الباحث القرآني

ولَمّا كانَ فَطْمُ أنْفُسِهِمْ عَنْ مَنعِ الأطْفالِ؛ والنِّساءِ؛ شَدِيدًا عَلَيْهِمْ؛ لِمُرُونِهِمْ عَلَيْهِ؛ بِمُرُورِ الدُّهُورِ الطَّوِيلَةِ عَلى إطْباقِهِمْ عَلى فِعْلِهِ؛ واسْتِحْسانِهِمْ لَهُ؛ أتْبَعَهُ - سُبْحانَهُ - التَّرْغِيبَ؛ والتَّرْهِيبَ؛ لِئَلّا يُغْتَرَّ بِوَصْفِ الحَلِيمِ؛ فَقالَ - مُعَظِّمًا لِلْأمْرِ بِأداةِ البُعْدِ؛ ومُشِيرًا إلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ مِن أمْرِ المَوارِيثِ؛ والنِّساءِ؛ واليَتامى؛ وغَيْرِهِ -: ﴿تِلْكَ﴾؛ أيْ: هَذِهِ الحُدُودُ الجَلِيلَةُ النَّفْعِ؛ العَظِيمَةُ الجَدْوى؛ المَذْكُورَةُ مِن أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ؛ بَلْ مِن أوَّلِ القُرْآنِ؛ ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْظَمِ؛ فَمَن راعاها - ولَوْ لَمْ يَقْصِدْ (p-٢١٤)طاعَتَهُ؛ بَلْ رَفْعًا لِنَفْسِهِ عَنْ دَناءَةِ الإخْلادِ إلى الفانِي؛ ومَعَرَّةِ الِاسْتِئْثارِ عَلى الضَّعِيفِ؛ المُنْبِئِ عَنِ البُخْلِ؛ وسُفُولِ الهِمَّةِ - نالَ خَيْرًا كَبِيرًا؛ فَإنَّهُ يُوشِكُ أنْ يَجُرَّهُ ذَلِكَ إلى أنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُطِيعُ اللَّهَ؛ ﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ﴾؛ الحائِزَ لِصِفَتَيِ الجَلالِ؛ والإكْرامِ؛ ﴿ورَسُولَهُ﴾؛ أيْ: في جَمِيعِ طاعاتِهِ؛ هَذِهِ وغَيْرِها؛ بِالإقْبالِ عَلَيْها؛ وتَرْكِ ما سِواها لِأجْلِهِ - سُبْحانَهُ -؛ قالَ الأصْبَهانِيُّ: ”مَن“؛ عامٌّ؛ ووُقُوعُهُ عُقَيْبَ هَذِهِ التَّكالِيفِ الخاصَّةِ لا يُخَصِّصُهُ”. ولَمّا تَشَوَّفَ السّامِعُ بِكُلِّيَّتِهِ إلى الخَبَرِ؛ التَفَتَ إلَيْهِ؛ تَعْظِيمًا لِلْأمْرِ - عَلى قِراءَةِ نافِعٍ؛ وابْنِ عامِرٍ بِالنُّونِ - فَقالَ:“نُدْخِلْهُ جَنّاتٍ"؛ أيْ: بَساتِينَ؛ وقِراءَةُ الجَماعَةِ بِالياءِ عَظِيمَةٌ أيْضًا؛ لِبِنائِها عَلى الِاسْمِ الأعْظَمِ؛ وإنْ كانَتْ هَذِهِ أشَدَّ تَنْشِيطًا بِلَذَّةِ الِالتِفاتِ؛ ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾؛ أيْ: لِأنَّ أرْضَها مَعْدِنُ المِياهِ؛ فَفي أيِّ مَوْضِعٍ أرَدْتَ جَرى نَهْرٌ؛ فَهي لا تَزالُ يانِعَةً غَضَّةً؛ وجَمَعَ الفائِزِينَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾؛ تَبْشِيرًا بِكَثْرَةِ الواقِفِ عِنْدَ هَذِهِ الحُدُودِ؛ ولِأنَّ مُنادَمَةَ الإخْوانِ مِن أعْلى نَعِيمِ الجِنانِ. (p-٢١٥)ولَمّا كانَ اخْتِصاصُهم بِالإرْثِ عَنِ النِّساءِ؛ والأطْفالِ؛ مِنَ الفَوْزِ عِنْدَهُمْ؛ بَلْ لَمْ يَكُنِ الفَوْزُ العَظِيمُ عِنْدَهم إلّا الِاحْتِواءَ عَلى الأمْوالِ؛ وبُلُوغَ ما في البالِ مِنها مِنَ الآمالِ؛ قالَ (تَعالى) - مُعَظِّمًا بِأداةِ البُعْدِ -: ﴿وذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرُ العالِي المَرْتَبَةِ؛ مِنَ الطّاعَةِ المَندُوبِ إلَيْها؛ ﴿الفَوْزُ العَظِيمُ﴾؛ أيْ: لا غَيْرُهُ مِنَ الِاحْتِواءِ عَلى ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ؛ وهَذا أنْسَبُ شَيْءٍ لِتَقْدِيمِ التَّرْغِيبِ؛ لِتَسْمَحَ نُفُوسُهم بِتَرْكِ ما كانُوا فِيهِ؛ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّلَطُّفِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ؛ والتَّبْشِيرِ لَهُ ﷺ بِأنَّها مُطِيعَةٌ راشِدَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب