الباحث القرآني

(p-٦٢٥)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ الأنْبارِيِّ في ”المَصاحِفِ“ والبَغَوِيُّ في مُعْجَمِهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ادْعُ فَلانا» وفي لَفْظٍ: «ادْعُ زَيْدًا» فَجاءَ ومَعَهُ الدَّواةُ واللَّوْحُ والكَتِفُ، فَقالَ: «اكْتُبْ: لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ» . وخَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي ضَرِيرٌ. فَنَزَلَتْ مَكانَها: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء»: ٩٥] . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو نُعَيْمٍ في ”الدَّلائِلِ“، والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ ابْنِ شِهابٍ قالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السّاعِدِيُّ، أنَّ مَرْوانَ بْنَ الحَكَمِ أخْبَرَهُ: أنَّ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ أخْبَرَهُ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أمْلى عَلَيْهِ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ) فَجاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وهو يُمِلُّها عَلَيَّ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أسْتَطِيعُ الجِهادَ لَجاهَدْتُ، وكانَ أعْمى، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ ﷺ وفَخِذُهُ عَلى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتّى خِفْتُ أنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء»: ٩٥] . (p-٦٢٦)قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قالَ: وفي هَذا الحَدِيثِ رِوايَةُ رَجُلٍ مِنَ الصَّحابَةِ وهو سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ التّابِعِيِنَ، وهو مَرْوانُ بْنُ الحَكَمِ، لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ سَعْدٍ، وأحْمَدُ، وأبُو داوُودَ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ الأنْبارِيِّ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ مِن طَرِيقٍ خارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، قالَ: «كُنْتُ إلى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى فَخِذِي فَما وجَدْتُ ثِقْلَ شَيْءٍ أثْقَلَ مِن فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ: فَقالَ: «اكْتُبْ» فَكَتَبْتُ في كَتِفٍ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ) إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وكانَ رَجُلًا أعْمى، لَمّا سَمِعَ فَضْلَ المُجاهِدِينَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَن لا يَسْتَطِيعُ الجِهادَ مِنَ المُؤْمِنِينَ؟ فَلَمّا قَضى كَلامَهُ غَشِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ السَّكِينَةَ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلى فَخِذِي، فَوَجَدْتُ ثِقْلَها في المَرَّةِ الثّانِيَةِ كَما وجَدْتُ في المَرَّةِ الأُولى، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «اقْرَأْ يا زَيْدُ» فَقَرَأْتُ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اكْتُبْ ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء»: ٩٥] الآيَةَ، قالَ زَيْدٌ: أنْزَلَها اللَّهُ وحْدَها فَألْحَقْتُها، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأنِّي أنْظُرُ إلى مُلْحَقِها عِنْدَ صَدْعٍ في كَتِفٍ» . (p-٦٢٧)وأخْرَجَ ابْنُ فَهْدٍ في كِتابِ ”فَضائِلِ مالِكٍ“، وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رافِعٍ قالَ: قَدِمَ هارُونُ الرَّشِيدُ المَدِينَةَ، فَوَجَّهَ البَرْمَكِيَّ إلى مالِكٍ وقالَ لَهُ: احْمِلْ إلَيَّ الكِتابَ الَّذِي صَنَّفْتَهُ حَتّى أسْمَعَهُ مِنكَ، فَقالَ لِلْبَرْمَكِيِّ: أقْرِئْهُ السَّلامَ وقُلْ لَهُ: إنَّ العَلَمَ يُزارُ ولا يَزُورُ، وإنَّ العَلَمَ يُؤْتى ولا يَأْتِي، فَرَجَعَ البَرْمَكِيُّ إلى هارُونَ فَقالَ لَهُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَبْلُغُ أهْلَ العِراقِ أنَّكَ وجَّهْتَ إلى مالِكٍ فَخالَفَكَ! اعْزِمْ عَلَيْهِ حَتّى يَأْتِيَكَ. فَإذا بِمالِكٍ قَدْ دَخَلَ ولَيْسَ مَعَهُ كِتابٌ وأتاهُ مُسَلِّمًا، فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ جَعَلَكَ في هَذا المَوْضِعِ لِعِلْمِكَ، فَلا تَكُنْ أنْتَ أوَّلَ مَن يَضَعُ العِلْمَ فَيَضَعُكَ اللَّهُ، ولَقَدْ رَأيْتُ مَن لَيْسَ في حَسْبِكَ ولا بَيْتِكَ يَعِزُّ هَذا العِلْمَ ويُجِلُّهُ، فَأنْتَ أحْرى أنْ تُعِزَّ وتُجِلَّ عِلْمَ ابْنِ عَمِّكَ، ولَمْ يَزَلْ يُعَدِّدُ عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ حَتّى بَكى هارُونُ ثُمَّ قالَ أخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ خارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: «قالَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: كُنْتُ أكْتُبُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ في كَتِفٍ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ)، وابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ في فَضْلِ الجِهادِ ما أنْزَلَ وأنا رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَهَلْ لِي مِن رُخْصَةٍ؟ فَقالَ النَّبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «لا أدْرِي» قالَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: وقَلَمِي رَطْبٌ ما جَفَّ حَتّى غَشِيَ النَّبِيَّ ﷺ الوَحْيُ، ووَقَعَ فَخِذُهُ عَلى فَخِذِي حَتّى كادَتْ تُدَقُّ مِن ثِقْلِ الوَحْيِ، ثُمَّ جُلِيَ عَنْهُ فَقالَ لِي: «اكْتُبْ يا زَيْدُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء»: ٩٥] . فَيا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، حَرْفٌ واحِدٌ بُعِثَ بِهِ جِبْرِيلُ والمَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن مَسِيرَةِ خَمْسِينَ ألْفَ عامٍ حَتّى أُنْزِلَ عَلى نَبِيِّهِ ﷺ فَلا يَنْبَغِي لِي أنْ أُعِزَّهُ وأُجِلَّهُ»؟ وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ النَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ (p-٦٢٨)فِي ”سُنَنِهِ“ مِن طَرِيقٍ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: «﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ عَنْ بَدْرٍ، والخارِجُونَ إلى بَدْرٍ، لَمّا نَزَلَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: إنّا أعْمَيانِ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلْ لَنا رُخْصَةٌ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً، فَهَؤُلاءِ القاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا، دَرَجاتٍ مِنهُ عَلى القاعِدِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقٍ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ عَنْ بَدْرٍ والخارِجُونَ إلَيْها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، والطَّبَرانِيُّ في ”الكَبِيرِ“ بِسَنَدٍ رِجالُهُ ثِقاتٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ) (p-٦٢٩)جاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أما لِي مِن رُخْصَةٍ؟ قالَ: «لا» قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي ضَرِيرٌ فَرَخِّصْ لِي، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكِتابَتِها» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبَزّارُ، وأبُو يَعْلى، وابْنُ حِبّانَ، والطَّبَرانِيُّ، عَنِ الفَلَتانِ بْنِ عاصِمٍ قالَ: «كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ، وكانَ إذا أُنْزِلَ عَلَيْهِ دامَ بَصَرُهُ مَفْتُوحَةً عَيْناهُ، وفَرَغَ سَمْعُهُ وقَلْبُهُ لِما يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ. قالَ: فَكُنّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنهُ. فَقالَ لِلْكاتِبِ: «اكْتُبْ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ») . فَقامَ الأعْمى فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما ذَنْبُنا؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ، فَقُلْنا لِلْأعْمى: إنَّهُ يُنَزَّلُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ . فَخافَ أنْ يَكُونَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ في أمْرِهِ، فَبَقِيَ قائِمًا يَقُولُ: أعُوذُ بِغَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقالَ لِلْكاتِبِ: «اكْتُبْ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء»: ٩٥]» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ) فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعْمى، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ في الجِهادِ ما قَدْ (p-٦٣٠)عَلِمْتَ، وأنا رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ لا أسْتَطِيعُ الجِهادَ، فَهَلْ لِي مِن رُخْصَةٍ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قَعَدْتُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما أُمِرْتُ في شَأْنِكَ بِشَيْءٍ، وما أدْرِي هَلْ يَكُونُ لَكَ ولِأصْحابِكَ مِن رُخْصَةٍ»؟ فَقالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أنْشُدُكَ بَصَرِي. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء»: ٩٥] . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، مِن طَرِيقِ أبِي نَضْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ كانَتْ تَشْغَلُهم أمْراضٌ وأوْجاعٌ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهم مِنَ السَّماءِ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ لَقَدْ رَأيْتُهُ في بَعْضِ مَشاهِدِ المُسْلِمِينَ مَعَهُ اللِّواءُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الجِهادِ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ قامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي ضَرِيرٌ كَما تَرى. فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ عَبْدُ اللَّهِ (p-٦٣١)بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، عُذْرِي؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدٍ قالَ: نَزَلَتْ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ) فَقالَ رَجُلٌ أعْمى: يا نَبِيَّ اللَّهِ، فَإنِّي أُحِبُّ الجِهادَ ولا أسْتَطِيعُ أنْ أُجاهِدَ، فَنَزَلَتْ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أعْمى ولا أُطِيقُ الجِهادَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، مِن طَرِيقِ زِيادِ بْنِ فَيّاضٍ، عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ﴾ قالَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يا رَبِّ ابْتَلَيْتَنِي فَكَيْفَ أصْنَعُ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ مِن طَرِيقِ ثابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى قالَ: لَمّا نَزَلَتْ: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ) قالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: أيْ رَبِّ، أيْنَ عُذْرِي؟ أيْ رَبِّ أيْنَ عُذْرِي؟ فَنَزَلَتْ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ فَوُضِعَتْ بَيْنَها وبَيْنَ الأُخْرى، فَكانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَغْزُو ويَقُولُ: ادْفَعُوا إلَيَّ اللِّواءَ وأقِيمُونِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَإنِّي لَنْ أفِرَّ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ قالَ: «نَزَلَتْ في ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أرْبَعُ آياتٍ، ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ ونَزَلَ فِيهِ: ﴿لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ﴾ [الفتح: ١٧] (p-٦٣٢)ونَزَلَ فِيهِ: ﴿فَإنَّها لا تَعْمى الأبْصارُ﴾ [الحج: ٤٦] الآيَةَ [الحَجِّ: ٤٦]، ونَزَلَ فِيهِ: ﴿عَبَسَ وتَوَلّى﴾ [عبس: ١] [عَبَسَ: ١] فَدَعا بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَأدْناهُ وقَرَّبَهُ وقالَ: «أنْتَ الَّذِي عاتَبَنِي فِيكَ رَبِّي»» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في الآيَةِ قالَ: لا يَسْتَوِي في الفَضْلِ القاعِدُ عَنِ العَدُوِّ والمُجاهِدُ ﴿دَرَجَةً﴾ يَعْنِي: فَضِيلَةً، ﴿وكُلا﴾ يَعْنِي المُجاهِدَ والقاعِدَ المَعْذُورَ ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ﴾ الَّذِينَ لا عُذْرَ لَهم ﴿أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ﴾ يَعْنِي: فَضائِلَ، ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ بِفَضْلِ سَبْعِينَ دَرَجَةً. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ قالَ: أهْلِ العُذْرِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ قالَ: عَلى أهْلِ الضَّرَرِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿وكُلا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ أيِ الجَنَّةَ، واللَّهُ يُؤْتِي كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً﴾ (p-٦٣٣)قالَ: عَلى القاعِدِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً﴾ قالَ: كانَ يُقالُ: الإسْلامُ دَرَجَةٌ، والهِجْرَةُ دَرَجَةٌ في الإسْلامِ، والجِهادُ في الهِجْرَةِ دَرَجَةٌ، والقَتْلُ في الجِهادِ دَرَجَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ وهْبٍ قالَ: سَألْتُ ابْنَ زَيْدٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ﴾ الدَّرَجاتُ هي السَّبْعُ الَّتِي ذَكَرَها في سُورَةِ ”بَراءَةَ“: ﴿ما كانَ لأهْلِ المَدِينَةِ ومَن حَوْلَهم مِنَ الأعْرابِ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ولا يَرْغَبُوا بِأنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ﴾ [التوبة: ١٢٠] فَقَرَأ حَتّى بَلَغَ: ﴿أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٢١] قالَ: هَذِهِ السَّبْعُ الدَّرَجاتِ. قالَ: كانَ أوَّلَ شَيْءٍ، فَكانَتْ دَرَجَةُ الجِهادِ مُجْمَلَةً، فَكانَ الَّذِي جاهَدَ بِمالِهِ لَهُ اسْمٌ في هَذِهِ، فَلَمّا جاءَتْ هَذِهِ الدَّرَجاتُ بِالتَّفْضِيلِ أُخْرِجَ مِنها، ولَمْ يَكُنْ لَهُ مِنها إلّا النَّفَقَةُ فَقَرَأ: ﴿لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ﴾ [التوبة: ١٢٠] وقالَ: لَيْسَ هَذا لِصاحِبِ النَّفَقَةِ. ثُمَّ قَرَأ: ﴿ولا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً﴾ [التوبة: ١٢١] قالَ: وهَذِهِ نَفَقَةُ القاعِدِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ في قَوْلِهِ: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ﴾ (p-٦٣٤)قالَ: الدَّرَجاتُ سَبْعُونَ دَرَجَةً، ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ عَدُوُ الفَرَسِ الجَوادِ المُضَمَّرِ سَبْعِينَ سَنَةً. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في ”المُصَنَّفِ“ عَنْ أبِي مِجْلَزٍ في قَوْلِهِ: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ﴾ قالَ: بَلَغَنِي أنَّها سَبْعُونَ دَرَجَةً بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ سَبْعُونَ عامًا لِلْجَوادِ المُضَمَّرِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ ومَغْفِرَةً ورَحْمَةً﴾ قالَ: ذُكِرَ لَنا أنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ كانَ يَقُولُ: إنَّ لِلْقَتِيلِ في سَبِيلِ اللَّهِ سِتَّ خِصالٍ مِن خَيْرٍ: أوَّلُ دَفْعَةٍ مِن دَمِهِ يُكَفَّرُ عَنْهُ بِها ذُنُوبُهُ، ويُحَلّى عَلَيْهِ حُلَّةَ الإيمانِ، ثُمَّ يَفُوزُ مِنَ العَذابِ، ثُمَّ يَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، ثُمَّ يُسْكَنُ الجَنَّةَ، ويُزَوَّجُ مِنَ الحُورِ العِينِ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««إنَّ في الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ، ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فَإذا سَألْتُمُ اللَّهَ فاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فَإنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأعْلى الجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، ومِنهُ تَفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ»» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إنَّ في الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبِيلِهِ، كُلُّ (p-٦٣٥)دَرَجَتَيْنِ بَيْنَهُما كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ»» . وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، والحاكِمُ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««مَن رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وبِالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» فَعَجِبَ لَها أبُو سَعِيدٍ، فَقالَ: أعِدْها عَلَيَّ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَأعادَها عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: «وأُخْرى يَرْفَعُ اللَّهُ بِها العَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، ما بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ» قالَ: وما هي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: «الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ»» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن بَلَغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ» فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، وما الدَّرَجَةُ؟ قالَ: «أما إنَّها لَيْسَتْ بِعَتَبَةِ أُمِّكَ، ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عامٍ»» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««الجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، ما بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِنها كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ»» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي مالِكٍ قالَ: كانَ يُقالُ: الجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فِيهِنَّ الياقُوتُ (p-٦٣٦)والحَلْيُ، في كُلِّ دَرَجَةٍ أمِيرٌ؛ يَرَوْنَ لَهُ الفَضْلَ والسُّؤْدُدَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب