الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت ٤٣ - ٤٦]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ إلى آخره ﴿مَا يُقَالُ لَكَ﴾ قال المفسِّر: (من التكذيب) يعني والاستهزاء والسخرية وغير ذلك ﴿إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ومنه قولهم: إنه ساحر مجنون كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢] هذه الكلمة كلُّ أحد يقولها للرسول، ويحتمِل أن يكون المعنى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ﴾ مِن الوحي ﴿إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أي مثلَه والآيات تحتملُهما ولا مانع من إرادتهما (﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا﴾ مثل ﴿مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ) قوله: (﴿إِلَّا﴾ مثل) زاد المؤلف (مثل) ومعلومٌ أنَّ قوله: ﴿إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ﴾ لا يساويه قوله: (﴿إِلَّا﴾ مثل) وإنما لجَأَ المؤلف إلى ذلك؛ لأن الذي قيل للرسول ﷺ ليس هو بحروفِه ما قيل لِمَن قبلَه، ولكن الأولى أن يُقال: الآية على ظاهرها أنَّ ما قيل للرسول قد قيل لِمَن قبلَه وكما ذكرتُ لكم آنفًا: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢] فيقال: إنهم قالوا نفس الكلام لكن بلغتِهم ليس بلغة العرب. ﴿إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ هذه الجملة فيها عرْضٌ للمكذبين أن يؤمِنوا فإن لم يؤمنوا فقد تعرَّضُوا للعقاب، عرْضٌ أن يؤمنوا لقولِه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ يعني كأنه يقول: فآمنوا يُغفَر لكم وهذا كقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال ٣٨] ﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ يعني: إن لم يؤمِنوا ففيه ترغيب وفيه ترهيب: الترغيب في قوله: ﴿لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ والترهيب: ﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ والعقاب هو الانتقام والأليم بمعنى المؤلِم، وفعيل تأتي بمعنى مُفعِل كثيرًا في اللغة العربية كما قال الشاعر: ؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ ....................... (السَّميع) يعني الـمُسمِع ؎......................... ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ * في هذه الآية الكريمة: تسلية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه إذا عَلِم أنه قد قِيل للرُّسل مِن قبلِه مثلُ ما قيل له سهُلَ عليه الأمر. * ومن فوائدِها: أنَّ سنة الله تعالى واحدة فالمكَذِّبُون قولُهم واحد وفعلُهم واحد لقوله: ﴿إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات صفةُ المغفرة لله عز وجل وهي ستْر الذَّنب والتجاوز عنه، هذه المغفرة. * ومن فوائدها: إثباتُ شدَّةِ عقابه لقوله: ﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾. * ومن فوائدها: رحمة الله بالعباد حيث يعرِض عليهم مُوجَبُ التوبة حتى لا يتمادَوْا في معصيتهم لقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾. * ومن فوائدها: أنَّ هذا القرآن مثاني فإذا ذُكِر فيه جانب الترغيب ذُكِر معه جانب الترهيب لئَلَّا تطمَعَ النفس وتغلُوَ في الطَّمع فتأمَنَ مِن مكرِ الله فيجمَع الله تعالى بين هذا وهذا لئلا يطمَعَ الإنسان في الفَضْل فيأمَنَ مِن مكر الله، ولئَلَّا يخاف فيقْنَط من رحمة الله وعلى هذا فيكون سيْرُه إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي للسائر إلى الله عز وجل أن يكون خوفُه ورجاؤُه واحدًا فأيُّهما غلَب هلك صاحبه. وقال بعضهم: ينبغي أن يكون الخوف والرجاء للإنسان كجناحي الطير إن انهزَع أحدهما سقط الطير. فيكون الرجاء والخوف واحدا متساويًا ترجو وتخاف ولهذا قال: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة ١٦] وفصَّل بعض أهل العلم فقال: ينبغي للإنسان إذا عمِل الحسنات أن يكون جانبُ الرجاء في حقِّه أرجح؛ لأن هذا من إحسان الظن بالله ووجهُه أنَّ الله لَمَّا وفقك للعمل فإنه قد وعدَك بالثواب، ولَمَّا وفقك للدعاء فقد وعدك بالإجابة، فعليه إذا فعلْتَ الخير فغلِّب جانب الرجاء، وإن فعلْت الشر أو هممْتَ به فغلِّب جانب الخوف ليردَعَك الخوف عن التمادي في الشر أو عن مواقعة الشر، هذا تفصيل، تفصيلٌ آخر بعضُهم سلك منحًى آخر وقال: في حال الصحة ينبغي أن يغَلِّب جانب الخوف؛ لأنَّ الصحيح الإنسان الذي قد أعطاه الله صِحَّةً في بدنه وعقله ربما يتمادى في الشر ولا يبالي، وإذا كنت في المرض فغلِّب جانب الرجاء لأنَّ النبي ﷺ قال: «لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسِن الظنَّ بربِّه»[[أخرجه مسلم (٢٨٧٧ / ٨١) من حديث جابر بن عبد الله.]] لأنَّ الله تعالى عند حُسْنِ ظَنِّ عبدِه به، والذي ينبغي أن يقال: إنَّ الإنسان طبيبُ نفسه فإذا خاف من نفسه التمادي في المعاصي والتهاون بالطاعات فليُغَلِّب جانب الخوف، وإن خاف من نفسِه الزُّهُوّ والخُيَلَاء والأمْن مِن مَكْر الله فليُغَلِّبْ جانب الخوف فالإنسان في الحقيقة طبيبُ نفسه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب