الباحث القرآني
ثم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر ٤٢] ﴿وَأَقْسَمُوا﴾، قال المؤلف: أي: (كفار مكة)، وهذا يحتمل ما قاله رحمه الله من أن الضمير يعود على كفار مكة، ويحتمل أنه أعم، وأن من الناس من أقسموا وهم من غير كفار مكة.
وقوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ أي: حلفوا به.
وقوله: ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ أي: غاية الأيمان؛ يعني الأيمان التي بذلوا فيها الجهد وهي أيمانٌ مغلظة في صيغتها كمية وكيفية؛ فالأيمان الْمغلَّظة بصيغتها كمية وكيفية هي الأيمان التي بلغت الجهد؛ أي غاية الطاقة بالنسبة للمُقْسِم، والأَيْمان كما قال العلماء تُغلَّظ بالكمية، والكيفية، والزمان، والمكان، والهيئة، خمسة أشياء؛ الكمية مثل أن يقول: والله الذي لا إله إلا هو العظيم العزيز الغالب، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تدل على الانتقام فيما لو كان الإنسان كاذبًا، هذا تغليظ بماذا؟ بالكمية.
التغليظ بالكيفية بأن يأتي بها بانفعال شديد يدل على تأثره بالقسم، وأما في الزمان فأن تكون بعد صلاة العصر كما قال الله تعالى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ [المائدة ١٠٦] فمن بعد صلاة العصر.
وفي المكان بحيث يكون الإقسام في مكان فاضل، وأفضل الأماكن في البلدان المساجد، قالوا: وتكون عند المحراب أو المنبر في الجوامع وعند الكعبة، بعضهم قال: تحت الميزاب، وفي الروضة في المدينة، هذا في المكان.
في الهيئة بأن يكون قائمًا؛ لأنه يُحلَّف وهو قائم، قال العلماء: لأن العقوبة أقرب إلى القائم منها إلى القاعد، فهذه خمسة أشياء في تغليظ اليمين، لكن هل هؤلاء الكفار أقسموا جهد أيمانهم بهذه التغليظات الخمسة؟ الله أعلم، على كل حال هم بذلوا أقصى ما يستطيعون من اليمين.
﴿لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر ٤٢] هذه الجملة نقول في إعرابها كما قلنا في الجملة الأولى ﴿وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا﴾ [فاطر ٤١]، فلقد اجتمع فيها شرطٌ وقسم، وحُذِف جواب الشرط؛ ولهذا جاءت اللام في الجواب ﴿لَيَكُونُنَّ﴾ ولو كان المحذوف جواب القسم لم تأتِ اللام في الجواب؛ لأن جواب الشرط لا يحتاج إلى اللام، وإنما يربط بالفاء في محله، ولا يحتاج إلى رابط إذا لم يكن من المواضع السبعة المعروفة.
يقول الله عز وجل: ﴿لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٤٢] بمعنى مُنذِر وهو الرسول ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر ٤٢].
قوله: ﴿لَيَكُونُنَّ﴾ بضم النون وهو مُشكِل كيف ضُمَّت النون، والمعروف أن الفعل المضارع مع نون التوكيد يُبنى على الفتح كما في قوله تعالى: ﴿لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ [الهمزة ٤] وهنا قال: ﴿لَيَكُونُنَّ﴾؟
والجواب على ذلك أن نون التوكيد لا يُبنى معها الفعل إلا إذا كانت مباشرةً له لفظًا وتقديرًا، والنون هنا مباشرة للفعل لفظًا لكنها غير مباشرة له تقديرًا، كيف ذلك؟ لأن الفعل هنا للجماعة، وليس للمفرد، وأصله (يكونونن) فحذفت النون لتوالي الأمثال؛ لأنهم يقولون: إن العرب يكرهون أن تجتمع ثلاث كلمات من نوع واحد بعضها إلى بعض، فيحذفون أولاها بالحذف، وأولاها بالحذف على حسب قياسهم نون الرفع؛ لأن حذفها معتاد ولأن نون التوكيد جاءت لمعنًى لو حذفت لاختل ذلك المعنى، إذا جاءت للتوكيد فلا نحذفها لكن نحذف نون الرفع؛ لأن حذفها معتاد.
حذفنا نون الرفع وهي النون الأولى من الثلاثة، إحنا قلنا: ليكونون، بقيت الواو تلي النون، والنون حرفٌ مشدد في هذا التركيب، والحرف المشدد أوله ساكنٌ ولَّا لا؟ أوله ساكن، فحذفنا الواو لالتقاء الساكنين فصارت ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ حذفنا الواو التي بين نون الفعل؛ لأن النون في ﴿لَيَكُونُنَّ﴾ النون اللي معنا الآن نون الفعل؛ ولهذا ما حذفناها؛ لأنها أصيلة، حذفنا الواو لالتقاء الساكنين.
فلو قال قائل: عندنا الآن ثلاث نونات ولم تحذفوا واحدة منها؟
نقول: أولًا: أن هذه النونات ليست متصلة تقديرًا؛ يعني ليس بعضها متصلًا بالبعض الآخر من حيث التقدير؛ لأنه قد فصل بينهما الواو التي حذفناها لالتقاء الساكنين.
ثانيًا: أن النون التي بعد الواو في ﴿لَيَكُونُنَّ﴾ النون الموجودة الآن نون الفعل، فهي من بنية الكلمة، ولا يمكن أن تُحذف.
على كل حال يجب أن نعرف الفرق بين (ليكونَنَّ) وبين ﴿لَيَكُونُنَّ﴾ في القرآن: ﴿لَيَكُونًا﴾ ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف ٣٢] ففرق بين ﴿لَيَكُونًا﴾ وبين ﴿لَيَكُونُنَّ﴾، فـ(يكونَنَّ) هذا للواحد؛ ولهذا بُنِي الفعل معها على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد لفظًا وتقديرًا، و﴿لَيَكُونُنَّ﴾ للجماعة؛ ولهذا لم يُبنَ الفعل معها؛ لأن نون التوكيد لم تباشره تقديرًا واضح؟ ولَّا في إشكال بعد؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ما أدري والله! بعد كل الكلام هذا الطويل ما إحنا فاهمين؟!
* طلبة: واضح.
* الشيخ: زين، إذن نون التوكيد لا يُبنى معها الفعل إلا إذا كانت مباشرةً له لفظًا وتقديرًا، في هذه الجملة ﴿لَيَكُونُنَّ﴾ لم تباشره تقديرًا ولَّا لفظًا؟ تقديرًا، أما لفظًا فقد باشرته، وإنما قلنا: لم تباشره تقديرًا؛ لأنه حُذِف منها واو الجماعة فلم تباشره تقديرًا.
وقوله: ﴿أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر ٤٢] ﴿أَهْدَى﴾ هذه خبر (يكون) فهي منصوبة بالفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر؛ وهو اسم تفضيل.
وقوله: ﴿مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾، قال المؤلف: (اليهود والنصارى وغيرهم) أي: أي واحدة منها، لما رأوا من تكذيب بعضهم بعضًا؛ إذ قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء، يقول: ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ فأتوا بـ﴿إِحْدَى﴾ الدالة على الإبهام، لم يقولوا: أهدى من النصارى، ولا أهدى من اليهود. قال: ﴿مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾، لماذا؟ لأن الأمر التبس عليهم؛ حيث إن اليهود يقولون: ليست النصارى على شيء، والنصارى يقولون: ليست اليهود على شيء، وهؤلاء المشركون -كفار مكة- أمةٌ جاهلية لا يدرون مَن الحق معه فلم يقولوا: أهدى من النصارى، ولا أهدى من اليهود، بل قالوا: أهدى من إحداهما أهدى من أي واحدة؛ لأن الأمر عندهم التبس، ولكن يبقى النظر ما هو الدليل على تخصيص كلمة الأمم بالأمتين اليهودية والنصرانية؟ ولماذا لا يقال: إنها أعم من اليهود والنصارى؟ لأن هناك مجوسًا يدينون بعبادة النيران، ويمكن أن يوجد أناس آخرون يدينون بديانات أخرى؛ لهذا نقول: الجواب إما أن نلتزم بالعموم ونقول: إنهم يقولون: ﴿أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ أي: من أي أمة كانت؛ كاليهود، أو النصارى، أو المجوس، أو الوثنيين الذين يعتقدون أنهم على دين، أو ما أشبه ذلك، فكأنهم يقولون: أهدى من كل الأمم، لكن لم يعينوا؛ لأنهم لم يدروا من هو الذي على حق، وإما أن يقال: خُصَّ هذا الجمع بأمتين فقط؛ لأن المعروف أنهم على دين هم مَنْ؟ اليهود والنصارى (...).
هذا هو الصحيح لكن آخر كلامه يدل على أنه أراد اليهود والنصارى فقط، اشتبه عليهم الحق فقالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء (...)
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ﴾ (...)
﴿جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٤٢].
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر ٤٢]، هنا قال الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٤٢] ولم يقل: فلما جاءهم الرسول ليطابق ما قالوه حتى يكون أبلغ في إلزامهم بما قالوا؛ لأنهم قالوا: ﴿لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ﴾ فلما جاءهم نذير على حسب ما فرضوه وما قدروه جاء الأمر كذلك، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ كما يقولون هم والمراد به محمد ﷺ بلا شك، لكن كما أشرت نُكِّرَ ولم يُعَرَّف متابعةً لكلامهم، حيث قالوا: جاءنا نذير؛ يعني فلما جاءهم نذير كما طلبوا تمامًا وباللفظ ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ (لَمَّا) هنا شرطية، وفعل الشرط ﴿جَاءَهُمْ﴾ وجوابه ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾.
و(لَمَّا) تأتي في اللغة العربية على أوجه:
أحدها: كما هنا شرطية.
والثاني: أن تأتي جازمة كـ(لم) إلا أن بينهما فروقًا ليس هذا موضع ذكرها؛ لأننا لم نتكلم على النحو كقوله تعالى: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص ٨] أي لم يذوقوا عذابي ولكنهم حريون بأن يذوقوه.
والثالث: أن تكون بمعنى (إلا) كقوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤] أي: إلا عليها حافظ.
والرابع: أن تكون بمعنى (حين) مجردة عن الشرط، مثل أن تقول: زرتك لما طلع الصبح؛ أي: حين طلع الصبح، فهذه أربعة معانٍ لـ(لَمَّا) هنا شرطية ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر ٤٢].
﴿مَا زَادَهُمْ﴾ قال المؤلف: (مجيئه) يعني أنهم جاءهم نذير كما طلبوا ولكنهم ما كانوا أهدى من إحدى الأمم بل لم يزدهم إلا نفورًا عن الحق وبُعْدًا عن اتباعه، قال: (تباعدًا عن الهدى) والعياذ بالله، وهذا أمرٌ مشاهَد فإن قريشًا لما بُعِث فيهم النبي ﷺ نفروا منه وآذوه بالقول وبالفعل ووصموه بكل عيب، وكانوا قبل أن يُبعث يُجِلُّونه يحترمونه ويسمونه الأمين، فلما بُعِثَ لم يكن أمينًا وكأنه رجلٌ غير الرجل الذي كانوا يعرفونه، كل هذا يُكذِّب قولَهم: ﴿لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر ٤٢].
قال: (﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر ٤٣] عن الإيمان، مفعولٌ له) يعني أن كلمة ﴿اسْتِكْبَارًا﴾ مفعولٌ له؛ أي: منصوبة على أنها مفعول له؛ يعني ما زادهم إلا نفورًا لأجل الاستكبار في الأرض، وهذا أحد الاحتمالين في الآية الكريمة، والاحتمال الثاني أن ﴿اسْتِكْبَارًا﴾ بدل من كلمة ﴿نُفُورًا﴾؛ أي: ما زادهم إلا نفورًا، هذا النفور هو الاستكبار في الأرض، وهو احتمال قوي جدًّا أن تكون ﴿اسْتِكْبَارًا﴾ بدلًا أو عطف بيان من كلمة ﴿نُفُورًا﴾. إذن ما زادهم هذا المجيء إلا البُعد عن الحق والاستكبار في الأرض.
قال: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ [فاطر ٤٣] معطوف على ﴿اسْتِكْبَارًا﴾.
و﴿وَمَكْرَ﴾ قال المؤلف: (العمل ﴿السَّيِّئِ﴾ من الشرك وغيره) فقدَّر العمل قبل ﴿السَّيِّئِ﴾؛ ليكون السوء موصوفًا به العمل، والعمل السيئ يكون مكرًا، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، فجعل ﴿مَكْرَ﴾ مضافًا إلى شيء محذوف وهو (العمل)، وجعل السيئ صفةً لذلك الشيء المحذوف؛ أي: مكر العمل السيئ؛ أي أنهم ما زادهم إلا نفورًا واستكبارًا في الأرض، وأن يمكروا مكر العمل السيئ، والمكر هو الخديعة وهو التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخصم، هذا المكر، أن تتوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بخصمك وعدوك؛ فأما التوصل بالأسباب الظاهرة فليس بمكر، فإن قلت: هذا المعنى لا ينطبق على عمل هؤلاء؛ لأن هؤلاء يظهرون عملهم السيئ؟
فالجواب: أن هؤلاء تارةً يظهرونه وتارةً يُخفونه كما في اجتماعهم في دار الندوة، ماذا يصنعون بالرسول ﷺ؟ ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠]، وإنما ذكر المكر دون الشيء الْمُعْلن الظاهِر؛ لأنه أعظم قُبحًا من الشيء الْمُعلن الظاهر، فصار هؤلاء جمعوا إلى الكذب المكر والخداع والعياذ بالله.
قال الله تعالى: (﴿وَلَا يَحِيقُ﴾ يحيط ﴿الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ وهو الماكر) إلى آخره؛ يعني أن هؤلاء مكروا السوء وعملوا السوء بصفة علنية وبصفة خفية، وهل الماكر بغيره ينجو؟ الجواب: إذا كان مكرًا سيئًا فإنه لا ينجو بل سيحيق به مكره ويهلكه ويدمره، كما قال تعالى: ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [هود ٨]، أما إذا كان المكر بحق فإنه لا يحيق بأهله بل يحيق بعدوه، ولا يحيق به؛ ذلك لأن المكر بحق ممدوح وليس بمذموم.
وقال: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ وهنا لم يقل: إلا بالماكر بل قال: ﴿إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ إشارة إلى بيان الاستحقاق لهذه الجريمة التي وقعت منه، وأنه أهل لأن يحيق به مكره، فكل ماكر بغير حق فإنه أهلٌ أن يحيق به مكره.
قال: (ووَصْف المكر بالسيئ أصل، وإضافته إليه قبل استعمال آخر قُدِّر فيه مضاف حذرًا من الإضافة إلى الصفة) هذا كلام قليل الفائدة مُعقَّد المعنى في الواقع.
قال: (ووَصْف المكر بالسيئ أصلٌ) فين المكر؟ ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ﴾ يقول المؤلف: (أصلٌ) يعني جارٍ على الأصل؛ لأن الأصل أن الوصف ينفصل عن الموصوف ولا يُضاف إليه الموصوف، هذا الأصل، انتبهوا! أنت تقول: مررت بزيدٍ الفاضلِ، فتجعل الصفة منفصلة عن الموصوف تابعةً له وليس مضافًا إليها.
فقول المؤلف: (أصل)؛ يعني أنه على الأصل، وصْف المكر بالسيئ أصلٌ، ويش معنى أصل؟ أي: جارٍ على الأصل؛ لأن الأصل أن الصفة تتبع الموصوف، لا أن الموصوف يُضاف إليها، أفهمتم الآن زين؟ هذا يحتاج إلى أنه يعلق عليه؛ لأن ستنسون وبعدين يُشكل عليكم كلام المؤلف، جاء مع الأصل.
(وإضافته إليه قبلُ استعمالٌ آخر)، (وإضافته إليه قبل)؛ لأنه في الجملة التي قبل هذه قال: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ فهنا لم يُوصف المكر بالسيئ، ولكن أُضِيف المكر إلى السيئ، فقول المؤلف رحمه الله: (إضافته إليه قبلُ) ويش معنى (قبلُ)؟ يعني قبل هذه الجملة؛ ويعني بذلك قوله: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ (استعمال آخر) (قبل استعمالٌ آخر) على الأصل، ولَّا على خلاف الأصل؟ على خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن الصفة تقع تبعًا للموصوف، لا أن الموصوف يضاف إلى الصفة، لكن يجوز أن يُضاف الموصوف إلى الصفة؛ ولهذا دائمًا يمر بكم قول العلماء: هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته، مثل قولهم: مسجد الجامع، هذا مسجد الجامع؛ أصله: هذا المسجد الجامع، لكن أُضيف إلى صفته، وهو كثير، كما أن أيضًا الصفة تُضاف إلى الموصوف أحيانًا، مثل: طاهر القلب، هذه صفة مضافة إلى موصوفها، طاهر القلب كما قال ابن مالك في الألفية:
؎كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ ∗∗∗ ........................
هذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، إذن نأخذ من هنا أنه يجوز إضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى صفته، وما هو الأصل من ذلك؟ الأصل من ذلك أن تقع الصفة تبعًا للموصوف على أنها نعتٌ له وتُعرب بإعرابه، في الآية الكريمة، إضافة الموصوف إلى الصفة ووصف الموصوف بالصفة أو لا؟ في الآية الكريمة إضافة الموصوف إلى الصفة ووصف الموصوف بالصفة، صح؟ في الآية ما هو بكلمة واحدة منها.
* طالب: في أولها وآخرها.
* الشيخ: في أولها وآخرها، أين إضافة الموصوف إلى الصفة؟
* طالب: الثانية (...).
* الشيخ: ما هي بالثانية يا ولد!
* طلبة: الأولى ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾.
* الشيخ: الأولى: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾، هذا من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، لو كان في غير القرآن وأردنا أن نحوله إلى أن تبع، إلى أن تكون الصفة تبعًا للموصوف لقلنا: استكبارًا في الأرض والمكر السيئ كذا ولَّا لا؟ لكن هُنا صار من باب الإضافة ومكر السيئ.
وفيها أيضًا وصْف الموصوف بالصفة. قوله: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ﴾ أيهما الأصل؟ هنا بين المؤلف، قال: (ووصف المكر بالسيئ أصل). لو قال بدل (أصل) لو قال: جارٍ على الأصل لكان أوضح؛ وهذا هو مراده.
قال: (وإضافته إليه قبل) ويش يعني به؟ (إضافته إليه قبل) إضافة الموصوف إلى الصفة، ويش يعني به من الآية؟ قوله: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾.
يقول: (استعمالٌ آخر) يعني جارٍ على استعمال آخر في اللغة العربية؛ لأن اللغة العربية أحيانًا تضيف الموصوف إلى صفته، واضح أظن؟
قال: (قُدِّر فيه مضاف) حسب شرحه هو وتفسيره، حيث قال: (﴿وَمَكْرَ﴾ العمل ﴿السَّيِّئِ﴾ ).
يقول: (حذرًا من الإضافة إلى الصفة)، وهذا الذي قاله الأخير يُنازَع فيه؛ وذلك لأنه لا داعي إلى ذلك، لا حاجة إلى أن نُقَدِّر محذوفًا لأجل أن نمنع إضافة الموصوف إلى الصفة؛ لأن إضافة الموصوف إلى الصفة في اللغة العربية كثيرٌ شائع، ليس هذا أمرًا محذورًا في اللغة العربية حتى نقول: نحتاج إلى تقدير ما يصححه؛ ولهذا نقول: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ جارٍ على أصله بمعنى أنه لا حاجة إلى أن يُقَدَّر فيه شيء محذوف.
ثم قال تعالى: (﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ ينتظرون)، هذا تفسير لـ(ينظرون) بمعنى ينتظرون، وهناك ضابط وليس قاعدة أن (ينظر) إن تعدَّت بـ(إلى) فهي بمعنى النظر بالعين ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية ١٧]، وإن تعدت بـ(في) فهي بمعنى النظر الفكري كما في قوله: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف ١٨٥]، وإن تعدت بنفسها فهي بمعنى الانتظار مثل هنا ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ [فاطر ٤٣] معناها: هل ينتظرون من الانتظار؛ وهو الترقب.
﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ أي: ينتظرون؛ يعني يترقبون ﴿إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ ﴿سُنَّتَ﴾ بمعنى الطريقة والإضافة هنا إلى ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ من باب الاختصاص؛ يعني إلا السنة التي جرت للأولين، وليس المراد السنة التي فعلها الأولون؛ لأن ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ مفعولٌ بهم وليسوا فاعلين، وإنما الفاعل من؟ الله عز وجل.
﴿إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ قال المؤلف: (سُنَّة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم)؛ يعني ما ينتظر هؤلاء الذين كذبوا الرسول ﷺ إلا سنة الأولين؛ وهي -أي سنة الأولين- التعذيب؛ تعذيبهم لتكذيب الرسل.
قال: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر ٤٣] لن تجد لسنة الله تبديلًا برفعها، أو تحويلًا بتغييرها إلى قوم آخرين؛ يعني أن سُنَّة الله ستقع في أعيان الذين يستحقونها، فلن تُبدَّل فتُرفع، ولن تُحوَّل إلى قوم آخرين فيسلم منها من استحقوها بل هي واقعةٌ على من يستحقها عينًا، مثال ذلك: المشركون كذَّبوا الرسول عليه الصلاة والسلام من قريش، التحويل معناه أن تُحَوَّل عقوبتهم إلى بني تميم مثلًا، يمكن هذا ولَّا ما يمكن؟ لا يمكن؛ لأن هذا ظلم أن يؤاخذ قومٌ بجريمة آخرين، هذا معنى قوله: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ كذَّبَتْ قريش الرسول عليه الصلاة والسلام فبدلًا من أن يعاقبهم الله نعَّمَهم، يمكن هذا ولَّا لا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: هذا معنى قوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾، فالعذاب لن يُبدَّل بنعيم، ولن يُحَوَّل عن مستحقه إلى قوم آخرين، وسُنَّة الله عز وجل لا بد أن تقع فيمن يستحقها بدون تبديل لها بنعمة، وبدون تحويل لها إلى غيرهم، لماذا؟ لأن الله عز وجل كامل الحكمة، كامل العدل؛ كامل الحكمة فلن يبدل النقمة بنعمة على من استحقها، ثانيًا: كامل العدل، لا يمكن أن يُحَوِّل الانتقام إلى قوم آخرين لا يستحقونه، فهذه الصفة ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ إلى آخره هي من باب الصفات السلبية لكنها تتضمن كمال عدل الله وكمال حكمته، ويمكن أن نقول: وتمام سلطانه أيضًا بحيث لا يُكرِهه أحدٌ على أن يُحَوِّل النقمة إلى آخرين، أو أن يُبدِّلها بنعمة.
قال المؤلف: (أي لا يُبَدِّل بالعذاب غيرَه، ولا يُحَوَّل -أي العذاب- إلى غير مُستحِقِّه).
نأخذ فوائد الآيات بعد قوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ إلى آخره [فاطر: ٤٢]، يستفاد من الآيتين الكريمتين عدة فوائد:
* فمن ذلك: أن الإنسان إذا كان في عافية، أو إذا كان قبل أن ينزل به الأمر قد يجد من نفسه القوة على تنفيذه، فإذا نزل به الأمر تغيرت حاله، وجه الدلالة، أن هؤلاء أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، فلما جاءهم النذير؛ تغيرت حالهم، وهذا يقع كثيرًا للبشر ما دام الإنسان لم ينزل به الأمر يظن أنه قادرٌ عليه، فإذا نزل به الأمر عجز عنه؛ ولهذا ينبغي للإنسان ألا يتعجَّل فيحكم على نفسه بالحال التي كان فيها سالمًا من نزول الأمر به بل ينتظر حتى ينزل به الأمر، كثير من الناس مثلًا يقول: أنا استطيع الصبر على الحج مثلًا وسأحج، ولكن عندما يحين الأمر يجد من نفسه العكس، يقول: أنا أستطيع أن أقوم ثُلث الليل الآخر كله، ولكن إذا جد الجد وجد نفسه عاجزًا، فالمهم أنه ينبغي للإنسان ألا يكون متسرعًا فيقيس حاله في حال الرخاء على حاله في حال نزول الأمر به؛ لأن الإنسان بشر تختلف حاله بين سلامته من الأمر وبين وقوع الأمر فيه، والله أعلم.
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ إلى آخره.
* فيها الفائدتان اللتان سمعتموها: أن الإنسان إذا كان في عافية من الأمر فإنه لا ينبغي له أن يتعجل، وأن يقيس نفسه في نزول البلاء على حال العافية؛ لأن الإنسان قد يختلف.
* وفيها أيضًا: دليل على عُتُوِّ هؤلاء المكذبين لرسول الله ﷺ، حيث كانوا قبل أن يُبعث إليهم يقسمون أغلظ الأيمان بأنهم سيكونون أهدى من غيرهم، ولكن لما جاءهم الرسول عليه الصلاة والسلام ما زادهم مجيئه إلا نفورًا.
وفيه الإشارة إلى أنه لا ينبغي للإنسان النذر؛ أي أن ينذر الطاعة؛ لأنه قد لا يُوفَّق للقيام بها، هؤلاء أقسموا ولما وُجِد مُوجِب الطاعة لم يقوموا بطاعة الله، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ [النور ٥٣]، فهم أقسموا بالله أن لو أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام لخرجوا فنهاهم الله، بل أمر نبيه أن يقول لهم: لا تقسموا، ونظير ذلك ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ [التوبة ٧٥، ٧٦] ولهذا جاء النهي من النبي ﷺ عن النذر، وبيان أنه لا يأتي بخير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء ردوا الحق استكبارًا في الأرض؛ أي: يريدون الاستكبار، وهذا على وجه إعرابها بأنها مفعول لأجله؛ أي أنهم ما ردوا الحق إلا من أجل أن يكون لهم الكبرياء والعلو في الأرض.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تسمية أعمال الكافرين مكرًا؛ لقوله: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾، وقد ذكرنا في التفسير أن أعمال الكافرين تنقسم إلى قسمين: قسم يُجاهرون فيه بكفرهم، ولا يأتون به على سبيل المكر، وقسم آخر يأتون به على سبيل المكر، وأيهما أشد؟ الثاني أشد؛ ولهذا ما مكر قومٌ بأنبيائهم إلا مكر الله بهم، وآخرهم محمد ﷺ، حيث اجتمع القوم في دار الندوة يتشاورون ماذا يفعلون به؟ فمكر الله بهم سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من أراد السوء حاق به السوء؛ لقوله: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾. ومن القواعد العامة يقولون: من حفر لأخيه حفرة وقع فيها، فالإنسان إذا أراد المكر -والعياذ بالله- فإن مكره يحيق به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن المكر يكون سيئًا ويكون حسنًا؛ لقوله: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾، وقوله قبل: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ وهو كذلك فإن مكر الله تعالى بأعدائه الذين يمكرون به مكرٌ حسن يُثْنَى عليه به، ومكر أولئك (...).
فالفاعل للسبب منتظرٌ للمُسبَّب شاء أم أبى، فالإنسان العاصي نقول له: أنت منتظر للعقوبة الآن، مترقبٌ لها، حتى وإن كان لا يطرأ على باله أنه سيُعاقب؛ لأن فاعل السبب منتظرٌ للمسبَّب ولا بد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثبوت القياس، أو إن شئت فقل: استعمال القياس لقوله: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ [فاطر ٤٣] فيقيس حال هؤلاء بحال الأولين الذين كذبوا فعُوقبوا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن سُنَّة الله عز وجل في عباده واحدة، فكل من أطاع الله أثابه، وكل من عصى الله عاقبه؛ لقوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر ٤٣] لا يقال مثلًا: إننا أمةٌ شرفنا الله عز وجل وعظَّمنا وكرمنا، فلا يؤاخذنا كما آخذ من قبلنا بل نقول: إن مقتضى التشريف أن نكون نحن أشد عبادةً له ممن سبقنا؛ لأن الإنسان إذا كُرِّم ينبغي أن يقوم بمقتضى هذا التكريم؛ وليس إساءة من لم تكرمه إليك كإساءة من أكرم(...) ما لا يجب على من سواه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال قدرة الله عز وجل وحكمته؛ حيث إن سنته لا تُبَدَّل ولا تُغيَّر ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾.
وجه كونها من تمام القدرة أن العاجز لا يستطيع أن يجعل أفعاله على وتيرة واحدة، بل قد تتخلف وتتغير لعجزه عن الاطراد، وأما كونه من تمام الحكمة فلأن معاقبة السابقين كانت لسبب، وهذا السبب إذا وُجِد في الآخرين فإنه يعمل عملَه؛ لأن مقتضى الحكمة أن الأسباب لا تتخلف عنها مسبباتها؛ ففي قوله: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ فيها إثبات تمام القدرة وتمام الحِكْمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيء الذي يستمر ويُؤخذ به يُسمَّى سُنَّة، يقال: هذه سُنَّة فلان؛ أي: طريقته؛ ولهذا يُفرَّق بين السُّنَّة وبين العارض، الشيء العارض شيء، ولا يمكن أن يُجعل طريقة متبعة، والشيء المطرد يسمى سُنَّة، ويدل على هذا التفريق قوله ﷺ: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ». ثم قال في الثالثة: «لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً»[[أخرجه البخاري (١١٨٣) من حديث عبد الله المزني.]]. يعني سنة مُطَّردة يفعلونها دائمًا.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَأَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَىِٕن جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ لَّیَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا","ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّیِّىِٕۚ وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا"],"ayah":"وَأَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَىِٕن جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ لَّیَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق