الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَرَوْا إلى ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ . ما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن تَوْبِيخِ الكُفّارِ، وتَقْرِيعِهِمْ عَلى عَدَمِ تَفَكُّرِهِمْ ونَظَرِهِمْ إلى ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ، وما خَلْفَهم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ، لِيَسْتَدِلُّوا بِذَلِكَ عَلى كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلى البَعْثِ، وعَلى كُلِّ شَيْءٍ، وأنَّهُ هو المَعْبُودُ وحْدَهُ، جاءَ مُوَضَّحًا في مَواضِعَ أُخَرَ؛ • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّماءِ فَوْقَهم كَيْفَ بَنَيْناها وزَيَّنّاها وما لَها مِن فُرُوجٍ﴾ ﴿والأرْضَ مَدَدْناها وألْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وأنْبَتْنا فِيها مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ ﴿تَبْصِرَةً وذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٦ - ٨]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ وما خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وأنْ عَسى أنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أجَلُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَأيِّنْ مِن آيَةٍ في السَّماواتِ والأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وهم عَنْها مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: ١٠٥]، والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَقالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: قالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أخْبَرْنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿أفَلَمْ يَرَوْا إلى ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ [سبإ: ٩]، قالَ: إنَّكَ إنْ نَظَرْتَ عَنْ يَمِينِكَ، أوْ عَنْ شِمالِكَ، أوْ مِن بَيْنِ يَدَيْكَ، أوْ مَن خَلْفِكَ، رَأيْتَ السَّماءَ والأرْضَ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ . ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ إنْ شاءَ خَسَفَ الأرْضَ بِالكُفّارِ، خَسَفَها بِهِمْ لِقُدْرَتِهِ عَلى ذَلِكَ. (p-٣٦٦)والثّانِي: أنَّهُ إنْ شاءَ أنْ يُسْقِطَ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ، فَعَلَ ذَلِكَ أيْضًا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. أمّا الأوَّلُ: الَّذِي هو أنَّهُ لَوْ شاءَ أنْ يَخْسِفَ بِهِمُ الأرْضَ لَفَعَلَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعالى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن في السَّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإذا هي تَمُورُ﴾ [الملك: ١٦]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَأمِنتُمْ أنْ يَخْسِفَ بِكم جانِبَ البَرِّ﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٦٨]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْلا أنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا﴾ [القصص: ٨٢]، • وقَوْلِهِ تَعالى في ”الأنْعامِ“: ﴿أوْ مِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٦٥] . وَقَوْلُهُ هُنا: ﴿أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾، قَدْ بَيَّنّا في سُورَةِ ”بَنِي إسْرائِيلَ“، أنَّهُ هو المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى عَنِ الكُفّارِ: ﴿أوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٩٢] . وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: ﴿إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ بِالياءِ المُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ، أعْنِي: يَشَأْ، ويَخْسِفْ، ويُسْقِطْ؛ وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالفاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى اللَّهِ تَعالى، أيْ: إنْ يَشَأْ هو، أيِ: اللَّهُ، يَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ، وقَرَأ الباقُونَ بِالنُّونِ الدّالَّةِ عَلى العَظَمَةِ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ، أيْ: إنْ نَشَأ نَحْنُ. . إلَخْ، وقَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: كِسَفًا بِفَتْحِ السِّينِ، والباقُونَ بِسُكُونِها والكِسَفُ بِفَتْحِ السِّينِ القِطَعُ، والكِسْفُ بِسُكُونِ السِّينِ واحِدُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب