الباحث القرآني
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ قِيلَ: الإشارَةُ بِـ (تِلْكَ) إلى القِسْمَةِ المُتَقَدِّمَةِ في المَوارِيثِ. والأوْلى أنْ تَكُونَ إشارَةً إلى الأحْكامِ السّابِقَةِ في أحْوالِ اليَتامى والزَّوْجاتِ والوَصايا والمَوارِيثِ، وجَعَلَ هَذِهِ الشَّرائِعَ حُدُودًا، لِأنَّها مُؤَقَّتَةٌ لِلْمُكَلَّفِينَ لا يَجُوزُ لَهم أنْ يَتَعَدُّوها إلى غَيْرِها. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: حُدُودُ اللَّهِ طاعَتُهُ. وقالَ السُّدِّيُّ: شُرُوطُهُ. وقِيلَ: فَرائِضُهُ. وقِيلَ: سُنَنُهُ. وهَذِهِ (p-١٩٢)أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ.
﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها وذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ لَمّا أشارَ تَعالى إلى حُدُودِهِ الَّتِي حَدَّها قَسَّمَ النّاسَ إلى عامِلٍ بِها مُطِيعٍ، وإلى غَيْرِ عامِلٍ بِها عاصٍ. وبَدَأ بِالمُطِيعِ؛ لِأنَّ الغالِبَ عَلى مَن كانَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ تَعالى الطّاعَةُ، إذِ السُّورَةُ مُفْتَتَحَةٌ بِخِطابِ النّاسِ عامَّةً، ثُمَّ أرْدَفَ بِخِطابِ مَن يَتَّصِفُ بِالإيمانِ إلى آخِرِ المَوارِيثِ، ولِأنَّ قِسْمَ الخَيْرِ يَنْبَغِي أنْ يُبْتَدَأ بِهِ وأنْ يُعْتَنى بِتَقْدِيمِهِ. وحُمِلَ أوَّلًا عَلى لَفْظِ مَن في قَوْلِهِ: يُطِعِ، ويُدْخِلْهُ، فَأفْرَدَ، ثُمَّ حُمِلَ عَلى المَعْنى في قَوْلِهِ: خالِدِينَ. وانْتِصابُ خالِدِينَ عَلى الحالِ المُقَدَّرَةِ، والعامِلُ فِيهِ يُدْخِلْهُ، وصاحِبُ الحالِ هو ضَمِيرُ المَفْعُولِ في يُدْخِلْهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وجَمَعَ (خالِدِينَ) عَلى مَعْنى مَن بَعْدَ أنْ تَقَدَّمَ الإفْرادُ مُراعاةً لِلَفْظِ مَن، وعَكْسُ هَذا لا يَجُوزُ. انْتَهى. وما ذُكِرَ أنَّهُ لا يَجُوزُ مِن تَقَدُّمِ الحَمْلِ عَلى المَعْنى ثُمَّ عَلى اللَّفْظِ - جائِزٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، وفي مُراعاةِ الحَمْلَيْنِ تَفْصِيلٌ وخِلافٌ مَذْكُورٌ في كُتُبِ النَّحْوِ المُطَوَّلَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وانْتَصَبَ خالِدِينَ وخالِدًا عَلى الحالِ. فَإنْ قُلْتَ: هَلْ يَجُوزُ أنْ يَكُونا صِفَتَيْنِ لِ جَنّاتٍ ونارًا ؟ قُلْتُ: لا، لِأنَّهُما جَرَيا عَلى غَيْرِ مَن هُما لَهُ، فَلا بُدَّ مِنَ الضَّمِيرِ وهو قَوْلُكَ: خالِدِينَ هم فِيها، وخالِدًا هو فِيها. انْتَهى. وما ذَكَرَهُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ فُرِّعَ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ. وأمّا عِنْدَ الكُوفِيِّينَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ، ولا يُحْتاجُ إلى إبْرازِ الضَّمِيرِ إذا لَمْ يُلْبِسْ عَلى تَفْصِيلٍ لَهم في ذَلِكَ ذُكِرَ في النَّحْوِ. وقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ في الآيَةِ الزَّجّاجُ، والتِّبْرِيزِيُّ أخَذَ بِمَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ. وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ: (نُدْخِلْهُ) هُنا، وفي: (نُدْخِلْهُ نارًا) بِنُونِ العَظَمَةِ. وقَرَأ الباقُونَ: بِالياءِ عائِدًا عَلى اللَّهِ تَعالى. قالَ الرّاغِبُ: ووَصْفُ الفَوْزِ بِالعِظَمِ اعْتِبارٌ بِفَوْزِ الدُّنْيا المَوْصُوفِ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ﴾ [النساء: ٧٧] والصَّغِيرُ والقَلِيلُ في وصْفِهِما مُتَقارِبانِ.
﴿ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نارًا خالِدًا فِيها ولَهُ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لَمّا ذَكَرَ ثَوابَ مُراعِي الحُدُودِ ذَكَرَ عِقابَ مَن يَتَعَدّاها، وغَلَّظَ في قِسْمِ المَعاصِي، ولَمْ يَكْتَفِ بِالعِصْيانِ بَلْ أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾، وناسَبَ الخَتْمَ بِالعَذابِ المُهِينِ، لِأنَّ العاصِيَ المُتَعَدِّيَ لِلْحُدُودِ بَرَزَ في صُورَةِ مَنِ اغْتَرَّ وتَجاسَرَ عَلى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وقَدْ تَقِلُّ المُبالاةُ بِالشَّدائِدِ ما لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْها الهَوانُ، ولِهَذا قالُوا: المَنِيَّةُ ولا الدَّنِيَّةُ. قِيلَ: وأفْرَدَ خالِدًا هُنا، وجَمَعَ في خالِدِينَ فِيها، لِأنَّ أهْلَ الطّاعَةِ أهْلُ الشَّفاعَةِ، وإذا شَفَعَ في غَيْرِهِ دَخَلَها، والعاصِي لا يَدْخُلُ النّارَ بِهِ غَيْرَهُ، فَبَقِيَ وحِيدًا. انْتَهى. وتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ مِن أصْنافِ البَدِيعِ: التَّفْصِيلَ في الوارِثِ والأنْصِباءِ بَعْدَ الإبْهامِ في قَوْلِهِ: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾ [النساء: ٧] الآيَةَ، والعُدُولَ مِن صِيغَةِ (يَأْمُرُكُمُ اللَّهُ) إلى ﴿يُوصِيكُمُ﴾ [النساء: ١١]؛ لِما في الوَصِيَّةِ مِنَ التَّأْكِيدِ والحِرْصِ عَلى اتِّباعِها. والطِّباقَ في: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]، وفي: مَن يُطِعْ ومَن يَعْصِ، وإعادَةَ الضَّمِيرِ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِقُوَّةِ الدَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ في قَوْلِهِ: مِمّا تَرَكَ، أيْ: تَرَكَ المَوْرُوثُ. والتَّكْرارَ في لَفْظِ (كانَ)، وفي ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١]، إنَّ اللَّهَ، وفي: ولَدًا، وأبَواهُ، وفي: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢]، وفي: ﴿وصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢] إنَّ اللَّهَ، وفي: ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾، وفي: ﴿اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ . وتَلْوِينَ الخِطابِ في: مَن قَرَأ: نُدْخِلْهُ بِالنُّونِ. والحَذْفَ في مَواضِعَ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ یُدۡخِلۡهُ نَارًا خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَلَهُۥ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ"],"ayah":"تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق