الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَرَوْا إلى ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ قِيلَ: هو اِسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِتَذْكِيرِهِمْ بِما يُعايِنُونَ مِمّا يَدُلُّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ عَزَّ وجَلَّ وتَنْبِيهِهِمْ عَلى ما يُحْتَمَلُ أنْ يَقَعَ مِنَ الأُمُورِ الهائِلَةِ في ذَلِكَ إزاحَةً لِاسْتِحالَتِهِمُ الإحْياءَ حَتّى قالُوا ما قالُوا فِيمَن أخْبَرَهم بِهِ وتَهْدِيدًا عَلى ما اِجْتَرَءُوا عَلَيْهِ، والمَعْنى أُعْمُوا فَلَمْ يَنْظُرُوا إلى ما أحاطَ بِجَوانِبِهِمْ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ ولَمْ يَتَفَكَّرُوا أنَّهم أشَدُّ خَلْقًا أمْ هي وإنّا إنْ نَشَأ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ كَما خَسَفْناها بِقارُونَ أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا أيْ قِطَعًا مِنَ السَّماءِ كَما أسْقَطْنا عَلى أصْحابِ الأيْكَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالآياتِ بَعْدَ ظُهُورِ البَيِّناتِ، وهو تَفْسِيرٌ مُلائِمٌ لِلْمَقامِ، إلّا أنَّ رَبْطَ قَوْلِهِ تَعالى إنْ نَشَأْ إلخ بِما قَبْلَهُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِعِيدٌ.
وفِي البَحْرِ أنَّهُ تَعالى وقَّفَهم في ذَلِكَ عَلى قُدْرَتِهِ الباهِرَةِ وحَذَّرَهم إحاطَةَ السَّماءِ والأرْضِ بِهِمْ، وكَأنَّ ثَمَّ حالًا مَحْذُوفَةً، أيْ أفَلا يَرَوْنَ إلى ما يُحِيطُ بِهِمْ مِن سَماءٍ وأرْضٍ مَقْهُورًا تَحْتَ قُدْرَتِنا نَتَصَرَّفُ فِيهِ كَما نُرِيدُ إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ الخ، أوْ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلى ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم مُحِيطًا بِهِمْ وهم مَقْهُورُونَ فِيما بَيْنَهُ إنْ نَشَأْ الخ، ولا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ.
وقالَ العَلّامَةُ أبُو السُّعُودِ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَرَوْا﴾ إلخ اِسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِتَهْوِيلِ ما اِجْتَرَءُوا عَلَيْهِ مِن تَكْذِيبِ آياتِ اللَّهِ تَعالى واسْتِعْظامِ ما قالُوا في حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأنَّهُ مِنَ العَظائِمِ المُوجِبَةِ لِنُزُولِ أشَدِّ العِقابِ وحُلُولِ أفْظَعِ العَذابِ مِن غَيْرِ رَيْثٍ وتَأْخِيرٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ نَشَأْ﴾ إلخ بَيانٌ لِما يُنْبِئُ عَنْهُ ذَكَرَ إحاطَتَهُما بِهِمْ مِنَ المَحْذُورِ المُتَوَقَّعِ مِن جِهَتِهِما وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِن أسْبابِ وُقُوعِهِ إلّا تَعَلُّقُ المَشِيئَةِ بِهِ أيْ فَعَلُوا ما فَعَلُوا مِنَ المُنْكَرِ الهائِلِ المُسْتَتْبَعِ لِلْعُقُوبَةِ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلى ما أحاطَ بِهِمْ مِن جَمِيعِ جَوانِبِهِمْ بِحَيْثُ لا مَفَرَّ لَهم عَنْهُ ولا مَحِيصَ إنْ نَشَأْ جَرْيًا عَلى مُوجَبِ جِناياتِهِمْ نَخْسِفْ الخ، ولا يَخْفى أنَّ فِيهِ بُعْدًا وضِعْفَ رَبْطٍ بِالنِّسْبَةِ إلى ما سَمِعْتَ أوَّلًا مَعَ أنَّ ما بَعْدُ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ مُلائِمَةٍ لِما قَبْلَهُ عَلَيْهِ.
ويَخْطُرُ لِي أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَرَوْا﴾ مَسُوقٌ لِتَذْكِيرِهِمْ (p-112)بِأظْهَرِ شَيْءٍ لَهم بِحَيْثُ إنَّهم يُعايِنُونَهُ أيْنَما اِلْتَفَتُوا ولا يَغِيبُ عَنْ أبْصارِهِمْ حَيْثُما ذَهَبُوا يَدُلُّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ عَزَّ وجَلَّ إزاحَةً لِما دَعاهم إلى ذَلِكَ الِاسْتِهْزاءِ والوَقِيعَةِ بِسَيِّدِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِ وعَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن زَعْمِهِمْ قُصُورَ قُدْرَتِهِ تَعالى عَنِ البَعْثِ والإحْياءِ ضَرُورَةَ أنَّ مَن قَدَرَ عَلى خَلْقِ تِلْكَ الأجْرامِ العِظامِ لا يُعْجِزُهُ إعادَةُ أجْسامٍ هي كُلُّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إلى تِلْكَ الإجْرامِ كَما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ [يس: 81] وفِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى مَزِيدِ جَهْلِهِمُ المُشارِ إلَيْهِ بِالضَّلالِ البَعِيدِ ما فِيهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ أيْ فِيما ذُكِرَ مِمّا بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ ﴿لآيَةً﴾ أيْ لَدَلالَةً واضِحَةً عَلى كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وأنَّهُ لا يُعْجِزُهُ البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ وتَفَرُّقُ الأجْزاءِ المُحاطَةِ بِهِما ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ أيْ راجِعٍ إلى رَبِّهِ تَعالى مُطِيعٍ لَهُ جَلَّ شَأْنُهُ لِأنَّ المُنِيبَ لا يَخْلُو مِنَ النَّظَرِ في آياتِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ والتَّفَكُّرِ فِيها كالتَّعْلِيلِ لِما يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿أفَلَمْ يَرَوْا﴾ إلخ مِنَ الحَثِّ عَلى الِاسْتِدْلالِ بِذَلِكَ عَلى ما يُزِيحُ إنْكارَهُمُ البَعْثَ، وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم مُعْرِضُونَ عَنْ رَبِّهِمْ سُبْحانَهُ غَيْرُ مُطِيعِينَ لَهُ جَلَّ وعَلا وتَخْلُصُ إلى ذِكْرِ المُنِيبِينَ إلَيْهِ تَعالى عَلى قَوْلٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ نَشَأْ﴾ كالِاعْتِراضِ جِيءَ بِهِ لِتَأْكِيدِ تَقْصِيرِهِمْ والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم بَلَغُوا فِيهِ مَبْلَغًا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ في الدُّنْيا فَضْلًا عَنِ الأُخْرى نُزُولَ أشَدِّ العِقابِ وحُلُولَ أفْظَعِ العَذابِ، وأنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِن أسْبابِ ذَلِكَ إلّا تَعَلُّقُ المَشِيئَةِ بِهِ إلّا أنَّها لَمْ تَتَعَلَّقْ لِحِكْمَةٍ، وظَنِّي أنَّهُ حَسَنٌ وتَحْتَمِلِ الآيَةُ غَيْرَ ذَلِكَ واَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِأسْرارِ كِتابِهِ، وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى مَصْدَرِ يَرَوْا وهو الرُّؤْيَةُ وذُكِرَ لِتَأْوِيلِهِ بِالنَّظَرِ والمُرادُ بِهِ الفِكْرُ، وقِيلَ إشارَةٌ إلى ما تَلِي مِنَ الوَحْيِ النّاطِقِ بِما ذُكِرَ.
وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ وثّابٍ وعِيسى والأعْمَشُ وابْنُ مُصَرِّفٍ (يَشَأْ ويَخْسِفْ ويُسْقِطْ) بِالياءِ فِيهِنَّ، وأدْغَمَ الكِسائِيُّ الفاءَ في الباءِ في (يَخْسِفْ بِهِمْ) قالَ أبُو عَلِيٍّ: ولا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأنَّ الباءَ أضْعَفُ في الصَّوْتِ مِنَ الفاءِ فَلا تُدْغَمُ فِيها وإنْ كانَتِ الباءُ تُدْغَمُ في الفاءِ نَحْوَ (اِضْرِبْ فُلانًا) وهَذا كَما تُدْغَمُ الباءُ في المِيمِ نَحْوَ (اِضْرِبْ مالِكًا ) ولا تُدْغَمُ المِيمُ في الباءِ نَحْوَ (اُضْمُمْ بِكَ) لِأنَّ الباءَ اِنْحَطَّتْ عَنِ المِيمِ بِفَقْدِ الغُنَّةِ الَّتِي فِيها.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَرَأ الكِسائِيُّ «يَخْسِفْ بِهِمْ» بِالإدْغامِ ولَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ القِراءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ويُوجِدُ فِيها الفَصِيحُ والأفْصَحُ وذَلِكَ مِن تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعالى القُرْآنَ لِلذِّكْرِ وما أدْغَمَ الكِسائِيُّ إلّا عَنْ سَماعٍ فَلا اِلْتِفاتَ إلى قَوْلِ أبِي عَلِيٍّ ولا الزَّمَخْشَرِيِّ.
{"ayah":"أَفَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَىٰ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَیۡهِمۡ كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق