الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ (لا) هذه نافية، ﴿يَسْتَوِي﴾ فعل مضارع، و﴿الْقَاعِدُونَ﴾ فاعل، و﴿الْمُجَاهِدُونَ﴾ معطوفة على ﴿الْقَاعِدُونَ﴾؛ وذلك أن من الناس من تمنَّى على الله الأماني، تمنى أن يكون مثل المجاهدين في سبيل الله وهو قاعد، وهذا لا يمكن؛ ولهذا نفى الله المساواة فقال: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ القاعدون عن أيش؟ عن الجهاد.
ثم قال: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ وفي ﴿غَيْرُ﴾ قراءتان: الرفع على أنها صفة لـ﴿الْقَاعِدُونَ﴾، والثاني: النصب على أنها مستثنى، وكلاهما قراءتان صحيحتان سبعيتان، فيجوز أن تقرأ ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ أو ﴿غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ﴾ .
وهذا فيما بينك وبين نفسك، أو فيما بينك وبين طلابك أهل العلم الذين يفهمون، أما عند العامة فلا تذكر لهم قراءتين؛ لأن في ذلك مفسدتين: خاصَّة، وعامة، الخاصة أنهم يتهمونك بالخطأ، صلينا خلف إمام يلحن يقول: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غيرَ أُولِي الضَّرَرِ﴾ واللي في المصحف: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾، إذن هذا إمام ما يصلح لأيش؟ لأنه يلحن.
ثانيها: المفسدة العامة؛ أن الناس إذا قيل لهم: إنه لم يلحن ولكنه أخذ بقراءة ثانية ربما تهبط عظمة القرآن في نفوسهم، كيف القرآن يختلف؟ القرآن -سبحان الله- يختلف؟ فلهذا لا ينبغي أن يقال لكل إنسان: إن في هذا قراءتين، وقال علي رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون –أي: ما يمكنهم معرفته من غير نفور- أتريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولُه؟»[[أخرجه البخاري (١٢٧).]] الجواب: لا، إذن حدِّث الناس بما تبلغه عقولهم وبما يمكن أن يهضموه ويعرفوه، وليس معنى قوله: «حدثوا الناس بما يعرفون » أن تحدِّثوهم بما كانوا قد عرفوه؛ لأن هذا ما فيه فائدة، الذي قد عرفوه لا حاجة إلى التحديث، اللهم إلا على سبيل التذكير بعد الغفلة فهذا يمكن.
يقول عز وجل: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ وما هو الضرر؟ الذي يسقط وجوب الجهاد، بيَّنه الله تعالى في قوله: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح ١٧] هذه الأعذار الثلاثة، وقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ﴾ [التوبة ٩١] شرط ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، هؤلاء هم أهل الأعذار.
﴿وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ المجاهد هو الذي بذل جهده –أي: طاقته- في إدراك ما يريد.
وقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: في شريعة الله، وهذا يشمل القصد والتحرك، القصد بَيَّنَه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «مَنْ قَاتَل لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٢٣)، ومسلم (١٩٠٤ / ١٤٩)، من حديث أبي موسى الأشعري.]]، التحرُّك أن يكون الجهاد على وفق الشرع، بحيث نقوم به حينما يكون فرضًا أو سنة، ونحجم عنه حينما يكون ضرره أكثر من التحرك به، انتبه، يعني مثلًا لو أن الأمة الإسلامية عندها تأخر في السلاح في العُدد في العَدد أيضًا والأمم ضدها أقوى منها سلاحًا وأكثر عَددًا فهل من المستحسن أن نقاتل؟ لا؛ ولهذا لم يوجب الله القتال على الأمة الإسلامية إلا حين كانت أيش؟ مستعدة وقادرة ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال ٦٠].
إذن ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يشمل معنيين: المعنى الأول: القصد بأن يكون قصد المجاهد إقامة شريعة الله أن تكون كلمة الله هي العليا، والمعنى الثاني: أن يكون على وفق الشريعة؛ لأن (في) للظرفية، والمظروف ما هو؟ سبيل الله، هذا المظروف، إذا قلت: الماء في الكأس، الظرف: الكأس، المظروف: الجهاد في سبيل الله، لا بد أن يكون في سبيل الله، أي: في شرعه الذي شرعه.
وقوله: ﴿بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ الباء هذه كقولك: قَطَعْتُ بالسكين، وضربت بالعصا، فهي للتعدية، يعني بمعنى أنها لبيان الأداة التي حصل بها الجهاد، والجهاد يكون بالأموال ويكون بالأنفس، وقدَّم الله الجهاد بالأموال لسببين: السبب الأول أنه أهون على الإنسان، أليس كذلك؟ القتال بالمال هو أهون على الإنسان في الغالب، والشيء الثاني: قد يكون نفعه أكثر؛ لأن الإنسان بنفسه يقاتل ويقتل من شاء الله، لكن إذا كان ذا مال كثير وبذل أموالًا عظيمة كم يمون من المجاهدين؟ عشرات أو مئات أو أكثر. ﴿وَأَنْفُسِهِمْ﴾ يعني ذواتهم.
ثم بين الله عز وجل وجه انتفاء الاستواء فقال: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾، وهذه الدرجة لم يبيِّنْها الله عز وجل، لكن قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأنعام ١٣٢] يستفاد منها: أن هذه الدرجة درجة عظيمة كبيرة ليست هينة، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةً أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ»[[أخرجه البخاري (٢٧٩٠)، من حديث أبي هريرة.]].
﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ ﴿كُلًّا﴾ قد يشكل علينا لماذا نصبت؟
* طالب: مفعول مقدم.
* الشيخ: مفعول مقدم لأيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: و﴿الْحُسْنَى﴾؟
* طالب: مفعول ثانٍ.
* الشيخ: مفعول ثانٍ أو أول؟ مفعول ثانٍ، ولا يكون هذا من باب الاشتغال، لماذا لا يكون من باب الاشتغال؟ لأن العامل لم يشتغل بضمير المفعول.
﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ الحسنى هي الجنة، كما فسر ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦] قال: «الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ»[[أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٥ / ٦٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٦ / ١٤٩٥)، والدارقطني في كتاب الرؤية (صـ ١٥٦)، من حديث أبي موسى الأشعري.]] فالحسنى إذن الجنة، وهي وصف لموصوف محذوف تقديره: الموعدة الحسنى، وعد الله الموعدة الحسنى، وهي اسم تفضيل كما تعلمون، يعني: لا غاية في الحسن سواه، كل ما يوجد من الحسن فهو دونها؛ لأن (الحسنى) اسم تفضيل أعلى ما يكون الحسن.
﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ شوف درجة في الأول، والثاني ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ الأول في المنزلة، والثاني في الأجر، في الحجم، حجم الأجر والثواب.
﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الله أكبر ﴿دَرَجَاتٍ﴾ هذه بدل أو عطف بيان من قوله: ﴿أَجْرًا﴾.
﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ﴾ وقد أبهمت في الآية، لكن قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئْةَ دَرَجَةً أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[[أخرجه البخاري (٢٧٩٠)، من حديث أبي هريرة.]].
﴿وَمَغْفِرَةً﴾ أي: مغفرة للذنوب، ﴿وَرَحْمَةً﴾ أي: تيسيرًا للمطلوب، وباجتماع المغفرة والرحمة يزول المرهوب ويحصل المطلوب، يزول المرهوب بالمغفرة، يعني: مغفرة ذنب حصل واستحق العقوبة عليه، ثم غُفِرَ له، والرحمة تحصيل المطلوب وهي فوق المغفرة؛ ولهذا تأتي المغفرة سابقة للرحمة في الغالب؛ لأنه كما يقال: التخلية قبل التحلية، المغفرة تكررت في القرآن الكريم وفي غير القرآن أيضًا، ومر علينا أنها مشتقة من أين؟
* طالب: من المِغْفَر.
* الشيخ: من المِغْفَر، وهو؟ ما هو المغفر؟
* طالب: يستره (...).
* الشيخ: العمامة يعني؟
* الطالب: لا لا، ساتر (...).
* الشيخ: يعني: يُلبَس على البدن؟
* الطالب: لا يلبس على البدن.
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني: يلبس على الرأس؟ من خشب؟
* الطالب: سيف.
* الشيخ: سيف يُلبس على الرأس، ما هو سيف هذا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يستر بأيش؟ المغفر خشب، أو خزف؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: جلد، هل الجلد يمنع من السيف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: والسيوف أيضًا، لكن من أي مادة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، صحيح، يسمى الخوذة، وهي عبارة عن شيء مثل الإناء يلبس على الرأس كذا، من الحديد حتى يتقى به السهام ويتقى به السيف، إذن هو مشتق من (الْمِغْفَر) فما معنى مغفرة الذنوب؟
* طالب: يعني: هو ستر الذنب، والتجاوز عنه.
* الشيخ: أحسنت، ستر الذنب والتجاوز عنه؛ لأن هذا مقتضى الاشتقاق، الذين يقولون: الغَفْر في اللغة: الستر، هل أحاطوا بالمعنى أو لا؟
* طالب: أحاطوا.
* الشيخ: أحاطوا، إذن الطاقية هذه تعتبر مغفر؛ لأنها ساترة؟
* طالب: لا يحيط.
* الشيخ: إذن لا بد من تكميل؟
* الطالب: مع الوقاية.
* الشيخ: مع الوقاية، أحسنت، ليس كل ساتر واقيًا.
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ * في هذه الآية الكريمة عدة فوائد:
* منها: نفي التساوي بين الناس، والعجب أننا نسمع من يدندن كثيرًا فيقول: إن دين الإسلام دين المساواة، وهذا غلط على دين الإسلام، دين الإسلام ليس دين المساواة، ولكنه دين العدل، وهو إعطاء كل أحد ما يستحق؛ ولذلك تجد في القرآن الكريم أكثر ما في القرآن نفي المساواة، ما هو إثبات ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [الأنعام ٥٠]، ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٩] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد ١٠]، وهلمَّ جرًّا.
فالقول بأن الإسلام دين المساواة في الحقيقة قد ينبني عليه مبدأ خطير، وهو أولًا: تسوية الذكور مع الإناث، وأن تفضيل الذكور على الإناث يعتبر مخالفًا لدين الإسلام، ثانيًا: الاشتراكية؛ تسوية الناس في الرزق بحيث نأخذ من مال الغني نعطيه الفقير؛ لأن الدين دين المساواة، لو قالوا: الدين دين المواساة لكان صحيحًا؛ ولهذا تُشْرَع التعازي في المصائب وما أشبه ذلك.
* طالب: تنكير ﴿دَرَجَةً﴾ تفيد التعظيم أو التحقير؟
* الشيخ: الظاهر أنها للتعظيم، أي: درجة عظيمة؛ ولهذا فسرها فيما بعد بأنها درجات.
* طالب: في غير هذا السياق، غير القرآن تأتي للتقليل.
* الشيخ: على كل حال تنكير الكلمة له معانٍ كثيرة حسب ما توصف به، قد توصف النكرة بما يدل على القلة أو بما يدل على الكثرة.
* طالب: قوله: ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾ هل هو بيان لقوله ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أو بيان لقوله: ﴿دَرَجَةً﴾؟
* الشيخ: لا، الظاهر أنه لـ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾؛ لأن المغفرة والرحمة ما تأتي في المرتبة.
* طالب: (...) فكيف يمكن لنا (...) يجب علينا (...) ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
* الشيخ: هذه مسألة خاصة، و﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً﴾ [البقرة ٢٤٩]، لكن هذه مسألة خاصة في بدر؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال ٦٦]، وأجاز للناس أن يفرُّوا من عدوهم إذا كانوا أكثر من مِثْلَيْهم.
* طالب: أمثال هذه الآيات هل تؤيد قول القائل: إن الجهاد إذا وقع في الكتاب والسنة فالمراد به مجاهدة الأعداء الكفار، فتكون الآية: ﴿جاهد الكفار والمنافقين﴾ محمولة على الغالب؛ أن الجهاد العلمي يحصل بامتثال هذه الآيات؟
* الشيخ: لا، المنافقين، جهاد المنافقين لا يمكن إلا بالعلم.
* الطالب: من باب المشاكلة.
* الشيخ: لا لا، من باب الواقع، قد قال في القرآن: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان ٥٢].
* الطالب: يكون من باب التسمية؟
* الشيخ: لا، من باب الحق، كم من إنسان يبلغ منك الجهد في مناظرته في الدين.
* الطالب: استفدنا من الآية السابقة أنه لا يجوز تعدي ظاهر الإنسان ولو بالأقران.
* الشيخ: تعدي؟
* الطالب: ظاهر الإنسان.
* الشيخ: ظاهر الإنسان، ويش لونه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ظاهر الإنسان ولَّا ظاهر الحال؟
في هذه الآية الكريمة عدة فوائد:
* منها: نفي التساوي بين الناس، والعجب أننا نسمع من يدندن كثيرًا فيقول: إن دين الإسلام دين المساواة، وهذا غلط على دين الإسلام، دين الإسلام ليس دين المساواة، ولكنه دين العدل، وهو إعطاء كل أحد ما يستحق؛ ولذلك تجد في القرآن الكريم أكثر ما في القرآن نفي المساواة، ما هو إثبات ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [الأنعام ٥٠]، ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٩] ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد ١٠]، وهلمَّ جرًّا.
فالقول بأن الإسلام دين المساواة في الحقيقة قد ينبني عليه مبدأ خطير، وهو أولًا: تسوية الذكور مع الإناث، وأن تفضيل الذكور على الإناث يعتبر مخالفًا لدين الإسلام، ثانيًا: الاشتراكية؛ تسوية الناس في الرزق بحيث نأخذ من مال الغني نعطيه الفقير؛ لأن الدين دين المساواة، لو قالوا: الدين دين المواساة لكان صحيحًا؛ ولهذا تُشْرَع التعازي في المصائب وما أشبه ذلك.
* طالب: تنكير ﴿دَرَجَةً﴾ تفيد التعظيم أو التحقير؟
* الشيخ: الظاهر أنها للتعظيم، أي: درجة عظيمة؛ ولهذا فسرها فيما بعد بأنها درجات.
* طالب: في غير هذا السياق، غير القرآن تأتي للتقليل.
* الشيخ: على كل حال تنكير الكلمة له معانٍ كثيرة حسب ما توصف به، قد توصف النكرة بما يدل على القلة أو بما يدل على الكثرة.
* طالب: قوله: ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾ هل هو بيان لقوله ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أو بيان لقوله: ﴿دَرَجَةً﴾؟
* الشيخ: لا، الظاهر أنه لـ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾؛ لأن المغفرة والرحمة ما تأتي في المرتبة.
* طالب: (...) فكيف يمكن لنا (...) يجب علينا (...) ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
* الشيخ: هذه مسألة خاصة، و﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً﴾ [البقرة ٢٤٩]، لكن هذه مسألة خاصة في بدر؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال ٦٦]، وأجاز للناس أن يفرُّوا من عدوهم إذا كانوا أكثر من مِثْلَيْهم.
* طالب: أمثال هذه الآيات هل تؤيد قول القائل: إن الجهاد إذا وقع في الكتاب والسنة فالمراد به مجاهدة الأعداء الكفار، فتكون الآية: ﴿جاهد الكفار والمنافقين﴾ محمولة على الغالب؛ أن الجهاد العلمي يحصل بامتثال هذه الآيات؟
* الشيخ: لا، المنافقين، جهاد المنافقين لا يمكن إلا بالعلم.
* الطالب: من باب المشاكلة.
* الشيخ: لا لا، من باب الواقع، قد قال في القرآن: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان ٥٢].
* الطالب: يكون من باب التسمية؟
* الشيخ: لا، من باب الحق، كم من إنسان يبلغ منك الجهد في مناظرته في الدين.
* الطالب: استفدنا من الآية السابقة أنه لا يجوز تعدي ظاهر الإنسان ولو بالأقران.
* الشيخ: تعدي؟
* الطالب: ظاهر الإنسان.
* الشيخ: ظاهر الإنسان، ويش لونه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ظاهر الإنسان ولَّا ظاهر الحال؟
* الطالب: ظاهر الحال، وقررنا فيما سبق أنه يشترط في باب القرائن (...) الأيمان والنذر.
* الشيخ: تدخل في التبين، العمل بالقرائن يدخل في التبين.
* الطالب: حتى لو جاءت قرائن هنا (...).
* الشيخ: إي، لكن حساب الناس في الإسلام على الظاهر، حسابهم على الظاهر، أما في مسألة الأحكام والحكم بينهم فيعمل بالقرائن، لكن فيما بينهم وبين الله يعمل بالظاهر.
* * *
* طالب: ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (٩٩)﴾ [النساء ٩٧ - ٩٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تكلمنا على قول الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ وفيها قراءتان ﴿غَيْرُ﴾ و﴿غَيْرَ﴾ ، فعلى قراءة الرفع تكون صفة، وعلى قراءة النصب تكون استثناء.
وأظن أننا بدأنا باستنباط الفوائد ووصلنا إلى؟
* طالب: التسوية.
* الشيخ: فائدة واحدة، وهي نفي التساوي أو الاستواء بين القاعدين عن القتال والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الشريعة؛ حيث لا تساوي بين المفترقين، كما أنها لا تفرق بين المتساويين، الشريعة الإسلامية من لدن حكيم خبير، لا يمكن أن تجد فيها حكمين متناقضين، ولا يمكن أن تجد فيها شيئين متساويين ثم يختلفان في الحكم أبدًا، بل إذا تراءى لك أن هذين الشيئين متساويان وقد اختلفا في الحكم شرعًا فأعد النظر، أعد النظر مرة بعد أخرى حتى يتبينَ لك، فإن لم يتبينْ لك فاتهم فَهْمَك ولا تتهم الأحكام الشرعية.
* من فوائد هذه الآيات الكريمة: أن من قعد عن الجهاد لضرر فإنه كالذي أتى بالجهاد؛ لقوله: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ﴾ ﴿وَالْمُجَاهِدُونَ﴾ ثم استثنى فقال: ﴿غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ﴾ ، فأولو الضرر إذن مساوون للمجاهدين، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة تبوك: «إِنَّ فِي الْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ» قالوا: كيف يا رسول الله، وهم في المدينة؟ قال: «وَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ»[[أخرجه البخاري (٤٤٢٣)، من حديث أنس بن مالك.]].
وهل يقاس على ذلك كل من تخلف عن عبادة لعذر؟ الجواب: نعم، ولذلك جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا»[[أخرجه البخاري (٢٩٩٦)، من حديث أبي موسى الأشعري.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضل الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، ووجهه: أنهم أعلى درجة من القاعدين الذين لا يجاهدون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجزاء من جنس العمل، اذكر لي الدليل من الآية، ما هو التعليل؟
* طالب: أن الله سبحانه وتعالى (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: أن الله جازاهم على (...).
* الشيخ: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ﴾ صريح، ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾، يلزم من هذه الفائدة: أن تفاضل الجزاء يدل على تفاضل العامل.
ويمكن أن يستنبط منه فائدة ثانية وهو: الاستدلال به على ما ذهب إليه أهل السنة من أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، كما هو معروف وبغير ذلك من الأسباب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حسن الاحتراس في كلام الله عز وجل، وجهه: أن الله لما ذكر فضل المجاهدين على القاعدين، فربما يتوهم الواهم نزول درجة القاعدين من المؤمنين، فأزال الله هذا الوهم بقوله: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾، وهذه طريقة القرآن.
انظر إلى المثال الثاني المطابق لهذا: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد ١٠]، وانظر إلى مثال ثالث: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء ٧٨، ٧٩]، الشاهد في قوله: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾، فهذه ثلاثة أمثلة تفيد أنه من بلاغة الكلام الاحتراس بدفع ما يتوهم وقوعه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: البَشارة لعامة المؤمنين من القاعدين والمجاهدين بالحسنى؛ لقوله: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾.
فهل ينبني على هذه الفائدة أن نشهد لكل مؤمن أنه في الجنة؟ الجواب: أما على سبيل العموم فنعم، وأما على سبيل الخصوص فنتوقف على ما جاء به النص، فمثلًا نحن نقول: الصحابة كلهم وعدهم الله الجنة؛ المجاهد والقاعد، لكن الشخص بعينه لا يمكن أن نشهد له إلا إذا شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أثنى عليه الناس خيرًا فإننا نشهد له بالجنة، واستدل لذلك بقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣]، واستدل بما ثبت بالسنة حيث «مرت جنازة فأثنى عليها الحاضرون خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وَجَبَتْ». ثم مرت أخرى فأَثْنَوْا عليها شرًّا فقال: «وَجَبَتْ». فقالوا: يا رسول الله، ما وَجَبَتْ؟ قال: «أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» ثُمَّ قَالَ: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩ / ٦٠)، من حديث أنس بن مالك.]]، فقد استدل شيخ الإسلام رحمه الله بأنه تجوز الشهادة لمن اتفقت الأمة على الثناء عليه، وضرب لذلك أمثلة بالأئمة المشهورين المشهود لهم بالعدالة والإيمان والتقوى، مثل الأئمة الأربعة: الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم ممن اتفقت الأمة على الثناء عليهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا فضل أعظم من الجنة، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿الْحُسْنَى﴾؛ لأن (الحسنى) اسم تفضيل مؤنث (أحسن).
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على الجهاد في سبيل الله، وجه الدلالة: تفضيل الله عز وجل للمجاهدين على القاعدين بالدرجة بل بالدرجات.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عظم مِنَّة الله سبحانه وتعالى على العباد؛ حيث جعل إثابتهم على الأعمال مثل الأجرة التي استحقها الإنسان فرضًا على المستأجر؛ لقوله: ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾، فسماه أجرًا كأجرة الأجير مع أن الفضل لله تعالى أولًا وآخرًا، هو الذي وفقك للعمل، وهو الذي منَّ عليك بالجزاء عليه.
فإن قال قائل: هل من تأييد لهذا المعنى الذي ذهبتم إليه؟
قلنا: نعم، قال الله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام ٥٤] كتب الرحمة، كتب على نفسه، وهو سبحانه وتعالى يوجب على نفسه وعلى عباده ما شاء، ولا أحد يعترض عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عِظَم درجات المجاهدين في سبيل الله، وجه ذلك قوله: ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ﴾ ﴿مِنْهُ﴾ فأضافها إلى نفسه، ومعلوم أن العطاء يَعْظُم بِعِظَمِ المعطي، لو قلت مثلًا: فلان تصدق، وهو من أغنى الناس، ذهب بالك إلى أنه تصدق بشيء كثير، ولو قلت: فلان تصدق، وهو فقير، لم يذهب بالك إلا أنه تصدق بشيء قليل؛ ولهذا قال: ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ﴾، فإضافة الشيء إلى الله يدل على عظمته، ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدعاء الذي علمه أبا بكر رضي الله عنه يدعو به في صلاته: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٤)، ومسلم (٢٧٠٥ / ٤٨)، من حديث أبي بكر الصديق.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات المغفرة لله؛ لقوله: ﴿وَمَغْفِرَةً﴾.
وهل تثبُت المغفرة لغير الله؟ نعم، تثبت لغير الله، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن ١٤]، وقال تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى ٤٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الرحمة لله، والرحمة التي أضافها الله إلى نفسه نوعان: صفة، ومخلوق، يعني: نوعان؛ منها صفة لله، ومنها مخلوق من مخلوقات الله سماه الله تعالى رحمة، فمن الأول قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف ٥٨] هذه صفة، ومن الثاني قوله تبارك وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى ٢٨]، فالمراد بالرحمة هنا ما يكون أثرًا للمطر من النبات وغير النبات.
ومن ذلك أيضًا: قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران ١٠٧] المراد بالرحمة أيش؟ الجنة، بدليل قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود ١٠٦]، وهذه الرحمة مخلوقة ولَّا غير مخلوقة؟ هذه مخلوقة، ومنه قوله في الحديث القدسي للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٤)، من حديث أبي هريرة.]].
فتبين بهذا أن الرحمة تنقسم إلى أيش؟ قسمين: مخلوقة وصفة، فالمخلوقة من جملة المخلوقات، شيء بائن من الله عز وجل، لا ينسب إليه إلا نسبة خلق وإيجاد لكنه من آثار الرحمة التي هي الصفة، وأما الرحمة التي هي الصفة فهي صفة تابعة للذات، أي: لذات الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين لله، وهما أيش؟ الغفور الرحيم ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وقد مضى تفسيرهما.
{"ayahs_start":95,"ayahs":["لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ غَیۡرُ أُو۟لِی ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ دَرَجَةࣰۚ وَكُلࣰّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ عَلَى ٱلۡقَـٰعِدِینَ أَجۡرًا عَظِیمࣰا","دَرَجَـٰتࣲ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةࣰ وَرَحۡمَةࣰۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا"],"ayah":"دَرَجَـٰتࣲ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةࣰ وَرَحۡمَةࣰۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق