الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [٩٦]
﴿دَرَجاتٍ مِنهُ﴾ بَدَلٌ مِن (أجْرًا) بَدَلُ الكُلِّ، مُبَيِّنٌ لِكَمِّيَّةِ التَّفْضِيلِ و(مِنهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِـ(دَرَجاتٍ) دالَّةً عَلى فَخامَتِها وجَلالَةِ قَدْرِها، قالَهُ أبُو السُّعُودِ.
وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: إنَّ في الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبِيلِهِ، ما بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ» .
وقالَ الأعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن رَمى بِسَهْمٍ فَلَهُ أجْرُهُ دَرَجَةٌ فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ! وما الدَّرَجَةُ؟ فَقالَ: أما إنَّها لَيْسَتْ بِعَتَبَةِ أُمِّكَ، ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عامٍ» ﴿ومَغْفِرَةً﴾ أيْ: لِذُنُوبِهِمْ ﴿ورَحْمَةً﴾ (p-١٤٨٥)فَوْقَ الأجْرِ ودَرَجاتِهِ.
﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِما وعَدَ مِنَ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ، وهَهُنا فَوائِدُ:
الأُولى: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الجِهادَ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ، إذْ لَوْ كانَ فَرْضًا مِن فُرُوضِ الأعْيانِ لَمْ يَكُنْ لِلْقاعِدِ فَضْلٌ، ولَكِنْ تَفاوَتَ الفَضْلُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُجاهِدِ، وقالَ: (وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى).
الثّانِيَةُ: دَلَّتْ أيْضًا عَلى أنَّ الجِهادَ أفْضَلُ مِنَ القُرَبِ الَّتِي يَفْعَلُها القاعِدُ؛ لِأنَّهُ فَضَّلَهُ عَلى القاعِدِ مُطْلَقًا، ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُهُ ﷺ: «الجِهادُ سَنامُ الدِّينِ» .
وقَدْ فَرَّعَ العُلَماءُ عَلى هَذا أنَّ رَجُلًا لَوْ وقَفَ مالَهُ عَلى أحْسَنِ وُجُوهِ البِرِّ، أوْ أوْصى أنْ يُصْرَفَ في أحْسَنِ وُجُوهِ البِّرِ، فَإنَّهُ يُصْرَفُ في الجِهادِ، خِلافَ ما ذَكَرَ أبُو عَلِيٍّ أنَّهُ يُصْرَفُ في طَلَبِ العِلْمِ، كَذا في بَعْضِ التَّفاسِيرِ.
الثّالِثَةُ: قالَ السُّيُوطِيُّ في "الإكْلِيلِ": في الآيَةِ تَفْضِيلُ المُجاهِدِينَ عَلى غَيْرِهِمْ، وأنَّ المَعْذُورِينَ في دَرَجَةِ المُجاهِدِينَ، واسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ (بِأمْوالِهِمْ) عَلى تَفْضِيلِ المُجاهِدِ بِمالِ نَفْسِهِ عَلى المُجاهِدِ بِمالٍ يُعْطاهُ مِنَ الدُّيُونِ أوْ نَحْوِهِ.
الرّابِعَةُ: قالَ الرّازِيُّ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] فَقَدَّمَ ذِكْرَ النَّفْسِ عَلى المالِ، وفي الآيَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيها وهي قَوْلُهُ: ﴿المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٥] قَدَّمَ ذِكْرَ المالِ عَلى النَّفْسِ، فَما السَّبَبُ؟ وجَوابُهُ: أنَّ النَّفْسَ أشْرَفُ مِنَ المالِ، فالمُشْتَرِي قَدَّمَ ذِكْرَ النَّفْسِ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الرَّغْبَةَ فِيها أشَدُّ، والبائِعُ أخَّرَ ذِكْرَها؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ المُضايَقَةَ فِيها أشَدُّ، فَلا يَرْضى بِبَذْلِها إلّا في آخِرِ المَراتِبِ.
الخامِسَةُ: قالَ أبُو السُّعُودِ: لَعَلَّ تَكْرِيرَ التَّفْضِيلِ بِطَرِيقِ العَطْفِ المُنْبِئِ عَنِ المُغايَرَةِ، وتَقْيِيدَهُ تارَةً بِدَرَجَةٍ وأُخْرى بِدَرَجاتٍ، مَعَ اتِّحادِ المُفَضَّلِ والمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، حَسْبَما يَقْتَضِيهِ الكَلامُ ويَسْتَدْعِيهِ حُسْنُ النِّظامِ - إمّا لِتَنْزِيلِ الِاخْتِلافِ العُنْوانِيِّ بَيْنَ التَّفْضِيلَيْنِ وبَيْنَ الدَّرَجَةِ والدَّرَجاتِ (p-١٤٨٦)مَنزِلَةَ الِاخْتِلافِ الذّاتِيِّ؛ تَمْهِيدًا لِسُلُوكِ طَرِيقِ الإبْهامِ ثُمَّ التَّفْسِيرِ؛ رَوْمًا لِمَزِيدِ التَّحْقِيقِ والتَّقْرِيرِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا هُودًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا ونَجَّيْناهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] [هُودَ: ٥٨] كَأنَّهُ قِيلَ: فَضَّلَ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً لا يُقادَرُ قَدْرُها، ولا يُبْلَغُ كُنْهُها، وحَيْثُ كانَ تَحَقُقُّ هَذا البَوْنِ البَعِيدِ بَيْنَهُما مُوهِمًا لِحِرْمانِ القاعِدِينَ قِيلَ: ﴿وكُلا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ [النساء: ٩٥] ثُمَّ أُرِيدَ تَفْسِيرُ ما أفادَهُ التَّنْكِيرُ بِطَرِيقِ الإبْهامِ، بِحَيْثُ يُقْطَعُ احْتِمالُ كَوْنِهِ لِلْوَحْدَةِ، فَقِيلَ ما قِيلَ، ولِلَّهِ دَرُّ شَأْنِ التَّنْزِيلِ.
وإمّا لِلِاخْتِلافِ بِالذّاتِ بَيْنَ التَّفْضِيلَيْنِ وبَيْنَ الدَّرَجَةِ والدَّرَجاتِ، عَلى أنَّ المُرادَ بِالتَّفْضِيلِ الأوَّلِ ما خَوَّلَهُمُ اللَّهُ تَعالى عاجِلًا في الدُّنْيا مِنَ الغَنِيمَةِ والظَّفَرِ والذِّكْرِ الجَمِيلِ الحَقِيقِ بِكَوْنِهِ دَرَجَةً واحِدَةً، وبِالتَّفْضِيلِ الثّانِي ما أنْعَمَ بِهِ في الآخِرَةِ مِنَ الدَّرَجاتِ العالِيَةِ الفائِتَةِ لِلْحَصْرِ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ تَقْدِيمُ الأوَّلِ وتَأْخِيرُ الثّانِي، وتَوْسِيطُ الوَعْدِ بِالجَنَّةِ بَيْنَهُما، وقَدْ وُسِّطَ بَيْنَهُما في الذِّكْرِ ما هو مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُما في الوُجُودِ، أعْنِي الوَعْدَ بِالجَنَّةِ؛ تَوْضِيحًا لِحالِهِما ومُسارَعَةً إلى تَسْلِيَةِ المَفْضُولِ، واللَّهُ سُبْحانَهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"دَرَجَـٰتࣲ مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَةࣰ وَرَحۡمَةࣰۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











