الباحث القرآني
(...) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [النساء ١٣] (...) هذه مكونة من مبتدأ وخبر، المبتدأ اسم إشارة ﴿تِلْكَ﴾، والخبر ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾، والمشار إليه ما سبق من المواريث في الآية، ويحتمل أن يكون المشار إليه كل ما سبق من الأحكام قبل هذه الجملة، وذلك أن القرآن وإن كان آيات مفصلات لكنه في الحقيقة كلام واحد من حيث المعنى والسياق، ومعنى قولنا: كلام واحد أن بعضه ينبني على بعض؛ ولهذا اعتنى بعض المفسرين ببيان تناسب الآيات، كما اعتنى بعضهم ببيان تناسب السور، وهذا بحث جيد.
ولكن لو قال قائل: إن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور على حسب القاعدة (...) أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وكذلك الإشارة تعود إلى أقرب مذكور، كان المراد بالمشار إليه هنا ما ذكر في هذه الآية: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾.
وقوله: ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ هي جمع (حدٍّ)، والحد هو: الشيء الفاصل بين شيئين، ومنه: حدود الأرض بعضها عن بعض، وحدود الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: حدود واجبات، وحدود محرمات.
أما حدود الواجبات فهي ما أوجبه الله على عباده بشروطها وأركانها وواجباتها، وأما حدود النواهي فهي ما حرمه الله على عباده كالزنا، واللواط، وشرب الخمر، وقتل النفس، وغير هذا.
قال أهل العلم: وإذا قال الله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ فهي من حدود الأوامر، وإذا قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ فهي من حدود النواهي، فالزنا –مثلًا- نقول: هو حد من حدود الله، لا تقربوه، والصلاة حد من حدود الله لا تعتدي، يعني لا تتجاوز ولا تعتدي.
قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ الآية هنا من حدود الأوامر أو النواهي؟
* طلبة: من حدود الأوامر.
* الشيخ: من حدود الأوامر.
ثم قال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ الجملة هذه شرطية، اسم الشرط فيها ﴿وَمَنْ﴾، وفعل الشرط ﴿يُطِعِ﴾، وهو مجزوم بالسكون كما هو ظاهر، وأصل ﴿يُطِعِ﴾ أصلها (يطيع) لكنها حذفت الياء لالتقاء الساكنين؛ لأن العين استحقت السكون بالشرط والياء ساكنة، وقد قال ابن مالك في الكافية:
؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُــنْ لَيْنًا فَــحَـــذْفَـــهُاسْـــتَـــحَــقْ
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق، وإن يكن لينًا -يعني: حرف من حروف اللينة الثلاثة- فحذفه استحق، على أي (...) تنطبق الآية؟
* طالب: على الثاني.
* الشيخ: على الثاني، إلا في قوله: ﴿يُطِعِ اللَّه﴾ كسر العين فتكون على الأول، إذن الآية جمعت بين الوجهين.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ فما هي الطاعة؟ الطاعة قال العلماء: هي موافقة الأمر، وتكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فتارك شرب الخمر امتثالًا لنهي الله عز وجل يقال: إنه مطيع، والمصلي يقال: إنه مطيع.
هذا إذا أفردت الطاعة فإنها تشمل فعل الأوامر وترك النواهي، وأما إذا قرنت بالمعصية فقيل –مثلًا-: من أطاع الله ومن عصى الله، كانت الطاعة في الأوامر خاصة، والمعصية في النواهي. والآية التي معنا الآن من النوع الثاني أو الأول؟
* طلبة: الأول.
* طلبة آخرون: الثاني.
* الشيخ: ما هو الثاني وما هو الأول؟ مقرونة بـ﴿يَعْصِ﴾، إذن فالمراد بها القيام بالأوامر.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ﴿يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ عطف اسم الرسول عليه الصلاة والسلام أو وصفه على اسمه تعالى؛ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠].
وقوله: ﴿وَرَسُولَهُ﴾ المراد به حين نزول القرآن رسول معين وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأما حين قيام الشرائع السابقة فالمراد بالرسول من كانت شريعته قائمة، ففي عهد المسيح يكون المراد بالرسول عيسى، وفي عهد موسى يكون المراد بالرسول موسى، وهلم جرًّا، لكن بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يكون المراد بالرسول محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم.
﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ﴿يُدْخِلْهُ﴾ هذه جواب الشرط، وهي مجزومة بالسكون، ومقتضى الدلالة العقلية أن الشرط يترتب على المشروط، فالمشروط هنا هو الطاعة، أو الشرط الطاعة والمشروط الجزاء والثواب، فالمشروط يترتب على الشرط ترتبًا عقليًّا.
فهنا يكون قوله: ﴿يُدْخِلْهُ﴾ هو (...) الذي اشترطه الله عز وجل لمن أطاعه، فيكون نتيجة حتمية ضرورة صدق المخبر به وهو من؟ الله عز وجل؛ لأن المخبر به هو الله وهو أصدق القائلين، والمخبر به قادر على فعله؛ ولهذا تجدون أن الله تعالى يقول في القرآن: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران ٩]؛ لأنه كامل الصدق كامل القدرة، وإخلاف الوعد يأتي من أحد أمرين؛ إما الكذب، أي كذب الوعد، وإما العجز عدم القدرة، والله عز وجل لا يخلف الميعاد.
﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ (جنات) جمع (جنة)، وهي في الأصل: البستان الكثير الأشجار، وسمي بذلك؛ لأنه يستر من كان فيه لكثرة أشجاره، وهذه المادة: الجيم والنون تدل على الستر، انظر إلى لفظ (الجِنان) وهو القلب؛ لأنه مستتر، (الأجِنة) وهي الأحمال في بطون الأمهات؛ لأنها مستترة، (الجن) لأنهم مستترون، (الجُنة) ما يستتر به المقاتل؛ لأنها تستره، فهذه المادة كلها تدور على هذا المعنى.
فالجنات هي البساتين الكثيرة الأشجار، ولكنه لا يحسن أن نفسرها في هذا الموضع بهذا المعنى؛ لأنك إذا فسرتها بهذا المعنى فكأنما حصرت مدلولها بما يعرفه الناس وسوف تقلل من أهمية الجنة الموعود بها؛ ولهذا ينبغي أن نفسرها -أعني جنات النعيم- بأنها الدار التي أعدها الله لأوليائه، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فإذا فسرتها بهذا التفسير بقيت هيبتها في النفوس، لكن لو تفسرها بالمعنى الأول توهم الإنسان وقال: هذا كبستان فلان بن فلان كثير الأشجار وكثير النخيل وما أشبه ذلك، وهي أعظم مما في الدنيا بأضعاف مضاعفة لا يعلمها إلا الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء»[[أخرجه البيهقي في البعث والنشور(٣٣٢) من حديث ابن عباس، وأخرجه هناد بن السري في الزهد (٣) من حديث ابن عباس. ]]، وإلا فالحقائق تختلف، قال الله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف ٧١]، وقال: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]، وفي الحديث القدسي: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٧٧٩)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢) من حديث أبي هريرة.]].
وقوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ﴿تَجْرِي﴾ الجريان معروف وهو سير الماء على الأرض، وقوله: ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ أي: من تحت هذه الجنات، يعني أشجار وارفة وظل وأنهار تجري، لو تخيل الإنسان هذا النعيم لوجده أكبر نعيم، وهذه الأنهار فسرها الله عز وجل في سورة القتال بقوله: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد ١٥]، ما هو عسل النحل، عسل مصفًّى، خلقه الله هكذا، لبن ليس لبن البقر أو الغنم، أنهار خلقها الله عز وجل، كذلك أيضًا الماء لا يأسن أبدًا مهما طالت مدته، بخلاف ماء الأرض فإنه يأسن، تتغير رائحته بطول المكث، الخمر لذة لا فيه غول ولا هم عنها ينزفون.
وقوله: ﴿مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ قال العلماء: إنها تجري من تحتها لا تحتاج إلى بناء يمنع تسرب الماء ولا إلى حفر أخدود، تسيل هكذا حيثما أردت، قال ابن القيم في النونية:
؎أَنْهَــارُهَــا فِي غَـيْرِ أُخْـدُودٍ جَـرَتْ ∗∗∗ سُبْحَانَ مُمْسِكُهَا عَنِ الْفَيَضَانِ
فهي أنهار لا تحتاج إلى حفر سواقي ولا إلى إقامة أخدود، تجري هكذا على الأرض، وقال أهل العلم أيضًا: إنها تجري حيثما أراد الإنسان بدلًا من أن يأتي بمواد البناء والتوجيه، يريدها بقلبه أو يأمرها بلسانه، اللهم اجعلنا من أهلها.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾ هذه حال، حال من أين؟
* طالب: من ضمير ﴿يُدْخِلْهُ﴾.
* الشيخ: من ضمير ﴿يُدْخِلْهُ﴾، ولكن يشكل عليه أن الحال كالنعت والنعت يتبع المنعوت في إفراده وتثنيته وجمعه، وهنا صاحب الحال مفرد والحال جمع، فكيف الجواب؟ الجواب عن ذلك أن نقول: إن صاحب الحال عائد على (من) الشرطية، و(من) الشرطية يجوز فيها مراعاة لفظها ومراعاة معناها، فإن راعيت اللفظ أعدت الضمير إليها مفردًا، وإن راعيت المعنى أعدت الضمير إليها جمعًا، وكذلك ما يشبه الضمير من الحال والصفة وما أشبهها يجوز مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ.
فهنا يقول: ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ راعى اللفظ في قوله: ﴿يُدْخِلْهُ﴾ والمعنى في قوله: ﴿خَالِدِينَ﴾.
ويجوز أن تراعي اللفظ والمعنى وتعود مرة ثانية لمراعاة اللفظ، قال الله سبحانه تعالى في آخر سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ [الطلاق ١١] فراعى في الأول اللفظ، ثم راعى المعنى، ثم راعى اللفظ، وهذا جائز في اللغة العربية.
يقول: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ وقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ الخلود قال العلماء: هو المكث الدائم، إلا أن يدل دليل على أنه موقت فيراد به المكث الطويل، وإلا فالأصل أن الخلود هو الدوام، لكن إن وجد يدل على أن المراد به طول المكث عمل به.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه ما ذكر من هذا الثواب الذي أعده الله لمن أطاعه، ﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الفوز معناه الربح، يقال: فاز فلان، بمعنى ربح، والعظيم معناه ذو العظمة، والعظمة هي ضخامة الشيء وجلالة الشيء وكثرة الشيء أيضًا.
﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه ما ذكر من هذا الثواب الذي أعده الله لمن أطاعه، ﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿الْفَوْزُ﴾ معناه: الربح، يقال: فاز فلان، بمعنى ربح، و﴿الْعَظِيمُ﴾ معناه: ذو العظمة، والعظمة هي: ضخامة الشيء وجلالة الشيء، وكثرة الشيء أيضًا.
ومعلوم أن نعيم الجنة يتصف بالضخامة والجلالة والدوام، فهو أعظم فوز، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥]، يذكر أن الزمخشري -وهو من المعتزلة- قال تعليقًا على الآية: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ قال: أيُّ فوزٍ أعظم من أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة؟ والاستفهام هنا بمعنى النفي، يعني: لا فوز أعظم من ذلك.
قال بعض المحشين عليه والمتعقبين له: إنه أراد بذلك نفي رؤية الله عز وجل؛ لأن رؤية (...) وما فيها وأعظم فوزًا، فالله أعلم هل أراد ذلك، فمن نظر إلى اللفظ قال: إنه لا دلالة فيه في الواقع؛ لأن من لازم دخول الجنة أيش؟ النظر إلى وجه الله، ومن عرف حال الرجل وأنه معتزلي ولكنه ذكي قال: لعله أراد ذلك، فأنت لو وقع مثل هذه العبارة من شخص معروف بأنه يؤمن برؤية الله عز وجل ما كنا نفسرها هذا التفسير ونقول: إنه أراد نفي الرؤية، لكن من عرف حاله لم يستبعد أن يكون هذا مراده.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن المواريث من حدود الله.
* ومن فوائدها: أن من نفذ هذه المواريث على ما فرض الله فله هذا الثواب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن قسمة المواريث من العبادات، تؤخذ من ترتيب الثواب عليها ووصف ذلك بأنه طاعة.
* ومن فوائد هذه الآية: عناية الشرع بإيصال الحقوق إلى أهلها؛ لأن حقيقة المواريث أن توصل الحقوق إلى أهلها، والله عز وجل حكم عدل يريد من عباده أن يوصلوا الحقوق إلى أهلها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن طاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاعة لله؛ ولهذا عطفها بـ(الواو) الدالة على الجمع والاشتراك.
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية وبين «قول الرسول عليه الصلاة والسلام لرجل قال له: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ»[[أخرجه أحمد (١٨٣٩)، والطبراني (١٣٠٠٥) من حديث ابن عباس.]] ؟
فالجواب: أن الأمور الشرعية لا حرج أن تقرن الرسول عليه الصلاة والسلام مع الرب سبحانه وتعالى بالواو، وأما الأمور الكونية فلا يجوز؛ لأنها من خصائص الربوبية، وفعل العبد بعد فعل الله، أما الحكم فإن حكم الرسول حكم لله؛ ولهذا قال الله عز وجل في القرآن: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ ولم يقل: ثم رسوله، ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة ٥٩]؛ لأن هذا الإتيان إتيان شرعي، إتيان الزكاة والأموال الشرعية، أما الأمور الكونية فلا؛ لأنها من خصائص الربوبية فلا بد أن يكون فعل العبد بعد فعل الله.
«مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ» هذا لا يجوز؛ لأنك جعلت مشيئة الرسول كمشيئة الله، وليس كذلك، لكن طاعة الرسول أيش؟ كطاعة الله ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠] جعل الله طاعة الرسول طاعة له.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الجزاء يوم القيامة؛ لقوله: ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾، ووجه ذلك: أن إدخال الجنات ليس في الدنيا وإنما هو في الآخرة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان نعيم هذه الجنات وأن الأنهار تجري من تحتها، وأنواع هذه الأنهار معروفة في آية أخرى.
* ومن فوائدها: دوام نعيم هذه الجنات؛ لقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، وهل الخلود هنا مؤبد أو مؤقت؟ مؤبد، ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في عدة آيات من القرآن، وأجمع عليه المسلمون على أن نعيم الجنة مؤبد ولم يذكر في ذلك خلاف.
* ومن فوائدها: أن هذا النعيم هو الربح العظيم الذي لا يماثله شيء؛ لقوله: ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
ونسيت أن أعرب هذه الجملة: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ فكيف نعربها؟
* طالب: (ذا) اسم إشارة مبتدأ مبني على السكون.
* الشيخ: لا، ما هو تفصيل، (ذا) اسم إشارة مبتدأ.
﴿الْفَوْزُ﴾؟
* الطالب: خبر.
* الشيخ: خبر المبتدأ.
* الطالب: ﴿الْعَظِيمُ﴾ صفة.
* الشيخ: صفة لـ﴿الْفَوْزُ﴾. لو قال قائل: ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿الْفَوْزُ﴾ بدل أو عطف بيان أو نعت لـ﴿ذَلِكَ﴾؟ ويكون المعنى: وذلك الفوز هو العظيم، لكان صالحًا لكن الإعراب الأول أحسن.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء ١٤] المعصية: مخالفة الأمر أو الوقوع في النهي، فمن ترك الواجب فقد عصى، ومن فعل المحرم فقد عصى، ونقول في قوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ ما قلنا في قوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، إلا أن الإعراب هنا يختلف فإن ﴿يَعْصِ﴾ فعل الشرط مجزوم بأيش؟
* الطلبة: بحذف حرف العلة.
* الشيخ: بحذف حرف العلة وهي الياء.
وقوله: ﴿وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ ﴿يَتَعَدَّ﴾ عندكم بالفتح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: كيف صح الفتح مع أنها معطوفة على ﴿يَعْصِ﴾ المجزوم؟
* طالب: جزمت بحذف حرف لأنها ليست معطوفة فيجوز (...) المعطوف وصارت فتحة للدلالة على الألف المحذوفة.
* الشيخ: يعني مجزومة بحذف الألف.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: وأصلها؟
* الطالب: (يتعدى).
* الشيخ: (يتعدى)، نعم.
وقوله: ﴿يَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ أي: يتجاوزها، والمراد بالحدود هنا الأوامر أو النواهي؟
* طلبة: النواهي.
* طلبة آخرون: الأوامر.
* الشيخ: لا إله إلا الله! ﴿يَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ ما قلنا قبل؟
* طلبة: الأوامر.
* الشيخ: الأوامر، نعم، ما قال: من يقرب حدوده يدخله نارًا قال: من ﴿يَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ أي: يتجاوز ما حده أمرًا، ما حده بأوامر.
﴿يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾ هذه جواب الشرط، والنار معروفة هي هذه الجسم الملتهب الحار، أو نقول: معروفة، وكفى؟
* الطلبة: معروفة.
* الشيخ: معروفة وكفى، كما نقول: السماء فوقنا والأرض تحتنا.
﴿خَالِدًا فِيهَا﴾ هنا قال: ﴿خَالِدًا﴾، وهناك قال: ﴿خَالِدِينَ﴾ في الجنة، فهل هناك نكتة يعني قصدي فائدة أو حكمة؟
الجواب: نعم؛ لأن أهل الجنة يتنعمون باجتماع بعضهم إلى بعض، ولهذا قال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، أما أهل النار -والعياذ بالله- «فقد ورد أن كل واحد منهم في تابوت لا يرى أحدًا ولا يراه أحد»[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (36424) من حديث سويد بن غفلة مقطوعا.]] .
، اللهم إلا على سبيل التقريع، فهذا هو السر -والعلم عند الله- في أن أهل الجنة قال فيهم: ﴿خَالِدِينَ﴾، وأهل النار قال: ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾.
﴿وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ يعني: مع إدخاله النار وخلوده فيها لا يبقى مستقرًا أبدًا، بل هو معذب عذاب إهانة، فيكون عذابًا جسميًّا، وعذابًا قلبيًّا نفسيًّا؛ لأن العذاب الجسمي أهون من العذاب القلبي والألم القلبي؛ ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يختن الإنسان وهو صغير؛ لأن ختان الصغير ليس فيه إلا الألم الجسمي، أما الكبير إذا ختن وهو كبير صار فيه ألم جسمي وألم نفسي قلبي، ويفكر يقول: ربما هذا الجرح يزداد، وربما يموت وما أشبه ذلك، لكن الصغير إذا برد عليه سكت، وإذا صال عليه الوجع صاح، ولو مشيناه أو مشينا به إن كان ما يستطيع يمشي سكت. المهم أن عذاب أهل النار -والعياذ بالله- عذاب مهين، أي: ذو إهانة؛ لأنهم يقرعون ويوبخون.
* في هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: أن معصية الله عز وجل سبب لدخول النار؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ﴾ ﴿يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾، وإنما قلنا: سبب؛ لأنه قد يتخلف بوجود مانع وهو عفو الله عز وجل في غير الشرك، أما الشرك فلا بد أن يدخل صاحبه النار ويخلد ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة ٧٢]، وعلى هذا فنقول: المعصية إن كانت دون الشرك فهي سبب لدخول النار وليس دخول النار واجبًا بها؛ إذ قد يعفى عنه، وإن كانت شركًا فهي سبب حتمي، لا بد أن يدخل صاحبها النار ويخلد فيها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم الوصية للوارث، كيف ذلك؟ لأنك إذا أوصيت للوارث تعديت الحدود، فإذا أوصت المرأة لزوجها بالثلث كان له على مقتضى الوصية ثلث ونصف، وهذا تعدٍّ للحدود؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»[[أخرجه أبو داود (٢٨٧٠)، والترمذي (٢١٢٠) من حديث أبي أمامة.]] .
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، الآن قلنا: الشرك الأكبر سبب لخلود النار طب والشرك الأصغر؟
* الشيخ: ليس سببًا للخلود.
* الطالب: ولكن يدخلها يا شيخ؟
* الشيخ: هذا ينبني على قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء ٤٨] هل هذا الشرك عام أو مطلق؟ إذا قلنا: إنه عام صار الشرك ولو كان أصغر لا يغفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
* طالب: كيف الإنسان يعرف أن هذا شرك أصغر؟ يعني يمكن حصره يا شيخ؟
* الشيخ: يمكن من الأدلة، كل ما أطلق عليه الشارع اسم شرك وهو لا يخرج من الملة فهو شرك أصغر.
* طالب: شيخ، أحوال الجنة غيبية فما هو الدليل على أن أنهارها (...)؟
* الشيخ: إي، ورد فيه حديث، ورد فيه أحاديث.
* طالب: يقول شيخ الإسلام: فعل المنهي يعتبر ترك واجب، شيخ ما يدل على (...) ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ (...) في الأوامر (...) ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؟
* الشيخ: لا، الحدود تكون في الأوامر وتكون في النواهي.
* الطالب: لا، هنا في الآية؟
* الشيخ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [النساء ١٣] هذه في الأوامر، وفعل الأوامر؟ طاعة، لكن ربما يدل عليه قوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ هذه الآية تدل على هذا.
* الطالب: لأنه قال (...).
* الشيخ: صحيح ترك الواجب وقوع في النهي، وفعل النهي ترك للواجب؛ لأنه يجب عليك الكف.
* طالب: (...) في قول ابن عباس في الدم، من ترك الواجب في الحج (...)؟
* الشيخ: ابن عباس يقول: «من ترك شيئًا من نسكه أو نسيه فليهرق دمًا»[[أخرجه البيهقي في الكبرى (٥ / ٣٠) من حديث ابن عباس.]] .
* الطالب: (...) ما تدل عليه هذه الآية؟
* الشيخ: يمكن، أقول: يمكن.
* طالب: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ الوصية (...) أو قيدتها السنة: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»[[أخرجه أبو داود (٢٨٧٠) من حديث أبي أمامة.]] ؟
* الشيخ: لا، تؤخذ من الآية ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾؛ لأن اللي يوصي للوارث أعطاه أكثر مما فرضه الله له، فهو تعدٍّ لحدود الله.
* طالب: بعض المفسرين يقول: أن من أطاع الله وترك المنهيات فلا بد له من الجنة؟
* الشيخ: لا بد له من أيش؟ من الجنة؟
* الطالب: من الجنة.
* الشيخ: بدون فعل واجب؟
* الطالب: لا، إذا فعل الواجبات وترك..
* الشيخ: المحرمات.
* الطالب: فلا بد له، هذا الكلام صحيح؟
* الشيخ: «قال رجل للنبي ﷺ: يا رسول الله، أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْلَلْتُ الْحَلَالَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ أَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»[[أخرجه مسلم (١٥ / ١٦) من حديث جابر.]] ، فالإنسان إذا حرم الحرام وحلل الحلال وفعل الواجب يدخل الجنة، لكن هناك أشياء قد تكون مانعة من ذلك، هل كل من فعل الواجب قام بما ينبغي بفعل الواجب؟ يكون تقصير كثير؛ ولهذا جاء في الحديث: «إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا: نِصْفُهَا أَوْ رُبْعُهَا أَوْ عُشْرُهَا»[[أخرجه أحمد (١٨٨٩٤) من حديث عمار بن ياسر بنحوه.]] ، وهذا يدل على أن الإنسان قد يصلي وتكون صلاته مجزئة مسقطة للواجب لكنه لا يحصل على الثواب.
* طالب: حديث النبي ﷺ: «لَا أَحَدَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» قالوا: ولا أنت؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦ / ٧٥) من حديث أبي هريرة.]] (...)؟
* الشيخ: قال العلماء: إن قوله تعالى: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧] وقوله ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ» إن الجمع بينهما أن نجعل الباء في قوله: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ للسببية، وأن نجعل الباء في قوله: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ» للمعاوضة والبدل، فإنه لو قورن عملك بالثواب لأحاط الثواب بالعمل ولم يكن مقابلًا له، ثم إن توفيق الإنسان للعمل الصالح نعمة يحتاج إلى شكر.
* طالب: قوله تعالى: ﴿يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾، (نارًا) نكرة؟
* الشيخ: وهي هنا ﴿جَنَّاتٍ﴾ نكرة أيضًا.
* طالب: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الشرك الأصغر يدخل في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ صحيح هذا؟
* الشيخ: يقول: لأن ﴿أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ فعل دخل عليه حرف مصدري فيؤول، أولْه؟
* طالب: إن الله لا يغفر إشراكًا به؟
* الشيخ: إشراكًا به، و(إشراكًا) نكرة في سياق النفي فتكون للعموم، لكن في نفسي من هذا شيء.
* طالب: يعتبر من الكبائر الشرك الأصغر؟
* الشيخ: الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا»[[أخرجه عبد الرزاق (١٥٩٢٩) من حديث ابن مسعود أو ابن عمر.]] .
* طالب: شيخ، أنت قلت في تفسير ﴿خَالِدًا﴾: إنه ورد في الحديث أن كلًّا من أهل النار في تابوت يعذب، كيف نجمع بين هذا وبين قول الله عز وجل: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾ [الأعراف ٤٨] فيدل على أنهم جماعات من الناس؟
* الشيخ: إي، ما يمنع، وإحنا استثنينا أيضًا بعدُ قلنا: إلا أن يشاء الله، أو كلمة نحوها.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك، بالنسبة لحديث عدي بن حاتم في صحيح الإمام مسلم قال: «قام رجل وخطب عند النبي ﷺ فقال: وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، بَلْ قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى»[[أخرجه مسلم (٨٧٠ / ٤٨) من حديث عدي بن حاتم.]] ، فهل فيه تعارض بين هذا يا شيخ وبين الآية؟ ولماذا أنكر النبي ﷺ على هذا الخطيب؟
* الشيخ: أحسن ما قيل في الجواب عن ذلك: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أثنى عليه شرًّا لكون المقام لا يقتضي هذا، المقام يقتضي أن يفصل ويبسط؛ لأنه ربما تخاطب القوم بمثل هذا الخطاب، فيظن أنه لا يكون غي إلا إذا كان الأمر من الله ورسوله، فلكل مقام مقال، فالرسول عليه الصلاة والسلام إنما أثنى عليه شرًّا لكونه لم يستعمل الخطبة في السياق المناسب، لا لأن هذا ممنوع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه قال هكذا.
* طالب: شيخ أحسن الله إليكم، ما ذكره بعض العلماء في هذه الكلمة؟
* الشيخ: أيها؟
* الطالب: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ» حيث قال: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ»، قال: إن النبي ﷺ إنما أنكر عليه؛ لأنه«قال: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا» وسكت ثم قال: «فَقَدْ غَوَى»، فكأن (يعصهما) صارت معطوفة على يطع؟
* الشيخ: والله بعيدة هذه، هذا يحتاج إلى إثبات أنه سكت، هذه واحدة، ثم إن الإنسان لو سكت لم يتكلم قال: «وَمَنْ يَعْصِهِمَا » ثم قال: «فَقَدْ غَوَى » يعرف أن هذه مفرعة على ما قبلها.
* طالب: يوجد في بعض اللائحات التعليقية مكتوب عليها (الله محمد) فهل هذا..؟
* الشيخ: إي نعم، هذه غلط ويجب إزالتها؛ لأن الذي لا يعرف محمدًا ﷺ يظن أن هذين في مستوى واحد.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، لا الجنة والنار، ما هي مثل المحبة، الجنة والنار شيء منفصل.
* الطالب: والخوف يا شيخ؟
* الشيخ: والخوف، الخوف ما يمكن تعريفه.
* طالب: بالنسبة لمواصلة المرأة للدراسة (...) الشهادات العليا؟
* الشيخ: المرأة كالرجل في العلوم الشرعية، لكن في العلوم الأخرى كالهندسة والعلوم الرياضية وما أشبه ذلك لا نرى أنها تستمر فيها؛ لأن هذا سوف يجبرها على أن تتوظف وتأتي غدًا للأراضي المخططة للبناء لتقيسها وتمثلها وما أشبه ذلك.
* طالب: الطب يا شيخ؟
* الشيخ: لا، الطب ضرورة، الطب لا بأس أن تتعلمه؛ لأن النساء نصف الرجال بل أكثر من الرجال ويمرضن كثيرًا، يحتجن إلى نساء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يعني إذا أثنى عليه الناس فرح، لا، هذا لا ينافي حسن النية، الإنسان يحب أن يثني على نفسه ويحب أن يثني عليه الناس، «وعمر رضي الله عنه لما قال ابنه عبد الله حين عرض عليهم النبي عليه الصلاة والسلام: «شَجَرَةٌ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ» وتنازع الناس هذه الأشجار، وقع في قلبه أنها النخلة لكن لم يتكلم؛ لأنه صغير، فقال عمر: لو أنك قلتها لكان كذا وكذا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣١)، ومسلم (٢٨١١ / ٦٣) من حديث ابن عمر.]] ، يعني مما يفرح به، وهذا لا بأس، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن، وهذا أيضًا -ثناء الناس على الإنسان- من عاجل بشرى المؤمن ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾ [يونس ٦٤]، وأنواع البشرى كثيرة، منها: الْمَرَائي ترى للرجل المرائي الصالحة، ومنها: أن يرى أثر الطاعة على قلبه بالنور والانشراح، ومنها: أن يثني الناس عليه ويكون له القبول، فأنواع البشرى كثيرة.
* طالب: أحسن الله إليك، لو أن شخصًا من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، يقول: لو أن الجامعة لم تجبرني على البحث والرسالة ما بحثتها لعلمي بأن الفائدة فيها قليلة هل هذا يدل على سلامة النية؟
* الشيخ: إي نعم، لأنه هو يريد الوصول إلى هذه الشهادة التي تؤهله للمنصب الذي يريد أن ينفع الناس به، وكثير من علوم الجامعة ما يريدها الإنسان.
* طالب: (...) في هذه الأمة لن يفكر فيه؟
* الشيخ: ويش يفكر فيه؟
* الطالب: يفكر في مشروع.
* الشيخ: مشروع طيب، هذه نية خالصة.
* طالب: (...) وهل يقصد التقرب إلى الله؟
* الشيخ: ويش تقولون في هذا؟ يقول: رجل تعبد لله من أجل أن ينال العلم؛ لأن الله قال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [محمد ١٥] كذا؟ نقول: نعم، هذه نية طيبة، والدليل على هذا أن الله يرغب في العمل الصالح ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧] وأنه وضع الحدود العقوبات الشرعية لفاعل المنكر، كما أن الزاني مثلًا لو ترك الزنا خوفًا من الله لكن كونه يخشى الحد أيضًا يؤثر في تركه فلا بأس.
* طالب: لم يقصد وجه الله، خاصة العلم، نيل العلم؟
* الشيخ: العلم نفسه عبادة، العلم نفسه عبادة.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء ١٥- ١٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ ﴿وَاللَّاتِي﴾ جمع (التي).
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: تقسيم المخالف إلى عاصٍ ومتعدٍّ للحدود، فالمعصية هنا فعل المحرم، وتعدي الحدود ترك الواجب أو الغلو فيه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن معصية رسول الله كمعصية الله؛ لأنه قرنها بمعصية الله بحرف يقتضي التسوية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من جمع بين الأمرين: المعصية وتعدي الحدود فإنه يدخل النار، ولكن هل هو دخول أبدي أو دخول موقت؟ يقال: حسب المعصية؛ لأن الله ذكر في الآيات التي قبلها أن من أطاع الله ورسوله دخل الجنات، وهنا قال: من عصى الله ورسوله دخل النار، فيقال: الطاعة الغالبة يدخل فيها صاحبها الجنة بدون أن يدخل النار، والمعصية الغالبة يدخل فيها، الغالب إن ما فيها طاعة يدخل فيها النار (...)، والجامع بين الطاعة والمعصية هذا يدخل النار والجنة؛ لأنه وجد فيه سببَا دخولِ الجنة والنار، فيعطى الحكم ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبأ ٢٦]، وعلى هذا فالعاصي معصية مطلقة والمتعدي للحدود تعديًا مطلقًا هذا يدخل النار ولا يدخل الجنة، والذي جمع بين المعصية والطاعة: إن غلبت الطاعة لم يدخل النار، وإن غلبت المعصية دخل النار بقدر ذنبه وخرج منها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الخلود في النار؛ لقوله: ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن الخلود في النار مؤبد في آيات ثلاث من القرآن: في سورة النساء، وفي سورة الأحزاب، وفي سورة الجن، ففي سورة النساء قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء ١٦٨- ١٦٩]، وفي سورة الأحزاب قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٤- ٦٥]، وفي سورة الجن قال: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣]، وإذا كان الله تعالى ذكر التأبيد في آيات ثلاث، فإن أي قول يخالف ذلك فهو ساقط؛ لأن من لزوم الخلود لزوم المكان، إذا قيل: هذا خالد في النار أبدًا، لزم أن يكون المكان الذي يخلد فيه أيش؟ مؤبد، وإلا فلا معنى للتأبيد، فالقول لبعض العلماء: إنهم خالدون فيها أبدًا ما دامت باقية، قول ساقط، لا وجه له من النظر؛ لأن الله صرح بالتأبيد؛ تأبيد الخلود، ويلزم من تأبيد الخلود في المكان أبدية المكان، وإلا لم يكن فائدة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذين في النار -والعياذ بالله- يعذبون عذابًا مهينًا، أي: ذا إهانة، ليسوا مكرمين.
فإن قال قائل: كيف تجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٨، ٤٩]؟ فالجواب من أحد وجهين: إما أن يكون ذلك على سبيل التهكم به، وإما أن يكون هذا ليذكر حاله في الدنيا، يعني: أنت العزيز الكريم في الدنيا، حتى يزداد حسرة وهو أنه كان في الدنيا عزيزًا كريمًا والآن ذليلًا مهينًا، وكلا الأمرين -والعياذ بالله- يحصلان لهذا الذي يوجه إليه هذا الخطاب، يصب من فوق رأسه الحميم ثم يقال: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾، لا شك أنه سوف يرى أنه يقال له ذلك على سبيل التهكم، ثم يذكر هو أيضًا حاله في الدنيا وأنه في الدنيا عزيز مكرم والآن وصل إلى هذا الحد من الإهانة.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ یُدۡخِلۡهُ نَارًا خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَلَهُۥ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"],"ayah":"تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق