أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِالبسملة تقدم لنا الكلام عليها مرارًا وتكرارًا، وقلنا: إن الجار والمجرور متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف يقدر فعلًا متأخرًا مناسبًا، كذا؟ فإذا قلت: باسم الله، وأنت تريد أن تأكل، كيف تقدر الفعل؟ باسم الله آكل.قلنا: إنه يجب أن يقدر أن يكون متعلقًا بمحذوف، لماذا؟ لماذا لا نقول: إنه غير متعلق؟ لأن الجار والمجرور لا بد له من متعلَّق يتعلق به
لاَ بُــدَّ لِلْجَــــــارِ مِــــــنَ التَّعَلُّـــــــــقِ ∗∗∗ بِفِعْــــلٍ اوْ مَعْنَــــاهُ نَحْــــو مُرْتَقِــــــــــــي لأن الجار والمجرور معمول، هو بمنزلة المفعول به، فلا بد له من عامل.لماذا قدرناه فعلًا متأخرًا؟ لفائدتين: الفائدة الأولى: التبرك بتقديم اسم الله عز وجل، والفائدة الثانية: الحصر؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر، كأنك تقول: لا آكل باسم أحد متبركًا به ومستعينًا إلا باسم الله عز وجل.لماذا قدرناه فعلًا؟ لأن الأصل في العمل الأفعال، وهذه يعرفها أهل النحو، الأصل في العمل الأفعال؛ ولذلك لا تعمل الأسماء إلا بشروط، اسم الفاعل يعمل عمل الفعل بشروط، المصدر يعمل عمل الفعل بشروط، اسم المفعول يعمل عمل الفعل بشروط، الفعل يعمل بشروط؟ لا؛ لأنه هو الأصل في العمل؛ فلهذا نقدره فعلًا.لماذا قدرناه خاصًّا؟ لأنه أدل على المقصود، ممكن أن نقدر: باسم الله أبتدئ، لكن تبتدئ أيش؟ ما ندري، تبتدئ أكل، تبتدئ شرب، تبتدئ وضوء، تبتدئ عمل، ما ندري، إذا قلت: باسم الله آكل، وعينت الفعل، صار أدل على المقصود؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» ، أو قال: «عَلَى اسْمِ اللَّهِ» ، فخص الفعل.إذن نقول: الجار والمجرور متعلق بمحذوف، كمِّل؟ متأخر، فعل مناسب للمقام.أما الله فهو علم على ذات الله سبحانه وتعالى، على الذات المقدسة، لا يكون إلا له، وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، تأتي تابعة له.﴿الرَّحْمَنِ﴾ ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن فعلان الذي يدل على الامتلاء والسعة.﴿الرَّحِيمِ﴾ الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن فعيل الدال على وقوع الفعل، فهنا رحمة هي صفته، هذه دل عليها الرحمن، ورحمة هي فعله، أي: إيصال الرحمة إلى المرحوم، دل عليها الرَّحِيمِ.﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر أو الحكم الدال عليه ذلك المعنى، ولَّا لا؟ إذن اجتمع في هذين الاسمين كل ما يجب أن يتعلق بالإيمان باسم الله؛ لأن الإيمان باسم الله لا بد أن تؤمن بالاسم، وأيش بعد؟ والصفة والأثر الذي هو الحكم المترتب على هذا، فنقول: الله رحمن ذو رحمة يرحم، كلها موجودة في القرآن، فالرحمن كما ترون، ذو الرحمة: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ [الأنعام: ١٣٣]، يرحم: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ [العنكبوت: ٢١].﴿الرَّحْمَنِ﴾ اسم دال على الرحمة، وهي رحمة حقيقية دل عليها السمع والعقل، ما أدري كلام لغة عربي ولَّا غير عربي؟ عربي، دل عليها السمع والعقل، وأيش معنى السمع؟ النصوص: الكتاب والسنة، العقل: النظر والاعتبار، دلالة السمع على رحمة الله كثيرة ما تحصى، دلالة النظر أن نقول: كم في العالم من نعمة؟ وأيش الجواب؟ لا تحصى، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل: ١٨]، كذا؟ لا تحصى بأنواعها وأجناسها فضلًا عن أفرادها، هذه النعم وأيش تدل عليه؟ تدل على أن المنعم راحم، ولولا الرحمة ما حصلت النعمة، وكم في العالم من اندفاع نقمة، أليس كذلك؟ بماذا؟ من آثار الرحمة، لولا الرحمة ما اندفعت النقمة.ومن عجبٍ: أن قوما يدَّعون العقل، يقولون: إن الرحمة لا يدل عليها العقل، بل العقل يدل على خلافها، أعوذ بالله، لأيش؟ قال: لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة، وهذا لا يليق بالله عز وجل -شوف الشيطان!- لا يليق، صحيح لا يليق؟ نقول: الرحمة بهذا المعنى مَن هي رحمته؟ رحمة المخلوق، لكن رحمة الخالق ليست كرحمة المخلوق، ثم إننا نمنع أن تكون الرحمة كما زعمتم حتى في المخلوق، يأتي ملك تام السلطان لا يخشى أحدًا إلا الله ويرحم هذا الفقير، هل نقول: رحمته هذه تنافي ما عنده من السلطان والعظمة اللائقة به؟ أبدًا، ما تنافي ولا يقال: والله هذا ملك مهين إنه يرحم الفقراء ويرحم الضعفاء، لا، بل يعد هذا من كماله.ثم نقول لهم: العقل دل عليه، نمنع قولكم: إن العقل لا يدل عليه، بل نقول: إن العقل دل عليه، لو تسأل عامي في السوق بعد أن نزل المطر في الليل وخرج الناس يمشون في المطر، ونقع المطر، وهواء المطر والرطوبة، تلقي عامي تقول: ما شاء الله نزل البارحة مطر، يقول لك: إي والله، الحمد لله، رحمة الله واسعة، وأيش عرف إن هذا المطر من ين؟ من الرحمة.لكن يقولون: الإرادة ثبتت بالعقل، إرادة الله ثبتت بالعقل، بماذا؟ قالوا: ثبتت بالتخصيص، إنه خص هذا اجعل هذه سماء، واجعل هذه أرض، وهذه بقرة، وهذه شاة، وهذه بعير، وهذا حمار، إلى آخره، الذي خصص هذا مِن هذا هو؟ الإرادة، إذن فيه إرادة لله دل عليها التخصيص، اسأل طالب علم ما هو عامي، قل: كيف تستدل بالعقل على الإرادة؟ على إرادة الله؟ وأيش يبغي يقول لك؟ ما يستطيع، ربما يستطيع أن يقول: أستدل على إرادة الله، ها الكون هذا كله بإرادة الله، لكن ما يقول لك: إن التخصيص هو الذي يدل على الإرادة، كذا ولَّا لا؟ ومع ذلك الرحمة ما دل عليها العقل عندهم، والإرادة دل عليها العقل، ونحن نقول: إن الإرادة والرحمة كلتاهما دل عليها العقل، ولا شك في هذا.البسملة ذكرنا فيما سبق أنها آية من القرآن لا شك، مستقلة لا تابعة، لا للتي قبلها ولا للتي بعدها، مستقلة، لكن يؤتى بها لابتداء السورة، كل سورة تُبتدأ بالبسملة إلا واحدة من السور وهي براءة، فإنه لم يثبت عند الصحابة أن الرسول ﷺ ابتدأها بالبسملة؛ ولذلك جعلوا فاصلًا بينها وبين الأنفال ولم يجعلوا بسملة؛ لأنهم ترددوا: هل هي من بقية الأنفال أو هي مستقلة، فقالوا: نجعل الفاصل ولا نجعل البسملة، إنما البسملة تؤتى آية مستقلة تُبتدأ بها كل سورة، حتى الفاتحة وهي أول السور تُبتدأ بها.وهل هي من السورة؟ قلنا: لا، وعلى هذا فما يوجد في المصحف الآن المرقم في الفاتحة خاصة فيها رقم واحد، على أنها أول آية من الفاتحة هو قول مرجوح، والراجح أنها ليست آية من الفاتحة، وقد مر علينا بيان رجحان هذا القول. نعم.* طالب: (...)* الشيخ: إي نعم، هو يسأل يقول: نحن ندعو الله أن ينصرنا على القوم الكافرين، ونحن ما عندنا السلاح نقاوم به؟ نقول: النصرة على القوم الكافرين بأن يهيئ الله لنا أسلحة نقاوم بها أو يدمر أسلحتهم، تدمير أسلحتهم نصر لنا ولَّا لا؟* طالب: قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩]، خلاف العلماء في كون البسملة آية من آيات الله أو غير آية هل يعد ذلك تنقيصًا لهذه الآية؟* الشيخ: لا لا، هل حُذفت من المصحف؟ إيه، حفظت، لا لا، يقولون: آية، لكن بس هل هي آية، بالاتفاق أنها آية، لكن هل هي من السور التي بعدها أو لا، الخلاف في العدد.
* * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ* الشيخ: لا، مِنْ قَبْلُتبع اللي قبلها.* الطالب: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
[آل عمران: ١ - ٤].* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تقدم الكلام على البسملة إعرابًا ومعنًى ومحلًّا، وتقدم الكلام أيضًا على الحروف الهجائية التي ابتُدئت بها السور.الحروف الهجائية التي ابتدأ الله بها بعض السور قيل: إنها رموز وإشارات إلى أشياء، وعيّنها بعض المفسرين، وقيل: إنها حروف لا ندري ما معناها، فالله أعلم بما أراد بها، وقيل: بل هي حروف هجائية ليس لها معنى، وهذا القول هو الصحيح؛ وذلك لأن هذا القرآن نزل باللسان العربي المبين، واللسان العربي لا يعطي هذه الحروف الهجائية معنى، وإذا كان لا يعطيها معنى فبمقتضى نزوله به أن لا يكون لها معنى، لكن قال بعض حذاق العلماء: إن لها مغزى، أي: هذه الحروف لها مغزى، وهو أن هذا القرآن الذي أعجز فصحاء البلاغة العرب العرباء إنما كان بالحروف التي هم يعرفونها، ويُرَكِّبون كلامهم منها، ومع ذلك أعجزهم، يعني لو جاء بلسان غير عربي لقالوا: نعجز عنه، لكن جاء باللسان العربي الذي يكوّنون كلامهم بالحروف التي كان بها هذا القرآن، قال: ولهذا لا تكاد تجد سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذِكر القرآن، وهذا ما قاله الزمخشري وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم.وقوله: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُهذه جملة مكونة من مبتدأ وخبر، فـاللَّهُمبتدأ، وجملة لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَخبر المبتدأ، لكن هذه الجملة جملة أيضا، لكنها تسمى عند النحويين: جملة صغرى؛ لأن الخبر إذا وقع جملة فهو جملة صغرى، والكبرى: مجموع المبتدأ والخبر. وقوله: الْحَيُّ الْقَيُّومُخبران آخران، الْحَيُّخبر لـاللَّهُثاني، والْقَيُّومُخبر ثالث.فقوله: اللَّهُعلم على الذات المقدسة، علم على الرب عز وجل، وأصله الإله، بمعنى المألوه، وحُذفت الهمزة تخفيفًا كما حُذفت الهمزة من خير وشر في مثل قول الرسول ﷺ:
«خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا» ، أي: أخيرها وأشرها، وكما حُذفت الهمزة أيضًا من الناس، وأصلها: أناس.الله علم على الذات المقدسة، وهو أعلم المعارف على الإطلاق، نعم، ومعناه: المعبود حبًّا وتعظيمًا، فهو فِعال بمعنى مفعول، وما أكثر ما يأتي فِعال بمعنى مفعول، كغِراس بمعنى مغروس، وبِناء بمعنى مبني.وقوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أي: لا معبود حق إلا هو، فإله اسم لا النافية للجنس، وخبرها محذوف تقديره: حق، وهناك آلهة باطلة، ولكنها آلهة وُضعت عليها الأسماء بدون حق، كما قال الله تعالى: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا
[يوسف: ٤٠]، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
[النجم: ١٩ - ٢٣].وبهذا التقدير للخبر في لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَيزول الإشكال، وهو أنه كيف يُنفى الإله في مثل هذه الجملة ويُثبت في مثل قوله: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ
[هود: ١٠١]، والجمع: أن تلك الآلهة أيش؟ باطل، وأما الإله في: لا إله إلا الله، أو لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَفهو إله حق، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ
[الحج: ٦٢].وقوله: هُوَهذا ضمير وليس اسمًا، هذا ضمير وليس اسمًا، بدليل قوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
[محمد: ١٩]، هذا علَم ولا ضمير؟ علم، وبدليل قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
[الأنبياء: ٢٥] و(أنا) هنا ضمير، فعلى هذا نقول: أنا وهو في قوله: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَاوقوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَكلاهما ضمير رفع منفصل، فكما أن الذاكر لا يقول: لا إله إلا أنا، أو كما أن الذاكر لا يجعل (أنا) اسما لله، فلا يجوز أن يجعل (هو) اسمًا لله؛ وبهذا نعرف بطلان ذكر الصوفية الذي يذكرون الله بلفظ: هو هو، ويرون أن هذا الذكر أفضل الأذكار، وهو ذكر باطل.وقوله: الْحَيُّأل هنا للاستغراق، أي: الكامل الحياة، وحياة الله عز وجل كاملة في وجودها، وكاملة في زمنها، فهو حي لا أول له، ولا نهاية له، حياته لم تُسبق بعدم ولا يلحقها زوال، هي أيضًا كاملة حال وجودها لا يدخلها نقص بوجه من الوجوه، فهو كامل في سمعه، وعلمه، وقدرته، وجميع صفاته، إذا رأينا الآدمي، بل إذا رأينا غير الله عز وجل وجدنا أنه ناقص في حياته زمنًا ووجودًا، فحياته مسبوقة بماذا؟ بعدم، ملحوقة؟ بزوال وفناء، هي أيضًا ناقصة في وجودها، هل هو كامل السمع؟ الحي ليس كامل السمع، ولا البصر، ولا العلم، ولا القدرة، كل حي فهو ناقص، إذن حياته ناقصة في الوجود والزمن، ففي الزمن مسبوقة بعدم وملحوقة بزوال، وفي الوجود ناقصة في جميع الصفات.(...) على وزن فَيْعُول، وهو مأخوذ من القيام، ومعناه: القائم بنفسه، القائم على غيره، القائم بنفسه فلا يحتاج إلى أحد، والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.وفي الجمع بين الاسمين الكريمين: الْحَيُّ الْقَيُّومُفي الجمع بينهما استغراق لجميع ما يوصَف الله به لجميع الكمالات، ففي الْحَيُّكمال الصفات، وفي الْقَيُّومُكمال الأفعال، وفيهما جميعًا كمال الذات، الْحَيُّكمال الصفات، الْقَيُّومُكمال الأفعال، وباجتماعهما كمال الذات، فهو كامل الصفات والأفعال والذات.
* * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
[آل عمران: ١ - ٥].* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق لنا تفسير قوله تعالى: الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وبينا أن القول الراجح في الموأخواتها.* طالب: (...) الحروف المقطعة لا معنى لها؟* الشيخ: لا، هو ما قال: لا معنى لها.* الطالب: (...) تدل على مغزى أن هذا القرآن الذي أعجزكم أنه مكون من هذه الحروف؛ لذلك كل ما (...) يكون بعدها شيء من القرآن من (...).* الشيخ: طيب.* طالب: قلنا: إن (...) مختزلة من اللغة العربية.* الشيخ: لا.* طالب: لا معنى لها بذاتها.* الشيخ: ولكن لها مغزى. ما هو الدليل على أنه ليس له معنى في ذاتها؟* طالب: الدليل أنها دائما يعقبها ذكر القرآن.* الشيخ: الدليل على أنه ليس لها معنى؟* الطالب: أن القرآن بلسان عربي مبين، وهذه الحروف بلسان عربي مبين، ليس لها معنى.* الشيخ: صح، الدليل أن القرآن نزل باللسان العربي المبين، وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية في ذاتها، إذن ليس لها معنى.ما الدليل على أن لها مغزى؟* طالب: أن هذه الحروف يعقبها (...) القرآن.* الشيخ: ذكر القرآن والتحدث عنه.* الطالب: ثاني شيء، يعني: أن هذه الحروف التي أنتم تعرفونها وتتحدثون بها القرآن الكريم مركب منها.* الشيخ: كان منها أحسن من كلمة مركب.* الطالب: كان منها.* الشيخ: نعم.قوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ما معناها؟* طالب: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.* الشيخ: لا معبود بحق، لا معبود حق إلا الله.لماذا لا نقول: إن النفي مسلَّط على ما بعد إلا، يعني: لا إله إلا الله، ما يوجد إله إلا الله؟* الطالب: يوجد آلهة ولكنها باطلة (...) نحصرها بحق.* الشيخ: أحسنت، نعم نقول: لا يمكن أن ننفي الألوهية مطلقًا؛ لأن غير الله قد يسمى إلهًا.ما هو الدليل على إطلاق الإله على غير الله؟* طالب: قوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا
[مريم: ٨١]* الشيخ: نعم، وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
[الإسراء: ٣٩]، فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ
[هود: ١٠١].
﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ ذكرنا أنهما يشتملان على اسم الله الأعظم، فلماذا؟* طالب: لأن لها معنيان، المعنى الزمني بأنه الله لم يسبقه عدم.* الشيخ: لا.* طالب: لأنهما اسمان يتضمنان الصفات الفعلية والذاتية.* الشيخ: صح، الكمال الذاتي والفعلي، ففي الْحَيُّالكمال الذاتي، والْقَيُّومُالكمال الفعلي، نعم؛ لذلك كانا متضمنين لجميع الكمال: الذاتي والفعلي.
﴿الْحَيُّ﴾ تفسيرها؟* طالب: الحي الذي لا يموت ولا (...).* الشيخ: يعني: ذو الحياة الكاملة التي لم تُسبق (...) ولا يلحقها زوال.
﴿الْقَيُّومُ﴾ ؟* طالب: القيوم هو القائم بنفسه، والقائم على نفسه كذلك.* الشيخ: على غيره، القائم بنفسه والقائم على غيره.الدليل على القيام بنفسه؟* طالب: أن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين لا يحتاج إلى أحد.* الشيخ: نعم.* الطالب: أما الدليل على كل ما سواه.* الشيخ: إذن وصف الغنى مثل هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
[لقمان: ٢٦]، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
[التغابن: ٦]، هذا يدل على قيامه بنفسه، قيامه على غيره ما هو الدليل؟* الطالب: أن العباد كلهم فقراء إلى الله سبحانه وتعالى.* الشيخ: ما هو الدليل؟ ما هو التعليل.* الطالب: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ
[فاطر: ١٥].* الشيخ: وغيره، في آية صريحة في الموضوع.* طالب: قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
[الرعد: ٣٣].* الشيخ: صحيح، أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، يعني: كمن لا يقوم بنفسه؟تصريف القيوم في اللغة العربية؟ كيف هو؟* طالب: على وزن فَيْعُول.* الشيخ: على وزن فَيْعُول، وماذا تدل عليه هذه الصيغة؟* الطالب: هو على أنه سبحانه وتعالى.* الشيخ: لا هذه الصيغة؛ لأن أصلها قائم حُوِّلت إلى قيوم، فحُوِّل فاعل إلى فَيْعُول؟* الطالب: (...)* الشيخ: نعم.* طالب: يدل على الكثرة والمبالغة.* الشيخ: على المبالغة، صح.قال الله تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، نَزَّلَالتنزيل يكون من أعلى إلى أسفل، ويكون بالتدريج شيئًا فشيئًا، كما قال الله تعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا
[الإسراء: ١٠٦]، وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ
[الفرقان: ٣٢]، يعني: نزلناه ليس جملة واحدة، فقوله: نَزَّلَيفيد أن هذا القرآن من عند الله، وأنه نزل أيش؟ بالتدريج ليس مرة واحدة، وقوله: عَلَيْكَالضمير يعود على الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد بين الله تعالى في آية أخرى أنه نزل على قلب الرسول ﷺ، ليكون أدل على وعيه لهذا القرآن الذي نزل عليه.وقوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَالكتاب هو هذا القرآن، وهو فِعَال بمعنى مفعول؛ لأنه مكتوب، فهو كتاب؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ
[الواقعة: ٧٧، ٧٨] اللوح المحفوظ، وهو كتاب في الصحف التي بأيدي الملائكة، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ
[عبس: ١٢، ١٣]، وهو كتاب في الصحف التي بأيدينا، فهو مكتوب بأيدينا ونقرأه من هذه الكتب.وقوله: الْكِتَابَ بِالْحَقِّالباء هذه يجوز أن تكون من باب: أنه متلبِّس بالحق، أي: مشتمل على الحق، فهو نازل بحق لا بباطل، ويحتمل أن يكون عائدًا على التنزيل، يعني: أنه نزول حق ليس بباطل، قال الله تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ
[الشعراء: ٢١٠، ٢١١]، بعد قوله: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ
[الشعراء: ١٩٢، ١٩٣]، فيكون بالحق، يعني: أنه نازل عليك نزولًا حقًّا ليس بباطل، فهو ما كُذِب عليه الصلاة والسلام بهذا القرآن، ويحتمل أن يكون نازلًا بأيش؟ بالحق، يعني: مشتملًا عليه ومتلبسًا به، والمعنيان صحيحان لا يتنافيان، والقاعدة: أن النص إذا دل على معنيين صحيحين لا يتنافيان حُمِل عليهما جميعًا.وقوله: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، مُصَدِّقًاحال من الكتاب، ولا يصح أن نجعلها صفة، لماذا؟ لأن مُصَدِّقًانكرة، والْكِتَابَمعرفة، والصفة يجب أن تتبع الموصوف في المعرفة والنكرة، وقوله: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِللذي بين يديه، يعني: من الكتب السابقة.وتصديقه لما بين يديه له وجهان: الوجه الأول: أنه صدقها؛ لأنها أخبرت به فوقع مصدقًّا لها، والثاني مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِأي: حاكمًا عليها بالصدق، فهو مصدق لما سبق من الكتب للوجهين المذكورين؛ لأن الكتب أخبرت به فوقع، وإذا وقع صار تصديقًا لها. الوجه الثاني: أنه حكم بأنها صدق من عند الله عز وجل، فيكون هذا التصديق لما بين يديه يشمل الوجهين جميعًا، فالقرآن شاهد بأن التوراة حق، والإنجيل حق، وأن الزبور حق، وأن صحف إبراهيم حق، وأن الله أنزل على كل رسول كتابًا، كذلك مصدق للكتب التي أخبرت به، فإن الكتب السابقة أخبرت بهذا القرآن أنه سينزل، ووصفت النبي ﷺ الذي ينزل عليه بأوصافه التي كانوا يعرفونه بها كما يعرفون أبناءهم.وقوله: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِأي: لما سبقه؛ لأن الذي بين يديك سابق عليك، أليس كذلك؟ نعم؛ لأنه أمامك، فهو متقدم عليك.
﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ شوف قال: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَوَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، اختلف التعبير، واختلاف التعبير يدل على اختلاف المعنى، فما هو الخلاف في المعنى؟ قال أهل العلم: إن التوراة الإنجيل نزلتا دفعة واحدة بدون تدريج، بخلاف القرآن، فإنه نزل بالتدريج، وهذا من رحمة الله عز وجل على هذه الأمة؛ لأنه إذا نزل بالتدريج صارت أحكامه أيضًا بالتدريج، لكن لو نزل دفعة واحدة لزم الأمة أن تعمل به جميعه بدون تدريج، وهذا من الآصار التي كُتبت على من سبقنا: إذا نزلت عليهم الكتب مرة واحدة أُلزموا بالعمل بها من حين أن تنزل فيما ألفوه وفيما لم يألفوه، بخلاف القرآن الكريم.وقوله: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، التوراة هي الكتاب الذي نزله الله على موسى، والإنجيل هو الذي نزله الله على عيسى عليه الصلاة والسلام، وهذان الاسمان قيل: إنهما غير عربيين، وقيل: بل هما عربيان، ولكن الذي يظهر أنهما ليسا بعربيين، ولكنه إذا نزل القرآن بشيء صار اللفظ الذي نزل به القرآن عربيًّا، بماذا؟ بالتعريب، صار عربيًّا بالتعريب.قال: مِنْ قَبْلُ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ، قبلُ فيها إشكال لغوي؛ لأن المعروف أن من حرف جر، وحرف الجر يجر، تقول: جئتُ من البيتِ إلى المسجدِ، ولا يجوز أن تقول: جئتُ من البيتَ إلى المسجدَ، ولا من البيتُ إلى المسجدُ، ولًّا لا؟ هنا قال: مِنْ قَبْلُفلماذا لم يقل: من قبلِ؟ نقول: لأن قبل وبعد وأخواتهما لها أحوال، إن أضيفت لفظًا، فإنها تكون على حسب العوامل، يعني: تُجَر بحرف الجر، وتُنصب بأداة النصب، وتُرفع بعامل الرفع، ولَّا لا؟ وإذا أضيفت –يعني: تقديرًا- إذا أضيفت تقديرًا صارت مبنية على الضم، يعني: إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه صارت مبينة على الضم، مبنية بناء دائمًا على الضم، مثل هذه الآية: مِنْ قَبْلُأصله: من قبل هذا الكتاب، لكن حذف المضاف إليه ونوي معناه، فبُنيت على الضم، إذا حذف المضاف إليه ونوي لفظه، فإنها تعرب بحسب العوامل لكن بدون تنوين، تعرب بدون تنوين، فتقول مثلًا: من قبلِ، بدون تنوين، إذا حذف المضاف إليه ونوي أيش؟ لفظه، كم هذا من حال؟ ثلاث حالات: إذا قُطعت عنالإضافة لفظًا ومعنًى، فإنها بحسب العوامل مع التنوين، تكون بحسب العوامل مع التنوين، فتقول: من قبلٍ، ومن بعدٍ، ومنه قول الشاعر:
فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا ∗∗∗ أَكَـــــادُ أَغـــــصُّ بِالْمَــــــاءِ الْفُـــــــــــــرَاتِ فقال: كنت قبلًا، نصبها بالتنوين؛ لأنه نوى قطعها عن الإضافة لفظًا ومعنًى، فالأقسام إذن؟* طالب: ثلاثة.* الشيخ: زد واحد؟ ثلاثة، أربعة، نعم، أربعة، الأول؟* الطالب: الأول: إذا أضيف لفظًا.* الشيخ: الثاني؟* الطالب: الثاني: إذا حُذف المضاف ونوي لفظه.* الشيخ: الثالث؟* الطالب: إذا حذف المضاف ولم ينو لا لفظه ولا معناه، الرابع: إذا حذف المضاف ونوي معناه فقط.* الشيخ: صح، كذا، تعرب في كل الأحوال الأربعة إلا حالة واحدة وهي: إذا حذف المضاف إليه ونوي معناه.قال: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ، هُدًىهذه مفعول من أجله متعلقة بنزّل وأنزل، أي: نزّل عليك الكتاب هدًى للناس، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدًى للناس، فهي مفعول من أجله، أي: لأجل هداية الناس، والمراد بالهداية هنا هداية الدلالة التي يترتب عليها هداية التوفيق، لكن الأصل في هذه الكتب أنها هداية دلالة؛ ولهذا قال: هُدًى لِلنَّاسِعمومًا، حتى الكفار تهديهم، تهديهم وتدلهم، تبين لهم الحق من الباطل، لكن قد يوفَّقون لقبول الحق والعمل به، وقد لا يوفقون، والهدى ضد الضلال، واهتدى بمعنى صار على الطريق الصواب، وضل بمعنى انحرف وتاه وضاع، ومنه سُمِّيت الضالة، يعني: البعير الضائع التائه.وقوله: هُدًى لِلنَّاسِ، الناس سبق لنا مرارًا وتكرارًا أن أصلها أُنَاس حذفت همزتها للتخفيف لكثرة الاستعمال، والمراد بالناس البشر وهم بنو آدم.وقوله: وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ، المراد بالفرقان هنا المعنى، وليس المراد به القرآن، فالمراد أنزل ما يَبِين به الفرق بين الحق والباطل، وإنما قلنا ذلك؛ لأننا لو خصصناه بالقرآن لكان في ذلك تكرار مع قوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، وكان فيه فصل لكون التوراة والإنجيل فرقانًا، مع أن التوراة والإنجيل فرقان، لا شك أن فيها تفريقًا بين الحق والباطل، إذن أنزل الفرقان الذي تضمنته هذه الكتب الثلاثة، وهي: القرآن، والتوراة، والإنجيل، ففيها الهدى وفيها الفرقان، فيها التفريق بين الحق والباطل، وفيها التفريق بين أهل الحق وأهل الباطل، جميعًا، ففيها تفريق بين العامل والمعمول، بين الحق في ذاته، يقول: هذا حق وهذا باطل، وبين أهل الحق وأهل الباطل.فيها تفريق بين النافع والضار؟ نعم، فيها تفريق بين النافع والضار. فيها تفريق بين الأنفع والنافع؟ نعم. فيها تفريق بين الأضر والضار؛ لأن كلمة الفرقان كلمة واسعة تشمل كل ما به الفرق من جميع الوجوه.ولما ذكر الله سبحانه وتعالى منته على عباده بإنزال هذه الكتب العظيمة قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، يعني: بعد إنزال هذه الكتب الواضحة الهادية المفرِّقة انقسم الناس إلى قسمين: قسم آمن، وقسم كفر، فذكر الله حكم الكافر، وبذكر حكم الكافر يتبين حكم المؤمن، قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، هذه الجملة مكونة من مبتدأ وخبر، وجملة كبرى وجملة صغرى، ولَّا لا؟ مبتدأ وخبر، وجملة الصغرى وجملة الكبرى، وين المبتدأ والخبر؟ وفيها أيضًا من مبتدأ وخبر منسوخ ومبتدأ وخبر غير منسوخ، والجملة الصغرى والجملة الكبرى؟* طالب: إن حرف توكيد ونصب.* الشيخ: أين الخبر المنسوخ؟* الطالب: الخبر المنسوخ؟* الشيخ: إي نعم، المبتدأ والخبر المنسوخ؟* الطالب: بِآيَاتِ اللَّهِ، بآياتي؟* الشيخ: لا.* الطالب: منسوخ يعني: محذوف؟* الشيخ: لا، منسوخ يعني: دخل عليه ناسخ، والنواسخ ثلاثة: إن، وكان، وظن.* الطالب: عَذَابٌ شَدِيدٌ.* الشيخ: لا.* طالب: جملة لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌجملة (...) خبر إن، جملة ناسخة، منسوخة، إن الذين كفروا لهم عذاب شديد.* الشيخ: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌهذا أيش؟ جملة منسوخة ولَّا غير منسوخة؟ يعني: أجزاؤها، أجزاؤها منسوخة ولَّا غير منسوخة؟* طالب: غير منسوخة (...).* الشيخ: هذه الجملة الاسمية غير المنسوخة؟* طالب: (...)* الشيخ: وجملة لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌهذه جملة منسوخة، أحسنت.أما الإعراب فنقول: إن حرف توكيد ونصب.* الطلبة: لا.* الشيخ: خطأ؟ لأيش؟ نقول: (إن) حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، والَّذِينَاسمها مبني على الفتح في محل النصب، وكَفَرُوافعل وفاعل لا محل له من الإعراب؛ لأنه صلة الموصول، وبِآيَاتِ اللَّهِجار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بأيش؟ بـكَفَرُوا، ولَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، لَهُمْخبر مقدم، وعَذَابٌمبتدأ مؤخر، وشَدِيدٌصفة له، والجملة في محل رفع خبر إن.يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، كَفَرُوايقال: إن أصل الكفر من الستر، ويطلق على الجحد؛ لأن الجاحد ساتر، كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، أي: جحدوا بها وأنكروها، وقلنا: إن الكفر من الستر؛ لأن منه الكُفُرَّى، تعرفون الكفرى؟ الكفرى وعاء الطلع، طلع النخل، أتعرفون طلع النخل؟ نعم، فيه الغلاف يسمى كُفُرَّى، وفي اللغة العامية يسمى كافور، نعم؟ هذا تجدونه يستر الطلع، فالكافر في الحقيقة ساتر، أي: جاحد للحق مخفٍ له.وقوله: كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، آيات جمع آية، وهي العلامات الدالة على الله عز وجل على وجوده، وعلى كماله الذاتي، وكماله الفعلي، وهي –أي: الآيات- نوعان: آيات كونية، ومنها: السماوات، والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، والإنسان، واختلاف اللغات، واختلاف الألوان، والنوم، واليقظة، وأشياء كثيرة، هذه آيات كونية، آيات شرعية، وهي: الوحي المنزل على الرسل، فإذا قيل: ما وجه ذلك؟ قلنا: أما الآيات الكونية فوجه كونها آية: أنه لا يستطيع أحد أن يفعل مثل فعل الله عز وجل أبدًا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِكل الذين تدعون من دون الله، لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: ٧٣]، لا يخلقون ذبابًا، وهل يخلقون جملًا؟ لا، من باب أولى، فهم لا يخلقون ذبابًا، ولا جملًا، ولا بعوضًا، ولا غير ذلك، لا يستطيعون أن يخلقوا هذا أبدًا، هل يستطيع أحد أن يذهب بالنهار إذا جاء؟ هل يستطيع أحد أن يأتي بالليل إذا جاء النهار؟ أبدًا، إلا الله عز وجل، إذن فهذه الآيات الكونية من آيات الله عز وجل؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها. الآيات الشرعية هي أيضًا من آيات الله، وجه ذلك: أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثل شرع الله في هداية الخلق وإصلاحهم أبدًا، لو اجتمع جميع مفكري العالم ليأتوا بدستور يُصلح الخلق كما يصلحه ما جاء في الوحي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨].لكن يا إخواني الآيات الكونية قد يعقلها كثير من الناس؛ لأنها آيات محسوسة مشهودة، حتى الكافر تقول له: تستطيع تخلق الذباب؟ يقول: ما أستطيع، أما الآيات الشرعية فليس كل أحد يدركها، قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (٨) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [المطففين: ٧ - ١٣] لا يتبين له أنها آيات -والعياذ بالله- لماذا؟ قال الله تعالى مكذِّبا لقوله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: ١٤]، فالإنسان إذا اجتمعت الذنوب على قلبه، نسأل الله أن يطهرنا وإياكم منها، إذا اجتمعت الذنوب على قلبه صار لا يرى الحق حقا ولا الباطل باطلا، عمي -والعياذ بالله- يُتلى عليه القرآن فيقول: هذه أساطير الأولين ليس كلام رب العالمين؛ ولهذا نقول: الآيات الشرعية هي اللي فيها الامتحان والابتلاء، ومن ثم لمينكر أحد الربوبية، ربوبية الله، كل يقر بأن الله رب العالمين وأنه هو الذي خلق السماوات والأرض، لكن الآيات الشرعية أُنْكِرت ولَّا لا؟ نعم، قريش إذا سئلوا مَن خلق السماوات والأرض قالوا: الله، لكن قالوا في القرآن: إنه كهانة، وشعر، وسحر، وما أشبه ذلك. المهم أن قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِيشمل الآيات الكونية والشرعية، وبينّا وجه كون كل منها آية.يقول: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، عَذَابٌ شَدِيدٌ، والعذاب هنا بمعنى العقوبة، والشديد: القوي، يعني: عقوبة قوية والعياذ بالله، وقد ذكر الله تعالى في القرآن، وذكر نبي الله ﷺ في السنة أصنافًا وأنواعًا من هذا العذاب تقشعر منه الجلود وتوجل منه القلوب، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف: ٢٩]، إِنْ يَسْتَغِيثُوا-ولا يستغيثون إلا لشدة الحر والظمأ- إذا استُغِيثوا يؤتون بماء يشوي الوجوه، إذا أقبلوا به إلى أفواههم ليشربوه شوى وجوههم -والعياذ بالله- قال الله تعالى: بِئْسَ الشَّرَابُ، هذا شرابهم، وقال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان: ٤٣ - ٤٦]، هذا طعامهم، لباسهم: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ [إبراهيم: ٥٠]، مقرهم وهواؤهم: يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت: ٥٥]، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: ٥٦]. والسنة مملوءة بذكر أصناف العقاب الذي يعاقَب به هؤلاء، فهو عذاب شديد، لأهله الصراخ والعويل، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر: ٣٧]، فيُقال لهم توبيخا: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر: ٣٧]، هذه يا إخواني حقائق، حقائق نحن -إن شاء الله تعالى- في الإيمان بها كأنها مشاهدة عندنا، بل أعظم؛ ولهذا قال: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ.﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ ، عَزِيزٌمن العزة، وهي ثلاثة أصناف: عزة القَدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، عزة القدر بمعنى: أن الله تعالى ذو قدر شريف عظيم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «السَّيِّدُ اللَّهُ» ، هذه عزة القدر.عزة القهر: أنه قاهر لكل شيء لا يُغلب، بل هو الغالب، قال الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: ١٨]، وقال الشاعر الجاهلي:؎أَيْــــنَ الْمَفَــــرُّ وَالْإِلَــــــهُ الطَّالِــــــــــبُ ∗∗∗ وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ فالله سبحانه وتعالى غالب على كل شيء.عزة الامتناع، أي: أنه عز وجل يمتنع أن يناله سوء أو نقص، ومن هذا المعنى قولهم: هذه أرض عَزَاز، أي: صلبة قوية ما تؤثر فيها المعاول، ونحن نقول في لغتنا: عزا، يعني: شديدة صلبة، إذن فمعنى عَزِيزٌأي: ذو العزة، والعزة كم قسمًا؟ ثلاثة أقسام: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع؛ ولهذا الذي يفسر العزيز بالغالب فقط نقول: إن تفسيره قاصر، بل هو يشمل المعاني الثلاثة.وقوله: ذُو انْتِقَامٍأي: صاحب انتقام، والانتقام أَخْذ المجرم بإجرامه، تقول: انتقمت من زيد، يعني: أخذت بحقي منه، فأخذ المجرم بإجرامه يسمى انتقامًا، كما قال الله تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: ٢٢]، وهنا قال: ذُو انْتِقَامٍ، ولم يقل: ذو الانتقام، وفي الرحمة قال: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف: ٥٨]، ولم يقل: ذو رحمة، وإن كان قال في آية أخرى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ [الرعد: ٦]؛ لأن الانتقام ليس من أوصاف الله المطلقة، وليس من أسماء الله المنتقم، وليس من أوصاف الله المطلقة الانتقام، بل المنتقم لا يوصف الله به إلا مقيدًا، فيقال: المنتقم من المجرمين، كما قال تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ، أما ذُو انْتِقَامٍفهي لا تعطي الانتقام المطلق؛ لأن انتقام نكرة فلا تعطي المعنى على الإطلاق، يعني: له انتقام، انتقام ممن؟ مقيد ولَّا مطلق؟ مقيد، انتقام من المجرمين، انتبه، وبهذا نعرف أن الأسماء المسرودة في الحديث الذي رواه الترمذي لا تصح عن النبي ﷺ، لأنه ذُكِر فيها من أسماء الله المنتقم، وهذا لا يصح، وحُذف من أسماء الله ما ثبتت به الأحاديث فلم يذكر فيها مثل: الشافي، والرب، الرب أيضًا حُذف منها، فالمهم أن الله قال: ذُو انْتِقَامٍولم يقل: ذو الانتقام، ولم يصف نفسه بالمنتقم إلا مقيدًا.* طالب: قوله: مَا بَيْنَ يَدَيْهِما يشمل ما يتقدم، يعني: الذي أمامه والذي خلفه؟ يعني: إذا أخبر القرآن بخبر ثم وقع هذا الخبر يكون القرآن مصدقًّا لهذا الخبر؟* الشيخ: بس المراد: بما يديه من الكتاب، كما قال تعالى في سورة المائدة: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة: ٤٨]، ولا كتاب بعده.* الطالب: (...) أشياء وقعت؟* الشيخ: إي صحيح، لكن ما هو مصدق لما بين يديه؛ لأنه كيف يصدق ما بين يديه؟ يعني في المستقبل، التصديق عن شيء مضى، لو قال: صادقًا فيما بين يديه صح، أن يخبر بصدق لما يُستقبل، فآية المائدة تقيد هذا، وأيضًا المعنى ما يستقيم.* طالب: شيخ أحسن الله إليكم، الفرق بين الكفر والشرك؟* الشيخ: الفرق بينهما أن نقول: كل شرك كفر، وليس كل كفر شركًا.* الطالب: كل شرك كفر؟* الشيخ: نعم، وليس كل كفر شركًا، نعم.* الطالب: (...).* الشيخ: الذي يعبد الصنم مشرك وهو كافر أيضًا، والذي يجحد ما يجب الإيمان به كافر وليس بمشرك.* طالب: شيخ مِنْ قَبْلُأتينا بالإعراب ولم نأت بالتفسير.* الشيخ: ولم يأت؟* الطالب: التفسير.* الشيخ: القبل كل ما تقدم فهو قبل.* الطالب: من قبل هذا الكتاب.* الشيخ: مِنْ قَبْلُ: من قبل هذا الكتاب، بالنسبة للآية هذه: من قبل هذا الكتاب.* طالب: (...) ذكرنا فيه اسم موسى وعيسى أنهما اسمان أعجميان وإذا ذُكرا في القرآن فهما عربيان.* الشيخ: مُعَرَّبان.* الطالب: معربان نعم، التوراة والإنجيل.* الشيخ: التوراة والإنجيل.* الطالب: موسى وعيسى؟* الشيخ: لا، موسى وعيسى اسمان أعجميان.* الطالب: إي نعم، وإذا ذُكِرا في القرآن؟* الشيخ: فهما معربان، كل اسم أعجمي إذا ذكر في القرآن (...)* الطالب: لكن ما ذكره أهل الأصول في بحث هل في القرآن لفظ غير عربي مثلوا ذلك بإستبرق، وغيرها من الأمور.* الشيخ: يعني: في الأصل، فهو معرَّب وليس أصله عربيًّا؛ لأنك لو تقول: إنه عجمي حتى بعد نزول القرآن به ما صار القرآن بلسان عربي.* الطالب: لكن هل يضره وجود كلمة غير عربية؟* الشيخ: وهل يضر أن نقول: إن العرب لما عرَّبوها ونطقوا بها وأجروها على ألسنتهم صارت عربية بالتعريب؟
* * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
[آل عمران: ٥ - ٧].* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الظاهر أننا لم نناقش ولم نأخذ فوائد.قال الله تبارك وتعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَلماذا قال في القرآن: نَزَّلَ، وفي التوراة والإنجيل: أَنْزَلَ؟* طالب: لأن القرآن نزل بالتدريج، ما نزل جملة واحدة؛ لذلك قال في القرآن: نَزَّلَ، وقال في الإنجيل والتوراة: أَنْزَلَ؛ لأن الإنجيل والتوراة نزلتا جملة واحدة.* الشيخ: أحسنت.قوله: بِالْحَقِّ؟ معنى بالحق؟* طالب: معنى بالحق أي: نزّله، ما أدري.* طالب: إن الباء لها معنيين، تحتمل وجهين: أولًا: تحتمل الاشتمال، أي: أن النزول كان بالحق ولم يكن بالباطل.* الشيخ: يعني: أن ما جاء به فهو حق، صِدق في الأخبار وعدل في الأحكام.* الطالب: والوجه الآخر: أن نفس النزول نزولًا كان بالحق.* الشيخ: كان حقًّا ولم يكن كذبًا، كذا؟ صح، يعني: هو حق نازل من عند الله، وما جاء به واشتمل عليه فهو حق أيضًا.قوله: هُدًى لِلنَّاسِوأيش إعراب هُدًى؟* طالب: (...).* الشيخ: أي لأجل هداية الناس.قوله: وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ، ما المراد بها؟* طالب: الفرقثان هو ما يفرق به بين الحق والباطل.* الشيخ: لكن المراد به القرآن أو غيره؟* الطالب: جميع الكتب.* الشيخ: كل الكتب، إذن فالفرقان هنا وصف وليس شخصًا عينًا، نعم.قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، ما مناسبتها لما قبلها؟* طالب: بعدما ذكر الفرقان، والفرقان يميز به الباطل والحق وبين الكفر والإيمان، ثم فصل الذين كفروا والذين آمنوا.* الشيخ: يعني: لما ذكر أن هذه الكتب هدًى وفرقان ذكر انقسام الناس إلى كفر وإيمان، فذكر حكم الكافرين.قوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، العزيز؟* طالب: العزيز الغالب.* الشيخ: فقط؟* الطالب: (...)* الشيخ: العزيز ذو العزة، والعزة؟* الطالب: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع.* الشيخ: نعم، معنى عزة القدر؟* طالب: (...) قدرة؟* الشيخ: أو ما معنى القدر، عزة القدر؟* الطالب: ذو قدر عظيم.* الشيخ: يعني: ذو قدر عظيم، والقدر يعني: الشرف والسؤدد وما أشبه ذلك.عزة القهر؟* طالب: أنه سبحانه وتعالى هو القاهر فوق عباده.* الشيخ: قاهر لا يغلب، بل هو الغالب.الثالثة: عزة الامتناع؟* طالب: أنه يمتنع عليه كل وصف لا يليق بجلاله.* الشيخ: أنه يمتنع عليه كل عيب ونقص.قوله: ذُو انْتِقَامٍمعناها؟* طالب: (...)* الشيخ: نعم؟* طالب: أي صاحب انتقام.* الشيخ: أي صاحب انتقام، هل هذا يدل على أن الانتقام لله وصف مطلق؟* طالب: لا، وإنما مقيد.* الشيخ: أنه ذو انتقام في محله؛ ولهذا جاءت نكرة، قال: ذُو انْتِقَامٍ.انتقام ممن؟* الطالب: من المجرمين.* الشيخ: من المجرمين، أحسنت. نرجع الآن إلى الفوائد.* من فوائد الآيات الكريمة السابقة، أولًا: إثبات ألوهية الله عز وجل؛ لقوله: اللَّهُ، والثاني: انفراده بهذه الألوهية في قوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.* ومن فوائد الآية: إثبات اسمين من أسماء الله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وقد ورد أنهما اسم الله الأعظم ، لاشتمالهما على كمال الذات والصفات والأفعال، كذا؟* ومن فوائد الآية: إثبات حياته وقيوميته، من أين تؤخذ؟* طالب: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.* الشيخ: بس هذه الحي القيوم، ونحن قلنا: إثبات حياته وقيوميته؟* الطالب: الحي معرف عامة.* الشيخ: كل اسم فإنه متضمن للصفة، كذا؟ وقد يتضمن أمرًا زائدًا وهو الحكم الذي يسمى الأثر، أليس كذلك؟* من فوائد الآية الكريمة: أن كل شيء مفتقِر إلى الله، وأن الله غني عما سواه، وجه ذلك: لأن كمال حياته يستلزم غناه عن كل أحد، وكمال قيوميته يستلزم افتقار كل شيء إليه، وهو كذلك، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ
[الروم: ٢٥]، وقال تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.أما الآية التي بعدها فمن فوائدها: إثبات علو الله؛ لقوله: نَزَّلَوأَنْزَلَ، والنزول لا يكون إلا من أعلى.* ومن فوائدها: أن القرآن الكريم منزَّل؛ لقوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ، وهل كونه منزَّلًا يستلزم أن لا يكون مخلوقًا؟ لا، مجرد كونه منزَّلًا لا يستلزم أن لا يكون مخلوقًا؛ لأن الله قد ينزِّل المخلوق، وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا
[ق: ٩]، والماء مخلوق، أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
[الرعد: ١٧]، والماء مخلوق، لكن بالنظر لكون القرآن كلامًا يستلزم أن لا يكون مخلوقًا؛ لأن الكلام صفة المتكلم، وصفة الخالق غير مخلوقة، إذن فيؤخذ كون القرآن غير مخلوق أنه نزل من عند الله وهو كلام، والكلام صفة المتكلم، والصفة تابعة للموصوف.ومن فوائد الآية الكريمة: فضل رسول الله ﷺ وميزته؛ لقوله: عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ.ولكن قد يرِد علينا: أن الله سبحانه وتعالى قد يضيف الإنزال إلى الناس، كما قال تعالى في سورة آل عمران: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
[آل عمران: ٨٤]، وفي آية البقرة: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
[البقرة: ١٣٦]، فالجواب أن نقول: هو أُنزِل إلى الرسول مباشرة، وإلينا بواسطة، بواسطة الرسول ﷺ، هو الذي بلّغه إلينا، ومعلوم أن الأصل أشرف من الفرع.ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا الكتاب الذي أنزله الله على محمد ﷺ مشتمل على الحق؛ لقوله: بِالْحَقِّ، فقد جاء بالحق ونزل به، قال الله تعالى: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ
[الإسراء: ١٠٥].فما نوع الحق الذي نزل به القرآن؟ نقول: ما في القرآن إما أخبار وإما أحكام، فالحق في الأخبار الصدق، والحق في الأحكام العدل، كما قال الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا
[الأنعام: ١١٥]، إذن نقول: القرآن كل ما فيه من الأخبار فهو صدق، وكل ما فيه من الأحكام فهو عدل.هل يشمل ذلك: أن هذه الأخبار وهذه الأحكام نافعة مُصلِحة للخلق؟ الجواب: نعم، قال الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ
[يوسف: ٣]، وقال: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
[يوسف: ١١١]، فكل ما فيه من الخبر فهو نافع، وكل ما فيه من حكم فهو أيضًا نافع متضمن للمصالح ودفع المفاسد.* ومن فوائد الآية الكريمة : أن القرآن نفسه حق، من أين يؤخذ؟ من قوله: بِالْحَقِّ، يعني: أنه نزل نزولًا بحق ليس نزولًا كذبًا باطلًا.* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة القرآن؛ لوصفه بالحق نزولًا وتضمنًا؛ ولوصفه بالتصديق لما بين يديه، أنه مصدق لما بين يديه من كل الكتب؛ لقوله: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ.* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن هذا القرآن قد أخبرت عنه الكتب السابقة، من قوله: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لأنه أحد الوجهين في كلمة مصدق.* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التعبير بما يخالف الظاهر إذا دل عليه السياق، في قوله: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ إذ قد يقول قائل: ليس للقرآن يد، فكيف يصح أن يقول: لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؟ نقول: صحيح أن القرآن ليس له يد، ونحن لا نقول: إن لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِأن القرآن له أيدي، أو له يدان، وأنه صدّق ما بين يديه، لكن نقول: إن الكلمة إذا دلت على معناها في سياقها وإن كان يخالف أصل الوضع، وقد سبق أن المراد لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ: ما سبقه، ما سبقه من الكتب.* من فوائد الآية الكريمة: أن التوراة النازلة على موسى، والإنجيل النازل على عيسى عليهما الصلاة والسلام حق؛ لقوله: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.* ومن فوائد الآية: الإشارة إلى أن التوراة والإنجيل قد نُسِخا بالقرآن، (...) هل يمكن أن نقول: مِنْ قَبْلُتشير إلى أن هذين الكتابين قد مضى عهدهما وانقضى؟ على كل حال في المسألة ثقل، أو في الاستدلال بهذا على ما قلناه ثقل، يعني: أننا لا نجزم بذلك، لكن لنا دليل من غير هذه الآية، وهو ما في سورة المائدة، حيث قال الله تعالى: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
[المائدة: ٤٨].* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله عز وجل بعباده، وعنايته بهم، حيث كان ينزل الكتب على رسله هدًى للناس، أليس كذلك؟* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحكمة لله تعالى في أحكامه الشرعية كما تثبت في أحكامه الكونية؛ لقوله: هُدًى لِلنَّاسِ؛ لأننا ذكرنا أن هُدًىهذه مفعول لأجله، أي: من أجل ذلك، ففيها إثبات الحكمة لله، وهو كذلك، ومن أسماء الله تعالى: الحكيم، وهو ذو الحكمة، والحكمة هي إصابة الصواب، وإن شئت فقل: وضع الشيء في موضعه، وإن شئت فقل: إتقان الشيء وإحكامه، والتعبيرات كلها تنصب إلى أن فعل الله عز وجل، أو إلى أن حكم الله الكوني والشرعي كله مشتمل الحكمة.فإن قال قائل: إذا أثبت لله حكمة ووقع من أفعال الله أو من شرع الله ما لا نعلم له حكمة، أو ما نظن أن الحكمة في خلافه، فما هو الجواب؟ فالجواب: أننا إذا ظننا أن هذا ليس له حكمة، فليس ذلك إلا لقصور فهمنا، عجزنا عن إدراك الحكمة، وإذا ظننا أنه على خلاف الحكمة، فما ذاك إلا لسوء فهمنا، فالذي يظن أنه ليس له حكمة قاصر الفهم، والذي يظن أنه على خلاف الحكمة سيئ الفهم، أما سليم الفهم والذي يعطيه الله تعالى فهمًا، فستتبين له الحكمة، ومع ذلك لا يمكن أن ندرك كل وجوه الحكمة، أبدًا؛ لأن حكمة الله عز وجل لا تدرَك غايتها، والإنسان بشر ناقص، وكم من أشياء أو كم من أحكام شرعية تظن أن حكمتها كذا وكذا، ثم يتبين لك أن لها حكمًا أخرى، أو ربما يتبين لك أنه ليس هذه هي الحكمة، بل الحكمة شيء آخر، إنما يجب عليك أن تؤمن بأنه ما من حكم لله كوني أو شرعي إلا وله حكمة.فإن قلت: يلزم على قولك هذا أن تذهب مذهب المعتزلة في وجوب الصلاح أو وجوب الأصلح، يعني: إذا تعارض فعلان أحدهما أصلح من الآخر، فهل يجب على الله أن يفعل الأصلح؟ إن قلت: لا، منعت الحكمة، وإن قلت: نعم، ففيه إشكال.فيقال: أولًا: قد تظن أن هذا هو الأصلح وليس الأصلح، ولنضرب لهذا مثلًا: نحن نظن أن الأصلح نزول الغيث، وخصب الأرض، أليس كذلك؟ فإذا امتنع المطر وأجدبت الأرض، فقد يكون هذا هو المصلحة، أليس كذلك؟ ونحن لا نفهم، إذن لا يمكن أن نقول: يجب على الله كذا؛ لأنه الأصلح، إذ قد يكون ما قلنا: إنه الأصلح، هو الأفسد، أليس هكذا؟ثانيًا: إذا تحققنا أنه الأصلح، فإنه يجب بمقتضى الحكمة لا بمقتضى العقل، فنحن لا نوجب على الله بعقولنا، والعقل لا يوجب على الله شيئًا؛ لأنه مخلوق ناقص، فلا يوجب على الكامل الأزلي الأبدي شيئًا، فإذا وجب فعل الأصلح، فإنما الذي أوجبه على نفسه، مَن؟ الله، قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
[الأنعام: ٥٤]، كتب عليه هو الذي أوجب، وقال: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى
[الليل: ١٢]، فأوجب على نفسه أن يهدي الناس ويدلهم، كذا؟ إذن نحن نقول: إذا ثبت أن هذا هو الأصلح، فقد وجب على الله بمقتضى حكمته وإيجابه على نفسه لا بمقتضى عقولنا وإيجابنا عليه، وبهذا ننفك عن قول المعتزلة الذين يرون أن العقل هو الذي يوجب الشيء، أو الذي يمنع الشيء، أو الذي يقبِّح الشيء، أو الذي يحسِّن الشيء، واضح؟من ذلك مثلًا: البيان للخلق، بيان الشرائع للخلق وما يجب عليهم نحو ربهم، وما يجب عليهم نحو عباد الله، هذا واجب على الله ولَّا لا؟ نعم واجب على الله بمقتضى الحكمة، إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى، عَلَيْنَاوعلى تفيد أيش؟ تفيد الوجوب.* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هداية القرآن نوعان: عامة، وخاصة، فالعامة مثل هذه الآية: هُدًى لِلنَّاسِ، والخاصة مثل قوله: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
[البقرة: ٢]، فما هو الفرق؟ الفرق: أن الهداية التي بمعنى الدلالة عامة، والهداية التي بمعنى التوفيق والاهتداء هذه خاصة، خاصة بالمتقين، فالهداية التي تتضمن الاهتداء هذه للمتقين، وأما التي تتضمن البيان والإيضاح فهذه للناس عامة؛ لقول الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
[النساء: ١٦٥].* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكتب كلها فرقان، تتضمن الفرق بين الحق والباطل، وبين الصدق والكذب، وبين المؤمن والكافر، وبين الضار والنافع، كل ما يمكن أن يكون فيه الفرق، فإن الكتب تفرقه.* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يمتنع أن تجمع الكتب السماوية بين متفرقين، أو أن تفرق بين متماثلين أبدًا؛ لأن الفرقان هو الذي يفرق بين شيئين مختلفين، أما شيئان لا يختلفان فلا تفريق بينهما.ومن هنا يمكن أن نأخذ –يعني: يتفرع على هذه الفائدة- إثبات القياس؛ لأن القياس إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، فهو جمع بين متماثلين، وعدم الأخذ بالقياس تفريق بين متماثلين، والكتب السماوية كلها فرقان.* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما اهتدى الإنسان للفروق كان أعظم اهتداء بالكتب المنزلة من الله، كذا؟ كلما اهتدى للفروق كان أعظم اهتداء للكتب المنزلة من السماء؛ لأن الكتب كلها فرقان، فمثلًا: إذا كان الإنسان يفرق بين الشرك الأصغر والأكبر، وبين النفاق الاعتقادي والعملي، وبين الكفر الأكبر والأصغر، وبين أشياء الحلال والحرام، كان أشد اهتداء بالكتب، ممن؟ ممن لا يفرق، أليس كذلك؟ربما يؤخذ من هذا أيضًا الإشارة إلى أنه ينبغي الاعتناء بمعرفة الفروق، بمعرفة الفروق بين الأشياء المتشابهة، وهذا فن أخذ به بعض أهل العلم، ولا سيما في كتب الفقه
كما يؤخذ من هذا أيضًا: الإشارة إلى أنه ينبغي الاعتناء لمعرفة الفروق بين الأشياء المتشابهة، وهذا شيء، أو هذا فن أخذ به بعض أهل العلم، ولا سيما في كتب الفقه، مثلًا يقول: أنا أذكر الفروق بين البيع والإجارة، بين الإجارة والجِعالة، بين الرهن والضمان، بين الضمان والكفالة، بين الفرض والتطوع، وهذه من فنون العلم الشريفة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، كذلك في العقائد والتوحيد يفرق بين الشرك الأكبر والأصغر؛ رجل حلف بغير الله نقول: هو مشرك، ورجل عبد صنمًا نقول: هو مشرك، لكن بينهما فرق عظيم، العابد للصنم شركه أكبر، والحالف بغير الله شركه أصغر، إلا أن ينضاف إلى حلفه بغير الله جعله المحلوف عليه كالله تعالى في التعظيم، فحينئذٍ يكون شركًا أكبر لا من حيث القسم، ولكن من حيث إنه جعل رتبة المحلوف به كرتبة الخالق.
* من فوائد الآية الكريمة: بيان عقوبة الكفار، وهو العذاب الشديد، وذكر عقوبة الكافر يستلزم التحذير من الكفر، فيكون في هذا فائدة متفرعة عن الأولى: التحذير من الكفر، كذا؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الناس ينقسمون إلى قسمين: كافر له العذاب الشديد، ومؤمن له الثواب الجزيل؛ لأنه إذا ذُكر عقوبة الضد فإن ضده يثبت له ضد تلك العقوبة، ولهذا لما قال رسول الله ﷺ: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» »(١). وقد يكون هذا من جملة الفرقان الذي يحصل، حيث نفرق بين الكفار وبين المؤمنين، فكما اختلفوا وتفرقوا في أعمالهم فإنه يلزم أن يفترقوا في ثواب تلك الأعمال.
* طالب: يا شيخ، مثلًا الأشياء التعبدية؟ يعني (...) نعلم أن الله له فيها حكمة، ولكن نحن ما ندري ما الحكمة.
* الشيخ: إي نعم، هذا لقصور أفهامنا، يعني مثلًا كون الصلاة أربعًا، وأربعًا، وثلاثًا، وثنتين، لم تكن ستًّا أو ثمانيًا أو ما أشبه، ذلك صحيح، هذه العقل ما له فيه مجال، ولا يمكن، لكن لا نقول: إنه ليس فيه حكمة، لا بد من حكمة لكن غير معلومة لنا.
* الطالب: إيه، لكن كل من وُفّق يعني يعلم الحكم، ولكن كثير من العلماء ومن الناس ما يعرف حكمة هذه؛ لأنها تعبدية.
* الشيخ: نادر، يعني نادر الأشياء اللي ما تبلغه عقول كل الناس، هذا نادر.
* الطالب: مثلًا الوضوء ومسح الرأس ما نعلم له حِكمة؟
* الشيخ: لا، نعلم له حكمة، كيف؟! له حِكمة ظاهرة.
* الطالب: وأيش الحكمة؟
* الشيخ: لأن غسل الرأس يُؤذي.
* الطالب: لا، المسح.
* الشيخ: أقول: لأن غسل الرأس يؤذي، لو غسل الإنسان رأسه وفيه الشعر، ولا سيما في أيام الشتاء يتأذى كثيرًا، ثم لو غسل أيضًا، الرأس عالٍ على كل شيء بيتناثر الماء على كل بدنه وثيابه.
* الطالب: ما يستفيد يعني؟
* الشيخ: من اللي ما يستفيد؟
* الطالب: ها الإنسان.
* الشيخ: المسح؟
* الطالب: من المسح.
* الشيخ: لا، يستفيد تعبد لله.
* الطالب: إيه، صح، تعبُّد.
* الشيخ: إذن هو تطهير، وليس الغرض أيضًا من الوضوء مجرد التطهير الحسي؛ لأنك تغسل يديك مثلًا بعد الطعام غسلًا بالصابون، ثم إذا أردت تتوضأ تغسلها ثلاثًا مع أنك الآن غسلتها.
* طالب: شيخ، أنزل القرآن أحيانًا يأتي التعبير مثلًا بـ ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [البقرة ٩٩]، وأحيانًا يعني ﴿أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ﴾ [النحل ٦٤] يعني: أنزل ونزَّل، إليك وعليك، ما الفرق؟
* الشيخ: إيه، هو للتنوع مثلًا: ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [النساء ١٠٥]، ﴿أَنْزَلْنَا﴾ باعتبار آخر نزول؛ يعني نزوله جملة، أنزله كله؛ يعني إن كان هذا آخر ما نزل فواضح أنه تم القرآن كله، إذا كان ما هو آخر ما نزل فباعتبار أنه سيكمُل؛ لأنه إذا كمل كله صار كأنه نازل جملة واحدة؛ لأن جملة الآن كلها نزلت، وأما ﴿إِلَيْكَ﴾ فهي تفيد الغاية، يعني أن نهاية الإنزال إلى الرسول، وأما ﴿عَلَيْكَ﴾ فهي تفيد العلو والاستقرار، ولهذا قال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء ١٩٣، ١٩٤] وهي أبلغ من إليك؛ لأنها إذا وصلت حتى استقرت في القلب صارت أبلغ.
* طالب: أقول: المسلم الذي لا يمكنه، يعني ما وصل عِلمه إلى أن يفرق بين الحكمة من حِكم رب العالمين، أليس الأحوط له أن يؤمن بأن كل ما فعله رب العالمين فهو -يعني- حكمة؟
* الشيخ: هذا واجب، أن نؤمن بأن كل ما فعله -يعني- أو شرعه فهو لحكمة، لكن أحيانًا نفهمها وأحيانًا ما نفهمها، والمؤمن هو الذي يُسلِّم للأحكام الشرعية سواء علم الحكمة أم لا، أما الذي لا يؤمن إلا إذا علم الحكمة معناه ما آمن إلا بعقله، لم يؤمن بالشرع.
* طالب: يا شيخ، الحلف بغير الله، واحد حلف بغير الله بسبق اللسان يكون شرك أصغر؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: واحد حلف بغير الله، لكن بسبق اللسان ما قصده، تعود؟
* الشيخ: لا، ليس عليه شيء ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة ٢٢٥]، و﴿بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة ٨٩]، ولكن يجب أن يُنزّه لسانه عن القول المحرم، لما يبتغي يبتدئ يقول: والنبي، وقال له: لا تحلف بالنبي فإنه شرك. فيقول: والنبي لا أحلف بالنبي، هذا ما هو صحيح.
* طالب: شيخ، هل التوراة والإنجيل من كلام الله؟
* الشيخ: المعروف عند السلف أنها من كلام الله، لكن ما أذكر حتى الآن وصفهما بأنهما من كتاب الله، إنما وصفهما الله بأنها منزَّلة، وأنها كتب، أما كلام الله في هذا ما فيه إلا القرآن هو اللي صريح.
* الطالب: شيخ، بالنسبة لبعض الشباب، بالنسبة للحديث، يبحث عن حكمة لها فلا يجد، ولا أحد من السلف ما تكلم في حكمة فيها، فيقول: أنا لا أعمل بها؛ لأنه لا يوجد فيها حكمة.
* الشيخ: أعوذ بالله.
* الطالب: ماذا يعني؟
* الشيخ: هذا لا يجوز، هذا يُخشى أن يكون كافرًا، إذا كان لا يؤمن إلا بما اختاره عقله فهو لم يؤمن بالشرع.
* الطالب: لا، يقول: يعني حتى السلف العلماء والأئمة لم يجدوا لها حكمة.
* الشيخ: ما هو لازم أن يجدوا لها حكمة، الله عز وجل يقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥] والإنسان يجب أن يتعبد لله، ما هو لنفسه.
* الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، قولكم: إنه اختلف السلف في التوراة والإنجيل، هل هي كلام الله أوْ لا، أقول: ألا يلزم شخص؟
* الشيخ: لا، ما قلت السلف.
* الطالب: يعني مذهب السلف.
* الشيخ: قلت: إن السلف قالوا: إنها كلام الله غير مخلوق.
* الطالب: نعم، جزاك الله خيرًا، لكن أقول: يا شيخ، ألا يلزم من كونها مُنزَّلة أن تكون من كلام الله؟
* الشيخ: الله أعلم؛ لأن الله يقول: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥] وجاء في الحديث: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ(٢). فأنا أتوقف في هذا، لكن السلف كلامهم واضح، يقولون: إن التوراة والإنجيل من كلام الله، والزبور، لكن لا شك أنها منزلة من الله، هذا يجب الإيمان به، يكفي نؤمن بأنها نازلة من الله.
* * * * طالب: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم،
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران ٥ - ٧].
* الشيخ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾.
قال الله تعالى:
﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران ٤] سبق لنا أن العزة ثلاثة أقسام، فيستفاد من هذه الآية الكريمة إثبات اسم من أسماء الله فهو العزيز بالمعاني الثلاثة السابقة.
* ومن فوائد الآية: أن الله تعالى موصوف بالانتقام؛ لقوله: ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾، ولكنه ليس على سبيل الإطلاق، بل هو منتقم ممن يستحق ذلك، وهم المجرمون، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة ٢٢]، ولهذا لم يرد من أسماء الله المنتقم على سبيل الإطلاق، وإنما الذي ورد مقيدًا ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾، أو ورد صفة منكَّرة، مثل: ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾، أي صاحب انتقام، وهذا لا يؤدي إلى، أو لا يدل على الوصف المطلق أنه موصوف بالمنتقِم؛ لأن الانتقام يكون مدحًا في موضعه، وأما في غير موضعه فلا يكون مدحًا، فإذا كان الانتقام تقتضيه الحكمة صار ممدوحًا وإلا فلا.طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء ١، ٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾.هذه السورة هي سورة النساء وهي مدنية، والمدني عند الجمهور ما نزل بعد الهجرة، والمكي ما نزل قبل الهجرة، فالمدني ما نزل بعد الهجرة ولو في غير المدينة، والمكي ما نزل قبل الهجرة ولو في غير مكة، وعلى هذا فالمدار في تعيين المكي والمدني إلى الزمن لا إلى المكان.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله ضوابط للمكي والمدني وذكروا مميزات للمكي والمدني معروفة في علم أصول التفسير، من ذلك أن الغالب في الآيات المكية الغالب فيها القصر والقوة، قوة الأسلوب، وموضوعها في الغالب التوحيد وما يتعلق به.
(١) أخرجه مسلم (١٠٠٦ / ٥٣) من حديث أبي ذر.
(٢) أخرجه عبد الله في السنة (٥٧٦) عن زيد بن أسلم موقوف عليه، وفي صحيح مسلم (٢٦٥٢ / ١٥): «فَبِكَم وجَدْتَ الله كَتَبَ التَّوَراةَ قبلَ أنْ أخْلقَ؟». في حِجَاج آدم وموسى من حديث أبي هريرة.