الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ الآيَةَ؛ يَعْنِي بِهِ تَفْضِيلَ (p-٢٢٧)المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ والحَضَّ عَلى الجِهادِ بِبَيانِ ما لِلْمُجاهِدِينَ مِن مَنزِلَةِ الثَّوابِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلْقاعِدِينَ عَنِ الجِهادِ؛ ودَلَّ بِهِ عَلى أنَّ شَرَفَ الجَزاءِ عَلى قَدْرِ شَرَفِ العَمَلِ، فَذَكَرَ بَدِيًّا أنَّهُما غَيْرُ مُتَساوِيَيْنِ، ثُمَّ بَيَّنَ التَّفْضِيلَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ وقَدْ قُرِئَ " غَيْرُ " بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ، فالرَّفْعُ عَلى أنَّها نَعْتٌ لِلْقاعِدَيْنِ، والنَّصْبُ عَلى الحالِ؛ ويُقالُ إنَّ الِاخْتِيارَ فِيها الرَّفْعُ، لِأنَّ الصِّفَةَ أغْلَبُ عَلى " غَيْرٍ " مِن مَعْنى الِاسْتِثْناءِ وإنْ كانَ كِلاهُما جائِزًا؛ والفَرْقُ بَيْنَ " غَيْرٍ " إذا كانَتْ صِفَةً وبَيْنَها إذا كانَتِ اسْتِثْناءً كَأنَّها في الِاسْتِثْناءِ تُوجِبُ إخْراجَ بَعْضٍ مِن كُلٍّ، نَحْوِ " جاءَنِي القَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ " ولَيْسَتْ كَذَلِكَ في الصِّفَةِ؛ لِأنَّكَ تَقُولُ: " جاءَنِي رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ " و " غَيْرُ " هَهُنا صِفَةٌ وفي الأوَّلِ اسْتِثْناءٌ، وإنْ كانَتْ في الحالَيْنِ مُخَصِّصَةٌ عَلى حَدِّ النَّفْيِ. * * * وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكُلا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ يَعْنِي واَللَّهُ أعْلَمُ المُجاهِدِينَ والقاعِدِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ. وهَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ فَرْضَ الجِهادِ عَلى الكِفايَةِ ولَيْسَ عَلى كُلِّ أحَدٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأنَّهُ وعَدَ القاعِدِينَ الحُسْنى كَما وعَدَ المُجاهِدِينَ وإنْ كانَ ثَوابُ المُجاهِدِينَ أشْرَفَ وأجْزَلَ، ولَوْ لَمْ يَكُنِ القُعُودُ عَنِ الجِهادِ مُباحًا إذا قامَتْ بِهِ طائِفَةٌ لَما وعَدَ القاعِدِينَ الثَّوابَ، وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى ما ذَكَرْنا أنَّ فَرْضَ الجِهادِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ عَلى كُلِّ أحَدٍ في نَفْسِهِ. * * * وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ﴾ ذَكَرَ هَهُنا: ﴿دَرَجاتٍ مِنهُ﴾ وذَكَرِ في أوَّلِ الآيَةِ: ﴿دَرَجَةً﴾ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أنَّ الأوَّلَ عَلى أهْلِ الضَّرَرِ فُضِّلُوا عَلَيْهِمْ دَرَجَةً واحِدَةً، والثّانِي عَلى غَيْرِ أهْلِ الضَّرَرِ فَضَّلَهم عَلَيْهِمْ دَرَجاتٍ كَثِيرَةً وأجْرًا عَظِيمًا. وقِيلَ إنَّ الأوَّلَ عَلى الجِهادِ بِالنَّفْسِ فَفُضِّلُوا دَرَجَةً واحِدَةً، والآخَرُ الجِهادُ بِالنَّفْسِ والمالِ فَفُضِّلُوا دَرَجاتٍ كَثِيرَةً. وقِيلَ إنَّهُ أرادَ بِالأوَّلِ دَرَجَةَ المَدْحِ والتَّعْظِيمِ وشَرَفَ الدِّينِ، وأرادَ بِالآخَرِ دَرَجاتِ الجَنَّةِ. فَإنْ قِيلَ: هَلْ في الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى مُساواةِ أُولِي الضَّرَرِ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ مِن أجْلِ مَعْنى الِاسْتِثْناءِ فِيها ؟ قِيلَ لَهُ: لا دَلالَةَ فِيها عَلى التَّساوِي؛ لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ ورَدَ مِن حَيْثُ كانَ مَخْرَجُ الآيَةِ تَحْرِيضًا عَلى الجِهادِ وحَثًّا عَلَيْهِ، فاسْتَثْنى أُولِي الضَّرَرِ؛ إذْ لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِالجِهادِ لا مِن حَيْثُ أُلْحِقُوا بِالمُجاهِدِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب