الباحث القرآني

(p-٢٢٨)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَأقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهم نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أهْدى مِن إحْدى الأُمَمِ فَلَمّا جاءَهم نَذِيرٌ ما زادَهم إلا نُفُورًا﴾ ﴿اسْتِكْبارًا في الأرْضِ ومَكْرَ السَيِّئِ ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَيِّئِ إلا بِأهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلا سُنَّتَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلا ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلا﴾ الضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "وَأقْسَمُوا"﴾ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ، كانَتْ قَبْلَ الإسْلامِ تَأْخُذُ عَلى اليَهُودِ والنَصارى في تَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وتَقُولُ لَوْ جاءَنا نَحْنُ رَسُولٌ لَكُنّا أهْدى مِن هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ. و﴿جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾ مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِ، أيْ: بِغايَةِ اجْتِهادِهِمْ، و﴿إحْدى الأُمَمِ﴾ يُرِيدُونَ اليَهُودَ والنَصارى، و"النُفُورُ": البُعْدُ عَنِ الشَيْءِ والفَزَعُ مِنهُ والِاسْتِبْشاعُ لَهُ. و"اسْتِكْبارًا" قِيلَ فِيهِ: بَدَلٌ مِنَ النُفُورِ، وقِيلَ: مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ، أيْ: نَفَرُوا مِن أجْلِ الِاسْتِكْبارِ، وأضافَ "المَكْرَ" إلى "السَيِّئِ" وهو صِفَةٌ، كَما قِيلَ: "دارُ الآخِرَةِ، ومَسْجِدُ الجامِعِ، وجانِبُ الغَرْبِيِّ"، وقَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ مِن ﴿ "السَيِّئِ"﴾ وأسْكَنَها حَمْزَةُ وحْدَهُ، وهو في الثانِيَةِ بِرَفْعِ الهَمْزَةِ كالجَماعَةِ، ولَحَّنَ هَذِهِ القِراءَةَ الزَجّاجُ، ووَجَّهَها أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ بِوُجُوهٍ، مِنها أنْ يَكُونَ أسْكَنَ لِتَوالِي الحَرَكاتِ، كَما قالَ: قُلْتُ صاحِبْ قَوِّمِ (p-٢٢٩)عَلى أنَّ المُبَرِّدَ رَوى هَذا: "قُلْتُ صاحِ قَوِّمِ". وكَما قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎ فاليَوْمَ أشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ ∗∗∗ إثْمًا مِنَ اللهِ ولا واغِلِ عَلى أنَّ المُبَرِّدَ قَدْ رَواهُ: "فاليَوْمَ فاشْرَبْ"، وكَما قالَ جَرِيرٌ: ؎ سِيرُوا بَنِي العَمِّ فالأهْوازُ مَنزِلُكم ∗∗∗ ∗∗∗ ونَهْرُ تِيرى فَلَنْ تَعْرِفْكُمُ العَرَبُ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَمَكْرًا سَيِّئًا"، قالَ أبُو الفَتْحِ: يُعَضِّدُهُ تَنْكِيرُ ما قَبْلَهُ مِن قَوْلِهِ: "اسْتِكْبارًا". و"يَحِيقُ" مَعْناهُ: يُحِيطُ ويَحِلُّ ويَنْزِلُ، ولا يُسْتَعْمَلُ إلّا في المَكْرُوهِ، وقَوْلُهُ: ﴿إلا بِأهْلِهِ﴾ مَعْناهُ أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يَحِيقَ بِهِمْ إمّا في الدُنْيا وإلّا فَفي الآخِرَةِ، فَعاقِبَتُهُ الفاسِدَةُ لَهُمْ، وإنْ حاقَ في الدُنْيا بِغَيْرِهِمْ أحْيانًا فَعاقِبَةُ ذَلِكَ عَلى أهْلِهِ، وقالَ كَعْبُ الأحْبارِ لِابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: إنَّ في التَوْراةِ: "مَن حَفْرِ حُفْرَةً لِأخِيهِ وقَعَ فِيها"، (p-٢٣٠)فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "أنا أوَجِدُكَ هَذا في كِتابِ اللهِ، ﴿وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَيِّئُ إلا بِأهْلِهِ﴾. و"يَنْظُرُونَ" مَعْناهُ: يَنْتَظِرُونَ. و"السُنَّةُ": الطَرِيقَةُ والعادَةُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلا ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلا﴾ أيْ: لِتَعْذِيبِهِ الكَفَرَةَ المُكَذِّبِينَ، وفي هَذا تَوَعُّدٌ بَيِّنٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب