الباحث القرآني
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧] إلى آخره.
أولًا في الإعراب والمعاني البلاغية: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ﴾ المقصود بالاستفهام هنا السخرية، و﴿رَجُلٍ﴾ نُكِّر ﴿عَلَى رَجُلٍ﴾ نُكِّر للتحقير، يعني أنه رجل حقير كقوله تعالى عمن كذب الرسل عمومًا ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾.
وقوله: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان ٤١] فإن هذا للتحقير.
وقوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ تنصب ثلاثة مفاعيل؛ المفعول الأول الكاف، والمفعول الثاني والثالث مُعَلَّق بقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾.
يقول الله عز وجل عن الكافرين أن بعضهم يقول لبعض على جهة التعجب كما قال المؤلف، بل على جهة التحقير ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: (فقال بعضهم على جهة التعجب لبعض ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾ هو محمد) الاستفهام هنا قلت: إنه للسخرية، والمؤلف زاد معنى آخر وهو (التعجب) يعني: ألا تتعجبون مما سندلكم عليه.
وقوله: ﴿عَلَى رَجُلٍ﴾ يقول: (هو محمد) لكنهم قالوه بالتنكير على سبيل التحقير، لم يذكروه باسمه؛ لأن ذِكْر الشخص باسمه قد يعني تعلية منزله، ولكنهم قالوه بهذا اللفظ المُنَكَّر تحقيرًا له.
(﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ يخبركم أنكم ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ﴾ قُطِّعْتُم ﴿كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ بمعنى تمزيق ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ هذا المنبأ به) يقول: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ أي: يخبركم، فالنبأ بمعنى الخبر، وقد يكون النبأ في الأشياء الهامة، والخبر فيما هو أعم، فتُخْبِر عن الشيء الهام وعن الشيء الحقير، ولكنك لا تنبأ إلا بشيء عظيم كقوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ ١، ٢]، وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص ٦٧، ٦٨] فالنبأ قد يُسْتَعمل في الأشياء العظيمة بخلاف الخبر فإنه يكون أعمَّ.
وقوله: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ يقول: (إذا قُطِّعْتُم) وهذا التمزيق يعني تمزيق الأرض للحوم البشر؛ فإن الإنسان إذا دُفِن مَزَّقته الأرض وصارت عظامه الصلبة كانت رميمًا، فهم يقولون: ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ قال المؤلف: (بمعنى تمزيق)، وعلى هذا فكلمة (ممزق) لكنها مصدر مميميٌ.
وقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ هذا هو محل النبأ وهو في محل نصب سَدَّ مَسَدَّ مفعولي ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ الثاني والثالث.
وقوله: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ﴾ كلمة ﴿إِذَا﴾ هذه ظرفية، فهل هي متعلقة بـ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ أو متعلقة بشيء محذوف يدل عليه السياق؟ الأخير؛ لأن إنباء الرسول ﷺ ليس في وقت تمزيقهم، ولكنه أنبأهم في الحياة الدنيا، إنما تمزيقهم إذا دُفِنوا يعني: أنكم إذا دُفِنْتم ومُزِّقْتم تكونون في خلق جديد، وهذا الخلق الجديد هو البعث، وهل البعث إعادة لما مضى أو ابتداء خلق غير الأول؟ الصواب أنه إعادة ما مضى كما قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [الروم ٢٧] ولكنه سُمِّي خلقًا جديدًا؛ لأن الإنسان إذا بُعِثَ فإنه لا يُبْعَث كحاله في الدنيا، بل يبعث في حال أشد وأقوى؛ لأنه إذا بُعِثَ فإنه يكون في حال أقوى؛ إذ أنه سيبعث على أنه مُؤَبَّد لا يموت؛ ولهذا يتحمل الناس يوم القيامة من الكَرْب والهم والغم ما لا يتحملونه في الدنيا، فالناس مثلًا لو دنت الشمس منهم قدر ميل في الدنيا لأحرقتهم، ولكنها في الآخرة تدنو منهم ومع ذلك لا تحرقهم.
يقول: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ إذن جديد بماذا؟ جديد في ذاته وأجزائه، أو في أوصافه؟
في أوصافه؛ لأن الصحيح أن الخلق هو إعادة ما مضى (...).
﴿أَفْتَرَى﴾ بفتح الهمزة للاستفهام واستُغْنِي بها عن همزة الوصل ﴿أَفْتَرَى﴾ أصلها (أافترى) لكن همزة الوصل مع همزة الاستفهام تسقط، ومثالها أيضًا قوله تعالى: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ [الصافات ١٥٣] [الصافات:١٥٣] ﴿أَصْطَفَى﴾ بمعنى أاصطفى فسقط الهمزة؛ لأنها وقعت بعد همزة الاستفهام وأظن سقوطها معلومًا؛ لأن همزة الوصل تَسْقُط في الوصل فإذا جاءت همزة الاستفهام صار الكلام متصلًا، وإذا كان متصلًا سقطت همزة الوصل.
﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧] أين ذهبت همزة الوصل في ﴿اصْنَعِ﴾؟ سقطت لاتصال الكلام فإذن ﴿أَفْتَرَى﴾ سقطت لاتصال الكلام.
(﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ في ذلك) يعني: في قوله: إنكم ستبعثون وتُنْشَؤون خلقًا جديدًا، هل هذا افتراء على الله؟ سيبين الله ذلك، لكن هم يقولون: إن حاله دائرة بين أمرين: إما رجل مفترٍ على الله (﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ في ذلك ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ جنون تَخَيَّل به ذلك) إذن هم -والعياذ بالله- قسَّموا حال النبي ﷺ إلى حالين لا ثالث لهما وهما الافتراء على الله والثاني الجنون.
(﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي جنون تخيل له ذلك به) هل هناك حال ثالثة؟ نعم هناك حال ثالثة لكن هم لا يُقِرُّون بها وهو أنه صادق عاقل، صادق لم يفتر وعاقل ليس به جنة، وهذا هو الواقع، لكنهم هم والعياذ بالله أسقطوا هذا القسم الثالث؛ لأنهم لا يُقِرُّون به ومن عجب أن هؤلاء الذين يقولون في الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الوصف أنه إما مفترٍ أو مجنون أو شاعر أو كاهن أو ما أشبه ذلك كانوا يسمونه قبل النبوة بالأمين، ويرون أنه من أصدق الناس وأعظمهم أمانة، لكن -والعياذ بالله- لما جاء بما لم يوافق أهواءهم صاروا يلقبونه بهذه الألقاب، وهذه الألقاب السيئة التي لقب المشركون بها رسول الله ﷺ موروثة لمن؟ موروثة ورثها أعداء المؤمنين وأولياء المجرمين كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين ٢٩، ٣٠] فهذه الألقاب السيئة موجودة الآن،كل أعداء الرسل يُلَقِّبون أولياء الرسول بمثل ما لُقِّبَ به الرسل.
تعلمون أنه مَرَّ علينا في العقيدة أن من الناس بمن يُلَقِّب أهل السنة والجماعة بماذا؟ بالحشوية والنوابت والغثاء والمجسمة وما أشبه ذلك، كل هذا؛ تنفيرًا للناس عن سلوك مذهبهم.
يقول: ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ قال الله تعالى مبطلًا ذلك: (﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ المشتملة على البعث والعذاب).
﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ (﴿فِي الْعَذَابِ﴾ فيها ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ عن الحق في الدنيا).
قوله: ﴿بَلِ﴾ هذه للإضراب، وهل هو الإضراب الإبطالي أو الانتقالي؟ الإبطالي، الإضراب الإبطالي معناه أن ما قبل (بل) باطل، والإضراب الانتقالي معناه أن ما قبل (بل) مرحلة انتقل منها إلى المرحلة الأخرى بدون إبطال لها، فهنا ﴿بَلِ﴾ للإضراب الإبطالي؛ يعني أن الله أبطل هذين القسمين اللَّذينِ ردد هؤلاء الكفار حال النبي ﷺ بينهما؛ يعني: بل هو غير مفتر، وليس به جنة، ولكن هؤلاء الذين لا يؤمنون في العذاب والضلال البعيد ولا يمكن أن نُقِرُّهم؛ ومثال الإضراب الانتقالي قوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل ٦٦] فإن هذا انتقالي؛ يعني أنهم أولًا بَعُد عِلْمُهم في الآخرة، ثم شكوا فيها، ثم بعد ذلك عَمُوا عنها والعياذ بالله، فهذه أحوالهم الانتقالية.
قال الله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أي: لا يصدقون بها ويعترفون.
* طالب: (أو) يا شيخ ما قلنا: بمعنى (بل)؟
* الشيخ: قد تأتي أحيانًا مثل ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات ١٤٧].
قال: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أي: لا يؤمنون بوجودها ولا يؤمنون بما يحصل فيها، وقد مر علينا أن اليوم الآخر يدخل فيه كلُّ ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت، فكل ما أخبر به الرسول مما يكون بعد الموت كفتنة القبر ونعيمه وعذابه فإنها داخلة في الآخرة.
قال: (المشتملة على البعث والعذاب ﴿فِي الْعَذَابِ﴾ فيها ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ عن الحق في الدنيا) المؤلف رحمه الله قيَّد المطلق في الموضعين هنا قال الله: ﴿فِي الْعَذَابِ﴾ والمؤلف قال: (في الآخرة)، وقال: ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ وقال: (في الدنيا)، والأصح أن الآية مطلقة فَهُمْ في العذاب في الدنيا وفي الآخرة، أما عذاب الآخرة فظاهر وأما عذاب الدنيا فما في قلوبهم من الحرج والضيق وما يحصل عليهم أيضًا من العذاب من الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت ٤٠]، وكذلك العذاب الذي يجرى على أيدي الرسل كالعذاب الذي يحصل لهم بالهزائم فإن هذا من عذاب الدنيا، أما في الآخرة فظاهر.
إذن ﴿فِي الْعَذَابِ﴾ يشمل الدنيا والآخرة، وتقييده بالآخرة فيه نظر، بل إنه ينبغي لنا بل يجب علينا ألا نُقَيِّدَ شيئًا أطلقه الله إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ أو الإجماع.
وقوله: ﴿الضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ يقول: (في الدنيا) فهم في ضلال بعيد عن الحق، وهم أيضًا في ضلال في الآخرة، فإنهم لا يُهْدَون إلى الصراط الذي ينجو به من عبره من النار، ولكنهم يُهْدَون إلى صراط الجحيم فيَضِلُّون عن الصراط الذي به النجاة قال الله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ٢٢، ٢٣]، وقال سبحانه وتعالى عن المؤمنين: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم ٨]، فدلَّ ذلك على أن الضلال كما يكون في الدنيا يكون كذلك في الآخرة، فالأَوْلى إذن إبقاء النص على عمومه في الدنيا وفي الآخرة.
ثم قال الله تعالى: (﴿أَفَلَمْ يَرَوْا﴾ ينظروا ﴿إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما فوقهم وما تحتهم ﴿مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ ) إلى آخره.
الاستفهام هنا للتهديد؛ يعني أن الله هدد هؤلاء الذين كذبوا النبي ﷺ في قوله: إنه سيعادون هددهم بأحد أمرين: بالخَسْف أو إسقاط الكِسَف أي: القِطَع من العذاب من فوقهم، وإنما ذَكَر الفَوْق والتحت؛ لأنه لا يمكن الفرار منهما، أما اليمين والشمال والخلف والأمام فيمكن الفرار؛ لو جاءك عدو من الخلف أمكنك أن تَفِرَّ إلى الأمام، ولو جاءك من الأمام أمكنك أن تفر إلى الخلف، لكن إذا جاء من أسفل إلى أين تذهب؟ تقفز، ما تستطيع، وإذا جاء من فوق أين تذهب؟ لا تستطيع؛ لهذا هدَّدهم الله تعالى بأمرين لا يمكنهم الفرار منهما.
وقول المؤلف: (أفلم ينظروا)، فسر ﴿يَرَوْا﴾ بمعنى (ينظروا)، والأَوْلى أن تكون شاملة للرؤية البصرية التي بمعنى النظر والرؤية القلبية التي بمعنى العلم والتفكر؛ يعني أن الله عز وجل يَحُثُّهم على أن يتفكروا حَثًّا يراد به التهديد، فالرؤيا هنا شاملة رؤية النظر بالعين ورؤية القلب بالتفكر.
وقوله: ﴿إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ فسَّرها المؤلف أيضًا: (ما فوقهم وما تحتهم) طيب، ما الذي بين الأيدي؟ على كلام المؤلف بناء على أنه لَفٌّ ونَشْرٌ مرتب يكون ما فوقهم هو الذي بين أيديهم، وما خلفهم هو الذي تحتهم.
ولكن قد يقول قائل: إن هذا صرف للكلام عن ظاهره بلا دليل، بل نقول: ﴿إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي ما أمامهم، ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: ما وراء ظهورهم، فيحتمل أن المراد بـ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أمامهم من الزمن ويحتمل أن يكون المراد بـ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: في المكان، وكذلك نقول فيما خلفهم.
قد يكون ما بين اليد هو ما أمامك من الزمان، وما خلفك ما خَلَّفْتَه من الزمان كما في قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة٢٥٥]، أي ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ما يُسْتَقْبَل ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما مضى، وقد يكون به المكان كما تقول: مررت بين يديِ المصلي، أي: أمامه، وتقول: المأموم يقف خلف الإمام أي: وراءه في المكان ولَّا في الزمان؟ في المكان.
هنا ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ نقول فيها: يحتمل أن يكون المراد المكان ويحتمل أن يكون المراد الزمان، والمراد أن يتفكروا في الأمر هل نجا أحد من عذاب الله؟ انظر ما بين يديك في المكان أو ما بين يديك في الزمان وما خلفك من المكان أو الزمان هل نجا أحد من عذاب الله؟
والجواب: لا، لم ينجُ. إذن هم أيضًا لا ينجون من عذاب الله.
﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ الجملة هنا شرطية، وفعل الشرط وجوابه مضارع مجزوم ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ﴾.
وقوله: ﴿أَوْ نُسْقِطْ﴾ معطوفة على ﴿نَخْسِفْ﴾ يعني: أو إن نشأ نُسْقِط عليهم كِسَفًا.
قال المؤلف في قراءة: (بسكون السين وفتحها: قطعة) يعني أن فيها قراءتين سبعيتين سكون السين ﴿كِسْفًا﴾، أو ﴿كِسَفًا﴾ بفتح السين، ويجوز القراءة فيهما جميعًا، وقد سبق أن قلنا: إن القراءات إذا تعدَّدت فالأفضل أن يقرأ بهذا تارة وبهذا تارة؛ لأنها كلها حق، وكونه يلتزم بقراءة واحدة هذا فيه قصور إلا أن القراءات التي لم تَتَيَقَّن أنها ثابتة لا يجوز لك أن تقرأ بها؛ لأنه يجب أن تقرأ بما ثَبَتَ عندك.
قال: ﴿كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ وفي قراءة في الأفعال الثلاثة بالياء، أين الأفعال الثلاثة؟ ﴿نَشَأْ﴾ ﴿نَخْسِفْ﴾ ﴿نُسْقِطْ﴾ بالياء فيقال: ﴿إِنْ يَشَأْ يَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ ، والفاعل في الضمائر هنا يعود على الله عز وجل، أما على قراءة النون ﴿إِنْ نَشَأْ﴾ فالأمر ظاهر؛ لأن الضمير فيها ضمير متكلم، لكن على قراءة الياء الضمير فيها ضمير الغائب، وضمير الغائب لا بد فيه مِنْ مرجع يرجع إليه إما سابق وإما لاحق، فأين مرجوع الضمير ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ يقال: إنه معلوم من السياق، كما في قوله: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء٢٨]، من الذي خلقه؟ الله، فهنا يعلم كل أحد أنه لا يستطيع أحد من البشر ولا من غير البشر أن يخسف الأرض بالناس أو يُسْقِط عليهم قِطَعًا من العذاب فيكون مرجع الضمير معلومًا بالسياق.
وقوله: (﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المرئي ﴿لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ راجع إلى ربه تدل على قدرة الله على البعث) إلى آخره. يعني: إن الآية تدل على البعث.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي فيما بين أيديهم من السماء والأرض ﴿لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾. إحنا ذكرنا أن من بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض يشمل كل ما سبق وكل ما مضى وكل ما أمامهم من المكان وكل ما كان خلفهم، من ذلك أننا نرى الآية في السماء ينزل المطر من السماء على الأرض الهامدة اليابسة فترجع مُخْضَرَّة حية، أفلا يكون في ذلك دليل على إمكان إعادة الخلق؟ الجواب: بلى؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي المنظور مما بين أيدينا وما خلفنا من السماء والأرض ﴿لَآيَةً﴾ أي علامة على قدرة الله عز وجل وعلى علمه وحكمته، لكن هذه الآية ليست آية لكل أحد، بل ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ ﴿عَبْدٍ﴾ مأخوذ من العبودية، وهي التَّذَلُّل، وقد سبق لنا أن التذلل نوعان: تذلل للأمر الشرعي، وتذلل للأمر الكوني، وأيهما المحمود المُثاب عليه؟ التذلل للأمر الشرعي، أما التذلل للأمر الكوني فإن هذا لا طاقة للإنسان به ولا يُحْمَد عليه، كون الإنسان يَذِل لأمر الله الكوني من مرض أو فقر أو موت أهل أو ما أشبه ذلك، هل يُحْمَد عليه؟ لا لأنه ليس من فعله، لكن كونه يَذِلُّ لأمر الله الشرعي فيقوم بشرائع الله هذا هو الذي يُحْمَد عليه.
هنا المراد بـ(العبد) العبد المتذلل للأمر الكوني أو الشرعي؟ الشرعي، طيب بدليل قوله: ﴿مُنِيبٍ﴾ أي: راجع إلى الله سبحانه وتعالى، راجع إلى الله منين؟ من معصيته إلى طاعته فيشمل القائم بالعبادة ولو بدون أن يُذْنِب ويشمل التائب من الذنب، فإن الرجل إذا قام يصلي يتعبد لله عز وجل يقال: إنه أناب إلى الله، ويقال: إذا أذنب ثم استغفر وعاد يقال: إنه أناب إلى الله أيضًا فالإنابة هنا تشمل الإنابة من ذنب فَعَلُه فتكون بمعنى التوبة، وتشمل الإنابة إلى الله القيام بطاعته فتكون أشمل وأعم.
وفي قوله: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ -وهو أمر نسيت أن أنبه عليه- فيه الإعراض الذي اختلف فيه علماء النحو، وهو أن النحويين اختلفوا في إعراب الجملة إذا كانت مصدرة بهمزة الاستفهام وبعدها حرف عطف فقيل: إن الهمزة -أعني همزة الاستفهام- داخلة على شيء مُقَدَّر بحسب السياق، وقيل: وقيل: إن الهمزة داخلة على الجملة الموجودة بدون تقدير وإن حرف العطف كان من حقه أن يتقدم على الهمزة، لكنها قُدِّمَت عليه؛ لأن لها الصدارة.
هذا الوجه الأول يكون التقدير في قوله: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم﴾ أَغَفَلوا؟ أو أَأَعرضوا؟ وما أشبه ذلك.
وأما على الثاني فلا حاجة إلى هذا التقدير، بل نقول: إن الهمزة للاستفهام والفاء حرف عطف وتأخرت عن الهمزة؛ لأن لها الصدارة، أيهما أحسن؟
الثاني أحسن؛ يعني: كوننا نقول: إن الهمزة داخلة على هذه الجملة نفسها أولى وذلك؛ لأن القول الأول قد يُعْوِذُك تقدير المحذوف بمعنى أنه يَصْعُب عليك أن تُقَدِّر المحذوف، أما هذا فبناء على أن الجملة هذه معطوفة على ما سبق لا تحتاج إلى تقدير فلا تَتْعَب فيها.
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ [سبأ ١٠] الواو حرف عطف، ويجوز أن تكون للاستئناف، واللام موطئة للقسم.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، (...)، اللام موطئة للقسم، و(قد) للتحقيق، ومثل هذا التركيب يأتي في القرآن كثيرًا، ويقال فيه: إن الجملة مُؤَكَّدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، و(قد) فتقدير هذه الجملة (والله لقد آتينا داود منا فضلًا)، هل يجوز أن تُحذف اللام؟ نعم يجوز، قال الله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس ١ - ٥] إلى أن قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ هذا جواب القسم، ويجوز في ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ في غير القرآن أن نقول: لقد أفلح، طيب، وهل يجوز أن تُحذف اللام و(قد)؟ نعم يجوز؛ كقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ [البروج ١ - ٤] فـ﴿قُتِلَ﴾ هذا جواب القسم، ليس فيه (قد) ولا اللام، فصار جواب القسم إذا كان فعلًا ماضيًا جاز فيه ثلاثة أوجه: أن يقترن باللام و(قد)، أن يقترن بـ(قد)، أن تُحذف (...) اللام و(قد)، لكن لا تحذف اللام ولا تحذف (قد) في الغالب إلا إذا طال القسم، أما إذا لم يطل فإنها لا تحذف.
إذا قلت: والله لقد قام زيد، صح؟ والله لقد قام زيد، صحيح ولَّا لا؟ صحيح، وهذا هو الأصل. والله قد قام زيد، هذا أيضًا صحيح حَذَفْنا اللام. والله قام زيد هذا أيضًا صحيح حذفنا منه اللام وقد، والله أعلم.
(...) * من فوائد الآية الكريمة ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ﴾ [سبأ ٧] إلى آخره: أن النبي ﷺ دعا إلى الإيمان باليوم الآخر، من أين تُؤخذ؟ من قوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عُتُو الكافرين واستعلائهم واستكبارهم؛ حيث عبَّروا بهذا التعبير ساخرين بما أخبر به النبي ﷺ، وجه علوهم واستكبارهم:
أولًا: السخرية بهذا النبأ.
والثاني: تحقير النبي ﷺ.
والثالث: وصفه بأنه لا تخلو حاله من أحد أمرين: إما كاذب، وإما مجنون. هذه ثلاثة أوجه كلها تدل على علو هؤلاء الكافرين وعنادهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ما حصل للنبي ﷺ من الأذى وأنه صبر؛ لأن أمرًا يصل إلى هذا الحد في الاستخفاف به والاستهانة بخبره لا شك أنه يُؤَثِّر على نفسه تأثيرًا بالغًا، وأعتقد أن صاحب الدعوة إذا أوذي بمثل هذا الإيذاء كان أشد عليه من أن يُضْرَب ويحبس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل حيث يعيد هذا الخلق بعد أن يتمزق كل تَمَزُّق؛ لأنه ظاهر من قوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾.
* ومن فوائدها: أن الكافرين الذين كفروا برسول الله ﷺ كانوا يقرون بالله، من أين تُؤْخذ؟ ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾.
* ومن فوائدها: بيان قبح الافتراء على الله حتى إن الكافرين يستقبحونها؛ لقوله: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن أعداء الرسل بل أعداء دعوة الرسل يَكيلون السب والقدح والعيب لما جاءت به الرسل، أو للرسل ولما جاؤوا به الرسل؛ لقولهم: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾، ومعلوم أن كلام الكاذب وكلام المجنون ليس بمقبول، فهم يأتون بعبارات التشويه والتقبيح حتى لا يُقْبَل الحق، وهل هذا جارٍ إلى وقتنا هذا؟ نعم، جارٍ إلى وقتنا هذا؛ لأن أعداء دعوة الرسل لا يزالون إلى يوم القيامة، ولكن على أتباع الرسل أن يصبروا وألَّا يَثْنِي عزمَهم مثل هذا الكلام؛ لأنهم على الحق، كما قال تعالى: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل ٧٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن الله عز وجل تَكَفَّل ببيان الحق وإظهاره وإبطال الباطل واندحاره؛ لقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الكفر يوجب عدم قَبول الحق والاهتداء به تُؤْخَذ من قوله: ﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾، و﴿فِي﴾ للظرفية، ومعناه أن الضلال محيط بهم من كل جانب؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَا نِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام ١١٠]، فإذا لم يؤمن الإنسان بالحق بقي في ضلال، والشواهد على هذا كثيرة؛ استمع إلى مثل هذه الآية وإلى قوله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق ٥] يعني: مضطرب ومختلف، فكل من كذَّب بالحق فإنه لا يزداد إلا ضلالًا حتى لو جاءته الآيات البينات الظاهرات فإنه لا ينتفع بذلك، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٥] مع أنها آيات بينات واضحات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: وجوب النظر والاعتبار فيما حصل من الآيات في السماء والأرض؛ لقوله: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾؛ لأن هذا الاستفهام للتوبيخ، ولا يُوَبَّخ إلا على ترك واجب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن في السماوات والأرض آيات، لكنها لمن؟ للعبد المنيب إلى الله، وأما مَنْ لا يريد إنابة إلى ربه فإنه لا ينتفع بهذا الآيات حتى لو رآها ونظر فيها وفَكَّر فإنه لا ينتفع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن ما يحصل من الخسف والزلازل والنوازل فإنه بإذن الله عز وجل عقوبةً للعباد واعتبارًا خلافًا لمن قال: إن هذه أمور طبيعية لا تدل على غضب الله عز وجل ولا على إنذاره كما هو رأي من لا يؤمن بالله، فالخسف في الأرض عقوبة، وما يأتي من الصواعق والكوارث الأُفُقِيَّة فهي أيضًا عقوبة؛ ولهذا قال: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى محيط بالعباد لا يمكنهم الفرار من قضائه وقَدَرِه؛ أن الله تعالى محيط بكل شيء لا مفر للعباد منه؛ لقوله: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يمن على العبد بظهور الآيات له حتى يتبين له الحق؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾، وإذا مَنَّ الله على العبد بالنظر في آياته والتدبر ازداد بذلك إيمانًا بالله عز وجل وإيمانًا ما تقتضيه هذه الآيات من صفاته فإن كل آية تدل على صفة معينة من صفات الله؛ فإنزال المطر يدل على القدرة والعلم والرحمة، وكونه في وقت مناسب يدل على الحكمة، كل شيء مما يقع في السماوات والأرض فإنه يدل على صفة من صفات الله تعالى تناسبه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن في السماء والأرض آيات عظيمة لمن نظر وتدبر، وهذا أثبته الله سبحانه وتعالى في القرآن في مواضع كثيرة: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَا تٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات ٢٠]، ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَا تٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد ٤]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فكل مَنْ تدبر ما في السماء وما في الآرض وما بينهما تبين له من آيات الله ما يُقَوِّي إيمانه ويزيده طمعًا في فضل الله تعالى وخوفًا من عقابه.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ هَلۡ نَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ یُنَبِّئُكُمۡ إِذَا مُزِّقۡتُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمۡ لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدٍ","أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ فِی ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلۡبَعِیدِ","أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَیۡهِمۡ كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ"],"ayah":"أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَیۡهِمۡ كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق