأن هذه ليس للعقل فيها مجال، وقد مر علينا كثير من هذا أن المحدَّد شرعًا أو قدرًا ليس للعقل فيه مجال، إلا أشياء يسيرة من الأمور القدرية.
الجواب الثاني، أو الوجه الثاني: قال بعض العلماء: إنهم تاهوا أربعين سنة، وأربعون سنة مدة طويلة يمكن أن ينشأ جيل جديد على غير ما كان عليه هؤلاء المعاندون، وهذا من الناحية النظرية ليس ببعيد، لكن قد يُعترض عليه بأنه هل المدة هذه كافية؟ الجواب: نعم، كافية، إن الشعوب قد تتحول مع قوة الداعي وضعف المانع، قد تتحول إلى عادات وأخلاق في خلال كم؟ أقل من أربعين سنة، حسب قوة الدافع وقلة المانع تتحول إلى عادات وأخلاق في مثل هذا أو أقل.
﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ ﴿لَا تَأْسَ﴾ أي: لا تحزن كما قال تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد ٢٣] أي: لا تحزنوا، أي: فلا تحزن على القوم الفاسقين مما عاقبهم الله به؛ لأنهم أهل لهذه العقوبة.
* وفي الآيات فوائد:
* من فوائد الآيات أولًا: قوله تعالى عن موسى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾.
* فيه فوائد؛ منها: فضيلة أرض الشام؛ لقوله: ﴿الْمُقَدَّسَةَ﴾، وسبق أن معنى المقدسة أي مطهّرة من الأوثان والشرك؛ لأنها بلاد الأنبياء، ويدل لفضيلتها قول الله تبارك وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء ١] هذا أيضًا من تقديسه.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الله تعالى كتب أرض الشام لبني إسرائيل؛ لقوله: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي للداعية أن يذكر ما يهيج النفوس ويغريها بالقبول؛ لأنه هنا ذكر أن الأرض مقدسة، وأن الله كتبها لهم، والثالث: قوله: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ﴾، وكأن هذا بشارة بأنهم سوف ينتصرون وسوف يدخلون الأرض، فكان هنا البشارة من وجوه ثلاثة، ما هي؟ قوله: ﴿ادْخُلُوا﴾، والثاني: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، والثالث: ﴿الْمُقَدَّسَةَ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الكتابة نوعان: شرعية، وقدرية؛ الآية بمعنى كتابة قدرية، والكتابة القدرية تأتي غالبًا مقرونة باللام، والكتابة الشرعية تأتي غالبًا مقرونة بـ(على)، وهذا غالبًا لا دائمًا بدليل قوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ﴾ [الحشر ٣]، والكتابة هنا قدرية ولّا شرعية؟ قدرية، ما فيها إشكال، ما فرض الله عليهم الجلاء فرضًا شرعيًّا ولكن قدريًّا، لكن الغالب أن القدرية باللام والشرعية بـ(على).
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن بني إسرائيل أحق بأرض الشام من غيرهم؛ لقوله: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، ماذا تقولون؟ نقول: هم أحق الناس بها وهي مكتوبة لهم حين كانوا مؤمنين، فهي كُتِبَت لهم لا لأنهم من بني إسرائيل بل لأنهم مؤمنون، ولا شك أنهم في عهد موسى هم أفضل أهل الأرض، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥]، إذن فقول بني إسرائيل: إن هذه أرض الميعاد، نقول: إن شاء الله هي أرض ميعاد هلاككم، أما أنها أرض لكم مكتوبة شرعًا أو قدرًا فلا، قدرًا يمكن، لكن شرعًا ليس لهم حق فيها إطلاقًا؛ ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [الأعراف ١٢٨] فكما أن الله أورث بني إسرائيل بلاد فرعون وأرضه؛ لأنهم كانوا مسلمين، فكذلك المسلمون المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرثون بني إسرائيل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأمور لا تتم إلا بوجود المصالح وانتفاء المفاسد؛ لقوله: ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾، ولذلك تجدون الشرع أوامر ونواهي؛ لأنها لا تتم العبادة إلا بأن يرغم الإنسان نفسه على فعل الطاعات، وعلى الكف عن المعاصي والمحرمات، فالشرع تجده كله فيه فعل وفيه ترْك حتى يتم الامتحان والاختبار، أضرب لكم مثلًا بالصوم، فيه أيش؟ ترك للمحبوب، في الزكاة بذل للمحبوب، وهذا هو الذي يكون به تمام الامتحان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكفر رِدّة، ردّة عن الاستقامة؛ لقوله: ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾، فالمرتد الآن متأخر ولّا متقدم؟ متأخر، إذا قلنا هذا صار الإيمان تقدمًا، ولهذا نقول لأولئك القوم الذين يريدون من الأمة الإسلامية أن ترجع إلى الوراء وهو عندهم تقدم نقول: أخطأتم، هم يرون أن رجوع الناس إلى زمن السلف الصالح يرونه تأخرًا، ونحن نقول لهم: مخالفة طريق السلف الصالح هو التأخر؛ لأنه يسمى في القرآن رِدة أو ارتداد على الدُّبُر، لكن موافقة السلف الصالح هو التقدم حقيقة، ولكنه يحتاج إلى عزيمة وقوة وتطبيق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الارتداد على العقب سبب للخسارة، أي خسارة هي؟ الدنيا والآخرة، ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر ١٥]، وإنما قلت: إن الردة على الأدبار سبب للخسران؛ لأن (الفاء) في قوله: ﴿فَتَنْقَلِبُوا﴾ فاء السببية، ولهذا نُصِب الفعل بعدها، لوقوعه بعد النهي، ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: أنه ينبغي للإنسان الداعي إلى الله أن يذكر عواقب السيئات من أجل تنفير النفوس، صحيح أن الدعوة إلى الله تعالى تحصل بأن يقول: هذا حرام، هذا حلال، هذا واجب، لكن إذا ذكر الترغيب والترهيب كان في ذلك حفْز للنفوس على الامتثال، وهنا قال موسى لقومه: ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ذكر العقوبة الدنيوية من أجل ردع الناس عن المعاصي لا ينافي الإخلاص، انتبه، صح؟ ذِكر العواقب السيئة في الدنيا من أجل ردع الناس عن المخالفة لا ينافي الإخلاص، ولهذا كان الرسل يقولون هذا يحذّرون أقوامهم، كما أن ذكر العواقب الحسنى من أجل الحث على فعل الطاعة لا ينافي الإخلاص، ألم تروا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ وَيُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٨٦)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢١) من حديث أنس بن مالك.]]، أليس هذا أمرًا دنيويًّا؟ دنيوي، ومع ذلك ذكره النبي عليه الصلاة والسلام وسيلة إلى فعل الطاعة وهي صلة الرحم، وقول بعض الناس: إن الإخلاص حقيقةً أن تعبد الله لله لا لثواب الله، هذا خطأ مخالف لهدي النبي عليه الصلاة والسلام، اقرأ قول الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الفتح ٢٩]، يبتغون الفضل والرضوان، لكن القول الذي أشرت إليه هو قول بعض الصوفية، يقولون: إنك إذا لاحظت الثواب فقد أشركت في العبادة، نسأل الله العافية، الله عز وجل يرشدنا إلى هذا ويبيّن أن هذا هو طريق الرسول وأصحابه وأنت تقول: إن هذا من الإشراك؟! صحيح أن من أراد الدنيا بعمل الآخرة عنده نوع من الإشراك، لكن إذا جعل نصيبه من الدنيا عونًا له على طاعة الله فليس فيه إشراك إطلاقًا، وانظر إلى الفواحش؛ الزنا مثلًا له عقوبة أو لا؟ له عقوبة، العقوبة لماذا؟ من أجل أن تردع الناس عنه، من أجل أن يرتدع الناس عنه، ويخشى إذا زنا أن يُجلد أو يرجم، قطع اليد في السرقة نفس الشيء، من أجل أن يهاب الناس السرقة ولا يقدموا عليها، لا يقال: يكفي الوازع الإيماني، لا يقال هذا؛ لأننا لو قلنا: يكفي الوازع الإيماني، لوجب أن نعطل جميع الحدود، ولكن نقول: الوازع الإيماني لا شك هو الأصل، لكن الرادع السلطاني مقوم أو مقوٍّ لهذا الأصل، ولا يضر.
ثم قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، اعتبارًا -والله أعلم- اعتبارًا بالأكثر.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ما يصير؛ لأنه كيف ﴿قَالَ رَجُلَانِ﴾ في مخاطبة موسى لقومه، فالرجلان غير الداعي، ولو قلنا: إنه موسى وهارون، فسد المعنى.
* طالب: (...) طلب الثواب العاجل بالعمل الصالح، هل (...) الانشراح يعده من العمل الصالح؟
* الشيخ: هذا من الثواب العاجل؛ يعني من نعمة الله على العبد أنه يجد انشراحًا في العبادة، وهذا من الثواب العاجل، ومن عاجل بشرى المؤمن؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥-٧].
* الطالب: (...) العبادة يجد الإنسان فيها انشراح أكثر من طلب العلم (...)؟
* الشيخ: السبب في ذلك؛ لأن إخلاصنا في طلب العلم فيه شيء من الخدوش، وإلا لو شعرنا الآن أننا نطلب العلم ونحن مجاهدون في سبيل الله لصارت صدورنا أشد انشراحًا، لكن مع الأسف أن كثيرًا من طلاب العلم يقصدون بالعلم أو بطلب العلم التوسّع في طلب العلم فقط، وهذه لا شك إنه نقص، أنا أقول: طالب العلم يقصد بطلب العلم نصرة هذا الدين وحماية هذا الدين من أعدائه، وبهذا ينشرح الصدر، بهذا ينشرح الصدر، ولهذا تجد الإنسان إذا لاحظ هذا الملحظ، إذا فهم مسألة من مسائل العلم رآها غنيمة، دُرّة غواص لا يمكن أن يفرط بها إطلاقًا.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ إلى آخر الآيات، بالدلالة على قدسية وقداسة أرض الشام، هل لنا أن نقول -عفا الله عنك-: بأننا كلما ابتعدنا عن المسجد الأقصى وأرض المسجد الأقصى كلما قلّت القداسة؟
* الشيخ: إي، ما فيه شك، بس كلما أبعدنا بعدت القداسة ما نقدر نقول هذا، بل نقول: إذا فارقناها بعدت، لكن هذا في زمن موسى، في زمن محمد عليه الصلاة والسلام لا شك أن المسجد الحرام أشد قداسة، المسجد النبوي أشد قداسة.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٠) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة ٢٠-٢٢].
* من فوائد هذه الآية: بيان جفاء بني إسرائيل، وذلك أن موسى كان يخاطبهم ﴿يَا قَوْمِ﴾، بهذا التلطف، وهم يقولون: ﴿يَا مُوسَى﴾، لم يقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، وهذا من جفائهم وغلظ طبائعهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: سوء ظن بني إسرائيل بالله، وذلك أن نبيهم عليه الصلاة والسلام وعدهم بأن الله كتب لهم الأرض المقدسة، ولكنهم اعتمدوا على الأمر المادي فقالوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾، وهذا يدل على سوء ظنهم بربهم سبحانه وتعالى.
* ومن فوائدها: بيان جبن بني إسرائيل، ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ وهذا غاية ما يكون من الجبن؛ لأنه من الذي يقول: لا أدخل البلدة أو القرية أو المدينة إذا خرج منها أهلها؟ جبان، فهم يقولون: ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ وهذا دليل على غاية الجبن فيهم.
* ومنها: تأكيد الجبن مرة ثانية ﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه قد يكون في القوم المتكبرين المعارضين مَن فيه الخير والصلاح والإصلاح؛ لقوله: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾.
﴿فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ فيه أيضًا: التوكيد على دخولهم إذا خرج منها هؤلاء القوم الجبارون ﴿فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾، وهذا لا يحتاج إلى توكيد، لكن يدل على بلاهتهم؛ لأن كل إنسان يعرف أنه متى خلت البلاد من عدوها وخرجوا منها فالدخول لا يحتاج إلى تأكيد، من ينكر أن يدخل الإنسان إذا خلا بلد عدوه منه؟
إذن نأخذ الفائدة التي ذكرنا: أن الله تعالى قد يجعل في القوم المعاندين المعارضين من فيه الخير والصلاح والإصلاح، من قوله: ﴿رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾.
* ومن فوائدها؛ أي أعني قوله تعالى: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾: أن الخوف من الله مما يحمل العبد على طاعة الله؛ لأنه قال: ﴿يَخَافُونَ﴾، ولا شك أن الخوف مما يحمل على الطاعة، كما أن الرجاء أيضًا مما يحمل على الطاعة، لكن الغالب أن الخوف يحمل على عدم المخالفة في الوقوع في النهي، والرجاء يحمل على الموافقة بالطاعات في الأوامر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الخوف من الله عز وجل من النعم، ولا شك أنه من نعمة الله على العبد أن يُنعم الله عليه بالخوف منه؛ لقوله: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي لمن أراد غزو بلد أن يُعَمِّي الأخبار عن أهلها، لقول هذين الرجلين الناصحين: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ يعني ولا يعلمون بكم حتى تدخلوا الباب، وقد ذكرنا لذلك شاهدًا في فتح مكة، حيث إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله أن يُعَمِّي عن قريش الأخبار حتى يبغتها في بلادها[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩ / ٢٣٣) من حديث المسور بن مخرمة. ]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من غُزِيَ في عقر داره فهو ذليل، وهذا مثل مشهور: ما غُزِيَ قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا، يؤخذ من قوله: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾، وأهل البلد مغلوبون.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الدخول على البلدة لا يكون بتسوّر الْجُدُر وإنما من الباب، ولهذا لما حاصر الصحابة رضي الله عنهم حديقة مسيلمة الكذاب ما تسوّروا الجدار، بل فتحوا الباب، ثم دخلوا، وكان البراء بن مالك رضي الله عنه مشهورًا بالشجاعة والقوة، وطلَب منهم أن يرموه من وراء السور من أجل أن يفتح لهم الباب، ففعلوا فدخل ففتح لهم الباب، فتح لهم الباب ودخل الناس هذه الحديقة وحصل النصر[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩ / ٤٤) من حديث محمد بن سيرين، والقصة في أسد الغابة (١ / ٣٦٣)، والإصابة (١ / ٢٨٠). ]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التوكل على الله من أسباب النصر؛ لقول هذين الرجلين: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾.
* ومن فوائدها: أن لا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى السبب الحسي؛ لقوله بعد أن وجههم إلى أن يدخلوا عليهم الباب: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾، ويشهد لهذا المعنى المأخوذ من هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ»[[أخرجه مسلم (٢٦٦٤ / ٣٤) من حديث أبي هريرة.]]، «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ» هذا بفعل ما تستطيع من الأسباب، «وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»، يعني: لا تعتمد على نفسك، اطلب العون من الله عز وجل حتى يحصل المراد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب إفراد الله تعالى بالتوكل؛ لقوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾، وهذا فيه تفصيل، وذلك أن التوكل المطلق الذي فيه تفويض المتوكِّل أمرَه إلى المتوكَّل عليه، هذا لا يجوز إلا لله، والمتوكّل على الله بهذا المعنى يشعر بأنه بحاجة وافتقار إلى الله عز وجل، وأما التوكُّل وهو الاعتماد الجزئي الذي لا يشعر المتوكِّل أنه مفوِّض أمره إلى هذا، وأنه -أي المتوكَّل عليه- هو الذي يمكن أن يقضي حاجته، فهذا لا بأس به، ولذلك جاءت السنة بجواز توكيل الغير والاعتماد عليه فيما وكِّل فيه، فمثلًا تقول: يا فلان، اشترِ لي كذا وكذا، أنت الآن اعتمدت عليه، لكن هل هذا اعتماد افتقار أو اعتماد معونة؟ الثاني، معونة، فأنت الآن تشعر بأن هذا الرجل لست مفتقرًا إليه، لو شئت لعزلته، وهو أيضًا لا يمكن أن يأتي بمرادك، قد يعتريه مرض وقد يُمنع منه، إلى آخره، لكن توكّل العبد على الله عز وجل -وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتوكلين عليه- يشعر الإنسان بأنه في حاجة إلى الله، وأنه قد فوّض أمره إلى الله عز وجل، ومن ثم لا يمكن أن نقول: إن التوكل على غير الله إنه شرك؛ لأنه -كما قلت لكم- الفرق العظيم بين هذا وهذا ظاهر، لكن قد يتوكل الإنسان ويعتمد الإنسان على من ينفق عليه مثلًا، الابن يعتمد على أبيه في حصول النفقة، فهنا المسألة دقيقة جدًّا، كذلك الموظف يعتمد على وظيفته، هذه مسألة دقيقة إن أشعرت نفسك بأن هذا سبب محض، وأن الذي جعله سببًا هو الله، وأن الله قادر على أن يمنع نفوذ هذا السبب، وجعلت الأمر كله إلى الله عز وجل، فإن ذلك لا ينافي التوكل لا أصله ولا كماله، وأما إذا اعتمدت عليه وعلقت قلبك به فإن هذا بلا شك نوع من الشرك، إن نسيت الله بالكلية، والعياذ بالله، وجعلت هذا هو الذي يجلب لك الأمور بنفسه فهذا أكبر وإلا كان أصغر، ومن ذلك ما يقع كثيرًا للمرضى أنه يعتمد على الطبيب اعتمادًا كليًّا، حتى إنه يشعر بنفسه أن الشفاء كان منه، وهذا خطر عظيم، أما إذا اعتمدت على الطبيب على أنه سبب والمسبِّب هو الله عز وجل، وأن الله تعالى إن قدّر لك الشفاء فهو الذي شفاك، وإلا فالطبيب لن ينفعك، وغاية ما هنالك أنني أذهب إلى الطبيب كما أوقد النار لطهي طعامي مثلًا، فهذا لا بأس به، ولا بد أن يكون في القلب شيء من التعلق بمن ينفعه، لكن يجب أن نجعل الأول والآخر هو الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن إفراد الله بالتوكل من الإيمان؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وأن نقص التوكل على الله نقص في الإيمان؛ لأن ما رُتِّب على شيء ازداد بزيادته ونقص بنقصه.
ثم قال عز وجل: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا﴾ إلى آخر الآية.
في هذه الآية ما ذكرنا في الآية التي قبلها: جفاء بني إسرائيل، حيث يخاطبون نبيهم باسمه العلَم دون وصفه بالرسالة والنبوة.
* ومن فوائدها: إصرار بني إسرائيل على المعصية وعلى الجبن والخور؛ لقولهم: ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾، وهذا واضح أنهم مصرّون على معصية نبيهم الذي قال: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الغطرسة العظيمة في بني إسرائيل، حيث قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، حتى (اذهب) وصيغتها بهذه الصيغة كأنهم آمرون لموسى أيضًا في استعلاء واستكبار ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ﴾، يعني ما رجوه رجاء وقالوا: ألا تذهب يا رسول الله أو يا نبي الله، أو ما أشبه ذلك، ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾، ثم فيه وجه ثالث للغطرسة ﴿إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ما نتحرك، ولا نذهب معك، لم يقولوا مثلًا: إننا رِدْءٌ لك نحميك من ظهرك، وما أشبه ذلك، ففيها أيضًا كمال الغطرسة من بني إسرائيل.
ثم قال الله تعالى عن موسى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن موسى عليه الصلاة والسلام أيس من بني إسرائيل حينما عاندوا هذا العناد وعبّروا هذا التعبير؛ لقوله: ﴿إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾، وقارن بينهم؛ أي بين بني إسرائيل وبين صحابة النبي ﷺ حيث: كانوا يبتدرون أمره ويتسابقون إليه[[أخرجه البخاري (٢٧٣١) من حديث المسور بن مخرمة.]]، تجد الفرق العظيم بين هذه الأمة -والحمد لله- والأمم السابقة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن موسى عليه الصلاة والسلام له الكلمة على هارون، يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾، أما كونه أكبر من يعني هارون أو موسى هذا يحتاج إلى دليل صحيح، لكن موسى عليه الصلاة والسلام كان له الإمرة على هارون.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز دعاء الإنسان ربه عز وجل أن يفصل بينه وبين أهل الفسوق والفجور؛ لقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾، فهل يؤخذ من هذا أو هل يتفرع من هذه الفائدة جواز هجران الفسقة؟ لأن الهجر مفارقة، يمكن أن يؤخذ منها هذا، ولكننا نقول: السنة دلّت على أن الهجر إن كان فيه مصلحة فافعل وإلا فلا تفعل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التخلي عن الجهاد في سبيل الله من الفسق؛ لقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
هل نقول: ومن فوائدها: الأخذ بالأكثر؛ لأن من بني إسرائيل قوم موسى من كانوا على الحق، الرجلان اللذان قالا: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾؟ هل هما فاسقان؟
لا، لكن باعتبار الأكثر صح أن يوصف الفسق على وجه العموم، وقد يقال: إن ﴿الْفَاسِقِينَ﴾ هنا عام أريد به الخاص، وأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يكن في باله إطلاقًا أن يدخل الرجلان، وعلى هذا فيكون الوصف هنا خاصًّا بالذين قالوا: ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا﴾.
قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: استجابة الدعاء؛ لقوله: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ﴾، واستجابة الله للدعاء تتضمن عدة صفات؛ منها: الاستجابة، ومنها: العلم، ومنها: السمع، ومنها: القدرة، كل هذه ثابتة بالاستجابة؛ لأنه لو لم يسمع لم يستجب، لو لم يعلم ما يريد الداعي لم يستجب، لو لم يقدر لم يستجب أيضًا.
* ومن فوائدها: أن التحريم يطلق على المنع القدري؛ لقوله: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾؛ لأننا نعلم أن الله تعالى لم يرد أن الله حرم عليهم دخولها شرعًا، لكن قدرًا، وهو كذلك، أعني أن التحريم يكون كونيًّا ويكون شرعيًّا، وقد ضربنا لذلك أمثلة أثناء الكلام على تفسير الآية، من التحريم القدري الكوني قوله تعالى في موسى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ تحريمًا شرعيًّا أو قدريًّا؟ قدريًّا، ومن التحريم الشرعي قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة ٣]، وقوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام ١٤٦].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إرشاد الإنسان أن لا يحزن على الفاسق؛ لأنه إذا بذل جهده فيما يجب من الدعوة فإن هداية الخلق ليست إليه، إلى الله، فلا يحزن، ولهذا قال الله: ﴿لَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣]، وقال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف ٦]، والآيات في هذا متعددة، فالإنسان إذا بذل الجهد بقدر المستطاع فلا ينبغي أن يحزن ويشتغل بعيوب غيره عن عيوب نفسه، ولا يَأْسَ على القوم الفاسقين، وكثير من الناس يكون عنده غيرة فتجده يشتغل بمعاصي غيره وعيوب غيره وينسى نفسه، وهذا خطأ، أهم شيء عليك نفسك، عدّلها ثم اسعَ في إصلاح الآخرين، وإلى هنا انتهى الموقف، ويقول عز وجل: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة ٢٧].
* طالب: شيخ -بارك الله فيكم- جاء عن السلف رحمهم الله أنهم يهجرون أصحاب البدع، ولكن يعني بناء على القاعدة أن الهجر يتبع فيه مصلحة، رأينا صاحب بدعة قد حاول الإنسان معه فلم (...) هذه البدعة ويرى أنه لو هجره ما (...) شيء، بل ربما يعني طال بهم هذا، يعني يحال بينك وبينهم ولا تدعوهم إلى الله عز وجل بسبب أن صاحب هذه البدعة (...)، هل الأولى يا شيخ الواحد يسايرهم وهو يدعوهم للمنهج القويم والمنهج الصحيح..؟
* الشيخ: هذا الذي نرى، إذا كان هجران العاصي أو المبتدع لا يزيد الأمر إلا شدة فأنت إنما هجرته ليش؟ للإصلاح، ولأجل أن يرتدع، هو ما هو مرتدع يمكن يزيد في الشر، ونضرب أيضًا مثلًا في صاحب المعاصي لو أنك رأيت حالقًا لحيته وهجرته هل إنه سوف ينتهي عن ذلك؟ إن كان ينتهي فلا بأس، طيب، اهجره، أما إذا كان لا ينتهي وإنما يزداد كراهة لك ولما تدعو إليه من الحق وسيستمر فأي فائدة؟! ثم إن عندنا الحديث الصحيح «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٦٥)، ومسلم (٢٥٥٨ / ٢٣) من حديث أنس بن مالك.]]، وهذا مسلم.
* طالب: يا شيخ، اللي جعل السلف يحمل على (...) في إصلاحهم؟
* الشيخ: ما فيه شك، لإصلاحهم أو لخوف أن يغتر بهم الخلق.
* الطالب: طيب، إن هذا يقع، يغتر الناس بهم؟
* الشيخ: كيف يغتر وأنت تصرح بأنه على ضلال؟
* الطالب: لا (...) على ضلال علنًا (...).
* الشيخ: (...) على كل حال أنت إن خصصتهم بأعيانهم صحيح، لكن إذا قلت: قال بعض الناس كذا، أو يُقال: كذا، ما ينفرون.
* طالب: بارك الله فيك، ما حكم وصف موسى عليه السلام بالعصبية لهذه المواقف؛ أولًا: غضبه وإلقاؤه للألواح، تعنيفه لهارون قبل سؤاله وأخذه بلحيته، قتله للرجل الفرعوني، تسرعه بالسؤال بقصة الخضر، واختياره للمصير الأدنى إذ قال له: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي﴾ [الكهف ٧٦]؟ فما حكم وصف موسى عليه السلام بالعصبية بسبب هذه..؟
* الشيخ: نقول للذي وصفه بالعصبية: هل أنت تخبر مجرد خبر؟ فلا تعرض المسألة على هذه الصفة بل قل: إن موسى عليه الصلاة والسلام عنده غيرة وعنده قوة، وما أشبه ذلك من الوصف الذي تجعله مدحًا لا قدحًا، وأما إذا أردت القدح فيه فالقدح فيه كفر، كفر مُخْرِج عن الملة، فمثلًا يقول: موسى عليه الصلاة والسلام مشهور بأنه قوي وشديد، ولهذا لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه لطمه حتى فقأ عينه[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٣٩)، ومسلم (٢٣٧٢ / ١٥٧) من حديث أبي هريرة. ]]، فهو معروف بالشدة، أما أن..
تصرح بأنه على ضلال؟
* الطالب: لا، (...) على ضلال علنًا (...).
* الشيخ: (...) على كل حال، أنت إن خصصتهم بأعيانهم صحيح، لكن إذا قلت: قال بعض الناس: كذا، أو يُقال: كذا؛ ما ينفرون.
* طالب: ما حكم وصف موسى عليه السلام بالعصبية لهذه المواقف؛ أولًا: غضبه وإلقاؤه للألواح، تعنيفه لهارون قبل سؤاله وأخذه بلحيته، قتله للرجل الفرعوني، تسرُّعه بالسؤال بقصة الخضر، واختياره للمصير الأدنى إذ قال له: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي﴾ [الكهف ٧٦]؟ فما حكم وصف موسى عليه السلام بالعصبية بسبب هذه..؟
* الشيخ: نقول للذي وصفه بالعصبية: هل أنت تخبر مجرد خبر؟ فلا تعرض المسألة على هذه الصفة، بل قل: إن موسى عليه الصلاة والسلام عنده غيرة وعنده قوة، وما أشبه ذلك من الوصف الذي تجعله مدحًا لا قدحًا، وأما إذا أردت القدح فيه فالقدح فيه كفر، كفر مُخْرِج عن الملة، فمثلًا: موسى عليه الصلاة والسلام مشهور بأنه قوي وشديد، ولهذا لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه لطمه حتى فقأ عينه[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٣٩)، ومسلم (٢٣٧٢ / ١٥٧) من حديث أبي هريرة.]]، فهو معروف بالشدة، أما أن نقول: إنه معروف بالحمق والتسرع وما أشبه ذلك، ما يجوز أبدًا، ثم له من الحسنات العظيمة ما يطغى على مثل هذا، والإنسان الشديد ربما يقع منه هذا الشيء.
* الطالب: (...) طاعن في موسى أم ننظر إلى نيته..؟
* الشيخ: والله نرى أنه أساء الأدب لا شك، هذا على طول، أما كونه قادحًا أو غير قادح فالله أعلم بنيته، لكن لا شك أنه أساء الأدب.
* طالب: أحسن الله إليك، أشكل عليّ قولنا: بأن الرجلين اللذين أخبرا قومهما بكيفية الدخول على هؤلاء أصحاب القرية وقول موسى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي﴾ [المائدة ٢٥] شيخ، فلماذا لم يستثنهما معه؟
* الشيخ: قلنا: إما أن هذا بناءً على الأغلب، أو أنه ما أرادها أصلًا، وأما ﴿لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾ فهو وإن كان الرجلان قد نصحا ما يدري هل يملك؟ ما يملك الملك التام والسيطرة التامة إلا على أخيه.
* طالب: قصة البراء بن مالك رضي الله عنه التي ذكرناها[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٩ / ٤٤) من حديث محمد بن سيرين.]] وذكرنا صورًا لـ(...)، واستدل البعض يا شيخ بهذه القصة على جواز العمليات الانتحارية، فما الجواب عن هذا الإيراد بارك الله فيك؟
* الشيخ: الأعمال الانتحارية -بارك الله فيك- هل هي موت محقّق؟ أسألك، موت محقق، هل قصة البراء بن مالك موت محقق؟ إذن ما فيها دليل.
* طالب: هم يقولون: إنه سقط في أرض العدو؟
* الشيخ: لكن فيه مثلًا واحد في الألف إنه ينجح، والمنتحر فيه ألفين إنه يموت، فرق عظيم.
* طالب: هل يمكن (...) الحسنة تخص والسيئة تعُمّ؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...) ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة ٢٦] وفيهم من كان مصلحًا مثل: ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة ٢٣]..؟
* الشيخ: إي نعم، العقوبة تعُمّ ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال ٢٥].
* طالب: جزاكم الله خيرًا، إذا كان الإنسان معروفًا بالجبن، جُبِلَ مثلًا على هذا الطبع، فمثلًا إذا لم يستطع الجهاد في سبيل الله وكان فرضًا عينيًّا، فكيف يكون الحال، ثم الذي يُروى عن حسان بن ثابت في هذا هل هو صحيح أنه لم يكن يجاهد، قرأت هذا عند بعض الكُتّاب؟
* الشيخ: بعض المتأخرين في الحقيقة ما عندهم أدب مع الصحابة، ولا شك أن حسان بن ثابت رضي الله عنه ليس كخالد بن الوليد في الإقدام والشجاعة، لكن كوننا نقول: إنه جبان، وأن المرأة أشجع منه، هذا غلط عظيم، مع أنه يدافع عن النبي عليه الصلاة والسلام دفاعًا بلسانه أشد من وقع النبل عليهم.
* طالب: شيخ، (...) طبعهم هكذا؟
* الشيخ: والله، يُنصحون، ويقال: لا تكونوا من آخر هذه الأمة الذين يلعنون أولها، اتقوا الله.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، يعني المسألة حُكمية، إذا كان فرض عين يجب عليهم، فإن تخلفوا فهم آثمون.
* طالب: إذا أصيب الإنسان بمرض وترك التداوي ويحتج في ذلك بقصة عمران بن حصين التي في صحيح مسلم[[مسلم (١٢٢٦ / ١٦٧).]] بأنه قال لأحد الصحابة: كان يُسَلَّم عليّ، فلما اكتويت تُرِك ذلك، فلما تركته سُلِّم عليّ، وقصة أبي بكر عندما مرض وقيل له: ألا تتداوى؟ قال: قد رآني طبيب، قالوا له: ماذا قال؟ قال: أنا على ما أشاء قدير[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٥٤٤٣) بنحوه.]]، هل له حجة يا شيخ؟
* الشيخ: عندنا السُّنَّة، وعندنا فعل الصحابة، أيهما نقدم؟ والرسول أمر بالتداوي، إلا أننا لا نتداوى بحرام، ثم يُحمل فعل بعض الناس سواء من الصحابة أو فيمن بعدهم على أن عنده من قوة التوكل ما يغنيه عن الدواء، فهي تكون قوة التوكل عنده بمنزلة الدواء، ولقد حدثني أحد الإخوة عن (...) أحد يكوى في الصباح ويصحو في آخر النهار، وأمثال هذا كثير، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام لما ذكر «الحبَّة السَّوْداء أنها شِفاء من كُلِّ داءٍ إلا الموت»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٨٨)، ومسلم (٢٢١٥ / ٨٨) من حديث أبي هريرة.]] ما غرضه بهذا؟ أن يستشفي الناس بها.
* طالب: المصاب بمرض قلب أو كذا ويخشى أنه لو ذهب إلى أطباء وأجرى العملية لا يتقنونها؛ لأن هذا مرض..؟
* الشيخ: هذا شيء آخر، إذا كان ما عنده الثقة بالطبيب، هذا شيء آخر، لا سيما إذا كان مرضه خطيرًا لا يخاطر بنفسه، أما إذا كان أمرًا معلومًا؛ مثلًا الزائدة الآن، الزائدة إذا أصابت الإنسان إن بادر بها وقطعها سَلِم بإذن الله، وإن تركها مات، وهي عملية سهلة، البواسير الآن سهلة عند الأطباء، أليس كذلك؟ مع أن بعض العلماء يقول: حرام، قطع البواسير حرام؛ لأن في عهدهم خطر، خطر يكون نزيف ويموت الإنسان، لكن الآن تقدم -والحمد لله- العلم؛ علم الطب.
* طالب: أحسن الله إليك، هل منافاة التوكل الابتداء بالتداوي بالأسباب التي كالأدوية الطبية وترك القراءة الشرعية والأسباب المعنوية، أو ليست..؟
* الشيخ: أبدًا، هذا مثل ما قلنا؛ يعني قد يعزف بعض الناس إلى التداوي بالأدوية الحسية دون القراءة، هذه ربما تكون أفيد من القراءة عند بعض الناس؛ لأن الإنسان المريض لا يتقبل هذه القراءة، يكون شاكًّا فيها، ولا تنفعه إذا كان شاكًّا فيها، أو لا يثق بالقارئ، لكن في الأمور الحسية يثق بها كثيرًا، لكن هناك أمراض ما ينفع فيها الأدوية الحسية مثل: الأمراض النفسية، هذه ما ينفع فيها إلا القراءة، والأطباء.. تجده يكشف على المريض عدة مرات يقول: ما فيه شيء، هذا لا ينفع فيها إلا القراءة.
* طالب: الذي يشك في قراءة القارئ أو في نفع القراءة من المصحف له ألا يعد من نقص التوكل على الله؟
* الشيخ: لا يستفيد، لا، ما ندري عاد هل هو يشك في هذا باعتبار الدواء الذي هو الآيات أو باعتبار القارئ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["یَـٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِی كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّوا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِینَ","قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ فِیهَا قَوۡمࣰا جَبَّارِینَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِنَّا دَ ٰخِلُونَ","قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِینَ یَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمَا ٱدۡخُلُوا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَاۤ أَبَدࣰا مَّا دَامُوا۟ فِیهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـٰتِلَاۤ إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ","قَالَ رَبِّ إِنِّی لَاۤ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِی وَأَخِیۖ فَٱفۡرُقۡ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ","قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰۛ یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"],"ayah":"یَـٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِی كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّوا۟ عَلَىٰۤ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق