الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون﴾ [المائدة ١١].
الكلام على قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تقدم كثيرًا، وأظنه لا يخفى.
وقوله: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ أَمَرَ الله تعالى أن نذكر نعمته لا من أجل مجرَّد الذِّكر والخبر، ولكن للقيام بشكر هذه النعمة؛ لأن مجرد أن أقول: إنَّ الله سلَّمني من العدو، إنَّ الله مكَّنني من العدو، إنَّ الله نصرني على العدو، إنَّ الله خذل عدوي. لا يكفي، لا بد أن يكون ذلك شكرًا لله عز وجل، فإن كان شكرًا بأن كان يتحدث الإنسان بنعمة الله ثناءً على الله فهذا من الشكر.
وقوله: ﴿نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ﴾ هذه متعلقة بقوله: ﴿نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ فتكون في موضع نصب على الحال.
﴿هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ مَن القوم؟ المشركون، هَمُّوا بقتل النبي ﷺ، وهَمُّوا أيضًا بأن يقاتلوه في مكة، ولكن الله قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح ٢٤]، وقال في سورة النساء: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ [النساء ٩٠] فعِدَّة وقائع يَهُمُّ الكفار بأن يبسطوا أيديهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، ولكن الله تعالى يكُفُّ أيديهم ويسلِّم الرسول وأصحابه.
﴿فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ ولم يستطيعوا أن ينالوكم بالسوء، وهذه نعمة عظيمة أن يَهُمَّ عدوك بشيء ثم يحجزه الله عنه؛ لقد قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: ﴿إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [الأحزاب ٩]، وقال فيها: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب ٢٥].
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أَمَر بذكر النعمة والتقوى، والتقوى: هي اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ يعني: وليتوكل المؤمنون على الله، ونعلم جميعًا أن قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ متعلق بـ(ليتوكل) فهي مقدمة عليها لإفادة الحصر، والفاء زيدت لتحسين اللفظ، وإلا لو قيل: وعلى الله ليتوكل، لصح الكلام.
وقوله: ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ﴾ اللام لام الأمر، وأصلها مكسورة، لكنها تُسَكَّن إذا سبقها.. من يعرف؟
* طالب: الفاء، والواو، وثم.
* الشيخ: الفاء، والواو، وثم. صح.
في الآية التي معنا ما الذي سبقها؟ الفاء.
وفي قوله: ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ﴾ [الحج ١٥] (ثم).
﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾ [الحج ٢٩] الواو.
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فاللام للأمر، والتوكل أحسن ما قيل فيه أنه صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضارِّ ثقةً به تبارك وتعالى وتفويضًا إليه. هذا التوكل على الله؛ أن تعتمد على الله في جلب المنافع -والإنسان محتاج إلى المنافع- ودفع المضارِّ ثقةً بالله عز وجل وتفويضًا إليه. وبهذا يظهر الفرق بين توكل الإنسان على العبد وتوكله على الرب؛ توكل الإنسان على الرب تفويضٌ مطلق، ويعتقد الإنسان أن الله تعالى هو الذي له الحكم فيه وله السلطة عليه، توكله على شخص وكَّله أن يشتري له حاجة ليس كذلك، ليس تفويضًا إليه، ولكنه وكَّله يعتقد أنه دونه في المرتبة، أليس كذلك؟ يعني عندما تعتمد على شخص وكَّلته ليشتري لك حاجة هل هو كتوكلك على الله؟
لا، توكُّلي على الله توكل عبادة وتفويض واستسلام، وتوكُّلي على إنسان وكَّلته ليس إلا اعتمادًا على شخص أنا الذي أدبِّره، وأنا الذي أريد أن يتوكل، وأنا الذي بيدي فسخ وكالته، فالفرق بين التوكل على الله والتوكل على العبد فرق عظيم، لكن مع ذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول: توكلت على فلان في شراء كذا وكذا، بل يقول: وكَّلت فلانًا؛ لئلَّا يُستعمَل اللفظ الذي لا يطلق إلا لله في حق العبد.
وقوله: ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ يعني الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إلى آخره.
* في هذه الآية الكريمة فوائد منها: أنه يجب على الإنسان أن يذكر نعمة الله عليه في جلب المنافع ودفع المضارِّ، من أين تؤخذ؟ من أَمْر الله بذكر نِعَمه بكَفِّ أيدي الأعداء عنَّا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كَفَّ الأذى والضرر من النعم، وهو كذلك، وكثير من الناس يظنون أن النعم هي الإيجاد، ولكن هذا قصور؛ النعمة إما إيجادُ معدومٍ وإما كفُّ موجودٍ، ولهذا يُشكر الله عز وجل على هذا وهذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب تقوى الله عز وجل عند ذكر النعم حتى لا يطغى الإنسان ويرتفع ويربأ بنفسه؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب التوكل على الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ﴾.
* ومن فوائدها: إخلاص التوكل لله سبحانه وتعالى، وذلك من تقديم أيش؟ من تقديم المعمول، والقاعدة عند البلاغيين أن تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر.
فإن قال قائل: هل التوكل يمنع فعل الأسباب؟
فالجواب: لا، بل التوكل لا يتمُّ إلا بفعل الأسباب، وأضرب لكم مثلًا بسيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومع ذلك كان يتوقَّى الحرَّ، ويتوقَّى البرد، ويلبس الدروع في الحرب، ولبِسَ في أُحُدٍ دِرعين عليه الصلاة والسلام، كل ذلك توقِّيًا للسهام، ففِعْل الأسباب النافعة الحقيقية لا ينافي التوكل، بل هو من تمام التوكل، ولهذا لو قال قائل: أنا لن أسعى في طلب الرزق؛ يرزقني الذي رزق الثعابين في جحورها، أنا متوكل على الله. قلنا: هذا عجز وكسل؛ التوكل على الله التفويض إذا لم تستطع الأسباب، نعم، إذا عجز الإنسان عن الأسباب ليس عنده الآن إلا التفويض، ولهذا تجد الكفار إذا غَشِيهم موج كالظُّلَل دعوا الله مخلصين له الدين، فوَّضوا الأمر إلى الله، وكذلك الإنسان إذا أصابه شيء؛ إذا ألَمَّ به شيء لا يستطيع دفعه تجده ليس له حول ولا قوة، أما مع القدرة على فعل الأسباب فإنه لا بد من فعلها.
لو أن الإنسان قال: أنا أريد أن أسافر إلى مكة للحج، قلنا: خذ معك نفقة، قال: ما أحتاج، أنا متوكل على الله، ماذا نقول في هذا؟
هذا عجزٌ وتوانٍ وكسل، إذا كنتَ متوكلًا على الله حقيقة فافعل السبب؛ خذ معك ما يكفيك للنفقة، أو أجِّر نفسك على أحد تكون معهم ويكفونك المؤونة، أو ما أشبه ذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التوكل من الإيمان؛ لقوله: ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، فوجَّه الأمر إلى المؤمنين لأنهم هم أهل التوكل.
* ومن فوائدها: أن ترك التوكل على الله نقصٌ في الإيمان، ولكن هل يُنافي كمال الإيمان أو يُنافي أصل الإيمان؟
فيه تفصيل؛ فمن توكَّل على نبيٍّ ميت -وكل الأنبياء أموات إلا عيسى فهو في السماء حيًّا- فهذا يُنافي أصل الإيمان، مَن توكَّل على قبرٍ فهذا يُنافي أصل الإيمان، مَن اعتمد على سبب معلوم وهو سبب شرعيٌّ أو قَدَريٌّ فذلك لا يُنافي الإيمان، لكن لا تجعل عُمْدتك هذا السبب، بل اجعله سببًا، والمسبب هو الله عز وجل، ولهذا نجد الأسباب كثيرًا ما تتخلَّف مسبَّباتها؛ لأن الأمر بيد من؟ بيد الله عز وجل ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ هَمَّ قَوۡمٌ أَن یَبۡسُطُوۤا۟ إِلَیۡكُمۡ أَیۡدِیَهُمۡ فَكَفَّ أَیۡدِیَهُمۡ عَنكُمۡۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق