الباحث القرآني

﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ أيْ: مِنَ النُّفُوسِ المُكَلَّفَةِ. ﴿ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ عِنْدَها بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى وفِيهِ مِنَ التَّهْوِيلِ ما لَيْسَ في حاضِرًَا. ﴿وَما عَمِلَتْ مِن سُوءٍ﴾ عَطْفٌ عَلى "ما عَمِلَتْ" والإحْضارُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ أيْضًَا إلّا أنَّهُ خُصَّ بِالذِّكْرِ في الخَيْرِ لِلْإشْعارِ بِكَوْنِ الخَيْرِ مُرادًَا بِالذّاتِ وكَوْنِ إحْضارِ الشَّرِّ مِن مُقْتَضَياتِ الحِكْمَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ. ﴿تَوَدُّ﴾ عامِلٌ في الظَّرْفِ، و المَعْنى: تَوَدُّ وتَتَمَنّى يَوْمَ تَجِدُ صَحائِفَ أعْمالِها مِنَ الخَيْرِ و الشَّرِّ أوْ أجْزِيَتَها مُحْضَرَةً. ﴿لَوْ أنَّ بَيْنَها وبَيْنَهُ﴾ أيْ: بَيْنَ ذَلِكَ اليَوْمِ. ﴿أمَدًا بَعِيدًا﴾ لِغايَةِ هَوْلِهِ، وفي إسْنادِ الوِدادَةِ إلى كُلِّ نَفْسٍ سَواءً كانَ لَها عَمَلٌ سَيِّءٌ أوْ لا، بَلْ كانَتْ مُتَمَحِّضَةً في الخَيْرِ مِنَ الدِّلالَةِ عَلى كَمالِ فَظاعَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ وهَوْلِ مَطْلَعِهِ ما لا يَخْفى. - اللَّهُمَّ إنّا نَعُوذُ بِكَ مِن ذَلِكَ - ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ انْتِصابُ يَوْمَ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِإضْمارِ اذْكُرُوا، و "تَوَدُّ" إمّا حالٌ مِن كُلِّ نَفْسٍ أوِ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّؤالِ، أيِ: اذْكُرُوا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ مُحْضَرًَا وادَّةً أنَّ بَيْنَها وبَيْنَهُ أمَدًَا بَعِيدًَا، أوْ كَأنَّ سائِلًَا قالَ حِينَ أُمِرُوا بِذِكْرِ ذَلِكَ اليَوْمِ: فَماذا يَكُونُ إذْ ذاكَ؟ فَقِيلَ: تَوَدُّ لَوْ أنَّ بَيْنَها إلَخْ، أوْ تَجِدُهُ مَقْصُورًَا عَلى ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ، و "تَوَدُّ" خَبَرُ "ما عَمِلَتْ مِن سُوءٍ" ولا تَكُونُ "ما" شَرْطِيَّةً لِارْتِفاعِ "تَوَدُّ". وقُرِئَ "وَدَّتْ" فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كَوْنُها شَرْطِيَّةً، لَكِنَّ الحَمْلَ عَلى الخَبَرِ أوْقَعُ مَعْنىً لِأنَّها حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ وأوْفَقُ لِلْقِراءَةِ المَشْهُورَةِ. ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ تَكْرِيرٌ لِما سَبَقَ وإعادَةٌ لَهُ لَكِنْ لا لِلتَّأْكِيدِ فَقَطْ بَلْ لِإفادَةِ ما يُفِيدُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واللَّهُ رَءُوفٌ بِالعِبادِ﴾ مِن أنَّ تَحْذِيرَهُ تَعالى مِن رَأْفَتِهِ بِهِمْ ورَحْمَتِهِ الواسِعَةِ أوْ أنَّ رَأْفَتَهُ بِهِمْ لا تَمْنَعُ تَحْقِيقَ ما حَذَّرَهُمُوهُ مِن عِقابِهِ وأنَّ تَحْذِيرَهُ لَيْسَ مَبْنِيًَّا عَلى تَناسِي صِفَةِ الرَّأْفَةِ بَلْ هو مُتَحَقِّقٌ مَعَ تَحَقُّقِها أيْضًَا، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ فالجُمْلَةُ عَلى الأوَّلِ اعْتِراضٌ، وعَلى الثّانِي حالٌ، وتَكْرِيرُ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب