الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ قوله: ﴿يَوْمَ﴾ ظرف زمان، والقاعدة المعروفة عند أهل النحو أن الظرف والجار والمجرور لا بد له من متعلق؛ لأن الظرف والجار والمجرور شبه مفعول به، أو شبه خبر إذا وقع خبرًا، أو شبه صلة إذا وقع صلة، المهم أنه لا يستقل بنفسه لا بد له من عامل، كما قال ناظم الجمل:
؎لَا بُـــــدَّ لِلْجَــــارِ مِـــــنَالتَّـعَـلُّـــــــــــــقِ ∗∗∗ بِـفِعْـــــلٍ اوْ مَعْـنَـــــاهُ نَحْــــوِمُرْتَقِــــــــــي؎وَاسْتَثْــــنِ كُــــلَّ زَائِــــدٍ لَــــهُعَمَــــلْ ∗∗∗ كَالْبَا وَمِنْ وَالْكَافِ أَيْضًاوَلَعَلْ
فكل حرف أصلي من حروف الجر لا بد له من متعلق.
قوله: ﴿يَوْمَ تَجِد﴾ إذن هي ظرف زمان ولا بد لها من متعلّق، فأين متعلقها؟ المتعلق محذوف، تقديره: اذكر يوم تجد، اذكر بالناس وذكّرهم بهذا اليوم العظيم. ﴿تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ والمراد بالكلية هنا كلية النفوس المكلفة وهم الإنس والجن، فإن هؤلاء مكلفون بعبادة الله لقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦] أما البهائم فإنها لا تجد ما عملت، لكن يُوفى لها الظلم إن ظُلمت كما أخبر النبي ﷺ: بأنه «يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (٢٥٨٢ / ٦٠) من حديث أبي هريرة.]] وأما هي فهي غير مكلفة عملها يذهب، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ إذن ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ مقيدة بماذا؟ مكلَّفة، كل نفس مكلفة تُؤمر وتُنهى. ﴿مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ ﴿مَا﴾ هنا اسم موصول مفعول أول، ﴿مُحْضَرًا﴾ مفعول ثاني، و﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ جار ومجرور بيان لـ(ما) في قوله: ﴿مَا عَمِلَتْ﴾. وجملة ﴿عَمِلَتْ﴾ صلة الموصول، وعائد الموصول محذوف، والتقدير: ما عملته من خير محضرًا. وقوله: ﴿مَا عَمِلَتْ﴾ يشمل كل ما عملت قل أو كثر قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧] كل ما عملت.
وقوله: ﴿مُحْضَرًا﴾ من الذي يحضره؟ الذي يحضره الله عز وجل؛ إما بقوله وإما بملائكته تحضره الملائكة أو هو عز وجل يأمر فيحضر، وقوله: ﴿مُحْضَرًا﴾ قد يتبادر للذهن أن هذا العمل يكون جسمًا فيُحضر كما تحضر الدراهم لمن يستوفيها، وإذا كان هذا مراد الله عز وجل فليس بغريب أن تُجعل الأعمال وهي أمر معنوي تجعل أجسامًا، وهو ظاهر في القرآن الكريم بأن الأعمال تُوزن، والوزن لا يكون إلا لجسم كثيف، فتوزن الأعمال توضع في كفة الحسنات والسيئات، وليس هذا بغريب على قدرة الله سبحانه وتعالى، فها هو الموت وصف وهو زوال الحياة «يُمثّل يوم القيامة بكبْشٍ ويُوقف بين الجنة والنار ويقال: يا أهل النار، يا أهل الجنة، فيطَّلعون فيُقال لهم: تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت فيُذبح ويقال: يا أهل الجنة، خُلود ولا موت، ويا أهل النار، خلود ولا موت، وحينئذٍ يزداد أهل الجنة سرورًا إلى سرورهم وأهل النار حزنًا إلى حزنهم[[متفق عليه؛ البخاري (٤٧٣٠)، ومسلم (٣٨٤٩ / ٤٠) من حديث أبي سعيد الخدري.]] » والعياذ بالله.
وقوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ﴾ الواو هذه يحتمل أن تكون استئنافية، فتكون (ما) مبتدأ، ويحتمل أن تكون عاطفة، فتكون (ما) معطوفة على (ما) الأولى يعني ما عملت من خير محضرًا وتجد ما عملت من سوء محضرًا كذلك، فعلى الأول تكون (ما) مبتدأ، وتود ﴿لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ الجملة خبره، وعلى الثاني تكون (ما) معطوفة على ما عملت الأولى، ويكون في الكلام حذف وتقديره: وما عملت من سوء محضرًا تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا، ولكن المعنى الأول أظهر؛ لأن الأصل عدم الحذف، والاستئناف كثير وارد في اللغة العربية، وهو أيضًا أبلغ؛ لأن ما عملت من سوء قد يحضر، وقد يُقرّر به الإنسان ولا يُحضر، والكلام هنا عام، الكلام عام يشمل المؤمنين والكافرين، والمؤمن في حسابه لا يُحضر له عمله السيئ، وإنما يقرر بذنوبه يخلو به الله عز وجل فيقرّر ويقول: «عَمِلْتَ كَذَا؟ عَمِلْتَ كَذَا؟ عَمِلْتَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب.]].
أما الكفار فيُحضر عملهم يُحضر؛ قال الله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ [الكهف ٤٩] لأن سيئات الكفار ما تمحى، تُحضر ويحاسبون عليها، وبهذا يتبين أن إعراب الواو استئنافية و(ما) مبتدأ أظهر من أن تكون عاطفة و(ما) معطوفة على ما سبق، إذن ﴿مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾ لا تفرح به ﴿تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ يعني زمنًا طويلًا أو مكانًا بعيدًا، تود أنها لم تعمله ولم تُذكَّر به، ولم يُحضر لها إن كانت ممن يحضر لها العمل السيئ، والود خالص المحبة، إذن تحب محبة شديدة من كل قلبها لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا.
﴿لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ ﴿لَوْ﴾ هذه كيف نعربها؟ هل نقول إنها مصدر؟
* طالب: حرف امتناع لامتناع.
* الشيخ: لا، ليست حرف امتناع لامتناع، هل نقول إنها مصدر أو نقول إنها زائدة؛ لأن (لو) إذا وقعت بعد (ود) تكون مصدرية كما في قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩]، يعني ودوا أن تدهنوا، ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ [البقرة ١٠٩] أي: أن يردوكم، لكن هنا فيه إشكال وهي (أن) اللي بعدها مصدرية، ولكن يمكن الانفكاك عن هذا الإيراد بأن يقال ﴿لَوْ﴾ داخلة على فعل محذوف، تقديره: لو ثبت أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا، أو لو حصل، تود لو حصل أن بينه وبينها أمدًا بعيدًا، وحينئذٍ تكون مصدرية، ويكون الفعل محذوفًا، الفعل الذي يتصل به محذوفًا والتقدير: لو حصل أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا، وإلا نقول: زائدة، والتقدير: تود أن بينها وبينه أمدًا بعيدا، وأنت لو حذفت لو في غير القرآن وقلت: (تود أن بينها) استقام الكلام، إذن لنا في إعرابها توجيهان؛ التوجيه الأول: أن تكون زائدة للتأكيد أو للتوكيد، والثاني: أن تكون مصدرية والفعل محذوف تقديره: لو حصل أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا.
وقوله: ﴿أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ أمدًا بالنصب على أنه اسم (أن) مؤخر.
قال الله تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ كرر ذلك؛ لأن المقام يقتضيه، يقتضي التحذير، فاحذر الله عز وجل، احذر الله أن يصيبك بعقابه إذا عصيته وخالفت أمره، والأول ﴿يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ في العمل، والثاني في الجزاء، الأول في العمل في موالاة الكفار، والثاني في الجزاء؛ لأنه ذكره بعد أن ذكر الجزاء الذي يكون يوم القيامة. ثم قال: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ فيها قراءتان، القراءة الأولى: ﴿رَءُوفٌ﴾ والقراءة الثانية: ﴿رَءُفٌ﴾ بدون واو ﴿رَءُفٌ رَحِيمٌ﴾ و(الرؤوف) فعول من الرأفة، وهي أشد الرحمة، وأرق الرحمة؛ لأن الرأفة فيها شيء من الرق واللين أكثر من ما في الرحمة. وقوله: ﴿بِالْعِبَاد﴾ جمع (عَبْد)، والمراد بهم الخلق، فهو من العبودية العامة.
استشكل بعض العلماء إتيان قوله: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد﴾ بعد قوله: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ وقال: كان مقتضى الحال أن يقال: ويحذركم الله نفسه والله شديد العقاب؛ لأن مقام التحذير يقتضي الوعيد، فأُجيب عن ذلك بأن من رأفته عز وجل بالعباد أن حذّرهم نفسه، وأخبرهم بأن الأمر عظيم؛ لأن إخبار الإنسان بحقيقة الحال لا شك أنه من الرأفة به، وإلا فليس من المناسب أن يهدد الإنسان بالتحذير ثم يقال: ولك رأفة ورحمة، ولكن قالوا: إن الرأفة بالعباد عائدة إلى أيش؟ إخبار العباد بحقيقة الأمر وتحذيرهم من مغبته، وهذا لا شك أنه وجه حسن وطيِّب.
* طالب: قوله: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد﴾ (...) أنها خاصة بالمؤمنين؛ لأن هذا السياق يوم القيامة فيكون الله سبحانه وتعالى رؤوف بالعباد المؤمنين يخرج من كان في قلبه ذرة.
* الشيخ: لا؛ لأن إحنا قلنا: ما هو المراد الرأفة من التحذير، الرأفة بالإخبار؛ لأن الناس لو وكلوا إلى ما عندهم ضلّوا.
* الطالب: جزاكم الله خيرًا بالنسبة لـ(أمدًا) ما تكون منصوبة على الظرفية ظرف زمان؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: زمنًا بعيدًا.
* الشيخ: لا؛ لأنها تتأثر بالعوامل، فيقال: إلى أمد بعيد، إلى أمد قريب، ويقال: أمده أمد طويل.
* طالب: بالنسبة يوم تجد يعني ما عملت من سوء محضرًا، ألا يمكن أن يكون يعني يحتمل أن تحضر السجلات فيكون هذا من إحضار الأعمال؟ عندما تحضر لها سجلات وتراها أمامها يكون هذا من إحضار الأعمال.
* الشيخ: يمكن، يمكن، ولهذا قلنا: فيها وجهان، ولكن الأقرب أن تكون استئنافية.
* طالب: شيخ، قوله تعالى: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ مُحْضَرًا﴾ يشمل الكبائر والصغائر؟
* الشيخ: إي نعم، كل شيء لم يُعف عنه.
قال ربنا عز وجل: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾.
* من فوائد هذه الآية: التحذير والتذكير لهذا اليوم العظيم الذي يجد الإنسان فيه ما عمل من خير أو سوء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب -أو على الأقل- استحباب تذكّر الإنسان لهذا اليوم؛ لأن قوله: (اذْكُر) يشمل الذكر الخبري والذكر الفكري؛ يعني التدبر في القلب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثبوت الجزاء لكل نفس، وهل هذا على عمومه؟ أو يُستثنى منه من لا يكلَّف؟ يحتمل، إن نظرنا إلى عموم اللفظ قلنا: إنه شامل وغير المكلف يُكتب له ولا يُكتب عليه، فيكون ما عمل من خير محضرًا وما عمل من سوء فهو مرفوع عنه، ويحتمل أن يراد بها النفوس التي يلحقها الجزاء عقوبة وكرامة، وهي الأنفس المكلَّفة، ولا شك أنه ليس على عمومه فيما يتعلق بالبهائم؛ فإن البهائم لا تجد هذا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال قدرة الله عز وجل بإحضار ما عمله الإنسان من قليل وكثير، ومن أين يؤخذ أنه من قليل وكثير؟ من (ما) الموصولة التي تفيد العموم.
* ومن فوائدها: كمال رقابته عز وجل؛ وأنه لا يفوته شيء، كل ما عمل الإنسان سوف يجده، فأنت ونفسك! انظر ماذا تقدّم لهذا اليوم من خير أو من ضده.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء، وهو معلوم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشر يسوء صاحبه، من أين يؤخذ؟ لأن قوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾ عديل لقوله: ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ وكان مقتضى المعادلة أن يقول: وما عملت من شر؛ لأنه قال: ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ ضده الشر، لكنه عبر عن الشر بعاقبة السوء؛ لأن الشر يسوء فاعله ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت ٤٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الشعور في ذلك اليوم لقوله: ﴿تَوَدُّ﴾ لأن المودّة خالص المحبة، وهي فرع عن الشعور بالشيء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كراهة المسيء لما عمله في ذلك اليوم، وأنه يحب أن يكون بينه وبينها ما بين المشرق والمغرب لقوله: ﴿تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ وهكذا يود الإنسان أن يكون بينه وبين عمله السيئ الأمد البعيد، وبينه وبين قرين السوء الأمد البعيد، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨)﴾ [الزخرف ٣٦ - ٣٨] في الدنيا هم أصدقاء لكن في الآخرة أعداء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله بعباده بتحذيرهم نفسه لئلّا يقعوا في عقوبته ونقمته لقوله: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي استعمال الأسلوب المناسب للحال، فالله عز وجل قال في هذه الآية: ﴿يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ وفي آيات كثيرة يتحبب إلى عباده عز وجل ويتودد إليهم؛ لأن هذا المقام الذي نحن فيه مقام أيش؟ تحذير وتهديد، ومقام التحذير والتهديد ينبغي أن يؤتى فيه بالأساليب المناسبة، ولهذا يقال: إن غاية البلاغة صيغة الكلام مطابقًا لمقتضى الحال، هذه غاية البلاغة أن يُصاغ الكلام مطابقًا لمقتضى الحال؛ لأنه لو صيغها غير مطابق لعُدّ عِيًّا، لو جاء صدوق لك وقال: إن فلانًا قدم، والله إنه قدم، والله إنه قدم، والله الذي لا إله إلا هو إنه قدم، وأيش يكون هذا بلاغة ولَّا غير بلاغة؟ غير بلاغة، لأنك تقول له: اوقف يا أخي، أنا ما حلفتك، إلى الآن ما قلت لك إنك كاذب حتى تحلف! فالإتيان بالكلام مطابقًا لمقتضى الحال لا شك أنه غاية البلاغة كما في هذه الآية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الرأفة لله عز وجل، بل إثبات الاسم والصفة في قوله: ﴿رَءُوفٌ﴾ والرأفة أشد الرحمة وأرقها، وتأمل قوله تعالى عن نفسه: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ وقوله عن نبيه: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة ١٢٨] فإن رأفة الله عامة، أما رأفة النبي ﷺ فهي خاصة بالمؤمنين، الكفار والمنافقون لا يرأف بهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة ٧٣] هذه وصية الله لنبيه في الكفار والمنافقين، وفي جلد الزاني قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه﴾ [النور ٢] لكن الرب عز وجل رؤوف بالعباد يسعهم حلمه ورحمته وعافيته ورزقه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يعرف قدر نفسه بالنسبة إلى ربه، فما نسبته إلى ربه؟ أنه عبد، وأن الرب رب، والعبد يجب أن يكون منقادًا لأمر أيش؟ لأمر ربه، وأن يكون ذليلًا له سبحانه وتعالى، شرعًا كما أنه ذليل له قدرًا، كل الناس أذلة لله قدرًا ما يستطيعون أن يخالفوا قدره، أكبر واحد في الدنيا وأشدهم عتوًّا يمرض ويموت، وهذا خضوع لأيش؟ للربوبية القدريّة، لكن من ليس بمؤمن ليس بخاضع للربوبية الشرعية ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.
{"ayah":"یَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَیۡرࣲ مُّحۡضَرࣰا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوۤءࣲ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَهُۥۤ أَمَدَۢا بَعِیدࣰاۗ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق